تولت جهات حكومية فلسطينية في غزة، اليوم السبت، دفن جثث 43 شهيدًا مجهولي الهوية في مقبرة جماعية بعد أن قضوا في هجمات الاحتلال المتواصلة منذ 15 يومًا.

ونشرت وزارة الصحة في غزة مقطع فيديو يوثق إنهاء إجراءات تجهيز جثث الشهداء قبل دفنهم في مقبرة جماعية في ظل تعذر التعرف على هوياتهم، وقال طبيب ظهر في مقطع الفيديو إنه تعذر التعرف على هويات القتلى بسبب تحول أجسادهم إلى أشلاء.

أخبار متعلقة غزة.. ارتفاع عدد الشهداء إلى 4385 منذ 7 أكتوبرقوات الاحتلال تعتقل 102 فلسطيني في الضفة الغربية

من جهته، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف إن دفن هؤلاء الشهداء مجهولي الهوية تم بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة من وزارتي الصحة والأوقاف بإشراف الطب الشرعي.

مشاهد مروعة

وذكر معروف أن هؤلاء تواجدوا في ثلاجات القتلى بعدة أيام منذ أيام وعدم التعرف عليهم، وبدء تغير معالم الجثامين، مشيرًا إلى أن من بينهم "أمهات تحتضن أطفالهن فاختلطت أشلاءهم جميعًا، وبينها ثلاثة أجنة خرجت من بطون أمهاتهم المبقورة وأسر كاملة تم تكفينها في كفن واحد لتحولهم لأشلاء".

وقبل ستة أيام جرى الإعلان عن دفن جثث 63 قتيلا من مجهولي الهوية في مقبرة جماعية بعد تعذر التعرف عليهم. في هذه الأثناء واصلت طائرات حربية إسرائيلية غاراتها بشكل مكثف في مناطق متفرقة من قطاع غزة مستهدفة أحياء سكنية ومقرات مدنية وفصائل أخرى. وقالت مصادر فلسطينية إن هجمات إسرائيل دمرت 24 برجًا سكنيًا متعدد الطوابق في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة بعد تحذير السكان بضرورة إخلائها.

المصدر: صحيفة اليوم

كلمات دلالية: غزة مقبرة جماعية شهداء غزة مقبرة جماعیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الهوية المغاربية بين لسان الأمة وذاكرة التحرير.. قراءة في مشروع الاستقلال الثقافي

يواصل الكاتب والمفكر الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان في هذا النص العميق، المكتوب خصيصا لـ "عرلابي21"، تقصّي جذور الهوية في شمال إفريقيا عموماً، وفي الجزائر خصوصاً، مستندًا إلى وثائق تاريخية ومواقف سياسية صاغها رجال التحرير الوطني واحتضنها الشعب الجزائري في استفتاء تاريخي حاسم.

ومن خلال تحليل شفاف، يعيد الدكتور بن نعمان فتح ملف "الوحدة الثقافية والاجتماعية" في الفضاء المغاربي الإسلامي، من منظور يتجاوز الحواجز المصطنعة التي خلفها الاستعمار، ليؤكد أن الاستقلال السياسي لا يكتمل دون استقلال لغوي وهوياتي.

إنه نصّ يحفر في أعماق التاريخ والذاكرة، ليثبت أن اللسان العربي والدين الإسلامي لم يكونا مجرد موروثين، بل كانا مقوّمين مصيريّين في معركة الحفاظ على الذات في وجه مشاريع المسخ والتذويب، ويذكّر بأن ما توحّد عليه الشعب يوم إعلان الثورة هو ذاته ما ينبغي أن يوحّد حاضر الأمة ومصيرها.

اللغة التي تبناها السكان الموجودون

إن اللغة الوحيدة المكتوبة في بلاد المغرب الإسلامي البلاد الإفريقية الإسلامية المجاورة هي العربية التي تبناها السكان الموجودون في هذه المنطقة عبر القرون ممن كانوا تحت الاحتلال الروماني مثل بلاد  المشرق الإسلامي في مصر والشام وبلاد الرافدين بدولها الحالية الناطقة بالعربية، كذلك إلى عهد  الاحتلال الفرنسي  للبلاد  المغربية والاحتلال الأنجليزي للبلاد المشرقية حتى الحرب العالمية الأولى التي انتهت  بإلغاء الخلافة الإسلامية وتفتيت دولها الوطنية بمخطط (سايس ـ بيكو) المدمر لوحدة الأمة، لتبدأ محاربة   اللغة العربية بطرق مباشرة وملتوية مثلما كانت في الجزائر قبل ذلك ثم لحقتها كل من تونس والمغرب اللتين وضعتا تحت الحماية الفرنسية..

ونعود إلى الجزائر التي كانت من الأراضي الفرنسية ماوراء البحر كما كانت تسمى رسميا.. وكادت  تصبح أندلسا ثانية بعد أن قضى الاحتلال على مقاومة الأمير عبد القادر ومد نفوذه على كامل الأرض والشعب ولكن ليس على روح الشعب التي ظلت حية مثل النار تحت الرماد ولم تخمد قط حتى بداية  الثورات التحريرية في البلدان الثلاثة كما يرمز إليها اسم (نجم شمال إفريقيا المؤسس سنة 1924) إلى انطلاق ثورات التحرير في هذه البلدان مع مطلع الخمسينيات كما هو معلوم.. ونظرا لتشبث المستعمر الفرنسي  بالجزائر كأول منطلق له وموطئ قدم لاحتلال معظم بلدان القارة السمراء بعد ذلك..   فقد ظل  يعتبر الجزائر  قطعة لا تتجزأ من (فرنسا الأم) ترابا وشعبا وشيد في أعالي عاصمتها أكبر كنيسة في القارة أطلق عليها اسم (سيدتنا الأفريقية!؟)

ولكن رغم محاولته استئصال كل مقومات الأمة وهوية الشعب.. إلا أن مساعيه ومخططاته كلها باءت بالشل الذريع طوال سنوات وجوده المباشر في الجزائر وذلك بفضل اعتصام الشعب كله بمقومات هويته الوطنية دينا ولسانا على ضعف الوعي بالدين ومحاربة لسانه واعتباره أجنبيا عن ملايين السكان الأصليين الموجودين قبل الاحتلال بقرون والمنحدرين من شتى الأصول البشرية المنصهرة في بوتقة ثقافية واحدة متجانسة الأنماط في عمومياتها كما هو معلوم حتى وقوع الغزو الفرنسي المشؤوم سنة 1830!؟

رغم محاولته استئصال كل مقومات الأمة وهوية الشعب.. إلا أن مساعيه ومخططاته كلها باءت بالشل الذريع طوال سنوات وجوده المباشر في الجزائر وذلك بفضل اعتصام الشعب كله بمقومات هويته الوطنية دينا ولسانا على ضعف الوعي بالدين ومحاربة لسانه واعتباره أجنبيا عن ملايين السكان الأصليين الموجودين قبل الاحتلال بقرون والمنحدرين من شتى الأصول البشرية المنصهرة في بوتقة ثقافية واحدة متجانسة الأنماط في عمومياتها كما هو معلوم حتى وقوع الغزو الفرنسي المشؤوم سنة 1830!؟فوجد الشعب نفسه في مواجهة هذا العدو الاستئصالي وحده  بالرجوع إلى ذاته والبحث عن مقوم هويته في نفسه وفي زواياه التي ظلت تمثل قلاعا حصينة للحفاظ على دينه ولسانه بأغلى ما يملك من وسائل  البقاء على قيد الحياة (جسدا وروحا) باعتصامه في تلك القلاع الروحية المنيعة التي أصبحت حصونا تقيه من عمليات المسخ والفسخ والتذويب والتفقير والتكفير والتنصير إلى أن اندلعت  ثورة التحرير في الجزائر بعد اندلاعها في المغرب الأقصى وتونس بالتنسيق مع (مكتب تحرير (المغرب العربي) الذي كان مقره بالقاهرة تحت رئاسة شيخ المجاهدين وقاهر الإسبان والفرنسيين الأمير محمد عبد الكريم الخطابي  وعضوية ممثلين عن  الجزائر وتونس حتى اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية التي قلبت أوضاع الاحتلال الفرنسي في كل القارة الأفريقية رأسا على عقب..!!؟؟..

وقد وجد الشعب مقومات هويته جاهزة بين يديه فحافظ عليها بأغلى الأثمان بفضل إرادة الشعب في الاستقلال بقيادة حزب الشعب الجزائري وقيادة روحية وإصلاحية دينية ذات طابع سياسي مغلف بالثقافي!؟

فوجد الشعب نفسه سياسيا في حزب الشعب وثقافيا أو هوياتبا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بشعارها المعروف الذي تبنته الحركة الوطنية السياسية وضمنته حرفيا في بيان ثورة التحرير كما سنرى بعد حين فيما يتعلق بالانتماء إلى الأمة المحمدية قولا وفعلا!؟ علما  أن الاحتلال الفرنسي وجد المؤسسات الثقافية ومحو الأمية باللغة العربية أرفع بكثير من واقع الشعب الفرنسي ذاته كما تثبته وثائق وشهادات الفرنسيين أنفسهم!

وقد ظلت الزوايا والمراكز الثقافية تؤدي دورها تحت الحكم العثماني كما كانت منذ الفتح الإسلامي دون أن تفرض اللغة التركية على الأهالي في الإدارة والتعليم!؟  وهو عكس ما فعله خلفاؤهم من الفرنسيين  الحاقدين على هوية الإسلام ولغة القرآن بعد ذلك طوال سنوات الهيمنة الصليبية الفرنسية لمدة قرن وثلث القرن من الاحتلال المباشر للجزائر التي أصبحت تعتبر رسميا ثلاث مقاطعات إدارية تابعة للدولة الفرنسية!!؟؟.

وأذكر في هذا السياق إجابة الرئيس التركي رجب  طيب أردوغان عند زيارته الأولى للجزائر على صحفي (جزائري!؟) سأله بالفرنسية عن الاحتلال العثماني للجزائر فقال له الرئيس التركي: لو كان العثمانيون محتلين للجزائر مثلما تقول  لخاطبتني اليوم بالتركية وليس بالفرنسية!؟. وكان ذلك في ندوة صحفية مشتركة مع الوزير الأول الجزائري آنذاك (عبد المالك سلال) الذي أمر بترجمة كلام الرئيس التركي إلى الشعب الجزائري من التركية إلى الفرنسية وليس إلى اللغة العربية الوطنية والقومية للشعب الجزائري (كما تنص عليه المادة الثالثة من الدستور الوطني منذ 1963!؟!؟).

هذا للإشارة فقط إلى جوهر الصراع الهوياتي القائم الذي عرفنا بدايته ولا نعرف نهايته أبدا لأن الاحتلال لا ينتهي بتبادل إمضاء أوراق الاستقلال وتبادل الاستلام والتسليم للوثائق الرسمية والكراسي الذهبية والخشبية من الأيدي الأجنبية إلى الأيدي المحلية!؟

وقد كانت العربية في الجزائر منذ الفتح الإسلامي هي لغة التعليم الوحيدة في كل البلاد المغاربية كما قلنا منذ اعتناق أهل المغارب طواعية للإسلام  دينا  وتبني حرف قرآنه لسانا جامعا وعلما نافعا وشرعا رادعا  وبقي في الأوطان رجال يحكمون بالعدل ويسمعون في المحاكم صوت الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه!؟     

وستظل  البلاد المغربية موحدة الثقافة واللسان الناطق بالبيان نتيجة حفظ القرآن في الصدور قبل السطور  على غرار كل البلاد المشرقية كليبيا ومصر وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان واليمن والحجاز وعمان وغيرها من البلاد الاسلامية الناطقة بالعربية؟

ونؤكد ما قلناه في عدة مقالات ومناسبات وسياقات بأن اكتساب الألسنة واعتناق الأديان وتبني الثقافات ليس له أية علاقة بالأعراق والسلالات والأصول القارية والألوان الفسيفسائية للبشرات الآدمية الخاضعة للعوامل المناخية..!؟

فدولة البرازيل المتعددة الأعراق والألوان (الأفريقية والهندية الحمراء والسمراء) لغتها هي البرتغالية (الرومانية الأصل...) والميكسيك مثلها في الأصول الهندية الأمريكية لغتها الأسبانية (الرومانية الأصل  كذلك..) والسينيغال الأفريقية المسلمة لغتها هي الفرنسية (الجرمانية الإسم والرومانية الأصل كذلك) ونيجيريا الأفريقية وأمريكا الشمالية نفسها مع كندا (بازار الأعراق والألوان البشرية..) لغة الدول الثلاثة  هي الأنجليزية إلى جانب الفرنسية في مقاطعة الكيك الكندية!؟

هذه اللغة الأنجليزية التي لم تكن شيئا مذكورا قبل خمسة قرون فقط مثل أختها الفرنسية (الرومية) لهجة  باريس الحالية الغازية لأقطارنا الأفريقية المسلمة العربية والمسيطرة على مقدراتنا إلى هذه اللحظة مع بعض التفاوت في الدرجة بين الدول الشمال إفريقية الفرنكوفونية!!؟! (وهذا خارج عن موضوع حديثنا    في هذا المقام والمقال!؟).

ظلت الزوايا والمراكز الثقافية تؤدي دورها تحت الحكم العثماني كما كانت منذ الفتح الإسلامي دون أن تفرض اللغة التركية على الأهالي في الإدارة والتعليم!؟ وهو عكس ما فعله خلفاؤهم من الفرنسيين الحاقدين على هوية الإسلام ولغة القرآن بعد ذلك طوال سنوات الهيمنة الصليبية الفرنسية لمدة قرن وثلث القرن من الاحتلال المباشر للجزائر التي أصبحت تعتبر رسميا ثلاث مقاطعات إدارية تابعة للدولة الفرنسية!!؟؟.وما نؤكد عليه فقط هو أنه لا عنصرية ولا عرقية في الإسلام وأن الشعوب تأخذ أسماءها من أسماء لغاتها المتبناة كقاعدة عامة (وليس كاستثناء) وإن لم تعلنها من الناحية الشكلية أو الإسمية الحرفي  !!وأن إمام الجزائر عبد الحميد بن باديس (القبائلي الصنهاجي) قد حسم هذا الأمر نقلا وعقلا بقوله: "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب".. والعروبة هي الصفة العربية المكتسبة باللسان فقط مثل الصفة الفرنسية المكتسبة من ملايين العرب والبربر (الشمال أفريقيين) المتجنسين المندمجبن في ثقافة الأمة الفرنسية  الحالية لسانا وقانونا وحقوق مواطنة، ولو  في حدودها الدنيا، تحت علم الجمهورية الفرنسية الواحدة الكاملة وغير المنقوصة السيادة. واللغة الفرنسية المتبناة عندهم هناك تمت بالارادة وليس بالوراثة والولادة!!

وقياسا على ذلك كان يمكن أن تكون البلاد المغاربية كلها مسلمة أو مسيحية وإلى أوروبا تنتسب حسب لسان كل دولة فيها كما قال الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك بالنسبة للدولة الأمة (وليس الدولة في الأمة) أو الدول الكثيرة  في الأمة الواحدة المتعددة الدول كما هو شأن العرب في الوقت الحاضر!؟

إن اعتناق الدين واكتساب اللسان القومي وتبني الأنماط الثقافية دائما يكون بالإرادة وليس بمكان الولادة، والدليل على ذلك أن الجزائر ظلت 132 سنة فرنسية في القانون الدولي والأوراق والبرامج المدرسية والمناهج التربوية والمؤسسات الرسمية ولكن نفوس الشعوب المغاربية في غالبيتها الساحقة ظلت مسلمة عربية تحت الأعلام الأجنبية في الإدارات المحلية.

وقد ثبت  للمحتلين والغزاة من كل الأصقاع والأنواع  أن ما جمعته يد الرحمان لا تفرقه يد الشيطان مهما تعدد وتنكر بمختلف الأشكال والألوان ما لم تضعف إرادة الإنسان وتتزعزع في نفسه قوة الايمان!؟ وأن تقرير المصيرالذي تم إجراؤها في الجزائر نتيجة انتصار الشعب بإرادة  التحرير وتقرير المصير الذي تم لصالح الاستقلال بنسبة 97% على المستوى الوطني في جميع المقاطعات الإدارية يوم 3 يوليو سنة 1962.

ولو صوت الشعب الجزائري يومها بالأغلبية لصالح البقاء تحت الحكم الفرنسي مع التمتع بكل حقوق  المواطنة مثل كافة الفرنسيين لما اعترفت فرنسا باستقلال الجزائر ولما انفصلت هذه الأخيرة عن فرنسا  وأصبحت عضوا كامل الحقوق والواجبات في جامعة  الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة مثل كل الأشقاء في المغرب والمشرق العربيين حتى الآن .!؟!!

ولو تم تزوير الاستفتاء (على الطريقة العربية) لصالح المحتل لكانت فرنسا اليوم تضم حوالي 120 مليون   نسمة وليس نصف هذا العدد  وهو في نقصان مطرد  رغم ارتفاع  نسبة خصوبة  الجالية  العربية  المسلمة المتجنسة اختياريا في فرنسا بعد الاستقلال في إطارالاتفاقيات المبرمة بين الدولتين (الفرنسية والجزائرية).

وها هي المبادئ الواردة في نص البيان الذي انطلقت بموجبه ثورة التحرير الجزائرية بعد الثورة التونسية والمغربية كما أسلفنا ونقتصر هنا على ما يهمنا في البيان من بنود تتعلق بالهوية والانتماء الذي انتقلت الجزائر بموجبه من الفسطاط الفرنسي الروماني إلى الفسطاط العربي الإسلامي مثلما كانت قبل ذلك بثلاثة عشر قرنا خلت  تحت مختلف الدول الوطنبة ضمن الخلافة الإسلامية في دمشق وبغداد والأندلس والأستانة حتى صبيحة الغزو الصليبي لها على يد الجيوش الفرنسية سنة 1830!؟ .

 وهذا هو البيان الصريح الموجه لكل الجزائريين عن أهداف الثورة المباركة، التي يحدد فيه بيانها الانتماء والهوية الثقافية والوطنية للجزائر المسلمة العربية ضمن البلاد الشمال أفريقية في البنود التالية :

1 ـ "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية ذات السيادة ضمن المبادئ الإسلامية".

2 " تحقيق وحدة شمال أفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي".

ونلاحظ  الإعلان الصريح عن الانتماء الطبيعي والهوية الوطنية ذات الأصل الثقافي والبعد الجغرافي والطبيعي (العربي الإسلامي)، وليس الأفريقي أو المتوسطي أو حتى النوميدي، فضلا عن الروماني أو اللاتيني أو "الفرنكفوني".

3 ـ " احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني".

إن اعتناق الدين واكتساب اللسان القومي وتبني الأنماط الثقافية دائما يكون بالإرادة وليس بمكان الولادة، والدليل على ذلك أن الجزائر ظلت 132 سنة فرنسية في القانون الدولي والأوراق والبرامج المدرسية والمناهج التربوية والمؤسسات الرسمية ولكن نفوس الشعوب المغاربية في غالبيتها الساحقة ظلت مسلمة عربية تحت الأعلام الأجنبية في الإدارات المحلية .ونلاحظ هنا عدم وجود كلمة "لغوي" في البند، وهو ما يعني صراحة أن البيان الجهادي الوحدوي والسيادي يقر حرية الاعتقاد وتعدد الأديان داخل المجتمع الواحد كما هو شأن كل البلاد الإسلامية، ولكن البيان  يرفض التعدد اللغوي الرسمي، لأنه الفيصل القاطع في السيادة، وأن التلاعب فيه أو التلاعب به يؤدي حتما إلى ما لا يقبل التعدد على الإطلاق ألا وهو الهوية الوطنية لوحدة الشعب (لسانا ووجدانا.)،لأن الإنسان يمكن أن يكون (مسلما فرنسيا) ولكنه لا يمكن أن يكون (عربيا فرنسيا) في الوقت ذاته بالنسبة للهوية لأن الهوية الواحدة مثل الأم الوالدة لا تقبل التعدد على الإطلاق !!؟ والعروبة هنا  بالثقافة  المكتسبة بالارادة وليس بالوراثة المخولة للانسان بالولادة. وفرنسا بخليطها البشري من كل الألوان والأصول أقوى دليل على ما نقول وهي دولة لائكية ولكن لها وزارة للهوية ولغة واحدة وطنية ورسمية هي اللغة الفرنسية   جوهر الهوية الوطنية  رغم وجود أكثر من 10 لغات جهوية متداولة محليا وشعبيا على التراب الفرنسي ولكنها لا تحظى أية واحدة منها بالصفة الوطنية ولا الرسمية لأنها تتناقض مع وحدة الهوية للدولة الفرنسية!؟..

 وتفاديا لاحتمالات المستقبل الذي قد تخبئه التقلبات السياسية للدولة المستقلة التي نعيش تحت رايتها اليوم.. يطالب البيان المذكور بحس وطني رفيع المستوى وثابت المحتوى، وكأني به قد استشرف محرروه ما يدور في أيامنا هذه من محاولة التلاعب بأسس الكيان والهوية والانتماء لغير الأمة المحمدية (دينا ولسانا)  فطالبوا فرنسا في نص البيان بـ "الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل القرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر ارضا فرنسية التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات للشعب الجزائري".

ونعتقد أن هذا الرفض القاطع للجنسية الفرنسية وهويتها اللغوية والدينية والثقافية، من أصحاب البيان، والذي يصرح فيه الثوار بأن للجزائرهوية وشخصية متميزة تتكامل فيها كل المقومات التاريخية والجغرافية واللغوية والدينية والثقافية التي تجعلها غير فرنسية ..

وإذا لم تكن لغة الشعب الجزائري هي الفرنسية كما ينص البيان، ولم يكن دين الشعب هو المسيحية كما ينص البيان أيضا، فما هو بديل هذه اللغة وبديل هذا الدين غير العربية والإسلام المؤكدين في البندين(1و2).. وإذا قال بعضهم بأن اللغة المقصودة هنا في البيان هي (البربرية) وليست العربية فإننا نحيلهم على نص نشيد "فداء الجزائر" لحزب الشعب الجزائري، الذي ينتمي إليه كل مفجري الثورة المجيدة والقائل في أحد مقاطعه: فلتحي الجزائر مثل الهلال، ولتحي فيها العربية".. ويجسد شعاره الخالد المطبوع على بطاقات المناضلين في كافة أنحاء الوطن، وهو: "الجزائر وطننا، الإسلام ديننا والعربية لغتنا" وهو الشعار ذاته الذي كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد وضعته عند تأسيسها سنة 1931 غداة إحياء الذكرى المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر والذي رفع فيه الغزاة الفرنسيون نعشا يرمز إلى موت الإسلام ولغة القرآن في الجزائر يومها وظلت تعمل على ذلك طوال وجودها دون ملل أو كلل حتى الآن بطرق آخرى "استحلالية" غير عسكرية!؟

ويتبين من روح البيان أن الجزائر وإن انهزمت عسكريا بعد وقوعها تحت الاحتلال المباشر سنة 1830 فإنها لم ترضخ أبدا ولم تستسلم قط لإرادة المحتل، ولم تتخل عن روحها الوطنية والوحدوية الجادة والحقيقية، ولم ترض بالاندماج في الكيان الأجنبي الدخيل وطوال 132 سنة لم تعرف المقاومة الشعبية معنى الراحة والفتور (إلا كالنار تحت الرماد)، وقد سارت هذه المقاومة في خطين متوازيين متكأملين  (ثقافي هوياتي وسياسي جهادي) دون هوادة أو انقطاع حتى توقيف القتال بعد سنوات حرب التحرير المتوجة باستفتاء  تقرير المصير المذكور الذي تم بموجب نتائجه الساحقة اعتراف فرنسا في مساء ذلك اليوم المشهود باستقلال الجزائر، علما أن هذا الاستفتاء كان  بطلب ملح  من الجنرال ديغول ذاته على قيادة ثورة التحرير كما  قال لي الرئيس بن يوسف بن خدة رحمه الله، وقد فصلت  ذلك في كتابي (جهاد الجزائر: حقائق التاريخ ومغالطات الجغرافيا..) الصادر في ذكرى العيد العشرين للاستقلال (1982) أثناء حياته وقد أقرني عليه وكتب له التقديم أحد كبار قادة  الثورة ورئيس أركان حرب قاعدتها الشرقية  وأول وزير للمجاهدين في حكومة الاستقلال وهو العقيد السعيد محمدي (سي ناصر) خلف الزعيم  بلقاسم  كريم وسلف العقيد عميروش آيت حمودة على قيادة الولاية  الثالثة (التاريخية) التي أكرمني الله أن أكون أحد جنود جيش التحرير بها حتى توقيف القتال والاحتفال بعيد الاستقلال!!

رحم الله جميع الرفقاء الراحلين وأطال في أعمار الأحياء المنتظرين وأبقانا وإياهم شهداء على الحق أوفياء  بالعهد غيرمبدلين ولا مغيرين إلى أن نلقاهم أن شاء الله جميعا يوم الدين مع الشهداء السابقين واللاحقين!؟

مقالات مشابهة

  • الأزياء الشعبية في اليمن.. عصب الإرث الحضاري المحافظ على الهوية والقيم
  • البريد يكشف كيفية التعرف على الرسائل الاحتيالية
  • عبدالمقصود: الزمالك يحتاج لهذه المراكز..وفيريرا في مرحلة التعرف على اللاعبين
  • عبدالمقصود: الزمالك يحتاج لهذه المراكز .. وفيريرا في مرحلة التعرف على اللاعبين
  • وزير الثقافة يطالب المبدعين بتعزيز الهوية العربية وصون التراث
  • النسيج اليدوي .. صناعة تجسّد الهوية بلمسة عصرية
  • نزوى .. توازن فريد بين الهوية العُمانية والتحول السياحي العصري
  • الهوية المغاربية بين لسان الأمة وذاكرة التحرير.. قراءة في مشروع الاستقلال الثقافي
  • حذف ثانية من التوقيت العالمي.. ما الذي سيحدث في 2030؟
  • «أرض من ذهب» تزين واجهات أسوان.. جداريات فنية تحكى التاريخ وتُجسد الهوية