اتجاهات مستقبلية

النُّظم الغذائية المستدامة كحلٍّ للتغيرات المناخية

 

 

 

 

 

 

تحظى النُّظم الغذائية المستدامة بأهمية خاصة في سياق الاهتمام العالمي بالتغير المناخي، فالنُّظم الغذائية مسؤولة عن أكثر من ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وهي أيضًا محرك رئيسي لإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المياه.

ومع ذلك، فإن النُّظم الغذائية يمكن أن تكون أيضًا حلًّا، أو من ضمن الحلول القوية والفاعلة لأزمة المناخ؛ لذا فهي ضرورية لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تهدف في النهاية إلى إنتاج الغذاء بطريقة تُقلّل من التأثيرات السلبية على البيئة، وتدعم المجتمعات المحلية، وتضمَن الأمن الغذائي لسكان العالم الذي يشهد زيادة كبيرة.

وتشمل النُّظم الغذائية المستدامة العديد من المكونات الرئيسية؛ ومن أهمها: أولًا، ما يسمّى الزراعة “الإيكولوجية”، حيث تشجّع الممارسات الزراعية التي تعمل مع النُّظم البيئية الطبيعية، وتعزز التنوع البيولوجي، وتقلّل الاعتماد على المدخلات أو المنتجات الاصطناعية. وثانيًا، الزراعة العضوية، حيث يمكن أن يؤدي دعم هذه الزراعة إلى تقليل البصمة البيئية لإنتاج الغذاء، وتزويد المستهلكين بخيارات صحية وصديقة للبيئة في الوقت ذاته. وثالثًا، الحدُّ من هدر الطعام، حيث يتم إهدار جزء كبير من الغذاء في العالم؛ ما يسهم في التدهور البيئي. وتهدف النُّظم الغذائية المستدامة إلى تقليل هدر الطعام من خلال ممارسات إنتاج وتوزيع واستهلاك أفضل. رابعًا، الزراعة “الذكية” مناخيًّا، والتي تنطوي على تنفيذ أو تطبيق تقنيات زراعية قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ والمساهمة في التخفيف من آثاره؛ ويشمل ذلك على سبيل المثال ممارسات مثل الحراثة المحافِظة على البيئة، والحراجة الزراعية. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن من أهم مكون للنُّظم المستدامة ما يسمّى “الاقتصاد الدائري”، والذي يتضمّن تنفيذ تدوير المواد وإعادة استخدامها، وتقليل النفايات، وإنشاء ما أصبح يُعرف بـأنظمة “حلقة مغلقة”.

هذا الموضوع كان في الواقع محور حديث معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة، خلال مشاركتها في الحلقة النقاشية بعنوان “كوب28 وأهمية تعزيز النُّظم الغذائية المستدامة”، والتي نَظّمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث أشارت معاليها إلى أن النُّظم الغذائية التقليدية تتسبّب في نحو 33% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًّا، وفي حدوث التغيرات المناخية التي تنتج عنها تحديات زراعية وغذائية هائلة، مؤكدةً أن فقْد الأغذية وهدرها يُعدّان من القضايا العالمية التي تتطلب تغييرات سلوكية على مستوى المستهلك؛ لذا أَطلقت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، والتي تمثل رؤية طموحة لتحويل الإمارات إلى مركز عالمي رائد في مجال الأمن الغذائي القائم على الابتكار؛ كما أكدت معاليها أيضًا أن الإمارات تضع التحول العالمي إلى نُظم زراعة وغذاء مستدامة على رأس أولوياتها خلال مؤتمر الأطراف28.

وتُمثل قمة المناخ التي تستضيفها الإمارات، نهاية نوفمبر الحالي، فرصة حاسمة لتسريع التحول إلى النُّظم الغذائية المستدامة؛ حيث يُنتظر من الحكومات والشركات والجهات المعنية بالمناخ والبيئة، العمل معًا من أجل وضع أهداف طموحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من النُّظم الغذائية، والاستثمار في الممارسات الزراعية المستدامة والبنية التحتية، ودعم صغار المزارعين والمجتمعات الريفية، وتعزيز النُّظم الغذائية الصحية والمستدامة.

والخلاصة، فإن النُّظم الغذائية المستدامة متطلّب أساسي، بل حاسم في مواجهة التحديات المترابطة المتمثلة في تغير المناخ، واستنزاف الموارد، والأمن الغذائي، والعدالة الاجتماعية، والصحة العامة؛ حيث يُعدّ اعتماد الممارسات المستدامة في الزراعة وتعزيزها أمرًا ضروريًّا لبناء نظام غذائي مرن ومسؤول بيئيًّا للأجيال الحالية والمستقبلية.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أسيوط تستضيف ورشة عمل لدعم الثروة الحيوانية ومواجهة تغير المناخ

استضافت محافظة أسيوط مؤخرًا ورشة عمل محورية حول مشروع "التصدي لتغير المناخ من خلال الإدارة المستدامة للثروة الحيوانية"، الذي يُنفذ بدعم من الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).

تهدف هذه الورشة إلى تعزيز التنمية الريفية المستدامة في صعيد مصر، وتوفير حلول ذكية لمواجهة التحديات البيئية الناتجة عن تغير المناخ.

شهد فعاليات الورشة اللواء الدكتور هشام أبوالنصر، محافظ أسيوط، بحضور عدد من القيادات التنفيذية والخبراء، من بينهم المهندس خميس محمد علي وكيل وزارة الزراعة، والدكتور جمال سيد مدير مديرية الطب البيطري، والدكتور صلاح علي مدير عام الخدمات البيطرية، والمهندس حسام صلاح مدير فرع جهاز شئون البيئة، والدكتورة أميرة عبد النبي منسقة المشروع، بالإضافة إلى ممثلين عن الوكالة الإيطالية ومنظمة "الفاو".

يُعد المشروع، الذي يستمر لمدة ثلاث سنوات، نموذجًا تجريبيًا يُطبق في محافظتي أسيوط والبحيرة، تمهيدًا لتعميمه على باقي المحافظات المصرية. ويركز المشروع في مرحلته الحالية بأسيوط على تجربة إنشاء وحدات "البايوجاز" لمعالجة المخلفات الحيوانية. تساهم هذه الوحدات في: توفير مصدر طاقة نظيف وآمن، وإنتاج سماد عضوي صحي يُحسن خصوبة التربة، بالإضافة إلى الحفاظ على الصحة العامة والبيئة.

أكد محافظ أسيوط أن هذا المشروع يُمثل حجر الزاوية في استراتيجية الدولة لمواجهة التغيرات المناخية، خاصة فيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية ودعم صغار المربين والمزارعين. وشدد على أن نجاح المشروع يبدأ من خلال التوعية والتدريب، ونشر ثقافة التربية الحديثة، وإنشاء حظائر ملائمة، والاستفادة من المخلفات الحيوانية في إنتاج الطاقة والأسمدة، مما يُسهم في تقليل التكلفة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعلاف.

وأشار المحافظ إلى التزام المحافظة بتقديم الدعم الفني واللوجستي الكامل لإنجاح المشروع، من خلال التنسيق المستمر بين الجهات المعنية. وتهدف هذه الجهود إلى تطوير الإنتاج الحيواني بممارسات مستدامة في التغذية والرعاية، وتقليل الأثر البيئي للأنشطة الحيوانية، وتعزيز مفاهيم الاستدامة البيئية، وبناء القدرات الفنية للكوادر المحلية في مجالي الزراعة والطب البيطري، وتقديم حلول مبتكرة لدعم صغار المربين وأصحاب الحيازات الصغيرة.

من جانبه، أكد الدكتور حامد الأخرس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، خلال مداخلة عبر تقنية "زووم"، أن المشروع يندرج ضمن المحاور الأساسية لوزارة الزراعة في تعزيز الإدارة الذكية للموارد الحيوانية وتحقيق الأمن الغذائي مع الحفاظ على البيئة، واعتبر المشروع خطوة نوعية نحو دعم المجتمعات الريفية للتكيف مع التغيرات المناخية ورفع كفاءة إدارة الثروة الحيوانية.

مقالات مشابهة

  • لدعم الثروة الحيوانية.. بحوث الصحراء و الفاو يوزعان 50 طنًا من الأعلاف بجنوب سيناء
  • يوم حقلي لوزارة الزراعة في قرحتا… الوزير بدر: ضرورة التركيز على استنباط محاصيل متكيفة مع التغيرات المناخية
  • وزير الزراعة: التنمية الزراعية المستدامة ضرورة حتمية لضمان الأمن الغذائي العالمي
  • النوايسة: نواصل مسيرة البناء ونفعّل فرص التشغيل عبر الزراعة المستدامة
  • أسيوط تستضيف ورشة عمل لدعم الثروة الحيوانية ومواجهة تغير المناخ
  • بتمويل إيطالي.. مشروع تجريبي بأسيوط لمواجهة التغيرات المناخية عبر وحدات بايوجاز
  • محافظ أسيوط يشهد ورشة عمل حول مشروع الإدارة المستدامة للثروة الحيوانية
  • الزراعة تحذر من تأثير التغيرات المناخية على المحاصيل في الربيع
  • وزيرة البيئة: إطلاق حوار داعم عن العدالة المناخية وربطها بالمياه والغذاء
  • العراق يطلق مشروع تعزيز المرونة المناخية لسبل العيش الزراعية