لجريدة عمان:
2025-10-20@04:18:46 GMT

«الموتى لا يكذبون» «2-2»

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

شدّني هذا العمل لحمد الشهابي. يوجه المؤلف في صفحة إهداء الكتاب إلى: «حبيباتي مريم، منى، مها، مروة، منيرة، وملكة قلبي جميلة»، يليها صفحة المقدمة، التي يوضح فيها سبب انتخابه لهذه القصة المعنونة بـ«الموتى لا يكذبون» لمؤلفها الأديب الفرنسي غي. دو. موباسان. يقول الشهابي: «...قصة الموتى لا يكذبون رائعة من روائع قصصه القصيرة، أبهرتني من قوة المضمون واكتشفت فيها سعيه إلى ترك عدد من الألغاز لكي يفك طلاسمها القارئ.

.. فاشتقت أن ألعب معه لعبة المراوغة الأدبية واستخلاص اللب من هذه القصة... القصة تتحدى قارئها أن يصل إلى عمق فكرتها..» بعد ذلك يعرّفنا الكاتب بشخصيات المسرحية على التوالي والمكونة من سبع شخصيات هي: «الشيطان، أندرو، باتيستا، نورما، فاليري، عامل المقبرة، وهياكل عظمية».

تعد المسرحية من نوع المسرحية ذات الفصل الواحد؛ «فالمادة الدرامية فيها مكثفة لا تحمِل تطورا دراميا كبيرا، فهي ترتكز على موضوع واحد يُبرز أزمة أو حالة أو يطرح مرحلة في حياة شخصية ما دون الدخول في التفاصيل»، ونظرًا لكثافة الحدث وتركيز بؤرة الصراع الداخلي المتصاعد في دائرة تخصّ علاقة الحبّ بين عاشقين (باتسيتا وأندرو) فإن النص يتميز «بسرعة الإيقاع وبوحدة المكان وبقلة عدد الشخصيات التي تصور بملامحها العامة - المعجم المسرحي»، ويتمظهر هذا كله في مدارة فعل الكذب وفقدُ أحدهما للآخر ظاهريًا بسبب الموت، لنكتشف في نهاية المسرحية أن الموت المعنوي كان قد بدأ مع بداية علاقة الحب، وأن كلاهما كانا يخفيان أمرا ما عن الآخر، وبعد انتقال الحبيبة إلى العالم الآخر وتحين ساعة تسجيل الأثر الطيب على القبر، تُتكشف لنا الحقيقة الأصلية التي تكون بمثابة الصدمة للجميع.

في المسرحية يُغامر الشهابي مغامرة محسوبة وخطرة في آن، عندما يلجأ إلى خلق شخصية الشيطان، والعزف على وتيرة ما يعزفه الشيطان في داخل النفس الأمارة بالسوء! وكيف أدى تدخله إلى تأكيد بعض المقولات المجانية الجاهزة والمغلوطة التي تسكن في ثقافات الشعوب، والمقولة هي: «الشيطان يكمنُ في التفاصيل» فإلى أيّ حد تعدُّ هذه المقولة صائبة وموجودة فعلا تعتمل في تكوين داخل الإنسان؟ وفي أثناء حضور الشيطان في التفاصيل، فهل يَنتخب ما يُريد من تفاصيل أم يلعب مع العقل لعبة أشبه بالمسابقة؟ إنّها لعبة خطرة، لكنها تثري الدراما كثيرا.

من ناحية أخرى، يتمظهر سؤال المسرحية في جانب فلسفي يتعلّق بمجال الحواس، أهي كاذبة أم صادقة؟ هل تخدعنا حواسّنا أم تدلنا على الطريق الصحيح. ويتسع التفكير في ذلك السؤال ليجرّ معه أسئلة أخرى من نوع: هل كنا نعرف الميت قبل موته؟ وهل كنا على دراية بكل شيء حوله؟ ألا نريد أن نحافظ على بقاء ذاكرة الميت خالصة جميلة ونقية وطاهرة في قلوبنا؟ لا نريد تصديق أن الميت الذي أحببناه وصادقناه تمتع بالكذب معنا وبالخداع؟ إن تلك القضية هي جزء دفين مع النفس الغائرة أعماقها في رفضها التصديق بأن مَن كنا نحبه أو نُجلّه قد كان يخدعنا. الأحياء قد يكذبون ومرآة الحبّ عمياء؟ إننا كذلك نكذب، ونستطيع أن نقول (نعم أو لا) بطريقة تبدو أن القيامة سوف تقام في تلك اللحظة! فلماذا نلجأ إلى الكذب؟ وما هو الصدق؟ وما حقيقتنا؟

الناظر إلى فكرة إعداد نص مسرحي عن عمل قصصي يجده مشاعا جدا، وهي من نوع المسلّمات المستقرة نقديا. ويظل السؤال المهم فنيًا: أين الجدّة في الإعداد؟ يلجأ حمد الشهابي إلى إضافة شخصية الشيطان، فعلى حد علمي أن القصة القصيرة التي ألفها موباسان المكونة من صفحة في الترجمة التي قرأتها، ليس في طبعتها أي ذكر للشيطان، لكن المعدّ يوّسع من اللعبة لمغامرة التخييل.

من أجل إحداث صدمة على القارئ يلجأ الشهابي إلى جعل الشيطان يؤدي دورًا مزدوجًا، فنراه أمامنا بعد فتح الستارة وهو «جالس لوحده في صالة شقة أندرو وباتيستا. الشيطان قلق يقلم أظافره بأسنانه بين الفينة والأخرى ينظر ناحية باب غرفة النوم»، ويهدف من قيامه بذلك التنصّت على باب الغرفة لكي يغوي الاثنين ويضحك عليهما ويفرق بينهما.

ينطلق الشهابي من وظيفة ثابتة للشيطان في ثقافة المرجعية الدينية الإسلامية نصَّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: «إنما يُريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء» -سورة المائدة-91، وقوله تعالى أيضا: «يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما» -سورة الأعراف-27، وفي غيرها من الآيات الدالة الفاضحة لوظيفة الشيطان وهي فعل الوسوسة.

ويستفيد الشهابي من القرآن الكريم ليُدلل على تلك الوظيفة في مواقف كثيرة توزعت على فصلين ولوحات المسرحية الست. فعندما تُقرر باتيستا الخروج والذهاب لزيارة صديقتها قائلة: «...أحس أني تأخرت على موعدي مع صديقتي، ولقد أخبرتك عنه منذ يوم أمس.. لقد وعدتها بالحضور، ولا أستطيع أن أخلف وعدي»، فإن أندرو الذي كان يعلم ذلك ولكنه يُفضل أن تبقى معه ناثرا عليها معسول الكلام قائلا: «... لا تتصورين مقدار الحب الذي أشعر به، وسعادتي التي لا توصف وأنا معك»، عندئذ؛ يتدخل الشيطان للتعليق على الكلام فيقول: «لا يحبك، هذا حديث قد عفى عليه الزمن. اذهبي حيث شئت.. أنت حرة في حياتك، في جسمك، في جمالك! وهذا شيء تمتلكينه أنت وليس غيرك!»

إن الموقف الدرامي هنا، يدعو إلى السخرية؛ فالشيطان يسخر من الشخصيتين، فيجعل المشاهد مستقبلًا سلبيًا للحدث، بمعنى أن المتفرج يعي وجود الشيطان لأنه يراه أمامه، ويعي أنه يوسوس للشخصيتين كلُّ على حدة، فإمّا أن يتعاطف المتفرج مع الشخصيتين ويعدّهما ضحيتين، أو ينتظر المتفرج لعبة الخفاء والحيل التي سيلجأ إليها الشيطان لإغواء الضحيتين. تبلغ السخرية متعتها عندما يتهكم الشيطان حتى على نفسه بالقول: «(معلقا) سحر النساء.. أوف.. أخاف منه وأنا الشيطان»، وفي موضع آخر يقول: «واصلي.. (يلتفت إلى المشاهدين) هذه المرأة تستطيع أن تضحك حتى عليَّ أنا، وتخدع عفاريت العالم وغيلانه جميعًا..».

منبع التعليقات الساخرة كما يرى باتريس بافيس في (معجم المسرح) تصدر بفعل مبدأ السخرية الدرامية، فهي مرتبطة بالموقف الدرامي الذي تنطلق منه. فالمهم في هذا الموقف بالمسرحية أن يجري تثبيت وظيفة أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وبما أننا لا نراه ولا نسمعه إلا في التكوين الداخلي للنفس البشرية الضعيفة، فإن الشيطان يولّد طاقة التخييل على قدر الموقف الدرامي، وعند هذه اللحظة -بحسب باختين- يعثر المتفرج على ميزة السخرية الضاحكة؛ بتحويل فعل الضحك- ضحكنا- إلى سخرية تجعلنا في وضعية كشف لذواتنا من خلال الصورة التي يقدمها لنا الشيطان.

إن مقولة الشيطان للجملة السابقة سيُؤدي إلى إضحاك الجمهور، مما ينقل شخصيته من وظيفة الشر المُطلق، إلى تسكينه في دور أقرب بدرجة من درجات فن الفارْس Fairs وهو فن يقوم فيه الإضحاك على المبالغة الكلامية والحركية، وكم تبدو هذه الشَعرة حادة وطفيفة تقلب الجدية إلى سخرية.

في النص الثاني (رقصة الباليه الأخيرة) المكثف حدثًا وبناءً وتوصيلًا يلعب الشهابي على ثلاث شخصيات هي (ياسين، وهو شاب متهور لعوب، وسُمية زوجته، وعواطف حبيبته)، ويسبق التعريف بشخصيات المسرحية، كلمة المؤلف التالية: «احذر من اللعب ضد المرأة؛ لأنها لو اكتشفتك تفعل ذلك ستحولك إلى لعبة نكرة...».

سأتجاوز هذا التحذير للتركيز على نقطة واحدة تتمثل في ديمومة الدراما بالاتكاء على خصوبة أضلاع مثلث العلاقات الزوجية: ضلع الزوجة والزوج والصديق. لا يتكرر حضور هذا الضلع بتقليديته في هذه المسرحية، لكنه يحوم في أرجائه ويتغلغل عبر فعل الخيانة المحبب كثيرا في هذا النوع من العلاقات الدرامية؛ لأن فعله يقود إلى لعبة الانتقام. فمتن النص الحواري ولعب الشخصيات الثلاث يكشف عن اشتراكها المتكافئ معا في إدارة الصراع.

ختاما، ستعثر منظومتا علم النفس والنسوية على ضالتهما في هذين النصين الجميلين اشتغالا، سواء على صعيد المحتوى أو على صعيد البناء. وستكون مهمة المُخرج المسرحي أو الدراماتورج الذي سوف يتصدى أحدهما إلى تقديم نص العرض المسرحي، الاستناد قبل كل شيء إلى قراءة المنهج الذي يُساعد على توليد العلامات غير الظاهرة وفق المنظورين (الداخلي - الخارجي) كعلامات حوار عامل المقبرة: «اسمع يا بني.. قد يَكذب الأحياء علينا، ولكن الموتى لا يكذبون» والتي بعدها يكشف (أندرو) الجانب الخفي الحقيقي الصادم لحبيبته (باتيستا)، والعلامات المتشابهة الأخرى على قبور الآخرين. كذلك حوار (سمية وعواطف) وإعلانهما معاقبة (ياسين) على ما اقترفه من ذنب تجاههما، والنهاية الساخرة لشخصيته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی التفاصیل

إقرأ أيضاً:

لعبة Avatar Legends الجديدة تشعل حماس عشاق السلسلة

بعد سنوات من التساؤلات بين عشاق سلسلة "Avatar"، جاء الجواب أخيرًا على السؤال الأشهر: من سيفوز في معركة بين آنج وكورا؟ الإجابة لن تأتي هذه المرة من مقاطع المعجبين أو الرسوم الهزلية، بل من تجربة تفاعلية كاملة في لعبة قتال جديدة كليًا تحمل عنوان Avatar Legends: The Fighting Game، التي كُشف عنها رسميًا خلال فعاليات معرض نيويورك للقصص المصورة، على أن تصدر عالميًا في صيف 2026.

اللعبة، التي تُطورها شركة Gameplay Group International، تمثل أول دخول رسمي لعالم Avatar إلى ساحة ألعاب القتال الاحترافية. ووفقًا للعرض التشويقي الأول الذي نُشر عبر قنوات الشركة، فإن اللعبة ستقدم مزيجًا من الرسوم المذهلة ونظام لعب يُذكّر بسلاسل كلاسيكية مثل Street Fighter، ولكن مع أبطال وأشرار من عالم Avatar: The Last Airbender وThe Legend of Korra، الذين يجتمعون في تجربة واحدة للمرة الأولى.

بحسب صفحة اللعبة على متجر Steam، فإن Avatar Legends: The Fighting Game ستضم عند إطلاقها 12 شخصية قابلة للعب، مع خطط لإضافة المزيد في تحديثات موسمية مستمرة، ما يعني أن اللعبة ستستمر في التوسع بمرور الوقت لتشمل وجوهًا مألوفة جديدة من عالم المسلسلين الشهيرين.

ورغم أن مقاطع اللعب لا تزال في مراحلها الأولية، إلا أن المطورين كشفوا عن تفاصيل مهمة حول نظام القتال الفريد، الذي يعتمد على ما وصفوه بـ"نظام التدفق" — وهي آلية تمنح اللاعبين حرية تنفيذ الهجمات بسلاسة وانسيابية مع إمكانية دمج حركات الدعم الخاصة، ما يجعل كل معركة أكثر حيوية واستراتيجية.

وصرّحت الشركة المطوّرة أن اللعبة صُممت لتجسيد روح ألعاب القتال الكلاسيكية، لكنها في الوقت نفسه تواكب تطورات الجيل الجديد من الأجهزة عبر نظام تحكم سريع الاستجابة، وتجربة لعب عبر الإنترنت تُركّز على الأداء المستقر والتكامل الكامل بين المنصات.

ومن المقرر أن تتوفر اللعبة على مجموعة واسعة من الأجهزة، تشمل PS4 وPS5 وXbox Series X وS وNintendo Switch 2 إلى جانب الحواسيب الشخصية عبر Steam. كما أكدت Gameplay Group أن اللعبة ستدعم اللعب المشترك بين المنصات المختلفة، ما يفتح الباب أمام معارك عالمية تجمع اللاعبين دون قيود على نوع الجهاز.

ولم تنس اللعبة أيضًا أولئك الذين لا يفضلون اللعب التنافسي، إذ ستتضمن طور قصة فردي يقدم محتوى أصليًا يروي مغامرة جديدة داخل عالم Avatar، تجمع بين الشخصيات المميزة وأسلوب الرسوم المتحركة الذي أحبّه الجمهور في النسخ التلفزيونية.

ويأتي هذا المشروع في وقت يتزايد فيه اهتمام الشركات بإحياء العلامات الكلاسيكية عبر ألعاب قتال حديثة، خاصة بعد نجاح إصدارات مثل Mortal Kombat 1 وTekken 8. ومع تنوع شخصيات Avatar بين متحكّمي العناصر الأربعة – الماء، والهواء، والأرض، والنار – تبدو الفكرة مثالية لتجربة ديناميكية ثرية من حيث أساليب القتال والاستراتيجيات.

كما أشار بعض المتابعين إلى أن الفريق المطور يملك خبرة في ألعاب القتال السابقة، ما يزيد من التوقعات الإيجابية تجاه جودة اللعبة القادمة. والأهم من ذلك، أن هذا المشروع لا علاقة له بالمطور الذي أصدر سابقًا لعبة Avatar: The Last Airbender - Quest for Balance، والتي لم تحقق النجاح المرجو.

وفي انتظار إصدار اللعبة في صيف 2026، يبدو أن Avatar Legends: The Fighting Game ستكون فرصة حقيقية لعشاق السلسلة لتحديد من هو الأقوى: آنج أم كورا؟ والأهم، لتجربة عالم Avatar بطريقة لم يشهدوها من قبل — مليئة بالقتال، والطاقة، والذكريات.

مقالات مشابهة

  • رسمياً.. حظر لعبة روبلوكس في العراق
  • لعبة 1000xResist تصل إلى منصات Xbox وPS5 في نوفمبر
  • أوبار المسرحية تحصد ثلاث جوائز في مهرجان مسرح الطفل العربي
  • لعبة تتحول إلى مأساة.. قنبلة تنفجر بأيدي أطفال
  • تأجيل محاكمة المتهم بدهس سيدة بسيارة نقل في البحيرة لجلسة 25 أكتوبر
  • ناجى الشهابي: سأركز على الدفاع عن الوطن واستعادة دور الطبقة المتوسطة
  • لعبة ترامب الخفية في حرب أوكرانيا.. هل يزود كييف بصواريخ "توماهوك"؟
  • لعبة Avatar Legends الجديدة تشعل حماس عشاق السلسلة
  • مشروع لعبة جديدة من عالم Dragon Ball قادم في عام 2026
  • إدارة لعبة الكذب على الجماهير في العراق!