معركة غزة.. إلى أين؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
ما زالت عملية 7 أكتوبر البطولية بحاجة إلى تتبُّع أبعادها ومدلولاتها التاريخية العميقة لجهة تطوير فعاليتها القتالية الميدانية من جانب وحماية مكتسباتها من الذبح السياسي من جانب آخر واعتقد أن إعطاء هذا البعد حيزًا من التفكير ليس سابقاً لأوانه؛ بل يتعدى سواه بحيث يتوفر لهذا الفعل النوعي إطار سياسي وتنظيمي أوضح والذي ما زال غيابه يشكل معضلة؛ سواء أخذ العمل العسكري مداه في حال استوفى شروطه وإن كانت مستبعدة في هذه اللحظة أو أستقر على قواعد اللعبة السياسية المرتقبة.
الأمور سترسو في النهاية على أرضية سياسية خاصة في ظل السعي المتواصل بحسب الكثير من المعطيات والتسريبات لإخماد نيرانها وحصر آثارها ومحاصرة مفاعيلها في رقعة جغرافية منهكة تبقيها كعملية بطولية تخلد في الذاكرة والوجدان بعيدًا عن هدفها ومبتغاها ولهذا الأمر حيثيات وأسباب؛ منها:
أولًا: المحاولات السرية الهادفة لتجنب توسيع دائرة المواجهة التي تحسب لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها حسابا دقيقا والذين اعتادوا الانفراد بالساحات بحيث يمكنهم من تكثيف قدراتهم وممارسة تفوقهم العسكري بشكل حاسم بينما استدراجهم إلى ساحة أوسع يشتت قوتهم ويضعف فعاليتهم. وفي ظل تنامي هذا البعد رغم محدوديته الراهنة سيجعل من وقف المعركة مطلبًا ملحًا وسيكون مطروحًا بجدية في الأيام المقبلة ومخطئ من يقلل من قيمة هذا الموضوع في انضاج خيارات غير مدرجة في الفترة الماضية لاتصاله في العمق باستراتيجية الانتصار الشامل.
ثانيًا: إجهاضها قبل أن تمتد تفاعلاتها وتأثيرها على الداخل الإسرائيلي بشكل أعمق.
ثالثًا: تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية التي توحدت دون وحدة في ميدان القتال.
رابعًا: تبديد الزخم العربي والعالمي.
إنَّ مواجهة هذه الاحتمالات وإبقاءها ماثلة على الدوام قضية تستحق الانتباه، ولا شك أن ربط النضال الوطني ببعده القومي يعطيه ديمومته واستمراريته وإلى حد كبير يحدد أفقه ونتائجه وتحديدا في الحالة الفلسطينية المحكومة بالجغرافيا بالإضافة طبعًا للأبعاد الأخرى. وإذا كان المشروع الصهيوني في الجوهر جزءًا من المشروع الإمبريالي وأداة من أدواته بصرف النظر عن طموحه الذاتي الذي تغذيه هشاشة الواقع العربي، فإن إيقاظ هذا البعد في خضم الصراع مسألة جوهرية وتدرك الإدارة الأمريكية بمصالحها المتناثرة على طول الوطن العربي وعرضه أكثر من غيرها خطورته، ولن تتوانَ عن إيجاد حلول لتجنب تبعاته، رغم أن هذا البعد لم يحسم بشكل كامل في الساحة العربية، وربما سيبقى لفترة طويلة مثار جدل واسع في صفوفها وذلك لاعتبارات عدة منها الجهل بطبيعة التحالف الإمبريالي الصهيوني وليس أدل على ذلك من حالة الاستهجان العربي من الانحياز الغربي الفج ومناشدته أخلاقيًا بالضغط على الكيان الصهيوني في الوقت الذي يُعلن حالة النفير الكامل وتتقاطر كل قيادته السياسية والعسكرية والأمنية للكيان المحتل وتحويل تل أبيب إلى غرفة عمليات والبقية معروفة للجميع وهذا يثبت للمرة الألف أن الإمبريالية الغربية هي الأصل والكيان الصهيوني هو الفرع وأينما ضرب يوجع.
لقد فرضت هذه العملية البطولية معادلات جديدة وطرحت مجددًا أمام الكيان الصهيوني المحتل سؤال الوجود التاريخي ولن ينج من ارتداداتها مهما كانت المحصلة النهائية وإن تعميق مأزقه التاريخي ومراقبة تناقضاته الداخلية التي يحاول التستر عليها بالقتل والإبادة الجماعية يتطلب خطوات عملية سريعة.. فما هي؟
أولًا: على الصعيد الفلسطيني: جبهة وطنية واسعة تضم جميع الفصائل والشخصيات الوطنية المستقلة تستجيب لمتطلبات المرحلة وتحت قيادة شخصية وطنية مرموقة وموثوقة مشهود لها بالوطنية والنزاهة بحيث يتاح لها هامش من حرية الحركة السياسية والعمل على إعادة اللحمة الوطنية ووحدة التراب الوطني بحيث لا تبقى مقاومة بجزء من الشعب، وعلى جزء من الوطن والساحة الفلسطينية زاخرة بالكفاءت الوطنية، وكل ذلك ممكن إذا ما تمت الاستفادة من التجربة الماضية وتجاوز الأجندة الفئوية الضيقة بهذا المعنى يمكن البناء على سيل التضحيات الغالية في التأسيس لمرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني.
ثانيًا: على الصعيد العربي: مساعدة هذا الإطار الوطني الموقت في إعادة هيكلية النظام السياسي الفلسطيني وتفعيل تجمعاته ومؤسساته الوطنية ودور كيانه المعنوي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، بحيث تشمل جميع المكونات الوطنية؛ بما يعزز الصمود الشعبي، وبما يخدم أهداف المشروع الوطني التحرري في العودة والدولة المستقلة بالقدس العربية عاصمةً لها كحل مرحلي مُجمع عليه وطنيًا، وذلك من خلال توفير الغطاء السياسي والإعلامي والدعم المالي والمساعدات الإنسانية العاجلة.
وبهذا تسقط الحجج والمحاذير الخفية التي تتذرع بها معظم الأنظمة العربية للحيلولة دون ممارسة دورهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والتزاماتهم القومية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة. وبعد ذلك لكل حادثة حديث.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بايدن ليس الأول.. رؤساء أمريكيون خاضوا معركة السرطان بصمت
في بلدٍ تتقدم فيه التكنولوجيا الطبية، وتُشكّل فيه صورة الزعيم جزءًا لا يتجزأ من الثقة العامة، تظلّ أخبار الحالة الصحية لرؤساء الولايات المتحدة محلّ اهتمام داخلي وخارجي كبير.
وقد مثّل إعلان إصابة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بالسرطان صدمة للرأي العام، ليس فقط بسبب خطورة المرض، بل لما يحمله من رمزية ترتبط بتاريخ طويل من المعاناة السرية أو العلنية لرؤساء سابقين مع هذا المرض.
ومع هذا الإعلان، ينضم بايدن إلى قائمة من القادة الأمريكيين الذين واجهوا السرطان بصمت، أو أحيطت معاركهم الصحية بسرية مشددة، مراعاةً لحساسية منصبهم وتأثير صحتهم على الأمن القومي والنفسي للبلاد.
بشكل مفاجئ، أعلن مكتب الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، إصابته بسرطان البروستاتا العدواني، بعد اكتشاف عقدة صغيرة خلال فحص طبي روتيني.
البيان الصادر يوم الأحد (18 مايو 2025) أوضح أن الفحوصات أظهرت وصول المرض إلى العظام، ما يشير إلى مرحلة متقدمة وخطيرة من المرض، وقد تم تشخيص الحالة اعتمادًا على نتائج اختبار PSA، وخزعة البروستاتا، والتي بيّنت درجة غليسون 9 (المجموعة الخامسة)، وهي أعلى درجات تصنيف عدوانية السرطان.
ورغم الإعلان الصريح عن تفاصيل المرض، إلا أن توقيته وشكله أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والطبية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، ووجود حالة من الجدل حول أهلية بايدن للترشح مرة أخرى.
قائمة رؤساء خاضوا معركة السرطانإصابة بايدن ليست الأولى في تاريخ الرئاسة الأمريكية. فقد واجه عدد من الرؤساء السابقين أمراضًا سرطانية، بعضهم أعلن عنها لاحقًا، وآخرون أخفوا معاناتهم أثناء فترة حكمهم.
غروفر كليفلاند الرئيس الـ22 والـ24في مايو 1893، خضع كليفلاند لعملية جراحية سرّية لإزالة ورم سرطاني من سقف فمه، نُفذت على متن يخته الخاص. استُخدم فيها التخدير الكامل والأدوات الجراحية في مكان غير مهيأ طبيًا بالكامل، وذلك تفاديًا لإثارة ذعر سياسي واقتصادي في البلاد.
وعاش كليفلاند 15 عامًا بعد العملية، وتوفي عام 1908 بنوبة قلبية. ولم تُكشف تفاصيل الجراحة السرية إلا بعد أكثر من 25 عامًا على وفاته.
يوليسيس غرانت الرئيس الـ18توفي غرانت عام 1885 عن عمر يناهز 63 عامًا، بعد صراع مرير مع سرطان الحلق، سبّب له آلامًا مبرحة وأفقده القدرة على تناول الطعام في أيامه الأخيرة. ومع ذلك، استمر في كتابة مذكراته حتى الرمق الأخير لتأمين إرث مالي لعائلته.
ليندون جونسون الرئيس الـ36في عام 1967، وبعد خروجه من البيت الأبيض، خضع جونسون لعملية سرية لإزالة سرطان الجلد. وقد بقيت تفاصيل مرضه غير معروفة حتى سنوات لاحقة، توفي جونسون في يناير 1973 بسبب نوبة قلبية، عن عمر يناهز 64 عامًا.
جيمي كارتر الرئيس الـ39في صيف عام 2015، أعلن كارتر إصابته بـسرطان الجلد (ميلانوما)، وقد انتشر إلى الكبد والدماغ. خضع لعلاج إشعاعي، وعلاج مناعي مكثف، وحقق استجابة مذهلة للمرض.
واصل نشاطه الإنساني والسياسي حتى تدهورت صحته في عام 2023، ليتوفى لاحقًا في 2024، عن عمر يناهز 99 عامًا.
رونالد ريغان الرئيس الـ40خلال ولايته الثانية، وتحديدًا في عام 1985، خضع ريغان لعملية استئصال سرطان القولون بنجاح. كما عولج لاحقًا من سرطان الجلد في عام 1987.
وفي عام 1994، وبعد انتهاء فترة رئاسته، أُعلن عن إصابته بمرض الزهايمر، الذي أدى لاحقًا إلى وفاته عام 2004 بسبب مضاعفات المرض والالتهاب الرئوي.
هل ما زال السرطان "تابو رئاسي"؟رغم التقدم في الكشف والعلاج، لا تزال مسألة الإفصاح عن مرض السرطان للرؤساء محاطة بحذر شديد. فالمرض لا يُعد شأناً شخصيًا فقط، بل قضية أمن سياسي واقتصادي في بلدٍ يُعد مركز ثقل عالمي.
وفي ظل ضغط الرأي العام ووسائل الإعلام، بات من الصعب على أي رئيس أمريكي إخفاء مثل هذه المعلومات لفترة طويلة، كما حدث في القرن التاسع عشر. لكن يبقى التحدي في تقديم المعلومات بشفافية دون الإضرار بالصورة القيادية أو الإخلال بالاستقرار السياسي.
إعلان إصابة بايدن بالسرطان يعيد إلى الأذهان سيرة زعماء وقفوا في وجه المرض بصمت، وواصلوا أداء واجباتهم رغم المعاناة. وبين من حارب المرض سرًا ومن واجهه علنًا، تبقى معركة السرطان واحدة من أكثر التحديات الإنسانية والسياسية التي كشفت جوانب خفية من شخصية الرؤساء الأمريكيين، وأعادت صياغة نظرة الشعب إليهم.