يونس فنيش: كفاءة عبد الإله بنكيران السياسية

 

يونس فنيش

بعد إلقاء عبد الإله بنكيران كلمة ب”الملتقى الجهوي للهيئات المجالية و المنتخبين”، منذ يوم أو يومين:

خرجة الأستاذ بنكيران الأخيرة تنم عن قدرته الهائلة على التحكم في مجريات الأحداث فكريا، عبر كلمات منتقاة من قاموس التجربة و الدراية و المعرفة العميقة بالسياسة في المغرب أولا، و بكنه و جوهر الشعب ثانيا.

إنه ليس مجرد رئيس حكومة سابقة أو مجرد زعيم حزب، إنه مخلوق سياسي يصعب ترويضه، لأنه يعرف أن الصواب الذي يريده الملك و الشعب معا يحميه و يحمي من معه في حزبه.

إنه فعلا أستاذ في السياسة يستفيد من كل ما ينشره المثقفون و كل ما ينشر على الإنترنت، لدعم طرح المجتمع المغربي في عمقه و من خلاله حزبه، بطريقة ذكية متمكنة و بلغة و أسلوب مجرب يصعب انتقاده بضمير حي، لأن، باختصار شديد، لا يمكن تجاهل الأستاذ عبد الإله بنكيران نظرا لكفاءته السياسية التي لم يسبق لها مثيلا منذ زمن طويل.

يا ليته تكلم فقط عن الإختيارات الإقتصادية و عن توجهات حزبه لما كان يرأس الحكومة حتى أستطيع انتقاد أقواله و تحميله مسؤولية الكثير من الكوارث و المصائب بالحجة و البرهان و بسهولة، نظرا لتتبعي عن قرب لكثير من المسائل آنذاك كما سبق و أن فعلت في مقالات عدة سابقة… ولكنه ألقى محاضرة في الشؤون الكبيرة أيضا و بطريقة كلها مهارة في الإلقاء لا يمكن للمرىء سوى أن يقدر متانتها و حجيتها و منطقها و جديتها، لدرجة أن الإنسان يجد نفسه مستعدا لنسيان أو لتجاوز كل القرارات الخاطئة التي صدرت لما كان الأستاذ بنكيران رئيسا للحكومة.

لما كان الأستاذ عبد الإله بنكيران يترأس الحكومة كان الناس يشتكون من غلاء الأسعار، و من التراجع عن بعض المكتسبات، و من مشاكل جمة في شؤون الفلاحة، و من تفاقم معضلة الرشوة، و تجميد الأجور، و من عدم إعطاء القدوة الحسنة في الإدارة العمومية عبر إنصاف و رد الإعتبار لمظلومين نزهاء، إلى آخر القائمة… فما الذي تغير اليوم…؟ صحيح أن الأشياء تفاقمت ولكن الأصح أن بنكيران لم يكن ليمنع تفاقمها لو ظل يرأس الحكومة، لأن كل ما يتعلق بالإقتصاد و السياسة في حالتنا يعد من الشأن العالمي أيضا و ليس المحلي أو الوطني فقط، ولكن هذا ليس موضوع هذا المقال…

الموضوع هو أن المغاربة يرون كيف يواجه بنكيران بتفوق التيار الذي يريد تمرير قوانين تضرب في الصميم الأسرة المغربية و هي نواة النظام و المجتمع المغربي السليم. و إذا كان من رأي يخصني فهو أن بنكيران سياسي محنك يريد عودة حزبه إلى مكانته السابقة، و ما تناوله لموضوع “مشروع قانون إباحة الخيانة الزوجية”، و مشاريع قانونية أخرى تتنافى كليا مع نظام الحكم في المغرب الذي ابتغاه الشعب منذ 12 قرنا، سوى فرصة لاستعادة حزبه لمكانته كممثل للمرجعية الإسلامية، و هي مرجعية الدولة، و استعادة الجماهير التي كانت تؤيده، ولكن رأيي هذا لا يهم بتاتا الآن لأن مشاريع القوانين تلك تشكل فعلا خطرا كبيرا على المغرب و المغاربة.

الديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا لا تمنع حزب الأصالة و المعاصرة، مدعما بحزب الأحرار، من تمرير القوانين التي يريد الوزير وهبي تمريرها و بسرعة، لأنه يتوفر على الأغلبية في البرلمان، ولكن لحسن حظ المغرب و المغاربة الديمقراطية عندنا مقيدة بصلاحيات إمارة المؤمنين، و في ذلك تحصين لدولة المغرب.

و أما الديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا فتشوبها عيوب كثيرة تجعلها في عصرنا هذا متجاوزة إلى حد ما، و كما سبق و أن وعدت بعض الأصدقاء الشرفاء الأعزاء، سأحاول كتابة كتاب لاقتراح نموذج جديد للديمقراطية بوصفة مغربية محضة أكثر عدلا و نجاعة و تمثيلا لإرادة الشعوب، اقتراح قد يمكن من الخروج من جمود فكري أصاب الغرب و طال أمده، ولكنني في حاجة للدعاء لي بالتوفيق، لأنه ورش كبير يلزمه بعض الوقت و التأمل الصائب و التفكير الرصين في هدوء تام.

و في ختام هذا المقال أجد نفسي ملزما، من باب الموضوعية، لتوجيه التحية لكفاءة الأستاذ عبد الإله بنكيران السياسية، و المرجو التريث قبل الإقدام على تمرير قوانين وهبي في شأن الأسرة المغربية لأن المستقبل القريب جدا، نسبيا، سيبين للجميع أحقية معارضتها..

المصدر: رأي اليوم