عبدالله شروح يكتب.. “٢٦ سبتمبر” هو البيت
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
في ٢٠١٤، أسقط الحوثيون البلاد. انقلبوا على مخرجات ثورة الشعب، اعتقلوا رجال السلطة الشرعية، اغتالوا وأخفوا رجال السياسة والرأي، أغلقوا مقار الأحزاب ونهبوا مؤسسات الإعلام والصحافة والتهموا المال العام.
بضربة واحدة، وإن استغرق الإعداد لها زمناً امتد لسنوات وشهور، صادروا كل مكتسبات ثورة الآباء والأجداد. من ما كان يفترض أنه صار ماضياً بائداً، مدّت الإمامة يدها المبرثنة وأمسكت بشريط التاريخ اليمني المعاصر لتقتطع منه، بمقص الحقد المتأصل الدفين، العقود الخمسة للجمهورية.
على أن هذه الخطوط العريضة لسيناريو جحيمنا المتصاعد الحالي، التي يعرفها الجميع، لا تثير فيّ ولا حتى عُشر الألم والثورة اللّذَين يجتاحانني كلّما التمع في خيالي بيتي الذي غادرته، مكرهاً، في ٢٠١٥، متوجهاً، من ريف إب، إلى مأرب.. بيتي الذي لم أتمكن من العودة إليه حتى اللحظة، والذي لن أتمكن من العودة إليه ما بقي الواقع على صورته الحالية.
يا له من خطأ كبير ذاك الذي نقع فيه عادةً في حديثنا عن الأحداث الكبرى التي تشملنا مفاعيلها، إذ سرعان ما نتورط في حمّى خطابية موغلة في التجريد، فتتزاحم على ألسنتنا المفاهيم الكبرى من طراز: الحرية، الكرامة، المساواة، الوطن، السيادة، الاستقلال، النضال، إلخ، دون أن ننتبه إلى التأثير البارد الذي يضفيه هذا التناول العمومي على حماستنا الفردية، وهو يجرّد الحدث الكبير من بعده الشخصي الحسي الواقعي المباشر، محلقاً به في فضاء التنظير العام، جاعلاً منه أقرب إلى موضوع نقاش في حصة فلسفة باردة.
إنني أحس الأمر وأفهمه على هذا النحو: إن انقلاب المليشيا الحوثية هو الذي أجبرني على مغادرة بيتي، وحيث أن هذا الانقلاب هو، في واقعه العملي، انقلاب على “٢٦ سبتمبر”، فيمكنني القول إذن، بيقين رياضي، إن بيتي لم يكن سوى “٢٦” سبتمبر،الذي حين فقده الجميع فقدت معه بيتي.
وإذا كانت المعركة الوطنية هي معركة الشعب ضد هذه العودة الإمامية، فإن صورتها الحسية المباشرة بالنسبة لي هي في الخطى التي يمكنني أن أقطعها في طريق عودتي إلى البيت، والتي هي بالضرورة خطى لا يمكنها أن تمضي إلا وفق الإيقاع الكلي لخطى اليمنيين جميعاً في طريق عودتهم إلى بيتهم الكبير متمثلاً في “٢٦ سبتمبر”.
لا حاجة لي إذن لسيل التوصيفات والمفاهيم المتدفق من أفواه الساسة والإعلاميين وحتى الكثر من الثوار المناضلين، لأسبغ على نفسي الفهم الضروري والحماسة اللازمة للانخراط الفاعل في هذه المعركة.. لا حاجة لي لغابة التنظير المتشابكة هذه، فالأمر لديّ في غاية الوضوح والحسيّة والمباشرة: لديّ بيتي الذي أتحرّق كل ثانية للعودة إليه، إلى مراياه التي لا يمكنني رؤية وجهي في سواها، وإلى أفراده الذين لا يمكنني الشعور بالدفء بعيداً عنهم، وإلى داخل جدرانه التي لا يمكن لضحكاتي التصادي والتناسل خارجها، بيتي الذي تقف بيني وبينه المليشيا الحوثية منذ تسع سنوات. لا أحتاج، كي أحمل بندقيّتي بحماس، أكثر من هذه الصورة الذاتية جداً، الحسيّة جداً، المياشرة جداً.
وهذه الصورة، صورة البيت البعيد، المحجوب بعصابة من المجرمين، هي الصورة الواقعية، الحسية والمباشرة، لكل يمني أصيل الانتماء إلى بيته. فحتى من آثر البقاء بين جدران بيته تحت سلطة هذه العصابة، يدرك تماماً حقيقة أن البيت قد فاته من حينها، فالبيت بنيان معنوي كما هو بنيان مادي، ويفقد كينونته ومعناه ما أن نفقد فيه كرامتنا وكرامة من نعول.
لذلك كله، فإن الحديث عن “٢٦ سبتمبر” ليس مجرد حديث عن يوم تاريخي، وليس إبحاراً في سديم من التجريد، بل هو التعبير المباشر عن الحاجة الأصيلة والمبدئية لكل يمني في أن يعود إلى بيته.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: ٢٦ سبتمبر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
مجلة أمريكية: التحديثات جعلت درونات “غيران” الروسية أكثر فتكا
روسيا – ذكرت مجلة Forbes الأمريكية أن التعديلات والتحسينات التي حصلت عليها درونات “غيران” الروسية جعلت هذه الدرونات أكثر فتكا وفعالية خلال المعارك.
وأشارت المجلة إلى أن درونات “غيران” الانتحارية حصلت على العديد من التحسينات من أبرزها استبدال محركات المروحية القديمة بمحركات نفاثة، مما يمنح الطائرات المسيرة سرعة هائلة تقلل بشكل كبير من وقت اكتشافها وتعقّبها.
كما نوهت المجلة إلى أن تقارير أوكرانية ذكرت أن درونات “غيران” الروسية غطيت بطبقة سوداء خفيفة إضافة دروع حماية خاصة حول حجرة المحرك في بعض الطرازات، مع نقل خزانات الوقود من الأجنحة إلى داخل هيكل الطائرة المسيرة لزيادة صلابتها.
وأشارت بعض التقارير تبعا للمجلة أيضا إلى رصد مسيّرات “غيران” مجهزة بأنظمة رؤية آلية، يُعتقد أن هذه الأنظمة تتيح الملاحة اعتمادا على الرؤية الحاسوبية، ما يقلل من الاعتماد على أنظمة الملاحة الفضائية، مثل GLONASS وGPS والتي كانت تعتبر “نقطة ضعف” لهذه الطائرات.
ونوه تقرير المجلة إلى أن درونات “غيران” أثناء تحديثها حصلت على أنواع مختلفة من الرؤوس الحربية، بما فيها رؤوس قادرة على تدمير المباني، كما تم تطوير تكتيكاتها في الطيران، إذ تخلّت عن تحليقها المنخفض لتجنب الرصد، وباتت تصعد إلى ارتفاعات عالية تبقى فيها بعيدة عن مدى نيران المدفعية المضادة للطائرات، وتحافظ على هذا الارتفاع حتى الوصول إلى الهدف، ثم تنخفض إلى حوالي كيلومتر واحد قبل الانقضاض عليه في هجوم مفاجئ، كما لم تعد هذه المسيرات ترسل مع مسيرات تُستخدم كطعم لخداع دفاعات العدو، وبدلا من ذلك بدأت روسيا ترسل معها مسيرات انتحارية أخرى، مثل درونات “لانسيت”، مهمتها تحديدا مهاجمة وحدات الدفاع الجوي الأوكرانية لحماية “غيران”، الأمر الذي جعل هجمات هذه المسيّرات أكثر فعالية.
ويشير تحليل المجلة إلى أن كل هذه التحديثات والترقيات المتلاحقة التي حصلت عليها درونات “غيران”، جعل هذه المسيرات أكثر خطورة وفتكا، وتتوقع التقارير الأوكرانية أن تشهد الجبهة قريبا موجات هجومية من هذه المسيّرات بعدد قد يصل إلى الآلاف، وليس المئات كما في السابق، ما يفرض تحديات جديدة على أنظمة الدفاع الجوي.
المصدر: روسيسكايا غازيتا.