هل نجحت إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية بلجوئها إلى المقايضة؟
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
طهران- لطالما أثقلت العقوبات الغربية كاهل الاقتصاد الإيراني طوال العقود الماضية، وسعت طهران إلى استخدام المقايضة للالتفاف على الحظر الأجنبي إبان حقبة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، لكن الحكومة الإيرانية الحالية بقيادة إبراهيم رئيسي وجدت في التبادل السلعي أسلوبا لتحدي الضغوط الأميركية.
وتعزز توجه طهران إلى المقايضة بعد اتفاقها مع بغداد في يوليو/تموز الماضي على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي، وكذلك بعد جولة أفريقية في الشهر نفسه قام بها رئيسي إلى كل من كينيا وأوغندا وزيمبابوي تم خلالها الاتفاق على مقايضة المنتجات البتروكيميائية الإيرانية بالسلع الأساسية.
ومنذ تسلم حكومة رئيسي مهامها في صيف 2021 تحول اقتصاد المقايضة إلى أحدث ثوابت الاقتصاد الرامي إلى إبطال مفعول العقوبات الأجنبية، وراحت طهران تحتفل تارة بالاتفاق على مقايضة النفط ومنتجاته مع دول أميركا اللاتينية، وتارة أخرى مع الصين ودول شرق آسيا، ثم مع حلفائها الروس ودول الجوار، وهو ما طرح تساؤلات كبيرة عن مدى جدوى نظام المقايضة في الالتفاف على العقوبات الأميركية.
تباين
وتتباين قراءة الأوساط الإيرانية بشأن لجوء طهران إلى اعتماد نظام المقايضة، بين من يرى السياسة ضرورة لتوفير السلع الأساسية وتفادي معضلة التحويلات المالية، وبين آخرين يعتبرونها مؤشرا على حالة الإفلاس التي تكبدها الاقتصاد نتيجة إقحام البلاد في القائمة السوداء بسبب عدم التصديق على قوانين مجموعة العمل المالي (فاتف) المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي السياق، حث الباحث الإيراني غلام رضا مقدم بلاده على الإفلات من العقوبات الأجنبية المفروضة عليها، وذلك عبر التوصل إلى اتفاقات مقايضة مع الدول الأخرى وتيسير معاملاتها التجارية معها.
وأكد مقدم للجزيرة نت أن الاقتصاد الإيراني لم يعد نفطيا، وأن اتفاقات المقايضة تظهر تطورا كبيرا في قطاعاتها الصناعية.
وتابع أن اتفاقات المقايضة التي تتوصل إليها الحكومة الإيرانية مع الدول الأخرى لم تعد لتوفير السلع الأساسية فحسب، وإنما لإعادة الأصول المجمدة بالخارج على شكل سلع أو خدمات، والحد من خروج العملة الصعبة من البلاد، ودعم الأسواق الداخلية دون الحاجة إلى التعامل عبر جمعية الاتصالات المالية العالمية (سويفت).
ونفى مقدم أن يكون نظام المقايضة قد اندثر في العصر الحديث، مؤكدا أنه بعيد عن التسميات والتصنيفات، فالعديد من الدول لا تزال تعتمد نظام المقايضة من أجل إتمام العملية التجارية دون الحاجة إلى دفع الأموال.
عودة إلى الوراء
في المقابل، اعتبر عضو غرفة إيران للصناعة والتجارة زين العابدين هاشمي تفعيل نظام المقايضة للتجارة الخارجية عودة إلى الوراء بسبب رفع نفقات البلاد من أجل استيراد السلع الأساسية، ناهيك عن أن إيران تعتبر من أكبر الدول المنتجة لبعض البضائع المستوردة في إطار صفقات التبادل السلعي، مثل النفط الأسود والشاي والقماش.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى هاشمي أن اتفاقات المقايضة تمت مع دول قد لا تمتلك صناعات متطورة لمبادلتها مع البضائع الإيرانية، وأن استيراد نماذج مشابهة للبضائع المصنعة محليا سيؤدي إلى الانكماش الاقتصادي في عدد من القطاعات.
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد أفادت في أغسطس/آب الماضي بتوصل طهران وكولومبو إلی صفقة ترسل بموجبها سريلانكا الشاي إلى إيران لتسديد ديونها السابقة على واردات النفط.
وتساءل هاشمي عما إذا كان استيراد التكنولوجيا والصناعات المتطورة ممكنا وفق نظام المقايضة، موضحا أنه لا يمكن اعتبار نظام المقايضة حلا أساسيا للالتفاف على العقوبات طالما أنه لا يمكّن طهران من استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية واستيراد البضائع المحظورة وفق العقوبات الأجنبية.
القائمة السوداءوخلص هاشمي إلى أن طهران تلتزم عمليا بالعديد من بنود قوانين مجموعة العمل المالي، وأن التصديق على قوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب سينعكس إيجابا على شطب اسم إيران من القائمة السوداء والانفتاح العالمي على اقتصادها الوطني.
وعلى وقع التعليقات الموافقة والمعارضة في وسائل الإعلام الإيرانية يدعو عالم الاقتصاد الإيراني هادي حق شناس الطرفين إلى عدم إصدار أحكام قطعية، والنظر إلى اتفاقات المقايضة في إطار المنطقة الرمادية من أجل تعزيز الجوانب الإيجابية.
وفي مقال نشره في صحيفة "آرمان ملي" يستذكر حق شناس عددا من الاتفاقات التي بقيت حبرا على ورق بسبب العقوبات الأجنبية، مشيرا إلى أن البعض يرى في نظام المقايضة طريقا لتمويل تلك المشاريع، في حين أن المشكلة الرئيسية هي بقاء طهران في القائمة السوداء، مما يؤدي إلى مغادرة الشركات العالمية لتقليل المجازفة الخاصة بالاستثمار في المشاريع الإيرانية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
دلالات تهديد إيران بنشر معلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي
طهران- في توقيت حسّاس وفي ظل تصعيد متسارع بينهما، كشفت إيران عن ما وصفته بـ"كنز إستراتيجي" حصلت عليه من داخل الاحتلال الإسرائيلي، يتمثل في آلاف الوثائق والمعلومات السرية، ويتعلق معظمها بالبرنامج النووي الإسرائيلي وعلاقاته الخارجية.
وأعلن وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل الخطيب أن العملية كانت واسعة النطاق، معقدة وشاملة"، وجرى التخطيط لها "بدقة عالية"، وأسفرت عن الحصول على وثائق مرتبطة بـ"منشآت الكيان النووية، وبمعلومات استخباراتية حول "علاقات الكيان مع أميركا وأوروبا ودول أخرى"، قال إنها ستُستخدم في تعزيز القدرات الهجومية الإيرانية.
كما أكد أن طريقة نقلها لا تقل أهمية عن محتواها وأنها نُقلت "بأمان كامل، وأن نشرها سيتم قريبا". وأوضح أن العملية متعددة المراحل، بدأت بـ "الاختراق، ثم استقطاب المصادر، فالوصول إلى المعلومات، وتوسيع نطاقها، قبل أن يعلن "أصبحنا اليوم أمام كنز إستراتيجي بالغ الأهمية".
تقاطع نوويبدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أحمد بقائي إن هذه الوثائق تكشف عن مشاركة دول أوروبية في بناء الأسلحة النووية لإسرائيل.
وجاء هذا الإعلان في ظرف إقليمي متوتر وترافق مع وعود إيرانية بنشر الوثائق للرأي العام، ما أضفى بُعدا آخر على تداعيات هذا التطور، لا سيما في ظل الاختلاف حول تخصيب اليورانيوم الذي يخيم على محادثات الملف النووي بين طهران والولايات المتحدة.
إعلانبالمقابل، التزمت تل أبيب الصمت في حين تتكثف التقديرات حول طبيعة ردها المحتمل، وسط حديث في الأوساط الأمنية والإعلامية عن خيارات تشمل المجال السيبراني وربما الاستخباراتي الميداني.
وتتجه الأنظار إلى العواصم الغربية التي وردت أسماؤها في مضمون الوثائق، وسط مؤشرات على أن المواجهة الاستخباراتية الصامتة قد تكون مقبلة على مرحلة أكثر علانية واتساعا.
يرى الباحث في شؤون الأمن الدولي عارف دهقاندار أن إعلان طهران عن حصولها على وثائق سرية إسرائيلية، تشمل معلومات نووية حساسة وتفاصيل عن العلاقات الإستراتيجية مع دول أخرى، يمثل تطورا نوعيا في الصراع الاستخباراتي بين الطرفين، ورسالة مدروسة التوقيت في سياق التصعيد الإقليمي والدولي الراهن.
وقال للجزيرة نت إن توقيت الإعلان، المتزامن مع انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتصاعد التهديدات الغربية بتفعيل آلية الزناد ضد إيران، يشير إلى إستراتيجية واضحة تهدف إلى تعزيز الموقف الإيراني في وجه الضغوط الدبلوماسية الغربية، عبر إظهار امتلاكها أوراق ردع غير تقليدية.
وبرأيه، أرادت إيران إيصال رسالة مفادها أن ميزان القوى في الحرب الاستخباراتية لم يعد يميل بالكامل لصالح إسرائيل. وعبر هذه العملية، التي تمت على الأرجح عبر اختراقات سيبرانية وشبكات نفوذ داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، أظهرت أنها قادرة على توجيه ضربات مضادة في عمق البنية الاستخبارية للخصم.
واعتبر دهقاندار أن العملية تمثل ردا إستراتيجيا على سرقة الأرشيف النووي الإيراني من قبل الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" عام 2018، وأنها تُظهر تحولا في قواعد اللعبة، حيث لم تعد إيران في موقع الدفاع فقط، بل باتت قادرة على المبادرة والهجوم الاستخباراتي في ما يُعرف بـ "المجال الرمادي"، أي الفضاء غير المعلن للحرب بين الدول.
تصعيد قادموبخصوص تأثير هذه الوثائق على المسار الدبلوماسي، أشار الباحث دهقاندار إلى أن امتلاك إيران لمعلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي والتعاون السري بين تل أبيب وبعض العواصم الغربية، قد يمنحها أوراق ضغط إضافية في المفاوضات النووية، سواء عبر إحراج الغرب أو تبرير خطوات تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إعلانوأضاف أن نشر هذه الوثائق أو التهديد بذلك قد يُحدث تحولا في الرأي العام العالمي، ويضع ضغوطا على الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، لتفسير دعمها لبرنامج نووي إسرائيلي غير خاضع للمراقبة، في وقت تضغط فيه على إيران بشدة.
وقال دهقاندار إن العملية قد تُضعف الثقة بين إسرائيل وحلفائها، موضحا "إذا بدأ الحلفاء يشكون في قدرتها على تأمين أسرارها الحساسة، فقد يترددون في مشاركة معلومات إستراتيجية معها، وهو ما قد يؤثر على مكانتها الإقليمية والدولية".
وبشأن رد الفعل الإسرائيلي المحتمل، توقع أن تلجأ تل أبيب إلى خطوات تصعيدية، سواء عبر تكثيف الهجمات السيبرانية، أو استهداف منشآت نووية وشخصيات عسكرية داخل إيران، أو عبر العمل على تفكيك ما وصفه بـ"شبكات نفوذ إيرانية" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكنه شدد على أن أي تصعيد إسرائيلي قد يقابَل برد إيراني مماثل، في ظل تنامي القدرات الاستخباراتية والعسكرية الإيرانية، مما يعني أن كلفة المواجهة سترتفع بشكل كبير.
وأكد أن هذا الحدث لا يعكس فقط تطور إيران في مجال الاستخبارات، بل قد يكون مقدمة لتحولات أوسع في المعادلات الإقليمية، خاصة إذا ما تكررت مثل هذه العمليات أو استُخدمت بشكل ذكي في الساحة الدبلوماسية والإعلامية.
???? ادعاءات جديدة من غروسي بشأن البرنامج النووي الإيراني
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أعقاب تقريره الذي أفاد بأن إيران لا تزال تنتج اليورانيوم عالي التخصيب، أن إيران تمتلك المواد اللازمة لصنع سلاح نووي. pic.twitter.com/SLkL2nXSZ3
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) June 9, 2025
حرب الظلمن جهته، يرى خبير الشؤون السياسية روزبه علمداري، أن حرب الظل بين إيران و"النظام الصهيوني" ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى سنوات طويلة، غير أن الأعوام الأخيرة شهدت تصعيدا لافتا من جانب إسرائيل، عبر تنفيذ عمليات اغتيال وتسلل وتخريب، في محاولة لإظهار تفوقها في هذا النمط من المواجهة.
إعلانويضيف للجزيرة نت أن العملية الإيرانية الأخيرة جاءت ردا مباشرا على هذه المحاولات، لتؤكد أن يد طهران ليست خالية في معركة الظل، خلافا لما تحاول بعض الأطراف الإقليمية والدولية تصويره.
ويشير إلى أن إسرائيل تلقت ضربة استخباراتية كبرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها سعت بعد ذلك، من خلال استهداف كبار قادة حزب الله اللبناني، إلى ترميم صورتها داخليا وخارجيا، خصوصا عبر ما يُعرف بعمليات "البيجر"، ويعتبر أن العملية الإيرانية الأخيرة تعيد نوعا من التوازن في هذه الحرب غير المعلنة لصالح طهران وحلفائها في "محور المقاومة".
وعن أهمية هذه الوثائق، يقول علمداري إن فاعليتها -إن صحّت- لا تقتصر على بُعدها الاستخباراتي، بل إنها توفر لإيران ورقة ضغط نادرة في المحافل الدولية، وفي مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما أن كثيرا من الإشكالات بين طهران والوكالة ارتبطت بما سُمِّي "الدراسات المزعومة" التي استندت إلى معلومات قيل إنها مأخوذة من أجهزة مسروقة أو من خلال عمليات اختراق.
وتابع أن ملف إيران النووي نفسه بدأ عام 2002 بوثائق مسرّبة قيل إنها تخص البرنامج النووي الإيراني. لذلك، فإن امتلاك طهران لوثائق دقيقة تتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، أو دعم القوى الكبرى له، يُعد تطورا نوعيا، و"من الطبيعي أن تكون هذه العملية نتاج تخطيط طويل الأمد".
ويقلل علمداري من احتمالية الرد العسكري الفوري من جانب إسرائيل، مشيرا إلى أن وزير الاستخبارات الإيراني كشف أن الوثائق توضح مواقع منشآت حيوية إسرائيلية، ما يعزز منطق الردع أكثر من التصعيد، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن إسرائيل قد تحاول تنفيذ عمليات مماثلة في المجال الاستخباراتي، كما فعلت سابقا".
ويختم بأن "حرب الظل ستستمر، خاصة في المجال السيبراني، وهو مسار ليس بجديد في سياق المواجهة المستمرة بين الطرفين".
إعلان