عربي21:
2025-05-09@07:57:00 GMT

الفلسطينيون جعلوا من شجرة التين رمزا لأرضهم وهويتهم

تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT

الفلسطينيون جعلوا من شجرة التين رمزا لأرضهم وهويتهم

تعتبر شجرة التين واحدة من الأشجار المباركة في فلسطين وأقدمها، وهي من التراث الشعبي الفلسطيني لأنها ترمز إلى الأرض التي كان الفلاح الفلسطيني يعتني بزراعتها بشكل دائم وهي منتشرة في كل مكان بفلسطين خاصة في المناطق الجبلية منها.

وعرف الفلسطينيون شجرة التين المباركة منذ آلاف السنين، واهتم المزارعون الفلسطينيون بزراعة التين، لأنها شجرة مباركة، ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة حملت اسمها "التين"، مما جعلها تحتل مكانة مرموقة في فلسطين.





ويرى الفلسطينيون الأمل في هذه الشجرة حيث أن ثمارها حلوة المذاق والطعم، وقد راقت لهم ناضجة وطازجة، وعند تجفيفها بما يعرف باسم بـ "القُطين".

 وتعتبر ثمار شجرة التين غنية بالفيتامينات والمعادن إضافة إلى أنها حافظت على مدار السنوات الماضية على هوية الشعب الفلسطيني لتكون عنوانا لفلسطين وهويتها.

وعلى الرغم من سعي الاحتلال الاستيلاء على الكثير من الأكلات والأشجار التراثية الفلسطينية ونسبها له إلا أنه لم يقترب من هذه الشجرة لإدراكه صعوبة تصديق العالم لروايته كونها ترمز إلى الأرض الفلسطينية وتم ذكرها في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام.

وقال المهندس محمد أبو عودة الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية لـ "عربي21": "شجرة التين هي شجرة فلسطينية مباركة، ومن أقدم النباتات التي عرفها الإنسان الفلسطيني".

وأضاف: "تتحمل شجرة التين كل الظروف البيئية، وتعيش في كل أنواع التربة رملية وطينية وحتى الصخرية، ولأنها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء والأسمدة، وأنها مقاومة جيدة للآفات والأمراض، كل هذه الصفات جعلت من هذه الشجرة المباركة، تحتل مكانة مرموقة في فلسطين التي بارك الله فيها وفي من حولها".


                              محمد أبو عودة.. الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية.

وأوضح أن شجرة التين وفرت للشعب الفلسطيني على مدار السنين ثماراً طازجة في الصيف وثماراً مجففة يأكلها شتاءً لأنها قابلة للتخزين، وغنية بالسكر على مدار الأيام.

 وقال أبو عودة: "عرف الشعب الفلسطيني وشعوب منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط التين كغذاء ودواء، ومصدر رزق لهم حيث جففوا التين (القُطين)، وكان من تجارتهم الهامة أيضا.

وأضاف: "دأب المزارع الفلسطيني على زراعة أشجار التين نهاية موسم (أربعينية الشتاء) أي في أواخر شهر كانون ثاني/ يناير من كل عام، وذلك بأخذ غصن أو عُرف من شجرة تين معروفة الأصل وذات نوعية جيدة الإنتاج والمذاق، وأن يكون لها براعم وعيون قبل نمو الورق، وغرسها في المكان المناسب، وريها بالماء، كما تشكل مياه الأمطار عاملاً رئيسياً لنمو هذه الأغصان".

وأوضح أبو عودة أن أشجار التين هي من الأشجار المثمرة التي تنمو بسرعة حيث تحتاج من 2 ـ 5 سنوات لتعطي أُكلها.

وقال: "لجني محصول التين الذي يزرع كاستثمار اقتصادي تجاري، وحتى تكون عملية القطف اقتصادية وغير مُكلفة؛ درج المزارعون على دهان ثمار التين المتماثلة وذات النوعية الواحدة وفي فترة محددة بزيت الزيتون على رأس حبة التين بما يعرف بـ (التزيت)، وذلك لاستثارة عوامل النضج في حبات التين والتي يتم نضوجها في خلال 3 ـ 5 أيام".

 وأضاف: "يُنصح بقطف الثمار الناضجة في الصباح الباكر حيث تُزينها وتبللها قطرات الندى".

وأكد على أن أنواع التين عديدة ومتنوعة ومن اهم أنواعها: الغزالي، وهو أطيب نوع وأكثر نوع حلو، بقراطي :حلو وحجمها أصغر من الغزالي،  البياضي: أكثر تين يستوي بسرعة حجم حبته نسبيا كبيرة ويظل لآخر الموسم، السويدي : يوجد منه حجمين حجم صغير وحجم كبير يمتاز بالطعم الحامض نسبيا ولونها داكن كثير، سباعي: تين نسبيا حجم حبها كبير وطعمها كتير حلو.

وأشار إلى وجود أنواع أخرى للتين مثل: موازي، حماري، خضاري، شتاوي، ونورسي وهو نسبيا قليل.

وقال الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية: "لقد تمكن المزارع الفلسطيني مؤخراً من جمع عدة أنواع من التين في شجرة واحدة وتحسين جودة إنتاجه بطريقة أخذ عدة براعم من أصول وأمهات مختلفة وتركيبها بطريقة (القلم) على عدة سيقان مختلفة في شجرة واحدة، وهذا ما يلجأ إليه منتجو البيوت والمنازل".

وتطرق إلى التين المجفف أو ما يعرف محليا باسم "القُطين"، مشيرا إلى أنه يتم تجفيف ثمرة التين، وبعد تمام جفافها يتم جمع المحصول وتخزينه بالطريقة المناسبة، وتقديمه كأكلة تراثية فلسطينية معروفة.



وأضاف: "للحصول على التين المجفف (القُطين) عالي الجودة، ننصح بترك المحصول على الشجرة الأم حتى ينضج وتذبل أعناق حبة التين الناضجة وتسقط عن أُمها فوق".

وعرف الفينيقيون التين واستعملوه غذاءً ودواء، فصنعوا منه لاصقات تشفي من البثور، واستعمله الفراعنة علاجاً لآلام المعدة.

ويقول ابن سينا في كتابه "القانون" "إن التين مفيد جداً للحوامل والرضع"، كما يقول أبو بكر الرازي في كتابه "الحاوي" "إن التين يقلل الحوامض في الجسم ويدفع أثرها السيء".

وأكد الدكتور يحيى الكيالي، خبير الأعشاب والتغذية العلاجية على القيمة الغذائية لثمرة التين واحتوائها على عشرات الفيتامينات والمعادن.

وقال الكيالي لـ "عربي21": "إن التين الطازج أو المجفف يعتبر غذاء ودواء، وهو مصدر غني للفيتامينات، والمواد المعدنية، ومفيد جداً للحوامل والأطفال الرضُع، وعلاج ناجع للامساك المزمن".

وأضاف: "إن تناول عدة حبات من التين على الريق فإنها تعالج الإمساك".


                                       يحيى الكيالي، خبير الاعشاب والتغذية العلاجية.

وأكد الكيالي على أن منقوع القطين يعالج التهابات الجهاز التنفسي، والتهاب القصبة الهوائية والحنجرة، ويخفف من حدة السُعال الديكي.

وشدد على أن تناول حبة تين واحدة على الإفطار فإنها تغني عن أمور كثير ولها قيمة غذائية عالية جدا نظرا لأنها تحتوي على 37 نوع من الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية كأنك تتناول علبة كاملة الفيتامينات والعناصر التي يحتاجها الجسم.

واستعرض خبير الأعشاب والتغذية العلاجية ما تحتويه حبة التين من عناصر مثل: فيتامينات، املاح، عناصر، تحتوي على كمية من الماء، بروتونات، سعرات حرارية.

وقال: "حبة التين الواجدة التي وزنها 50 جرام تحتوي على 37 سعرة حرارية فيها: برتوين، دهون، كربوهيدرات، سكريات، بتاسيوم، صوديوم، زنك، فسفور حديد، مغنيسوم، نحاس، فيتامين ج، فتيامين ب 1، والسيرينوم".

وأضاف: "إن حبة التين تحتوي كذلك على الكثير من المواد الغذائية مثل: الكولين المهم جدا للكبد والذي يخفض الدهينات الضارة، وتحتوي على الفولات المهم للحديد والدم، وتحتوي على فتامين (أ) المهم للنظر، وتحتوي على فتامين(ك)، كما تحتوي ي على الفيتا كروتين المهم جدا للمفاصل والجلد ونضارة البشرة".



ويطلق الفلسطينيون على موسم التين الذي يبدأ في شهر آب / أغسطس وينتهي في شهر تنشرين ثاني/ نوفمبر موسم "القيظ" أي شديد الحر، ولكن معناه عند الفلاحين هو موسم "التموين" إذ يكتفي الفلاح بالإفطار صباحاً على ثمار التين.

ومن جهته قال الكاتب والصحفي حمادة حمادة: "إن موسم التين بفلسطين موسم تراثي بامتياز ولا يقل أهمية عن موسم الزيتون".

وأضاف حمادة لـ "عربي21": "ثمرة التين شكلت مادة غذائية وتجارية ممتازة للفلاح، وأنواع التين الكثيرة المنتشرة في فلسطين من الشمال حتى الجنوب جعلها تصدر التين للدول العربية المجاورة منذ العام 1941م".


                   الكاتب والصحفي الفلسطيني حمادة حمادة وسط كروم التين..

وأشار إلى أن قرية مجد الكروم شمالي فلسطين، تل في نابلس اشتهرتا بكروم التين والزيتون في حين تعتبر مدينة رام الله أكثر المناطق إنتاجا للتين.

وقال: "من هنا جاء سبب تسمية مجدد الكروم بهذا الاسم، ليس فقط لكثرة التين والزيتون وإنما لجودتها كذلك.

وتطرق حمادة إلى الأمثال الشعبية التي أشارت إلى شجرة التين مما يدلل على أهميتها بالنسبة للشعب الفلسطيني.

وقال: "في التراث الفلسطيني يوجد أمثال كثير عن التين، مثل :"لما يجي التين ضبوا العجين ".

وأضاف: "هذا المثل قيل لأن شجرة التين يوميا تعطي ثمارا وهذه الثمار كانت تشكل مصدر طاقة للفلاح فهي تغني عن الغداء تغني عن الأكل تغني عن العجين".

وتطرق حمادة إلى مثل شعبي اآر يقول :"كلها نية قبل ما غيرك يأكلها مستوية (ناضجة)"، كذلك المثل القائل "كل واحد بقطينه يقطن".

وحذر من أن شجرة التين مهددة بالزوال والاندثار لأسباب الإهمال وعدم الرعاية، إلى جانب الاستيطان وجدار الفصل، ومصادرة الأراضي وصعوبة الوصول إليها في الضفة الغربية المحتلة.

وقال: "الفلاح الفلسطيني يشبّه شجرة الزيتون، والتين، والعنب بالطبقات الثلاث التي تسكن أرض فلسطين، وهي: البدو، والفلاحين وسكان المدن".

وأضاف: "شجرة الزيتون التي تنمو في كل مكان وتقتنع بالقليل من العناية والاهتمام تشبه المرأة البدوية، وشجرة التين التي تتطلب اهتماماً وعملاً أكثر بالمرأة الفلاحة، ودالية العنب تشبه المرأة المدنية التي تتحمل قليلاً وتتطلب اهتماماً أكثر وتعيش برفاهية".

وأشار الى القيمة الاقتصادية للتين والقطين، مؤكدا ان الفلاح الفلسطيني كان يقوم بمبادلة القطين بالقمح أو حتى العدس والملح، ولقيمة القطين كان يقدم كتحلية للضيوف.

وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالتين في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (النتائج الأولية للتعداد الزراعي 2021) نحو 2783 دونمًا، تمثل ما نسبته 0.4% من أشجار البستنة، منها 2369 دونمًا في الضفة الغربية و414 دونمًا في قطاع غزة؛ وتحتل محافظة رام الله والبيرة المرتبة الأولى (بواقع 464 دونمات) ثم محافظة نابلس في المرتبة الثانية (بواقع 389 دونمات) تتركز معظمها في بلدة تل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير التين فلسطين هوية الزراعة فلسطين زراعة هوية تين تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فلسطین تحتوی على أبو عودة تغنی عن

إقرأ أيضاً:

نوكيا شجرة فنلندا المتجذرة

الفنلنديون لا يعتبرون نوكيا مجرد شركة، بل يرونها سردية وطنية، بدأت كورقة في النهر، وتحولت إلى جذر ضرب عميقا في الأرض. وبين الصعود المدوي والسقوط المؤلم، تروي لنا نوكيا قصة أمة قررت أن تربّي التكنولوجيا كما تُربّى الغابات: برعاية، وبطء، وبُعد نظر.

فشركة  الهواتف الفنلندية لم تولد من شريحة إلكترونية، بل من شجرة. فقد تأسست عام 1865 على ضفاف نهر "نوكيافيرتا" كمصنع لإنتاج الورق، ثم تنقلت بين الصناعات: المطاط، الكابلات، وحتى الأحذية. لكن كل هذه الفروع كانت تبحث عن هدف واحد يصلح كجذع لهذه الشجرة وهو "الاتصال". في أواخر القرن العشرين، قررت الشركة أن تصغي لنداء المستقبل، فدخلت عالم الهواتف المحمولة، لا كمصنّع تقني فقط، بل كصوت لبلد بأكمله.

العالم يتحدث من خلال فنلندا

لم تكن نوكيا تصنع الهواتف فحسب، بل كانت تصنع صلة، فكرة، وطنًا متصلًا ببعضه البعض. في التسعينيات، بينما كان العالم يكتشف معنى الاتصال المحمول، كانت نوكيا تكتب شعارها على شاشة كل هاتف "نصل الناس" (Connecting People). لم يكن مجرد شعار تسويقي، بل كان بيانًا وطنيًا لفنلندا التي اختارت أن تربط العالم بهويتها عبر التكنولوجيا.

بحلول عام 1998، أصبحت نوكيا أكبر شركة هواتف محمولة في العالم، وبلغت حصتها السوقية أكثر من 40% بحلول عام 2006. لكنها لم تكن ظاهرة اقتصادية فقط، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية.

إعلان

نوكيا أصبحت أكبر شركة مصنّعة للهواتف المحمولة في العالم عام 1998 بعد أن تجاوزت موتورولا، وبلغت حصتها السوقية قرابة 40% في ذروة نجاحها منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وتحديدًا بين 2006 و2007.

بلغت مساهمة نوكيا في الناتج المحلي الإجمالي الفنلندي حوالي 3.1% في ذروتها عام 2000، كما أسهمت نوكيا بنحو 20-22% من إجمالي الصادرات الفنلندية في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.

وهيمنت نوكيا كانت تهيمن بشكل كبير على البورصة الفنلندية في تلك الفترة، حيث وُصفت بأنها "أعلى شركة من حيث القيمة في أوروبا" عام 2000، وتشير بعض المصادر إلى أن نوكيا أسهمت بحوالي 23% من ضرائب الشركات في فنلندا في ذروتها.

نوكيا كانت تمثل قلب الاقتصاد الفنلندي، وكان لمقرها في مدينة إسبو رمزية كبيرة، كما أن الشركة استقطبت معظم خريجي الهندسة في فنلندا، وأسهمت في بناء هوية تكنولوجية للبلاد، ووظفت أكثر من 132,000 موظف حول العالم، يحملون الشعار نفسه.

وفي عام 2003، أطلقت نوكيا هاتفها الأسطوري نوكيا 1100 (Nokia 1100)، الذي بيع منه أكثر من 250 مليون وحدة، ليصبح الهاتف الأكثر مبيعًا في التاريخ. هاتف بلا كاميرا، بلا إنترنت، لكنه حمل ما لم تحمله الهواتف الذكية اليوم: وعدٌ بالثقة، وبطارية تكفيك لأيام، وشاشة.

نوكيا في تلك اللحظة لم تكن شركة، بل كانت فنلندا مختزلة في جهاز: صغيرة، بسيطة، موثوقة، وتربط العالم بصمت.

هاتف نوكيا 1100 بيع منه أكثر من 250 مليون وحدة (مواقع التواصل الإجتماعي) السقوط: حين خذلت التكنولوجيا أصحاب البدايات

لم تسقط نوكيا لأن منتجها سيئ. سقطت لأنها تأخرت في طرح السؤال الصحيح: هل الهاتف ما زال جهازًا للاتصال فقط؟
فبينما كانت شركة آبل تقرأ المستقبل على شاشة تعمل باللمس، كانت نوكيا لا تزال تفتخر بأزرارها المتينة ونغمات رسائلها الشهيرة. وكأنها تظن أن التاريخ يتوقف عند من بدأه أولًا.

إعلان

تمسكت نوكيا بنظام التشغيل سمبيان (Symbian)، النظام الذي صنع مجدها في البداية، لكنه سرعان ما أصبح عبئًا أمام البساطة والأناقة التي قدمها كل من أي أو أس وأندرويد. وعوضًا عن التحوّل الجريء، دخلت في شراكة متأخرة مع مايكروسوفت، في محاولة يائسة للحاق بركب الهواتف الذكية.

في عام 2011، تراجعت حصتها في سوق الهواتف الذكية من 33% إلى 14%. وبعد عامين فقط، باعت قسم الهواتف المحمولة بالكامل إلى مايكروسوفت. لم يكن مجرد بيع لخط إنتاج، بل كان بمثابة خلع الشعار من قلب الجهاز، وتوقيع شهادة وفاة لحقبة كاملة.

نوكيا، التي كانت تُعرف بصوت الرسالة ونغمة البداية المألوفة، انسحبت من المشهد فجأة. الهاتف الذي كان حاضرًا في جيب كل يد، أصبح فجأة في ذاكرة كل شخص.

التحوّل: مهاجر هندي غير مسار  الشركة

عندما سقطت نوكيا من سماء الهواتف، لم يكن السؤال: "متى ستعود؟" بل: "من يجرؤ على أن يعيد بناءها؟" وكان الجواب: رجل من خارج الغابة الفنلندية، اسمه راجيف سوري.

ولد سوري في الهند، وتدرّج في نوكيا بهدوء لا يُرى، حتى أصبح في عام 2014 أول غير فنلندي يتولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة. لم يكن مهندسًا للأجهزة، بل استراتيجيًا يفهم أن المستقبل لا يُصنع في اليد، بل في الخفاء، حيث تُبنى الشبكات وتُرسم خرائط العالم الرقمي.

سوري ولد في الهند، وتدرّج في نوكيا حتى أصبح في عام 2014 الرئيس التنفيذي للشركة (مواقع التواصل الاجتامعي)

وفي عام 2015، قاد سوري واحدة من أعقد عمليات الاندماج في تاريخ التكنولوجيا: استحواذ نوكيا على شركة لكاتل- لوسينت (Alcatel-Lucent) الفرنسية، وضم مختبرات بيل لابس (Bell Labs) الشهيرة والتي تعود لمخترع الهاتف أبراهام بيل والتي لديها في تاريخها أكثر من 13 مخترعا حائزًاعلى نوبل.

جوائز نوبل التي تملكها مختبرات بيل لابس (الجزيرة)

لم تكن الصفقة مجرد توسع. كانت إعلانًا صامتًا أن نوكيا ستعيد كتابة مصيرها، لا من خلال الشاشة، بل من خلال ما وراءها.

وقد قالها سوري بوضوح:
"سنكون العمود الفقري لعالم متصل. الهواتف تتغير كل عام، لكن الشبكات تبقى لأجيال."

إعلان

راجيف سوري لم يُعد نوكيا فقط إلى السوق، بل أعاد تعريفها. جعلها تتحدث لغة المستقبل، لا بصوت عالٍ، بل عبر اتصال لا ينقطع.

الجيل الخامس: حين تتكلّم الشبكات عن الموثوقية

في عالم تُقاس فيه القيمة بالسرعة، لم تعد الشبكة مجرد وسيلة اتصال، بل حدودًا وطنية خفية. وكل برج إرسال هو نقطة تماس بين التكنولوجيا والسيادة.

في هذا العالم، وجدت نوكيا نفسها في سباق لم تخطط له، لكنه يحدد مصيرها: سباق تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات.

المنافسة لم تكن تقنية فحسب، بل سياسية. وعلى الضفة الأخرى تقف هواوي، محاطة بشكوك العالم، لكنها تمتلك سرعة وموارد أما نوكيا، فاختارت طريقًا أصعب وهو طريق الثقة والشفافية التي تحملها.

فبعد استحواذها على لكاتل- لوسينت، ركّزت نوكيا على بناء منظومة متكاملة تعتمد على شراكات مفتوحة وأكواد شفافة، وتحظى بقبول واسع لدى الحكومات الغربية التي تبحث عن بدائل موثوقة لحلول هواوي.

في 2024 وحده، أنفقت نوكيا أكثر من 3.1 مليار يورو على البحث والتطوير، ما جعلها لاعبًا أساسيًا في مشاريع البنية التحتية لشبكات 5G في أوروبا، وأجزاء من أمريكا الشمالية وآسيا.

لكن القصة ليست مجرد أرقام. نوكيا تراهن على شيء آخر: أن العالم المتّصل لا يحتاج إلى الأرخص، بل إلى الأوثق. أن السرعة يجب أن تكون مصحوبة بمعيار أخلاقي. أن البنية التحتية لا تُبنى فقط بالكابلات، بل بالقيم.

في زمن أصبحت فيه الشبكات مسرحًا للتجسس والاختراقات والهندسة العكسية، تبني نوكيا شبكاتها على وعدٍ بسيط: "نحن لا نراقبكم. نحن نربطكم."

شرح لمسؤول في نوكيا حول كيفية عمل شبكات الاتصالات الجيل الخامس (الجزيرة) الغابة لا تموت، هي فقط تغيّر شكلها

في فنلندا، حيث تتكلم الطبيعة بهدوء، وحيث تبقى الأشجار واقفة حتى بعد سقوطها، تعلّمت نوكيا قانون البقاء: لا تقاوم التغيير، بل كن جزءًا منه.

من نهر صغير حمل اسمها، إلى ملايين الأيدي التي حملت هواتفها، ثم إلى الشبكات التي لا تُرى ولكن يُبنى عليها كل شيء… كانت نوكيا دائمًا هناك، وإن تغيّرت هيئتها.

إعلان

لم تعد في جيب المستخدمين، لكنها في كل مكان، في القطارات التي تصل في موعدها، في الموانئ التي لا تتوقف، في المستشفيات التي لا تحتمل خطأ في الإشارة، وفي المدن التي تحلم أن تصبح أذكى دون أن تفقد إنسانيتها.

نوكيا لم تكن قصة عن التكنولوجيا فقط، بل عن التجدد، ففي عالم يبحث عن الجديد، اختارت نوكيا أن تعود إلى ما تعرفه جيدًا: أن تكون الجذر الذي لا يُرى… لكنه يُبقي الشجرة حيّة.

مقالات مشابهة

  • شجرة الخيزران وحبل الله وزوال الظالمين
  • «الأونروا»: غزة أرض اليأس وتواجه جوعاً لا مثيل له
  • وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد الحوثيين برد قاسٍ ويقول "من يؤذينا سيتلقى أذىً شديدًا"
  • “أطباء بلا حدود”: الفلسطينيون يُقتلون جماعيًا وغزة بلا مساعدات منذ مارس
  • عضو الكونغريس الأمريكي و “ظل ترامب” يزور السفير المغربي بواشنطن
  • حمادة عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى 8 صفقات سوبر.. والمواهب تراجعت
  • نوكيا شجرة فنلندا المتجذرة
  • حجاج يمنيون يبدأون باستلام مبالغهم المستردة التي قررت وزارة الأوقاف إعادتها لهم عن موسم 1446
  • تقديم جزء سادس من مسلسل المداح في رمضان 2026.. صادق الصباح يحسم الجدل
  • بلادنا ليست للبيع.. رد مباشر من رئيس وزراء كندا على طلب ترامب بالبيت الأبيض