بيروت – منذ وقوع جريمة استهداف غارة إسرائيلية لتجمع صحفيين في بلدة علما الشعب عند حدود لبنان الجنوبية في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تضاعف القلق حول المخاطر التي تواجه المراسلين هناك، خاصة بعد قرار انسحاب عدد من الوكالات العالمية الأجنبية من التغطية الميدانية.

أطلق الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الحين قذيفة صاروخية أصابت سيارة فريق قناة الجزيرة بشكل مباشر، حيث كان يتمركز صحفيون من رويترز وقناة الجزيرة ووكالة الصحافة الفرنسية، وأدى هذا الاستهداف إلى استشهاد مصور وكالة رويترز اللبناني عصام عبد الله، وجرح 5 صحفيين آخرين، بينهم مراسلة ومصور قناة الجزيرة ومراسلة الفرنسية، الذين لا يزالون يتابعون علاجهم في المستشفى.

المصور عصام عبد الله (37 عاما) كان يعمل مع وكالة رويترز منذ نحو 15 عاما (رويترز)

وبعد هذا الاستهداف الخطير، سحبت كلٌّ من رويترز والوكالة الفرنسية وأسوشيتد برس، فرقها الصحفية من الجنوب، حيث تدور الاشتباكات المستمرة بين جيش الاحتلال وحزب الله.

وربط كثيرون هذا الانسحاب بالضجة الكبيرة التي أثارها بيان وكالة رويترز إثر استشهاد مصورها، الذي اكتفى بالقول، إن عصام قُتل أثناء عمله جنوب لبنان، بنسب قتله لفاعل مجهول، ودون توجيه اتهام مباشر لإسرائيل، ولو على محمل الاشتباه، وما فاقم التساؤلات في أوساط حقوقيين وصحفيين هو مطالبة رئاسة التحرير في رويترز لاحقا إسرائيل بإجراء تحقيق "سريع وشفاف" حول مقتل مصورها.

وثمة شواهد كثيرة تؤكد أن إسرائيل تخوض حربا موازية في حجب الصوت والصورة عن جرائمها، سواء بقتل العديد من الصحفيين في قطاع غزة، والقرار الأخير للحكومة الإسرائيلية الذي يسعى لإغلاق مكاتب "الجزيرة" في فلسطين، واستهداف الصحفيين في حدودها الشمالية مع لبنان.

انسحاب الوكالات

ربط محللون قرار انسحاب الوكالات الأجنبية بخلفيات سياسية، وتفاديا لتكرار "سيناريو" تعرض فرقها الرسمية للخطر، في ظل انحياز وسائل الإعلام الغربية التي لا توجه اتهامات مباشرة لإسرائيل في الأغلب، حتى في الجرائم التي يتعرض فيها مراسلوها للانتهاك من قبلها.

في حين ترفض مصادر أخرى في بعض الوكالات الأجنبية -عبر الجزيرة نت- هذا التحليل، بقولهم، إن القصف الذي تسبب بمقتل مصور وإصابة آخرين شكّل نقطة تحول في مقاربة الوضع الميداني، ودفعهم لاتخاذ قرار مؤقت بسحب فرقهم الإعلامية من الجنوب؛ لأسباب أمنية ولضمان حمايتهم.

ويقول أحد هذه المصادر، إن سحب الفرق مرتبط بإجرائهم لمراجعة وإعادة تقييم للوضع الأمني والاستعدادات اللوجستية لديهم، على قاعدة أن سلامة الموظفين وحياتهم هي الأولوية، بعدما صُدموا بمستوى مخاطر هذه التغطية التي ألحقت بهم الخسائر، وبعدما تبين أن الوقوف على الشريط الحدودي محفوف بالمخاطر العالية على سلامة المراسلين أو على المساعدين، الذين تعتمد بعض هذه الوكالات عليهم في تأمين الصور.

ومع مواصلة وتيرة الاشتباكات بتبادل القذائف الصاروخية بين حزب الله وقوات الاحتلال، ناهيك عن الطائرات المسيّرة التي تخترق فيها إسرائيل القرى الحدودية، تواصل بعض الفرق الإعلامية التابعة للفضائيات العربية والإعلام المحلي التغطية الميدانية الدائمة، رغم التفاوت في حجم الفرق وجهوزيتها ومجال تحركها.

وتتمركز الفرق الفضائية والمحلية حاليا في قرية الرميش في القطاع الأوسط، وفي القطاع الشرقي في مرجعيون تحديدا وفي محيطها، مع اختلافات في شكل التغطية وحجمها، وتتفرد قناة الجزيرة عبر 4 فرق إعلامية لديها بأوسع تغطية في جنوب لبنان، عبر التنقل نحو مسافات متقدمة بين مختلف القرى على طول الشريط الحدودي، لمواصلة تغطية الاشتباكات من أماكن مختلفة، مع اتخاذ كامل تدابير السلامة.

كما يواجه مراسلو الإعلام المحلي في لبنان تحديات مضاعفة بتغطية ما يوصف بـ"الحرب الصغيرة" بين حزب الله وإسرائيل، وزاد قلق بعضهم مع انسحاب الوكالات الأجنبية، الذي يعكس تحسسا لحجم الخطر.

إدمون ساسين كان شاهدا على استشهاد الزميل عصام عبد الله في قصف إسرائيلي لسيارة طاقم صحفي بجنوب لبنان (الجزيرة) الوضع في الميدان

تحدث مراسل قناة "إل بي سي" المحلية إدمون ساسين، عن تجربته في التغطية الميدانية، لا سيما أنه كان شاهدا على استشهاد الزميل عصام وإصابة زملائه الآخرين، حين كان يقف على مسافة نحو 25 مترا بعيدا عنهم في علما الشعب، ويقول، "سبق أن تعرضت لكثير من المخاطر في تغطيات أخرى، لكنه أفظع استهداف مباشر لمجموعة صحفيين شاهدته، وشكّل لنا مشهد زملائنا صدمة حينها، حيث في غضون 30 ثانية، سقطت قذيفتان نحوهم مباشرة".

يرى إدمون أن انسحاب الوكالات الأجنبية من الجنوب يضع الصحفيين اللبنانيين والأجانب الباقين على الجبهة تحت مسؤولية أكبر لتوفير التغطية الكاملة، ولا يُخفي أن هذا الانسحاب شكل قلقا لديهم؛ "لأن الاحتلال الإسرائيلي قد يستسهل أكثر استهداف الفرق الإعلامية"، ويضيف "بمعزل عن الأسباب الموجبة، لا يعني ذلك أن ننسحب من عملنا، بل نكمله بمزيد من الحذر ودون تهور".

ويوضح إدمون أن سلوك إسرائيل بحق الصحفيين في علما الشعب وفي غزة وفي كثير من المناطق الأخرى، يدفعهم لأخذ الحذر ويقول، "إننا حين نتحرك على خطوط الجبهة القريبة، يمكن أن يغدرنا هذا الجيش الذي لم يرحم الأطفال".

ويؤكد المراسل أن الفرق الإعلامية لا تتعرض لأي مضايقات أو مخاطر من أي طرف من الجانب اللبناني، وأنهم يحاولون اتخاذ كل الإجراءات الممكنة وفق قدراتهم، لتفادي الوقوع في أي خطأ.

ريف عقيل: إسرائيل أثبتت عدم احترامها للقوانين الدولية المتعلقة بحماية عمل الصحفيين (الجزيرة)

وتقول مراسلة قناة الجديد المحلية ريف عقيل، الموجودة حاليا بالتغطية الميدانية، بأن القصف على الزملاء جعلهم يعيدون حساباتهم أكثر قبل التوجه إلى النقاط الحدودية، "لا سيما أن القنوات المحلية لا تملك التجهيزات اللوجستية الكافية بالتحرك مثل الفضائيات العربية والوكالات الأجنبية".

وتقرّ ريف في حديثها للجزيرة نت، أنها تشعر بالخوف أحيانا رغم الإصرار على العمل "لكن نسبة الخطر فيه عالية، خاصة أن مناطق الحرب التي تكون إسرائيل طرفا فيها تعدّ أمرا استثنائيا، بعد أن أثبتت عدم احترامها للقوانين الدولية المتعلقة بحماية عمل الصحفيين".

وتشير إلى أن الإعلام المحلي عموما لا يملك الإمكانات الكافية لهذا النوع من التغطيات، "علما أن مؤسساتنا تصر على أن حمايتنا الشخصية أولوية، وتعطينا حرية تقدير الموقف قياسا لظروفنا فيه".

وترى ريف أن مهنة الصحافة تحتم المخاطرة بشكل عام، ما يستدعي كثيرا من التدريبات للتعامل مع ظروف الحرب، خاصة في الإعلام المحلي، وتذكر أن الزميل عصام استشهد رغم خوضه تجربة تغطية عدد من الحروب، وممارسة كثير من التدريبات والتجهيزات، "لكنه لم يستطع التعامل مع هذا الموقف والاستهداف الخطير للصحفيين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قناة الجزیرة

إقرأ أيضاً:

بورسعيد تحتضن ورشة تدريبية حول تغطية قضايا الأحوال الشخصية من منظور نسوي

انطلقت بمدينة بورسعيد فعاليات الورشة التدريبية التي ينظمها برنامج الوصول للعدالة التابع لمؤسسة قضايا المرأة المصرية تحت عنوان تغطية قضايا الأحوال الشخصية من منظور نسوي وذلك خلال الفترة من الحادي عشر إلى الثالث عشر من يوليو الجاري بمشاركة عدد من الإعلاميين والإعلاميات من مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والرقمي من محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والمنيا وقنا.

تأتي الورشة في سياق جهود المؤسسة الممتدة منذ أكثر من عشرين عامًا لتعديل قوانين الأحوال الشخصية في مصر بما يحقق العدالة والإنصاف لكل أفراد الأسرة حيث تهدف الورشة إلى تمكين الصحفيين والصحفيات من أدوات تحليل نقدي ومنهجيات إعلامية تراعي مبادئ العدالة الجندرية وتعيد الاعتبار للأصوات المهمشة وعلى رأسها النساء في ظل منظومة إعلامية سائدة يغلب عليها الطابع الأبوي والسرد غير المنصف.

وتسعى الورشة إلى تعزيز وعي المشاركين والمشاركات بمفهوم العدالة الجندرية والتقاطعية وأهمية دمج هذا الوعي في التغطيات الإعلامية لقضايا الأحوال الشخصية من خلال تحليل الخطاب الإعلامي الحالي واكتشاف الصور النمطية الشائعة إلى جانب التدريب العملي على الكتابة من منظور نسوي وصياغة محتوى يعكس واقع النساء بشكل عادل كما تشمل الورشة إعداد خطة إعلامية لدعم مقترح قانون أحوال شخصية أكثر إنصافًا وصياغة وثيقة مبادئ تحريرية نسوية لتكون دليلًا مرجعيًا في التغطية الصحفية المستقبلية.

وأكدت جواهر الطاهر مديرة برنامج الوصول للعدالة خلال افتتاح الورشة أن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للحدث بل أصبح فاعلًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام والتأثير على السياسات العامة مشيرة إلى أن المسؤولية المهنية تفرض على الإعلاميين إعادة النظر في طرق تناولهم لقضايا الأسرة والنساء خاصة في ظل التشريعات المجحفة التي تحتاج إلى إصلاح جذري.

وتتولى تدريب الورشة هند سالم استشارية النوع الاجتماعي ومديرة دار هن للنشر والتي تجمع بين الخبرة الصحفية والتحليل الجندري وتركز في الورشة على الجانب العملي والتطبيقي بما يضمن قدرة المشاركين على إنتاج محتوى إعلامي منحاز للعدالة ويواجه الخطاب السائد لا يعيد إنتاجه.

وتعد الورشة مساحة للتفكير في دور الإعلام كأداة عدالة اجتماعية وليس مجرد منصة محايدة حيث يُطرح سؤال جوهري حول ما إذا كان بالإمكان تحقيق تغطية عادلة دون وعي نسوي وهي الإشكالية التي تسعى الورشة إلى تفكيكها والإجابة عنها من خلال تجربة تدريبية تمزج بين المهارة والمسؤولية.

يُنتظر أن تُختتم الورشة بإعلان وثيقة تحريرية تستند إلى مبادئ نسوية واضحة وتلزم الصحفيين والصحفيات المشاركين بها في تغطية قضايا الأحوال الشخصية بما يعزز حضور العدالة في الإعلام ويُسهم في بناء وعي مجتمعي قادر على تغيير السردية السائدة والدفع نحو قانون أكثر عدلًا وإنصافًا.

مقالات مشابهة

  • دار الإفتاء تطلق غدًا برنامجًا تدريبيًّا للصحفيين حول تغطية القضايا الدينية والإفتائية
  • دار الإفتاء تطلق برنامجًا تدريبيًّا للصحفيين حول تغطية القضايا الدينية| غدًا
  • تشكيل الحكومة-محاولات تغطية الرأس والعورة معا!
  • التفاصيل الصغيرة تصنع الفرق!.. لماذا يثقب لاعبو مونديال الأندية جواربهم قبل المباريات؟
  • بورسعيد تحتضن ورشة تدريبية حول تغطية قضايا الأحوال الشخصية من منظور نسوي
  • لماذا أودع الله في بني آدم الغرائز والشهوات؟ خطيب المسجد الحرام يوضح
  • زيزو يشن هجومًا على منتقديه بعد انتقاله للأهلي المصري
  • لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب
  • رويترز: اعتقال أكثر من 500 معارض سياسي في تركيا
  • قائد أنصار الله: كل شركات النقل البحري التي تتحرك لصالح العدو الإسرائيلي ستعامل بالحزم