بسم الله الرحمن الرحيم
في الحق أن الكتابة عن تاريخنا، وعن الهجرات التي جرت في سهوله وبواديه، يحتاج منا إلى صبر وأناة، ونحن في بلاد النيلين، نكره هذا الصبر، ونبغض هذه الأناة، نحن سيدي لا نجيد إلا النوم والغطيط الذي نلح عليه، ونسرف فيه، أنا لا يخالطني الظن، أن من أسعد الأوقات التي ننتظرها ، ونتوق إليها، هي الساعة التي نتجه فيها إلى مضاجعنا، ونطفئ وميض الأسرجة اللاغبة، ينبغي علينا أن نطنب في تقريع أنفسنا، ولومها وعتابها على ذلك التقصير، ومجاهدة هذه المهج التي لا تميل إلا إلى الدعة والركون، إن الحقيقة التي يجب أن نحفل بها ولا نهابها، أن حصاتنا تأنف أن تبقي خلاياها في حركة يقظة قوية، هذه الحركة الوثابة بلا شك، كفيلة بأن تبعث فينا واقعا نتبينه دون مشقة أو جهد، أن كل فردا منا، باستطاعته أن يكون مفكرا مغرقا في التفكير، حتى وإن كان بينه وبين صومعة الفكر آمادا طوال، حينها فقط يعود للسودان تأثيره ، يعود إليه ألقه وبريقه ونضاره، ويتحرر حينها من أسر هذه الحسرة اللاذعة التي أدميناه بها، بفضل تقاعسنا وخمولنا الفكري.
نحن في السودان نخشى كثيرا من أهوال الفكر حتى قبل أن نطرق أبوابه، والباحث لو تدبر في كنه هذه الأهوال لن يظفر منها بشيء، ورغم هذه الحقيقة الناصعة، إلا أن أحاديث الباحثين عنها لا تنقطع، إن الواقع المرير الممض، أن كل باحث يريد أن يعبر بحر الفكر العباب، محمولا على كتف احد اخوته، وأن يجد في حمله إياه مظاهر الرفق واللين، هذه الخشية وهذا التواكل، يعيننا على أن نفهم هذا الازورار على اقتحام ميادين الفكر، رغم أن السودان، يحمل طائفة من خصائص الفكر التي تختلف في أمزجتها وطباعها،والتي من السخف أن نغض عنها الطرف، ولا ننكب عليها لأن فئة كبيرة من باحثي السودان لا تستطيع تحمل هذه الآثار التي نستطيع لها دفعا، والتي تصطدم في الكثير من معالمها مع ألوان الحياة الاجتماعية.
وحتى نحلل هذه الهيبة ونلخصها نقول في اختصار، أن من أكبر عوائق الفكر في السودان، نظم المجتمع وقوانينه، فهي التي تحد من ركضه وانطلاقه، إن حياتنا الفردية والاجتماعية هي التي تفسد كل ما نرتجيه من رياض الفكر، وتنقص علينا رياحينه التي نبتغي لثمها واستنشاق عبيرها، كما أن الشخصية السودانية تنفر من مذاهب الفكر الفلسفية، فأوصاب الحياة وعنتها، تسيطر عليها سيطرة كاملة، فالناس في سوداننا كل الناس،
منتظمين في حياتهم المادية والمعنوية، وملتهين عن ثروة السودان الضخمة التي نغمض أعيننا عنها، ونخشى أن تضيع بسبب الخشية والتردد والاشفاق
د. الطيب النقر
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
في ثالث أيام معسكر "صحح مفاهيمك".. محاضرة حول "الأمل ومواجهة الفكر المتطرف"
ألقى الدكتور أسامة فخري الجندي، رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم، محاضرة متميزة في ثالث أيام معسكر "صحح مفاهيمك" الذي تنظمه وزارة الأوقاف بأكاديمية الأوقاف الدولية لأعضاء اتحاد "بشبابها"، جاءت تحت عنوان: "الأمل ومواجهة الفكر المتطرف"، وذلك في جلسة تفاعلية حيوية شهدت حضورًا شبابيًّا فاعلًا بأكاديمية الأوقاف الدولية، وبمشاركة الدكتور أشرف فهمي، مدير عام التدريب، الذي رحّب بفضيلته مثنيًا على علمه وجهوده.
استهل الدكتور أسامة الجندي كلمته بالحديث عن الأمل باعتباره بداية لكل خير، مؤكدًا أن البسمة هي أولى علامات الرجاء، ثم تناول مفردات الأمل كالثقة والطموح والإيجابية، مشيرًا إلى أن الأمل سبيل إلى صناعة الممكن وتجاوز المحن. وأكد أن الفهم الخاطئ للمصطلحات يُعد أحد أهم أبواب الانحراف الفكري، مما يستلزم تصحيح المفاهيم وإعادة ضبط اللغة الدينية بما يوافق المنهج العلمي الرصين.
وفي معرض حديثه عن التطرف، أوضح أن الكلمة ذاتها قد تثير اللبس إن لم تُفهم بصورة دقيقة، مشددًا على أن المواجهة تبدأ من العقل والفهم الواعي للنصوص، محذرًا من الاندفاع العاطفي وتجاهل أدوات الفهم كالعربية والسياق، وهو ما وقعت فيه جماعات التشدد والانحراف.
واستعرض فضيلته مجموعة من القيم البناءة في مواجهة السلوكيات المتطرفة، داعيًا إلى العودة للسكينة والمنهج الوسطي، وإعمال العقل في قراءة النصوص بعيدًا عن التفسيرات المغلوطة.
كما أشار إلى أن الفتوى الرشيدة تمثل خط الدفاع الأول ضد الفكر المنحرف، موضحًا أن خطورة الفتاوى المتشددة تكمن في قدرتها على تحويل الهاجس إلى فعل مدمر، وأكد أن بناء الإنسان يبدأ من تصويب الفكر، وهو ما تقوم به المؤسسات الدينية الرسمية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.
وقد اختُتمت المحاضرة بحوار مفتوح مع المشاركين من اتحاد "بشبابها"، حيث أثنوا على الطرح العميق والأسلوب العلمي المتميز، معبّرين عن امتنانهم لهذا النوع من البرامج التي تعزز الوعي، وتجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتسهم في تحصين عقول الشباب من الأفكار المغلوطة المنتشرة عبر المنصات المختلفة.