أكد وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور ناصر ياسين "حرص الوزارة على حماية البيئة".   ودعا خلال مشاركته ظهر اليوم في "أسبوع الطاقة "للإنتقال إلى غازات التبريد ذات القدرة المنخفضة على الاحتباس الحراري لأننا سنتمكن من زيادة كفاءة استخدام الطاقة ونشر الطاقة المتجددة اضافة إلى تحقيق هدف الإنبعاثات الصفرية بحلول عام 2050".

  وعرض ياسين لرؤية وزارة البيئة حول كيفية خفض الطلب على الكهرباء ولانجازات "وحدة الاوزون الوطنية" داخل اللوزارة التي تعمل منذ عام 1998 لتنفيذ بنود بروتوكول مونتريال.

وجاء في كلمة وزير البيئة: "ينتج قطاع التبريد والتكييف في لبنان حوالي 7.7 ملون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية ويستهلك 6000 جيغاوات/ساعة من الكهرباء، وهذا يمثل حوالي 26 % من إجمالي الطلب على الكهرباء في لبنان. وعليه بموجب سيناريو العمل المعتاد business as usual ستزيد انبعاثات الغازات الدفيئة إلى 10 طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون وسيرتغع استهلاك الكهرباء الى حوالي 8000 جيغاوات في الساعة بحلول عام 2030 اذا استمرينا على هذا المنوال".

ورأى أن "ما يفاقم الموضوع هو عدم تملك لبنان للحد الأدنى من معايير أداء الطاقة (MEPS)، حيث تتميز الأجهزة الكهربائية المستخدمة بأداء أقل كفاءة مقارنة بالممارسات الدولية الجيدة والبلدان النامية الأكثر تقدماً. وعلى نفس المنوال، لا يوجد نظام موحد للتوسيم في لبنان ويفتقر المستخدمون إلى إرشادات واضحة بشأن تحسين كفاءة استخدام الأجهزة الكهربائية. ولا يتوفر للمستوردين والباعة الوسطاء والمصنعين حوافز كافية لطرح أجهزة كهربائية تستخدم الطاقة بكفاءة أكثر في السوق، إذ يميل الكثير من المستهلكين إلى شراء الأجهزة الكهربائية الارخص من ناحية سعرها. وهذا يحتم الإنتقال إلى غازات التبريد وأجهزة التبريد والتكييف التي تستخدم الطاقة بكفاءة افضل، والذي سيمكننا من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050 إلى 4.5 طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون وتخفيض الطلب على الكهرباء إلى أقل من 5000 جيغاوات/ساعة. ومع الإنتقال إلى غازات التبريد ذات القدرة المنخفضة على الاحتباس الحراري سنتمكن من زيادة كفاءة استخدام الطاقة ونشر الطاقة المتجددة اضافة الى تحقيق هدف الإنبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 والذي تنطوي عليه أهداف اتفاق باريس للمناخ (إتفاق باريس للمناخ، المادة 2، 2015؛ التقرير الخاص بعنوان "الإحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية".

وأضاف وزير البيئة :"من أجل تحقيق هدف الحد من الإنبعاثات، عملت وزارة البيئة من خلال "وحدة الاوزون الوطنية" وهي مشروع مشترك بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي، على وضع "الخطة الوطنية للتبريد" التي تهدف الى تنفيذ الحد الأدنى من المعايير الإلزامية لأداء الطاقة وقواعد التوسيم، كما تبيّن خطوات الإعتماد المطلوبة بناءً على البيانات الممسوحة، وتقدم توصيات لتنفيذ الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة وقواعد التوسيم للبرادات وأجهزة التبريد والتكييف.

وتوصي "الخطة الوطنية للتبريد" بالعناصر التالية لاستحداث الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة وقواعد التوسيم:

-وضع الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة.
-وضع قواعد التوسيم.
-وضع إجراءات الإختبار.
ومن التدخلات المهمة التي تتيح تنفيذ نظام الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة والتوسيم في لبنان في الوقت المناسب:

-إعتماد معايير إلزامية لاختبار السلامة والطاقة الاستهلاكية.

-إعتماد مستوى إلزامي من الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة للبرادات المنزلية وأجهزة التبريد والتكييف المنزلي.

-إعتماد جدول زمني لاستحداث وتحديث الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة  وقواعد التوسيم (أول إستحداث للحد الأدنى من معايير أداء الطاقة وقواعد التوسيم للبرادات وأجهزة التبريد والتكييف المنزلية في عام 2021).

-تحديد معهد البحوث الوطنية بصفته الوكالة الوطنية لإصدار شهادات معدات التبريد والتكييف ومراقبة السوق.

-إنشاء آلية فعالة لتسجيل المنتجات ومراقبة السوق".

وأوضح أن "وحدة الأوزون الوطنية" في وزارة البيئة تعمل منذ 1998 لتنفيذ بنود بروتوكول مونتريال ومندرجاته وملحقاته لحماية طبقة الأوزون والحد من استخدام المواد الكيميائية المستنفذة للأوزون، ومن اهم إنجازات الوحدة:

-العمل للتخلص من 500 طن من إستهلاك لبنان لمواد الهيدروفلوروكربون في قطاعات صناعة العوازل الحرارية والتكييف والتبريد ومن المتوقع التخلص النهائي لتلك المواد بحلول سنة 2030.

-تحويل 109 مصنع في كافة القطاعات الصناعية التي تستخدم مواد مستنفدة للأوزون بمواصفات عالمية صديقة للبيئة ولطبقة الأوزون.

-إنشاء ثلاثة مراكز للتدريب المهني: المعهد الفني الرسمي في الدكوانة، معهد الأمل الرسمي في الصرفند ومهنية بخعون الرسمية لإختصاص التكييف والتبريد. والعمل على تعديل مناهج التعليم لإختصاص التكييف والتبريد.

-تجهيز مركز لتدوير وتأهيل غازات التبريد في معهد البحوث الصناعية.

-تجهيز إدارة الجمارك بالمعدات اللازمة لفحص غازات التبريد في جميع المعابر والمرافئ اللبنانية. 

-إطلاق الخطة الوطنية لتدريب الفنيين العاملين في قطاعي التكييف والتبريد".

 

وختم الوزير ياسين: "ستبقى وزارة البيئة حريصة على حماية البيئة والعمل مع شركائها على تنفيذ المشاريع والبرامج التي تحمي الصحة العامة وتحافظ على البيئة. وما العمل المنجز، وكذلك قيد التحضير من قبل وحدة الاوزون الوطنية، الا شهادة على التزامنا حماية اللبنانيين واللبنانيات وكذلك احترامنا تطبيق الاتفاقات الدولية".

 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

معضلة الانتقال إلى الطاقة المتجددة كيف نَجِد مسارا عمليا إلى الأمام؟

في عام 2024 بلغ الإنتاج العالمي للكهرباء من طاقة الرياح والشمس مستويات قياسية ما كانت لتخطر على البال قبل فترة ليست ببعيدة. فخلال الـ15 سنة الماضية ارتفع إنتاج الطاقة من هذين المصدرين من صفر تقريبا إلى 15% من إجمالي توليد الكهرباء في العالم. وهبطت أسعار ألواح الخلايا الكهروضوئية بما يساوي 90%.

وتشكل مثل هذه التطورات تقدما لافتا فيما يسمى بالتحول إلى موارد الطاقة المتجددة أو الانتقال من مزيج الطاقة الحالي الذي تهيمن عليه المواد الهيدروكربونية (النفط والغاز والفحم الحجري) إلى مزيجٍ منخفضِ الكربون من موارد الطاقة تغلب عليه الموارد المتجددة.

مع ذلك كان عام 2024 عاما قياسيا باعتبار آخر أيضا. فكمية الطاقة المستمدة من النفط والفحم الحجري بلغت أعلى مستوى لها في كل الأوقات. في الواقع خلال فترة طويلة لم تتغير تقريبا حصة الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز والفحم الحجري) في المزيج العالمي لموارد الطاقة الأولية. لقد كان تراجعها طفيفا من 85% في عام 1990 إلى حوالي 80% اليوم. بكلمات أخرى، ما بات يحدث بالنسبة لهذا الانتقال ليس «تحولا في الموارد» بقدر ما كان «إضافة موارد». فنموُّ الموارد المتجددة بدلا من أن يحل محل موارد الطاقة التقليدية شكَّل إضافة لها. ومع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة ستتركز الأولويات مرة أخرى على إنتاج الطاقة التقليدية وما تدعوه إدارته «هيمنة الطاقة».

هذه ليست الطريقة التي كان من المتوقع أن ينطلق بها الانتقال إلى الموارد المتجددة. لقد عززت المخاوف من التغير المناخي التوقعاتِ بتحوِّل سريع عن الوقود الذي يطلق انبعاثات الكربون. لكن حقائق نظام الطاقة العالمي أربكت هذه التوقعات. وأوضحت أن التحول سيكون أكثر صعوبة وتكلفة وتعقيدا مما كان متوقعا في البداية. أي الانتقال من نظام الطاقة الذي يرتكز بقدر كبير على النفط والغاز والفحم الحجري إلى نظام يتأسس في معظمه على الرياح والشمس والبطاريات والهيدروجين والوقود الحيوي. وما هو أكثر من ذلك، يشير تاريخ تحولات الطاقة في الماضي إلى أن هذا الأمر ليس مفاجئا. التحولات السابقة كانت أيضا «إضافات موارد». فكل مورد جديد للطاقة كان يشكل إضافة وليس إحلالا لموارد الطاقة السابقة.

نتيجة لذلك، العالم بعيد جدا عن المسار الذي يقوده إلى تحقيق «الحياد الكربوني» بحلول عام 2050.

لا توجد خطة لاتخاذ المسار الذي يقود إلى بلوغ هذا الهدف أو تقرير حجم الاستثمار المطلوب للقيام بذلك. بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية في عام 2021 لكي يحقق العالم أهداف عام 2050 التي يتردد ذكرها كثيرا يجب أن تتراجع انبعاثات غاز الاحتباس الحراري من 33.9 جيجا طن في عام 2020 إلى 21.2 جيجا طن في عام 2030. لكن حتى الآن الوضع على العكس من ذلك. فقد بلغت الانبعاثات 37.4 جيجا طن في عام 2023. ولا يوجد سبب للاعتقاد باحتمال انخفاض الانبعاثات بنسبة 40% في 7 أعوام فقط.

تعكس حقائق أخرى على نحو مماثل تحدياتِ الانتقال إلى الموارد المتجددة. حددت إدارة بايدن هدفا وهو أن تشكل السيارات الكهربائية 50% من السيارات الجديدة المباعة في الولايات المتحدة بحلول عام 2030. لكن هذه النسبة لم تتعدَّ 10% فقط مع خفض شركات صناعة السيارات التي تواجه خسائر ببلايين الدولارات استثماراتِها في السيارات الكهربائية.

إلى ذلك، كان من المتوقع أن يصل إنتاج الكهرباء بواسطة الرياح إلى 30 جيجاواط في الولايات المتحدة بحلول عام 2030. لكنها ستواجه مصاعب لبلوغ 13 جيجاواط فقط في ذلك العام. وستزيد التغييرات في سياسة إدارة ترامب هذه الفجوة.

تشكل التكلفة جزءًا من المشكلة. فهي ستصل إلى عدة تريليونات من الدولارات بالإضافة إلى عدم اليقين بشأن الجهة التي تدفعها.

هنالك جزء آخر من المشكلة وهو الفشل في إدراك أن الأهداف المناخية لا توجد في فراغ. فهي تترافق مع أهداف أخرى تشمل النمو في الناتج المحلي الإجمالي والتنمية الاقتصادية وأمن الطاقة وخفض التلوث المحلي. وهي تتعقد بتصاعد التوترات العالمية بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب.

أيضا جزء من المشكلة الكيفية التي توقَّع بها صانعو القرار وقادة الأعمال والمحللون والناشطون حدوث التحول إلى الموارد المتجددة وكيفية تشكيل الخطط وفقا لذلك.

ما يتضح أن الانتقال في نظام الطاقة العالمي لن يتخذ مسارا خطيا (لن يحدث بطريقة منتظمة وتدريجية وسلسة). بل سيكون متعدد الأبعاد. بمعنى إنه سيتحقق بطرائق مختلفة في مختلف أجزاء العالم وبوتائر مختلفة وبمزيج مختلف من الوقود والتقنيات ووفقا لأولويات متنافسة. وسيتشكل هذا الانتقال بواسطة حكومات وشركات تحدد مساراتها الخاصة بها.

هذا يتطلب مراجعة السياسات والاستثمار على ضوء حقائق الواقع المعقد. فالانتقال إلى الطاقة المتجددة لا يتعلق فقط بالطاقة. إنه يتعلق بإعادة هيكلة وإعادة هندسة الاقتصاد العالمي بأكمله. وأول خطوة في هذه المراجعة هي فهم سبب قصور الفرضيات الرئيسية وراء الانتقال. هذا يعني محاولة فهم والتعامل مع المقايضات والقيود الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية والمادية بدلا عن تمنِّي زوالها فقط.

تحوُّل دون سابقة

تشكّلَ جزءٌ كبير من التفكير الحالي حول التحول إلى الطاقة المتجددة أثناء جائحة كوفيد-19 عندما هبط الطلب على الطاقة وانخفضت الانبعاثات الكربونية بشدة. قاد ذلك التراجع الحاد إلى التفاؤل بمرونة نظام الطاقة وإمكانية تغيُّره بسرعة. تجلّى هذا التفكير في خارطة الحياد الكربوني التي أصدرتها وكالة الطاقة الدولية في مايو 2021 وافترضت أنه لن تكون هنالك حاجة للاستثمار في مشروعات النفط والغاز الجديدة «في الطريق إلى عام 2050».

مثل هذا التفكير أسس لنظرية الانتقال الخطِّي للطاقة المتجددة مع بلوغ الحياد الكربوني ببلدان عديدة في عام 2050 ولاحقا بالنسبة لبلدان أخرى مثل الصين في عام 2060 والهند في عام 2070. لكن هذا الطموح يصطدم بالجهود المطلوبة والقيود العملية للتجديد الكامل خلال ربع قرن لقواعد الطاقة التي يرتكز عليها اقتصاد عالمي بقيمة 115 تريليون دولار.

الهدف الأساسي للانتقال إلى الطاقة المتجددة هو إحلال نظام الطاقة الحالي في معظمه بنظام مختلف تماما. لكن طوال التاريخ لم يتدهور على مستوى العالم وبشكل مطلق وخلال فترة ممتدة أي مورد للطاقة بما في ذلك المواد الحيوية كالحطب والنفايات.

بدأ أول تحول إلى مورد جديد للطاقة في عام 1709 عندما توصل حداد اسمه ابراهام داربي إلى أن الفحم الحجري يشكل وسيلة أكثر فعالية لإنتاج الحديد من الحطب. واستغرق «التحول» الذي تلي ذلك حوالي قرن على الأقل. وعلى الرغم من إطلاق اسم «قرن الفحم الحجري» على القرن التاسع عشر لاحظ عالم الطاقة فاكلاف سميل أن الفحم لم يتغلب على موارد الطاقة الحيوية التقليدية كالحطب وبقايا الحصاد حتى بداية القرن العشرين. وسيتخطى النفط الذي اكتشف في بنسلفانيا في عام 1859 الفحمَ الحجري كمصدر أول للطاقة في العالم في ستينات القرن العشرين. لكن ذلك لم يكن يعني أن الحجم المطلق للفحم الحجري المستخدم عالميا قد تقلص. ففي عام 2024 كان يساوي ثلاثة أضعاف حجمه في سنوات الستينات.

نفس هذا النمط من الاستخدام يحدث اليوم. فحوالي 30% من سكان العالم لا زالوا يعتمدون على المواد الحيوية لأغراض الطهي. ولم يبلغ الطلب على المواد الهيدروكربونية حتى الآن الذروة أو حتى «الهضبة» فالجزء الذي تمثله المواد الهيدروكربونية من الاستخدام الكلي للطاقة تغير بقدر طفيف منذ عام 1990 حتى مع التوسع الكبير في الطاقة المتجددة. (في نفس هذه الفترة زاد الاستخدام الإجمالي للطاقة بنسبة 70%.) ومن المتوقع أن تزداد أعداد سكان العالم بحوالي بليوني نسمة تقريبا في العقود القادمة ومعظم ذلك في جنوب العالم.

في إفريقيا (وهي قارة شابة ديموغرافيا من المتوقع أن تزداد نسبة سكانها من 18% من إجمالي سكان العالم اليوم إلى 25% في عام 2050) يعيش حوالي 600 مليون أفريقي دون كهرباء ويفتقر بليون نسمة تقريبا إلى إمكانية الحصول على وقود نظيف للطبخ. فالمواد الحيوية التقليدية لا زالت تغطي تقريبا نصف الاستهلاك الكلي للقارة من الطاقة. ومع نمو سكان أفريقيا سيحتاج المزيد من الناس إلى الماء والمأوى والحرارة والإضاءة والنقل والوظائف. سيوجد ذلك المزيد من الطلب على إمدادات آمنة وميسورة من الطاقة. ودون هذه التنمية الاقتصادية ستصبح الهجرة مشكلة أكبر.

إنه الاقتصاد

كان الدافع وراء الانتقالات السابقة إلى موارد جديدة للطاقة كالتحول من استخدام الحطب إلى الفحم الحجري تحسُّنُ الأداء وانخفاض التكاليف. هذان الحافزان لا يتوافران حتى الآن في جزء كبير من نظام الطاقة. فحجم الانتقال يعني أنه أيضا سيكون مكلفا جدا. إلى ذلك، أوضاع عدم اليقين في التقنية والجغرافيا السياسية والسياسات تجعل من الصعب تقدير التكاليف المرتبطة بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. لكنْ هنالك شيء واحد مؤكد وهو أن هذه التكاليف ستكون كبيرة.

صدرت أحدث التقديرات عن المجموعة رفيعة المستوى والمستقلة لخبراء التمويل المناخي وشكلت أرقامها إطارا لاجتماع المنتدى السنوي للأمم المتحدة حول التغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان. بحسب هذه المجموعة ستتراوح احتياجات الاستثمار عالميا بالنسبة للعمل المناخي بين 6.3 و6.7 تريليون دولار في السنة بحلول عام 2030 وسترتفع إلى حوالي 8 تريليونات دولار في عام 2035. وحسب تقديراتها أيضا ستتحمل بلدان جنوب العالم ما يقارب 45% من متوسط الزيادة في احتياجات الاستثمار من الآن وحتى عام 2030. وهذه البلدان متخلفة سلفا في مقابلة احتياجاتها التمويلية، خصوصا في إفريقيا جنوب الصحراء.

بناء على مثل هذه التقديرات، سيشكل متوسط حجم تكاليف الانتقال إلى الموارد المتجددة حوالي 5% سنويا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الفترة من الآن وحتى عام 2050. وإذا حدث استثناء كبير لبلدان جنوب العالم من هذه الأعباء المالية سيلزم بلدان شمال العالم إنفاق ما يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. يعني هذا للولايات المتحدة ثلاثة أضعاف الحصة التي يمثلها الانفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي وتقريبا ما يساوي مجموع ما تنفقه على برامج الرعاية الصحية لكبار السن (ميديكير) والرعاية الصحية لذوي الدخل المحدود (ميديكيد) والضمان الاجتماعي.

تعكس هذه التكاليف مدى تغلغل الوقود الأحفوري في المجتمع الحديث (ليس فقط النفط والغاز ولكن أيضا انتاج الإسمنت والمواد البلاستيكية والصلب) وما أسماه بيل جيتس «العلاوة الخضراء» مع ارتفاع تكلفة التقنيات منخفضة الانبعاثات مقارنة بتلك التي تطلق انبعاثات مرتفعة. (العلاوة الخضراء تعني التكلفة الإضافية للموارد المتجددة مقارنة بالموارد الهيدروكربونية-المترجم).

بكلمات أخرى سيتطلب تحقيق الحياد الكربوني أيضا إعادة تنظيم غير مسبوق للتدفقات الرأسمالية من شمال العالم إلى جنوب العالم. وهو ما يوجب استثمارات كبيرة في البنية التحتية للطاقة المتجددة فيما تواجه 56% من بلدان الدخل المنخفض أزمة ديون حادة، حسب صندوق النقد الدولي.

وفي حين ستساعد آليات التمويل المبتكرة (مثل مقايضات الديون مقابل حماية المناخ وحماية الطبيعة) إلا أن التصنيفات المتدنية للديون السيادية في العالم النامي تشكل عائقا كبيرا أمام الاستثمار الخارجي وتزيد من تكلفة رأس المال.

نتيجة لذلك ستتحمل بلدان الاقتصادات المتقدمة جزءا كبيرا من العبء المالي. لكن حتى في هذه البلدان ارتفع الدين كثيرا. فمتوسط الدَّين العام حاليا يفوق 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا مستوى لم يُسجل منذ الحرب العالمية الثانية، ويشكل عائقا رئيسيا لقدرة الحكومات على تمويل الانتقال إلى الموارد المتجددة من خلال الإنفاق العام.

يواجه التمويل بواسطة القطاع الخاص تحديات أيضا ولا يوجد مؤشر يذكر أن القرارات الطوعية المتعلقة بمحفظة الاستثمار ستكون وافية. فبدون حافز كاف إما عبر فرض سعر مباشر أو ضمني على الكربون أو إجراءات تنظيمية لن تتحقق التوقعات بتوجيه مدراء الأصول أو مستشاري الاستثمار التمويلَ طواعية نحو استثمارات صديقة للمناخ إلا في ظروف محدودة فقط. فواجب مديري الأصول اتباع تعليمات صاحب الأصل كصناديق التقاعد وشركات التأمين. وشهدت الصناديق التي تستثمر في الشركات الملتزمة بالاستدامة البيئية والمسئولية الاجتماعية والحوكمة الجيدة في الولايات المتحدة تدفقا رأسماليا إلى الخارج في العامين الماضيين بسبب تدني العائدات.

انعدام أمن الطاقة

التحدي التالي هو أمن الطاقة والذي لم يوفَ حقه من التقدير حتى وقت قريب نسبيا. على الرغم من أن جائحة كوفيد -19 فرضت احتياجات أخرى ضاغطة بشكل أكبر إلا أن حرب أوكرانيا وما تلاها من اضطراب في أسواق الطاقة العالمية طرَحَا أمن الطاقة مجددا على الطاولة. بل حتى قبل الحرب في نوفمبر عام 2021 استخدمت الولايات المتحدة احتياطيها النفطي الاستراتيجي لمعالجة ما أسماه الرئيس جو بايدن «مشكلة ارتفاع أسعار وقود السيارات». ومنذ ذلك الوقت سحبت الولايات المتحدة نصف نفط ذلك الاحتياطي تقريبا لمواجهة صدمات السعر (على الرغم من شروعها في إعادة تعبئة متواضعة لمستودعات الاحتياطي النفطي).

أُخِذَت الحكوماتُ الأوروبية على حين غرَّة واتخذت خطوات خاصة بها. فبعد وقف روسيا صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا طار مستشار ألمانيا أولاف شولتز إلى كندا لحثَّها على زيادة صادراتها من الغاز. وتقترح برلين دعم مشروعات جديدة لتوليد الكهرباء من الغاز ببلايين الدولارات بهدف تغطية إنتاج الكهرباء المتقطع بواسطة توربينات الرياح والخلايا الشمسية والحفاظ على استمرار الإمداد. فالحكومات ببساطة لا يمكنها القبول بعدم انتظام إمدادات الطاقة أو نقصها أو الزيادات الحادة في أسعارها. لذلك أمن الطاقة وإمكانية الحصول عليها ضروريان إذا أرادت الحكومات جعل الانتقال إلى الموارد المتجددة مقبولًا لناخبيها. بخلاف ذلك سيكون هنالك رد فعل سياسي سلبي ضد سياسات الطاقة والمناخ أو ما يعرف في أوروبا بـ «ردُّ الفعل المعادي للسياسات الخضراء» والذي يظهر أثره في الانتخابات.

ضمان حصول المواطنين على امدادات الطاقة والكهرباء في وقت الحاجة ضروري لصلاح أحوال السكان. وهذا يعني الإقرار بأن النفط والغاز سيلعبان دورا أكبر في مزيج موارد الطاقة ولفترة أطول مما كان متوقعا قبل سنوات قليلة. وهذا ما سيستلزم استمرار الاستثمارات الجديدة في كل من الإمدادات والبنية التحتية للموارد الهيدروكربونية.

الانقسام الجديد

ضمان توافر الطاقة وبتكلفة ميسورة أشد إلحاحا في بلدان العالم النامي حيث يعيش 80% من سكان العالم. في الواقع لقد ظهر انقسام جديد بين الشمال والجنوب حول كيفية الموازنة بين أولويات المناخ والحاجة إلى التنمية الاقتصادية. هذا عامل رئيسي وراء مراجعة وتيرة وشكل الانتقال إلى الطاقة المتجددة. ففي جنوب العالم يتنافس هذا الانتقال مع الأولويات الفورية للنمو الاقتصادي وخفض الفقر وتحسين الصحة. وتبدو المعضلة الثلاثية المتمثلة في أمن الطاقة وتيسير الحصول عليها واستدامتها مختلفة جدا في افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا النامية عنها في الولايات المتحدة وأوروبا. وكما ذكر رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم يجب موازنة «الحاجة إلى الانتقال مع الحاجة إلى البقاء وضمان ألا تتعرض سياساتنا الحالية للقضاء على الفقر بتقديم التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية الأساسية إلى الفشل بسبب إملاءات الآخرين التي لا تضع اعتبارا كافيا لما يلزمنا أن نواجهه».

حاليا، استهلاك الفرد من نصف سكان العالم النامي تقريبا (3 بلايين نسمة) من الكهرباء سنويا أقل من متوسط استهلاك الثلاجة الأمريكية. ومع تزايد استخدام الطاقة ستتقدم «الكربنة» على «التخلص من الكربنة».

الغاز الطبيعي خيار جاهز. وهو بديل أفضل من الفحم الحجري وأيضا من مواد الوقود الحيوي التقليدية التي تنتج تلويثا مؤذيا للهواء داخل المسكن، وعلى الرغم من توقع استقرار الطلب العالمي على النفط في بداية العقد القادم إلا أن استهلاك الغاز حسب التوقعات سيستمر في الارتفاع حتى الأربعينيات. وإنتاج الغاز الطبيعي المسال في سبيله إلى الارتفاع بنسبة حوالي 65% بحلول عام 2040 لمقابلة احتياجات أمن الطاقة في أوروبا وإحلال الفحم الحجري في آسيا ودفع النمو الاقتصادي في جنوب العالم.

تفضيل النمو الاقتصادي واضح مثلا في أحدث موازنة في الهند التي تعتمد على الفحم الحجري في تدبير 75% من إمدادها الكهربائي. لقد وعدت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتَرامان بمسارات انتقال إلى الطاقة المتجددة تؤكد على متطلبات التوظيف والنمو الاقتصادي وفي تلازُم مع «الاستدامة البيئية».

ذلك واضح أيضا في يوغندا بناتجها المحلي الإجمالي للفرد الذي يساوي 1300 دولار. فهي تهدف إلى تشييد خط أنابيب ببلايين الدولارات يمتد من حقول نفط بحيرة البيرت إلى ميناء في تنزانيا يتيح لها بيعه في الأسواق العالمية. تعتبر الحكومة اليوغندية المشروع بمجمله محركًا رئيسيًا لتعزيز التنمية الاقتصادي. لكنه واجه انتقادا حادا ومعارضة شديدة من العالم المتقدم بما في ذلك البرلمان الأوروبي.

إعادة هيكلة وشيكة لاقتصاد العالم

صدام الأولويات بين شمال وجنوب العالم لافت، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بفرض الرسوم الجمركية على الكربون. لجأت حكومات عديدة في شمال العالم كجزء من جهودها لخفض الانبعاثات إلى نصب حواجز تمنع البلدان الأخرى من اتخاذ مسار التنمية الاقتصادية نفسه المرتكز على الكربون والذي سبق أن اتخذته هي نفسها لتحقيق الازدهار.

دشَّن الاتحاد الأوروبي المرحلة الأولى من آلية تصحيح ضريبة الكربون «عند الحدود»، القصد من هذه الآلية دعم الأهداف الأوروبية لحماية المناخ عالميا بداية بفرض رسوم استيراد جمركية على سلع تطلق عمليات إنتاجها انبعاثات كربونية كالصلب والأسمنت والألمنيوم والأسمدة ثم التوسع بإدراج المزيد من المنتجات.

يحاجج من ينتقدون مثل هذه الإجراءات في شمال العالم بأنها لن تكون فعالة بسبب التعقيد الهائل لسلاسل التوريد والصعوبة المرتبطة بها في رصد الكربون المضمَّن في الواردات. أما منتقدوها في جنوب العالم فيعتبرونها حاجزا أمام نمو اقتصادات بلدانهم. حاجج أجاي سيث وزير الشؤون الاقتصادية في الهند بأن إجراءات هذه الآلية ستفرض تكاليف أعلى على الاقتصاد الهندي ويتساءل: «هل يمكننا بمستويات دخل تساوي واحد على عشرين من مستويات الدخل في أوروبا تحمُّل سعر أعلى؟ لا لا يمكننا ذلك».

بالنسبة لبلدان عديدة نامية تبدو هذه الآلية وما تُلزم به من إخطار معقَّد ومتعب بانبعاثات الكربون أقرب إلى أن تكون استخداما لرسم الكربون من جانب الجزء الغني من العالم لفرض قيمه ونظمه الإجرائية عليها وهي التي تحتاج إلى التعامل مع الأسواق العالمية لتنمية اقتصاداتها.

عدم التماثل في السياسات واضح في أهداف الانبعاثات. فهنالك أربعة بلدان هي الصين والهند والسعودية ونيجيريا تطلق 45% تقريبا من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة. ولا يستهدف أي منها بلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2050 بل إما في عام 2060 أو عام 2070.

من النفط إلى التعدين

ويعتمد الاقتصاد العالمي في مرحلة الانتقال إلى الموارد المتجددة على انتقال آخر. أي إلى التحول من شركات النفط الكبرى إلى شركات التعدين الكبرى. وهذا يعني المزيد من إنتاج ومعالجة المعادن من خلال استثمارات جديدة وكبيرة. ويترتب عن ذلك توسع كبير في النشاط الصناعي. لكن التعقيدات التي تحيط بالتعدين والمعادن المهمة تشكل قيدا كبيرا آخر على وتيرة الانتقال إلى الطاقة المتجددة.

قدرت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على المعادن المطلوبة «تقنيات الطاقة النظيفة» سيزداد إلى أربعة أضعافه في عام 2040 وعلى رأسها المعادن بالغة الأهمية كالليثيوم والكوبالت والنيكل والجرافيت وأيضا النحاس.

دانييل يرجين وبيتر اورزاغ واتول اريا– مجلة فورين افيرز

مقالات مشابهة

  • موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025.. متى يتم تطبيق الحد الأدنى والزيادة الجديدة؟
  • افتتاحية.. معضلة التحول إلى الطاقة المتجددة
  • معضلة الانتقال إلى الطاقة المتجددة كيف نَجِد مسارا عمليا إلى الأمام؟
  • تعاون بين "فالي" و"أوكيو للطاقة البديلة" لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة
  • وزيرة البيئة تُشرف على انطلاق ورشات عمل لتعزيز الانتقال نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات
  • أمريكا تخفض الرسوم الجمركية على الشحنات الصينية من 120 إلى 54%
  • العراق ثامن العرب في الطاقة المتجددة
  • بعد قرار وزارة المالية.. تعرف على موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025
  • «حكومي وخاص».. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025
  • رسميا.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 وتطبيق الحد الأدنى للأجور