أشرف شرف يكتب: شريهان.. سيدة الاستعراض
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
اليوم هو عيد ميلاد سيدة الاستعراض شريهان، من وجهه نظري تظل هي وحدها تحتل مكانة خاصة، بين كل الفنانات اللاتي قدمن فن الاستعراض سواء في مصر أو الوطن العربي كافة.
شريهان كانت ولا تزال تحمل راية الاستعراض بمفردها، فلم تستطع أي فنانة من جيلها أو من الجيل الذي يسبقها أو حتى الذي يليها الاقتراب من منطقتها الخاصة لهذا الفن.
وكما أردد دائما أن الألقاب لا تمنح هباء، شريهان أول بطولة تليفزيونية كان مسلسلا حمل اسم "المعجزة"، من تأليف الكاتب الكبير الراحل فيصل ندا وإخراج أحمد طنطاوي، وهذا المسلسل من إنتاج عام 1973، أي كان عمر شريهان وقتها 9 سنوات فقط، شاركها البطولة كل من عمر الحريري، ليلي طاهر، صلاح السعدني، يونس شلبي وآخرين، لتصبح بعد هذا المسلسل معجزة حقيقية بكل المقاييس.
شريهان كانت ولا تزال رمزا للبهجة رغم غيابها عن الساحة لسنوات طويلة لكنها حينما تعود الجمهور يتفاعل سريعا مع تلك العودة ويرحب بها، لكنها سرعان ما تعود للاختفاء سريعا.
رحلة شريهان مع الفن والحياة لم تكن سهلة أو مرحة، لكنها واجهت القسوة بضحكتها الشهيرة، التي لم ولن تتخلى عنها يوم ما، بعد حادث شهير في أواخر الثمانينات تعرضت لحادث كبيرة، عادت منه أقوي وقدمت الفوازير عام 1993، وشاركت في بطولة المسرحية الشهيرة "شارع محمد علي"، إلى أن أصيبت بالمرض اللعين تحديدا في عام 2002، لتسافر لرحلة علاج مرة أخرى، وتعود لتنزل لميدان التحرير وتظهر لأول مرة بعد سنوات طويلة من الاختفاء لتشارك الشعب في ثورة 25 يناير لعام 2011 وتهتف بالحرية والعدالة والكرامة.
منذ عدة سنوات عادت شريهان تملأ الساحة الفنية بهجة بمسرحية "كوكوشانيل" من تأليف مدحت العدل، وإخراج هادي الباجوري، الناس فرحت حينما رآتها مرة أخري حتي ولو عبر الشاشة وليس أمامها علي المسرح ترقص وتغني.
كما أن إعلانها لإحدي شركات الاتصالات الكبرى، كان حديث السوسيشال ميديا، ذلك الإعلان الذي حكت فيه قصتها باختصار، وراهنت علي ذكاء جمهورها، وكل "الشريهانين" علي حد تعبيرها ليفهموا مضمون الأغنية وماذا تقصد من خلال كلماتها التي تقول فيها "عشنا.. شوفنا وياما الدنيا كسرتنا.. محلصش حاربنا ولا ثانية استسلمنا آه وفهمنا قدرنا عليها.. ولا عمرنا كسرتنا الدنيا، وياما شوفنا وعشنا".
شريهان الفنانة كما الإنسانة لا تتجرأ ولا تنفصل عنها أبدا، لذا رفضت الاحتفال مؤخرا بعيد ميلادها تضامنا مع أشقائنا في غزة، وأعلنت ذلك عبر تدوينة لها بأحد مواقع التواصل الاجتماعي مشيرة إلي أنها تعيش أقسي أيام حياتها، وكتبت نصا "لا أريد أبدا مضايقتكم وتحديدا في هذا اليوم و(الذى أصبح يومكم)، وأشعر حقيقة بالتقصير تجاهكم جميعا في التواصل، ولكن معذرة وسامحوني، أخجل من أي أنواع من الاحتفال حاليا ولو حتى لمجرد ساعات محدودة في هذا اليوم وفي هذا الوقت الصعب جداً على نفسي"، لتؤكد أيضا أن الفن رسالة، والفنان ما هو إلا رمزا وسفيرا لفنه ولبلده، لذا أوقفت شريهان احتفالها بعيد ميلادها تضامنا مع الأحداث في فلسطين.
لذا في محبة شريهان التي شرفت إني حاورتها أكثر من مرة، واقتربت منها، لذا أقولها بكل يقين أن شريهان معجزة مصرية خالصة وفنانة من طراز خاص جدا.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: شريهان الفنانة شريهان
إقرأ أيضاً:
أحمد عاطف آدم يكتب: صور غزة بين الذهاب والعودة
في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، قام أحد الهواة القريبين من مسرح عمليات القصف الغاشم لقوات الاحتلال شمال غزة، بتسجيل فيديو قصير يعبر عن صورة مضيئة لكفاح من نوع خاص، بطله طفل فلسطيني يدعى "جدوع"، لم يتجاوز عمره السبع سنوات، وهو يحمل شقيقه الرضيع على كتفيه الضعيفين، ويهرب به بعيدًا عن القتال، في لحظة تجسد اختلاط المشاعر الإنسانية بين قوة عزيمة البطل الغزاوي، الذي اعتمد على الله وحده أثناء هرولته، رغم صعوبة المهمة الملقاة على جسده الهزيل، وبين خوفه من الفشل في النجاة، ثم نادى بصوت تقشعر له الأبدان قائلًا: يا أمي، كأنه يستنجد بها، وهو لا يراها أمامه.. ثم شاهد الرئيس عبدالفتاح السيسي الفيديو المنتشر، وأصدر أوامره على الفور للجنة المصرية المعنية بدعم أهالي القطاع المدمر، قبل أن ينجح فريقها في الوصول "لجدوع" وشقيقه، وسلموهما إلى خيمة تابعة للمخيم المصري المخصص لاستقبال الحالات الإنسانية، وحظيا برعاية كاملة.
صورة أخرى لا تقل روعة عن سابقتها، تصف تفاصيلها الفرحة العارمة لأهل غزة، بعد لحظات فارقة نجحت خلالها الجهود التفاوضية الأخيرة التي احتضنتها القاهرة، في الوصول لصيغة اتفاق ينهي هذا الصراع المرير، وينص ضمن أهم بنوده على عودة الغزاويين إلى ديارهم، تمهيدًا لتنفيذ باقي البنود، ويأتي على رأسها إعادة الإعمار،، وفي خضم تلك التطورات الإيجابية نقلت عدسات بعض الفضائيات أحداث النزوح الجماعي المهيب لمئات الآلاف، من الجنوب إلى الشمال، وقد شاهد الذين وصلوا بالفعل إلى هناك، مناطق سكنهم وهي مستوية بالأرض - مجرد حطام ببيت حانون وجباليا ومعظم مدينة غزة، أكوام من الإسمنت المفتت والحديد الملتوي، والغبار الكثيف يغطي المكان، بالإضافة لأحاسيس لا توصف لمن على يقين بوجود رفات الأهل والاحباب، وهم مازالوا تحت الأنقاض، يحملون معهم ذكرياتهم السعيدة قبل العدوان الغاشم.
ورغم تشابك المشاعر الإنسانية بين فدائية ورهبة الطفل الفلسطيني "جدوع" في الصورة الأولى، وبين الحزن الممزوج بالأمل في غدٍ مشرق تكفله إرادة التمسك بالأرض العربية الغالية حتى الموت في الصورة الثانية - تفرض صورة أخرى نفسها - على تلك المقارنة الملهمة، وتبين بما لا يدع مجالًا للشك الفجوة الكبيرة بين مشاعر صاحب الحق ومغتصبه،، حيث تظهر فيها وجوه هزيلة بائسة لجنود الاحتلال، بعد سماعهم خبر انتهاء الصراع، وفرحتهم المدوية بخبر عودتهم إلى سكناتهم الصاخبة بالترف والمجون، على أرض ليست أرضهم - ولن تكون - عليها سفكت دمائهم الغير طاهرة انتحارًا من اليأس والرعب، وعليها عاد زملائهم إلى مدنيتهم المشوهة بأمراض نفسية لا شفاء منها - هنا تجد عزيزي القاريء بأنه شتان الفرق بين هذا وذاك.
في النهاية لا يجب أن ننسى بأي حال من الأحوال تذكر موقفنا المشهود، كدولة قالت كلمتها العليا لتحقيق المعادلة الصعبة، والخروج من هذا المشهد المعقد دون خسائر للأشقاء - بلا للتهجير - تلك الجملة القصيرة التي كتبتها مصر باللون الأحمر، ونطق بها رئيسها بجسارة ووضوح يحسد عليه، رغم ضغوط كثيرة لم تثنيه عن الحق، بل أمر باصطفاف جنودنا البواسل على طول خط المواجهة، في قرار شجاع يعكس قيمة صانعي القرار بأرض الكنانة على مر التاريخ،، وربما تلهم تلك الرسائل العظيمة من الصمود والصبر شباب مصر بأن يتسلحوا دائمًا بالإيمان والعلم، وأن يتمسكوا بضمير حي لا يتزعزع عن نصرة الحق،، ويقول المولى سبحانه وتعالى بصورة البقرة، بسم الله الرحمن الرحيم {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم.