مخرجة تونسية توجه كاميراتها صوب التشوه الجنسي
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
متابعة بتجــرد: اختارت المخرجة التونسية ندى المازني حفيظ أن تطرق من خلال فيلمها الروائي الطويل “المابين” مسألة مسكوت عنها في العالم العربي وهي تلك التي تتعلق بالأقليات الحاملة لـ”تشوه خلقي أو جنسي” أو ما يعتبره البعض اضطرابا في الهوية الجنسية ويراه البعض الآخر ازدواجا جنسيا.
هذه القضية التي تعتبر محل جدل مستمر بدأ الحديث عنها في تونس بعد 2011 مع اتساع مجال الحريات، وهاهي اليوم تطل على التونسيين عبر الشاشات الكبرى، حيث احتضنت قاعة “سينما باتي” بالعاصمة التونسية العرض قبل الأول لفيلم “المابين” على أن يطرح بمختلف القاعات السينمائية التونسية في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وتدور أحداث الفيلم في 95 دقيقة حول شابة في الثالثة والعشرين من عمرها تدعى “شمس” تجسد دورها الممثلة أمينة بن إسماعيل، تقطن بإحدى الجزر التونسية الهادئة وتعمل في مجال تصميم الأزياء والخياطة وتعيش قصة حب متبادلة مع أحد البحارة يؤدي دوره النجم محمد مراد، لكن حياتها تنقلب مع انكشاف جنسها، فتقرر مكرهة الانتقال للعاصمة في محاولة لتغير حياتها.
ويمكن تجزئة الفيلم إلى قسمين: الأول هو اختيار “شمس” التي تعاني مرضا نادرا يتمثل في معاناتها من “ثنائية الجنس”، جنسها لتكون أنثى، أما الجزء الثاني فهو محاولتها التعوّد على أن تكون ذكرا لعل نظرة الناس تتغيّر تجاهها، لكن في كلتا الحالتين تتعرض “شمس” للتنمر وللعنف الجسدي ومحاولات الاغتصاب والاستغلال.
ويضم العمل الذي قد يُصنّف من ”التابوهات” في المجتمعات العربية، نخبة من النجوم التونسيين بينهم أمينة بن إسماعيل، محمد مراد، فتحي العكاري، فاطمة بن سعيدان، سناء بالشيخ العربي، أيمن بن حميدة، محمد الداهش وهيفاء بولكباش.
وفيلم “المابين” من إخراج ندى المازني حفيظ وإنتاج شركة ليث للإنتاج لسليم حفيظ و”ميستيك للأفلام”، كما أنه متحصل على دعم من وزارة الشؤون الثقافية، وكذلك من المنظمة الدولية للفرنكفونية، وستخصص نسبة كبيرة من عائداته للهلال الأحمر الفلسطيني.
وقالت ندى المازني حفيظ في تصريحات لإذاعة موزاييك التونسية الخاصة إنها اعتادت منذ بداياتها في السينما الخوض في المسكوت عنه، لذلك اختارت في عملها السينمائي الجديد ملامسة مسألة حساسة في المجتمعات العربية وهي ثنائية الجنس.
وأظهرت المخرجة حبكة في صياغة السيناريو وحنكة في تصويره وفي تقديمه للجمهور، إذ لإبراز حالة التيه والضياع والتمزق النفسي الذي تعيشه “شمس”، جعلت حركة الكاميرا تخترق باطن الشخصية من خلال إبراز تقاسيم وجهها في لقطات قريبة، إلى جانب التركيز على محيطها العائلي مع أمها وأختها المقعدة، وكذلك محيطها في الحي الذي تقطنه والعلاقات فيما بينهم.
ولم تقتصر المخرجة في الفيلم على طرح الإشكاليات المتعلقة بهذه الأقلية، بل لجأت أيضا إلى العمل على إيجاد حلول لمعاناة “شمس” من خلال طب التجميل أو من خلال الاستعانة بالجهاز القضائي لتحديد جنسها، حيث أنها باتت مخيّرة بنفسها على الاختيار بين الذكر والأنثى في تحديد جنسها.
وتتنازع الشخصية الرئيسية التي تعيش معركة نفسية حادة بين ضرورة تحديد هويتها وبين معتقدات الناس الاجتماعية، لكنها تخيّر البقاء مزدوجة الجنس في نهاية الفيلم بعد أن اختارت لها المخرجة نهاية مفتوحة على كل التأويلات، فهذه الشابة تقرر الانتحار غرقا في البحر وفي الأثناء يسرع إليها البحار الذي جمعتهما علاقة حب لنجدتها.
هذه النهاية المفتوحة تترك من خلالها المخرجة ندى المازني حفيظ للجمهور فرصة المشاركة في وضع تصوراته الخاصة ورؤيته لما يمكن أن تأول إليه الأحداث، لاسيما أنها تبدو مدافعة بقوة وجرأة عن الحب كقيمة إنسانية سامية للتعايش والقبول بالآخر، مضيئة على أن العلاقات الإنسانية لا تحكمها المظاهر بل تحكمها نقاوة الروح.
ولا يبدو اختيار المخرجة لاسم بطلتها اعتباطيا، إذ أن تسمية “شمس” تحيل على اسم جمعية تونسية تأسست في 2015 تعمل على تحسين الوضع القانوني والاجتماعي للمثليين جنسيا والمتحولين جنسيا ومزدوجي الميول الجنسية في تونس.
وكما أن ندى المازني حفيظ توجه عدسات كاميراتها صوب أقلية مهمشة، فإن جمعية “شمس” تعمل على توجيه ودعم الأقليات الجنسية في جميع أنحاء البلاد من خلال تقديم المساعدة المالية والعاطفية والنفسية.
لكن هل سيحظى الفيلم حال خروجه إلى القاعات السينمائية باهتمام التونسيين الشغوفين بمتابعة كل ما هو مختلف وغير مألوف أم سيكون حضور العروض مقتصرا على شريحة معينة قد تكون ممثلة في مجموعة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين وربما المختلفين جنسيا بوصفه يعبر عنهم ويسمع صوتهم؟
View this post on InstagramA post shared by Take my breath/ Entre deux/ المابين (@take_my_breath_tmb)
main 2023-10-24 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
المخرجة مي عودة: الوضع أصبح أكثر تحديا لصناع الأفلام الفلسطينيين
“السينما الفلسطينية تحت المجهر”.. تحت هذا العنوان ناقش مركز السينما العربية بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني وسوق الأفلام بمهرجان كان السينمائي، تاريخ السينما الفلسطينية في ندوة حضرها مجموعة من الأسماء البارزة في صناعة السينما الفلسطينية وذلك صباح اليوم الجمعة 16 مايو على المسرح الرئيسي.
وعن التحديات التي تواجه صناع السينما الفلسطينية قالت المخرجة مي عودة "عندما تصنع سينما تحتاج للحرية، وهو لا يتوافر لدينا في فلسطين، لا نستطيع الحركة، إذا أردت تصوير فيلم لا أستطيع لأني محبوسة في منطقة ولا يمكنك التحرك بحرية لأننا تحت احتلال يرغب في تفريقنا ومهمشون، لتدمر هويتنا ولا يمكنني رؤية أحد من غزة إلا خارج فلسطين وهو ما لا يساعد لأننا نحتاج للتواصل من كافة المناطق بفلسطين، وهذا ما أحبه فينا كفلسطينيين، نفكر خارج الصندوق ونخاطر لتصوير أفلامنا دون أن يخبرني أحد بما مسموح أو مرفوض".
وعن تجربتها قالت المخرجة والممثلة شيرين دعيبس "لا أظن أنه يمكن أن تكون فلسطينياً دون أن تفكر في بلدك، أول تجربة سفر لفلسطين كنت 8 سنوات وتعرضنا للإهانة، فمن المستحيل ألا تفكر في كونك فلسطيني بعد تلك التجربة".
وقال المخرج ركان مياسي "كل من حولي كان يبحث عن هويته، ولم يكن مسموحا لي بالعودة لفلسطين، وفكرت أنه من الرائع استكشاف فلسطين عبر السينما، وما تختلف فيه تجربة صانع الأفلام الفلسطيني أنه يواجه تحديا غير تقليدي، مثلاً فيلم بونبونة كنت أريد العمل مع صالح بكري لكنه لم يكن مسموحاً له السفر إلى لبنان وكان من الضروري استخراج جواز سفر آخر حتى يتمكن من ذلك، كل تلك صراعات لا تفكر فيها عند صناعة فيلم في مكان آخر".
وقالت الباحثة اللبنانية رشا السلطي "لفهم السينما الفلسطينية يجب تذكر أن الذين تعرضوا للاحتلال لم يكن مسموحاً لهم بتصوير أنفسهم أو صنع روايات خاصة بهم وبالتأكيد أفلام لهم .. رشيد من الجيل المؤسس للسينما الفلسطينية وهم من ابتكروا طرقا لصنع أفلام بالتحايل على قيود الاحتلال، والجيل التالي منهم ابتكروا أشكالا سينمائية جديدة وكسروا القواعد، السينما الفلسطينية الأكثر تنوعاً في المنطقة يوجد كوميديا وكوميديا سوداء، ودراما ورومانسية، فهي سينما تعيد إنتاج نفسها".
وأضافت "عرض أفلام فلسطينية كان تجربة غير تقليدية، عند عرض فيلمي في نيويورك معظم من يحضر أفراد يبحثون عن أفلام غير أمريكية، وما حدث لهم عند عرض فيلم فلسطيني هو وصفهم لها بأنها كانت معقدة وإنسانية وتغير علاقات القوة، والنقاشات بعد عرضها كانت معقدة وساخنة، تتعلم منها أن تكون أكثر امتنانا، السينما الفلسطينية علمتني أن أكون أفضل، وعند عرضه في المخيمات كانت تجربة مختلفة كانوا يسألون هل يمكننا رؤية أفلام عربية أخرى، نرغب في رؤية أماكن اخرى وهذا درس آخر لي".
وقالت "السينما الفلسطينية في قلب الكفاح الفلسطينية وهي من تخلق الرموز مثل شجرة الزيتون، البئر، المفتاح".
وقال رشيد مشهراوي عن العمل مع مخرجين في غزة، وما يحتاجونه "ما نفعله في غزة خلال مؤسسة مشهراوي هو أمر فريد، لا نملك قواعد لتصوير لدينا الفكرة ونبدأ التصوير والمونتاج في نفس الوقت، لم يحصل من قبل في إنتاج بالعالم أن نتصل لنسأل حول ما إذا كان من سيرسل القرص الصلب من مدينة إلى أخرى مازال حيا أم لا، هذه ليست سينما بل رد فعل وأنا مصر على الاستمرار، صنعنا قصصا شخصية فقط، قصصا غير مروية كلها صنعت أثناء الحرب، طالما الحرب مستمرة في غزة فمؤسسة مشهراوي مستمرة في التصوير وصنع أفلام لعرضها في الخارج".
وأضاف محمد جبالي " أعتقد أننا نتعلم من غزة ذاتيا لدي أصدقاء صناع أفلام قتلوا في غزة مثل عبود قتل العام الماضي، لدينا الكثير ممن فقدناهم وكان لديهم حياة وقصة، الكاميرا أصبحت وسيلة نجاة للناس في غزة حيث تشغل المصور عن تفاصيل الحياة القاسية التي يعيشونها".
وقالت مي عودة " كصناع سينما فلسطينيين..نحن غاضبون لمدة سنتين تركنا العالم، صناع الأفلام هم وزارة الدفاع عن غزة، حاليا مسئوليتنا عرض صورة ما يحدث في غزة… صنعنا بعد ما حدث في غزة مجموعة أفلام عن غزة لأنه من الصعب تقبل محاربتنا من خلال الصورة، وصنعنا افلاما من مخرجين من داخل فلسطين وخارجها تظهر حقيقتنا وقصتنا التي يحاولون طمسها، وكان من المذهل رؤية فعل الناس وتضامنهم، كصانعة أفلام أفكر ما الفيلم الذي يمكن صنعه بعد تعرضنا لذلك الجرح العميق، نحن نقاوم من خلال السينما.
وعن مستقبل السينما الفلسطينية قالت مي عودة "علينا مواجهة أن العالم يتجه نحو اليمين المتشدد والسياسيين يقللون الدعم للسينما ومنظمي المهرجانات خائفون من قبول أفلام فلسطينية، أعتقد أن الوضع أصبح أكثر تحدياً لصناع الأفلام الفلسطينيين، وعلينا توفير تمويلنا وتضامننا بعيدا عن الحكومات حتى لا نتعرض للرقابة وهذا كفاح كبير، لأني أعتقد أن توزيع الافلام الفلسطينية وإنتاجها لن يعود سهلا وعلينا مواجهة ذلك".