الرباط- أثار نص قانوني يُجرّم التشكيك في نزاهة وصدقية الانتخابات جدلا في الأوساط الحقوقية والسياسية بالمغرب.

وكان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قدّم -الأسبوع الماضي- إلى لجنة الداخلية في البرلمان مشروع قانون متعلقا بمجلس النواب، إلى جانب مشروعين آخرين عن المنظومة الانتخابية ضمن الاستعدادات لانتخابات 2026 التشريعية والبلدية التي يُتوقع أن تكون أكثر تنافسية.

ويتضمن النص القانوني موضوع الجدل عقوبات حبس وغرامات مالية لكل من ينشر إشاعات أو أخبارا زائفة عبر وسائل تكنولوجيا الإعلام والتواصل الحديثة بقصد التشكيك بنزاهة وصدقية الانتخابات.

واعتبر سياسيون وحقوقيون، أن هذا النص القانوني يمس جوهر حرية التعبير، في حين يرى المدافعون عنه أنه ضروري لتحصين العملية الانتخابية في ظل الانتشار الواسع للأخبار الزائفة وتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام.

مبررات الوزير

وتنص المادة 51 مكررة من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب على أنه "يُعاقَب بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وبغرامة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف درهم (الدولار يساوي 9.26 دراهم)، كل من قام أو ساهم أو شارك بأي وسيلة، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي، أو شبكات البث المفتوح، أو أدوات الذكاء الاصطناعي، أو أي منصة إلكترونية أو تطبيق يعتمد الإنترنت أو الأنظمة المعلوماتية، في نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع إشاعة أو أخبار زائفة، بهدف التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات".

ودافع الوزير لفتيت عن هذه المادة عند تقديمه مشروع القانون للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى في مجلس النواب الأسبوع المنصرم، قائلا "إن الفعل الذي جرّمته المادة يتعلق باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة لنشر إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك بنزاهة الانتخابات".

إعلان

وأوضح أن الأمر "لا يتعلق إطلاقا بالتضييق على حرية التعبير أو قمع للحريات أو تكميم للأفواه"، مبينا أن الوقائع الثابتة غير مشمولة بتاتا بالعقوبة المذكورة.

وأشار لفتيت إلى أن الغاية من هذه المقتضيات الزجرية هو تفادي استعمال الإشاعات أو الأخبار الكاذبة أو الزائفة لتضليل الرأي العام عن الواقع بهدف ضرب سلامة العمليات الانتخابية وشرعية المؤسسات المنبثقة عنها، خصوصا مع الإمكانيات الهائلة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي بإنتاج وثائق أو صور أو فيديوهات مُضللة أو مغرضة.

آلية للعقاب

ويُنتظر أن تعقد لجنة الداخلية بالبرلمان جلسة، مساء اليوم الأربعاء، لمناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بالمنظومة الانتخابية، ومنها مشروع القانون المتعلق بمجلس النواب الذي تضمن المادة 51 مكررة المثيرة للجدل.

وستعرض الفرق البرلمانية مواقفها وآراءها في التعديلات المقترحة من طرف الحكومة عبر وزير الداخلية.

ويرى القيادي في حزب العدالة والتنمية، نبيل شيخي، أن المادة 51 مكررة تطرح "مفارقة سياسية وقانونية خطرة"، فهي ترفع شعارا نبيلا هو "حماية نزاهة الانتخابات" ومواجهة "الأخبار الزائفة"، لكنها في الجوهر تؤسس لآلية عقابية قد تُجهز على ما تبقى من هامش النقد السياسي والرقابة الشعبية.

شعارات دعاية ملصقة على مركبة في انتخابات 2021 في المغرب (الجزيرة)

وأوضح شيخي في تصريح للجزيرة نت، أن الإشكال العميق بهذه المادة يكمن في صياغتها الفضفاضة، مشيرا إلى أن مصطلحات مثل "الأخبار الزائفة" أو "التشكيك في المصداقية" تفتقر للتدقيق القانوني الحصري.

وأضاف أن هذا الغموض يمنح السلطة هامشا واسعا لتكييف أي نقد لتدبير العملية الانتخابية، أو أي تحقيق صحفي يكشف خروقات، أو حتى تدوينات المواطنين العفوية، باعتبارها جرائم تستوجب عقوبات حبس ثقيلة.

وهذا الوضع، في نظره، يُحدث انقلابا في عبء الإثبات، فبدلا من أن تكون الدولة ملزمة بتقديم أدلة نزاهة الانتخابات، يصبح المواطن أو الصحفي متهما حتى يثبت "براءة نواياه" وصحة شكوكه، "وهو ما يخلق بيئة من الرقابة الذاتية والخوف"، يقول شيخي.

وأكد أن هذا التوجه العقابي يسير عكس التيار الحقوقي العالمي والمعايير الدولية التي تعتبر أن عبء إثبات النزاهة يقع حصرا على عاتق السلطات العمومية عبر الشفافية، وليس عبر ترهيب المشككين، وتحذر من أن القوانين الغامضة لمكافحة التضليل تخلق أثرا مخيفا يدفع المجتمع للصمت.

محاولة للضبط

في المقابل، لا يرى أستاذ القانون العام في جامعة محمد الخامس، عباس الوردي، في تجريم التشكيك بالعملية الانتخابية عبر الوسائط الاجتماعية والمنصات الرقمية "تجاوزا للحريات العامة".

وأكد الوردي للجزيرة نت، أن البنيات المؤسساتية القائمة ومنها القضاء الإداري هي الفيصل في كل نزاع انتخابي، وتوفر الإطار القانوني السليم لمعالجة أي طعن، مشددا على أنه لا يمكن بناء اتهامات خارج إطار المؤسسات.

وأوضح المتحدث أن التشكيك المجرد عبر المنصات الرقمية دون أدلة أو وسائل إثبات لا يمكن اعتباره ممارسة ديمقراطية سليمة، مشيرا إلى أن هذا المنطق معمول به في الديمقراطيات الحقيقية التي لا تأخذ بالادعاءات غير المبنية على دلائل.

إعلان

وأضاف أن القانون المغربي يمنح المعنيين بالعملية الانتخابية وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية والمرشحون، آليات واضحة للتبليغ والطعن في حال وجود أي خروقات.

وأكد الوردي أن نشر الأخبار الزائفة يخضع للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، مشيرا إلى أن القانون أيضا لا يمنع كل ذي مصلحة من اللجوء إلى القضاء لتقديم التبليغات المبنية على وسائل الإثبات.

مكتب للتصويت في الانتخابات البرلمانية لعام 2021 حيث يستعد المغرب لانتخابات مماثلة العام المقبل (الجزيرة)مس بالحريات

ويتخوّف حقوقيون من توسيع الرقابة على حق المواطنين والفاعلين المدنيين في التعبير عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف المنصات الرقمية.

وتعتبر المحامية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سعاد البراهمة، أن المادة 51 مكررة موضوع الجدل "تمس جوهر حرية الرأي والتعبير"، معتبرة أن انتقاد أداء المؤسسات والفاعلين والانتخابات يدخل في صميم هذا الحق.

وأوضحت للجزيرة نت، أن القانون الجنائي الحالي يوفر حماية للأشخاص من السب والقذف والتشهير عبر الفصول 103 و13، وهو ما يجعل -في رأيها- "إضافة نص جديد أمرا غير مبرر".

وترى البراهمة أن الخلط بين الانتقاد المشروع والتشهير المقصود يؤدي إلى تقييد المجال العام، مشيرة إلى أن البلاد شهدت في السنوات الأخيرة عددا من المحاكمات بسبب التشهير الإلكتروني ما يدل -بحسبها- على أن "القوانين الحالية كافية وأن النص القانوني الجديد قد يقصد منه ترهيب المواطنين والمجتمع لمنعهم من انتقاد الانتخابات والمنتخبين".

الشفافية مطلوبة

ويأتي هذا النقاش في سياق سياسي يطبعه ارتفاع عدد المتابعات القضائية في صفوف البرلمانيين بتهم الفساد المالي أو خروقات انتخابية، فمن 375 نائبا في مجلس النواب، جرّدت المحكمة الدستورية في هذه الولاية التشريعية 29 نائبا من عضويتهم بسبب تورطهم في قضايا فساد أو خرق القانون.

وكشفت مصادر إعلامية محلية أن 26 برلمانيا يتابعون في ملفات فساد، بين من أدين ابتدائيا أو استئنافيا، ومن ينتظر مرحلة النقض.

ويرى القيادي شيخي، أن هذه المتابعات القضائية أثبتت أن الشكوك التي أثيرت عن انتخابات 2021 كانت في محلها، وأنها لم تكن مجرد أخبار زائفة أو تحامل، ما يعني -في نظره- أن الخطر الحقيقي ليس في الكلام عن الانتخابات بل في الممارسات التي تشوهها.

ورغم تأكيده، أن حماية الانتخابات من التشكيك ومن "الذباب الإلكتروني" والذكاء الاصطناعي الموجه هو تحد حقيقي، إلا أن شيخي يرى أن الحل لا يكون بسجن الأفراد والمنتقدين.

ويدعو إلى سحب هذه المادة بصيغتها الحالية، وتعويضها بتشريع دقيق يستهدف حصرا حملات التضليل الآلي والممنهج، مع تعزيز استقلالية القضاء للبت السريع في الطعون، معتبرا أن "تحصين الانتخابات بالشفافية المطلقة تجعل التزوير مستحيلا، والتشكيك بلا جدوى" وفق تعبيره.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أن هذا إلى أن

إقرأ أيضاً:

قانون خدمة العلم يعود بقوة… والنواب: “الشباب خط الدفاع الأول عن الوطن”

صراحة نيوز-أكد نواب، خلال جلسة مجلس النواب الاثنين، التي خُصصت لمناقشة عدد من مشاريع القوانين الواردة من الحكومة، أبرزها مشروع قانون معدل لقانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية لسنة 2025، أهمية مشروع القانون في تأهيل الشباب وترسيخ الهوية الوطنية.

وأكد النائب إبراهيم الطراونة أن حزب الميثاق وكتلته النيابية يدعمان كل قانون يؤهل الشباب ومنه قانون خدمة العلم، مشيراً إلى أن “الشباب شريك في البناء”، ومشدداً على الوقوف بقوة إلى جانب القانون لأنه “يسهم في حماية الوطن”.

وقال النائب عوني الزعبي إن “وجود عدو يتربص بالأردن يجعلنا في ظروف طارئة، ولذلك يحمل القانون صفة الاستعجال”، فيما أشارت كتلة جبهة العمل الإسلامي إلى أنها “لها موقف مقدّر من القانون” وأنها “مع إقراره بقوة”.

من جانبه، قال النائب خميس عطية إن القانون يعيد غرس القيم الوطنية وروح العمل الجماعي، مشيداً بتوجيهات ولي العهد المتعلقة بخدمة العلم.

وأشار النائب زهير الخشمان إلى أن القانون يهدف إلى “صناعة الشباب لا تقييدهم”، وهو يمثل “منصة تأهيل وطنية” تغرس الانضباط والمهارات المهنية، وليس لتعقيد حياة الشباب.

أما النائب وليد المصري فأكد أن القانون يعكس رؤية الدولة الأردنية بترسيخ الهوية الوطنية، مؤكداً دعم كتلة حزب عزم له، ومشيراً إلى أن “الشباب عماد البناء”.

كما أكد النائب محمود النعيمات على ضرورة تدريب الشباب على السلاح، مؤيداً مناقشة القانون فوراً دون إحالته للجنة نيابية.

وكان سمو الأمير الحسين بن عبدﷲ الثاني ولي العهد، أعلن في آب الماضي عن إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم قريبا، خلال لقائه مع شباب وشابات من محافظة إربد.

رئيس الوزراء جعفر حسان، أكد أن مشروع قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية سيكون من ضمن أولويات الحكومة التشريعية خلال الفترة المقبلة، تمهيدا لبدء تنفيذ برنامج خدمة العلم الذي أعلن عنه سمو ولي العهد، مطلع شهر شباط من العام المقبل.

ويأتي إقرار مشروع القانون استكمالاً للإجراءات التشريعيَّة المتعلِّقة بإعادة تفعيل برنامج خدمة العلم ليبدأ تنفيذه في مطلع شهر شباط من العام المقبل، وذلك بعد إعلان سموّ الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وليّ العهد، قرار عودة خدمة العلم.

وينظِّم مشروع القانون الأحكام المتعلقة ببعض المتطلبات القانونيَّة المستجدة لتفعيل وتنفيذ برنامج خدمة العلم، والحالات المقبولة لتأجيلها، وتمكين القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي من تقديم برامج تدريبية في مراكز ومعاهد القوات المسلحة للمكلفين، بحيث يمكن للجهات التعليمية المختصة احتسابها ضمن متطلبات الدراسة للمكلفين من طلبة الجامعات وفقاً لتعليمات يصدرها مجلس الوزراء لهذه الغاية، وكذلك احتسابها ضمن متطلَّبات وواجبات خدمة العلم.

كما يتضمَّن مشروع القانون إلغاء الأحكام التي تمنح المكلفين الذين ينهون خدمة العلم أي أولوية في التعيين في الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات والمؤسسات الخاصة.

 

مقالات مشابهة

  • النواب الأميركي يقر مشروع قانون لنشر ملفات جيفري إبستين
  • انقسام إسرائيلي.. المواجهة تحتدم بين نتنياهو وسموتريتش
  • المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2026
  • منع استخدام المال العام| كيف قضى قانون الحقوق السياسية على الفوضى الانتخابية
  • النائبة نشوى الديب: بيان الرئيس السيسي أكد أن الدولة لا تقبل المساس بنزاهة العملية الانتخابية
  • لميس الحديدي: الرئيس السيسي أثبت أنه لا مصلحة للدولة في التشكيك بنزاهة الانتخابات
  • "تقنية الدولة" تناقش مشروع قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات"
  • قانون خدمة العلم يعود بقوة… والنواب: “الشباب خط الدفاع الأول عن الوطن”
  • لماذا خدم قانون الانتخابات في العراق قوائم وظلم أخرى؟