نزوى .. توازن فريد بين الهوية العُمانية والتحول السياحي العصري
تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT
أكد عدد من المواطنين والمهتمين أن ولاية نزوى باتت تمثل نموذجًا فريدًا في سلطنة عُمان للعيش المتوازن بين التراث العريق ومظاهر الحداثة المتسارعة، مشيرين إلى تحوّلها إلى وجهة سياحية واقتصادية جاذبة بفضل مشاريع التطوير المستمرة وابتكار أساليب تقديم الخدمات.
ورأى قيس بن بدر الشرياني أن نزوى مكان مثالي للإقامة، لما تتميز به من بيئة هادئة وآمنة وأسعار مناسبة، إلى جانب توفر مختلف الخدمات الأساسية من مستشفيات ومدارس وأسواق، ومقاهٍ راقية تضاهي تلك الموجودة في كبرى المدن.
وسلّط الشرياني الضوء على التطورات اللافتة في البنية السياحية، ومنها إعادة تأهيل سوق نزوى وحارة العقر، بما حافظ على روح التراث وسط تنظيم ونظافة متقدمة، فضلًا عن التحسينات الجمالية في قلعة نزوى ومحيطها التاريخي. وأضاف: إن مشاريع توسعة الطرق خففت الزحام، وساهمت في تسهيل الحركة، مؤكدًا أن سور العقر أصبح متنفسًا مثاليًا لمحبي المشي والهدوء.
التجارة .. حيوية تراثية بلمسة عصرية
من جانبه، أوضح موسى بن عزيز الدرعي أن ما يميز نزوى هو جمعها بين جمال الطبيعة وحيويتها التجارية التي تُجسّد التقدم دون التفريط في الهوية، مؤكدًا أن التجار هناك قد حولوا النشاط التجاري إلى تجربة فنية وسياحية متكاملة، قائلا: «في كل زيارة لي أُبهر بابتكاراتهم في ترويج المنتجات، وتصميم المحلات التي تمزج بين الحداثة والتراث، إلى جانب تقديم الأطعمة والمشروبات بأساليب مبدعة وتغليف يحكي قصة المكان».
وأضاف: إن هذه الروح الإبداعية أوجدت نوعًا من الجاذبية التي تدفع الزوار إلى العودة ليس للشراء فقط، بل لاكتشاف ما هو جديد، ما جعل التجارة وسيلة فعّالة للترويج الثقافي والسياحي.
وفي السياق نفسه، عبّر قصي بن علي الشحي عن إعجابه بحارة العقر، واصفًا تجربته بـ«المفعمة بالإيجابية»، ومعتبرًا ما يقدمه التجار هناك نموذجًا متفردًا في الجمع بين التمسك بالجذور والانفتاح الذكي على المستقبل.
وأكّد أن الإبداع في العروض، والاهتمام بتجربة الزبون، والتفاصيل العصرية التي تخدم المنتج التراثي دون المساس بهويته، كلها عوامل أسهمت في جعل نزوى وجهة سياحية وتجارية بارزة تُعزز الاقتصاد المحلي وتعكس الوجه الحضاري لسلطنة عُمان.
ووصف رجل الأعمال محمد بن عبد الله الإسماعيلي زيارته لنزوى بأنها «رحلة إلهام» وسط أجواء أصيلة تتجدد بروح معاصرة، لافتًا إلى نجاح التجار في تطوير أساليب العرض والتسويق من خلال المزج الذكي بين التراث والابتكار. وأضاف: إن ترميم البيوت القديمة وتحويلها إلى نزل وبيوت ضيافة شكل عاملًا محوريًا في تعزيز السياحة الداخلية والخارجية، مشيدًا بالجهود المبذولة في تجميل الممرات وتبليطها وصيانتها. وأوضح أن السياحة في نزوى لم تعد تقتصر على فئة محددة من المهتمين بالتراث، بل باتت تجربة نابضة بالحياة تستقطب المواطنين والزوار من مختلف المحافظات والدول، بما يعكس تطورًا لافتًا في المشهد السياحي للولاية.
تختزل نزوى اليوم روح سلطنة عُمان في مشهد فريد يجمع بين الأطلال التاريخية والخدمات العصرية، محافظة على هويتها، ومنفتحة على المستقبل، وفق رؤية تنموية تضع الإنسان والتراث في صميم اهتماماتها. وكما يردد زوارها: «نزوى.. ولاية تسكن القلب»، فهي لم تعد مجرد وجهة للزيارة، بل خيارًا للاستقرار، وفرصة للاستثمار، وتجربة لا تُنسى في عناق التراث للحداثة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
النسيج اليدوي .. صناعة تجسّد الهوية بلمسة عصرية
تنسج الحرفية كذية بنت عبدالله القرينية أعمالها بخيوط الشغف، لتحيك حكاية هوية عُمانية تتجدّد مع كل قطعة تصنعها بيديها، فقد بدأت الحرفة إرثا عن والدتها وجدّتها، حيث بدأت بتعلم أساسيات النسيج التقليدي من بيئتها المنزلية، لتحولها لاحقاً إلى مشروع عصري يحمل اسم "إبداعات النسيج"، يدمج بين الأصالة والحداثة، بعد أن التحقت بمراكز تدريبية وتعلمت تقنيات جديدة طورت فيها مهاراتها من خلال البحث والتجربة، موضحةً أن حرفة النسيج هي فن قديم يعتمد فيه على خيوط وأدوات بسيطة مثل النول، ويتم تحويلها بلمسة يد إلى قطع تراثية أو فنية، فهي شغل يد وصبر وفكر، تعبر عن هويتنا العمانية وتاريخها.
أكدت القرينية أن حرفة النسيج اليدوي تمثل شغفا وهوية بالنسبة لها، وليست مجرد صناعة تقليدية بل فنّ يحمل في كل غرزة قصة من تراث سلطنة عُمان، مشيرة إلى أن انطلاقتها بدأت في عام 2014 بعد التحاقها بمركز تدريب وإنتاج النسيج والسجاد اليدوي في منطقة الحجيرة بولاية السويق، حيث استمرت فيه لمدة ست سنوات لاكتساب مزيد من الخبرات في تقنيات إنتاج البُسط اليدوية الحديثة ذات الأحجام الكبيرة والتصاميم المستوحاة من المعالم الأثرية العُمانية، كجزء من الحفاظ على الهوية والثقافة.
وأوضحت القرينية أنها أسست مشروعها الخاص تحت اسم "إبداعات النسيج" في عام 2022، وافتتحت مشغلا لإنتاج قطع نسيجية تحمل طابعا تراثيا ممزوجا بروح عصرية، مؤكدةً أنها تعتبر الحرفة جزءًا منها ومن هويتها، وهي سبب استمرارها رغم الكثير من التحديات التي واجهتها، مشيدة بدور هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دعمها ومتابعتها، ما ساهم في انطلاقتها بثقة وثبات.
وعن الفرق بين النسيج اليدوي التقليدي والمطوّر، أشارت القرينية إلى أن الأول يعتمد على أدوات بسيطة مثل النول الأرضي وينتج قطعًا تراثية مثل السيح، السيور أو ما يطلق عليها بالأحزمة، الميداليات، الصدر والمحجبة، وغالبًا ما تُستخدم هذه القطع للزينة في المناسبات التقليدية مثل "زينة للجمال" أو المجالس، أما النسيج المطوّر، فتُستخدم فيه أنوال حديثة ويُدمج مع عناصر التصميم العصري مثل رسومات لمعالم أثرية أو مناظر طبيعية من عُمان، كما يتم فيها إدخال التطريز والخطوط الفنية الحديثة لتلبي الذوق العصري، مع الحفاظ على رموز التراث وروحه، موضحةً أنها بدأت باستخدام الأنوال المتطورة وبعض الأدوات المساعدة في شد الخيوط وترتيبها، وهو ما ساعد في تحسين دقة العمل وتسريع الإنتاج دون التأثير على جودة المنتج، بل جعلها مميزة وجميلة أكثر.
أكدت القرينية أن أبرز التحديات التي واجهتها هي صعوبة الحصول على خامات ذات جودة عالية، والحاجة المستمرة للتوعية بقيمة القطعة اليدوية التي تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، مشيرة إلى أن بعض القطع قد تستغرق من يومين إلى أسبوع أو أكثر، بحسب تفاصيل التصميم ونوعية الخيوط المستخدمة، وتفضّل القرينية استخدام خامات الصوف والقطن نظرًا لجودتها العالية ولمستها الناعمة، لكنها تعتمد على خامات مستوردة من الخارج عبر جهات متخصصة، وذلك بسبب تفاوت جودة الخامات المحلية وعدم ملاءمتها أحيانًا لبعض التصاميم المطوّرة.
وفيما يتعلق بالتسويق، أوضحت القرينية أنها تستخدم منصة إنستجرام لنشر صور ومواد مرئية توثّق مراحل العمل، ما ساهم في الوصول إلى جمهور أوسع من مختلف المحافظات، وحتى من خارج سلطنة عمان، مؤكدة أن بعض المتابعين تواصلوا لطلب منتجات خاصة أو للمشاركة في ورش العمل، وأن أغلب زبائنها من محبي التراث والقطع الفنية الفريدة، خصوصًا الذين يبحثون عن الهدايا اليدوية والديكورات التراثية، مشيرةً إلى أن الطلب يتزايد عند تقديم المنتجات بشكل جاذب وتعريف الجمهور بخلفياتها الثقافية.
وقد شاركت كذية القرينية في عدد من المعارض التراثية داخل سلطنة عمان وفي دول الخليج، معتبرة أن تلك المشاركات أسهمت في رفع الوعي بالحرفة وزيادة الإقبال على منتجاتها، خاصة من قبل الفئات الشابة، وقد قدّمت حلقات تدريبية بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في المعاهد أو المدارس، ووجدت إقبالًا جيدًا من الفتيات اللواتي أحببن تجربة النسيج واستمتعن بما يصنعن بأيديهن.
وترى القرينية أن من أهم المهارات اللازمة لممارسة هذه الحرفة الصبر، وحب التفاصيل، والمهارة اليدوية، إلى جانب الذوق الفني والاستعداد المستمر للتعلم والتجربة، معبرةً عن تفاؤلها بمستقبل هذه الحرفة، لأن النسيج اليدوي العُماني قادر على المنافسة عالميًا بشرط الحفاظ على جودته وتقديمه بطريقة معاصرة تحاكي الذوق العالمي وتوثّق قصته.