تحاول أسرة التسعيني علي عبدالرحمن دون جدوى لملمة أطراف الأسرة المشتته في أكثر من منطقة وبلد بعد أن أصبح والدهم واثنان من أبنائه يعيشون في شوارع مدينة سنار بولاية النيل الأزرق مع عشرات الآلاف من الفارين من مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بوسط السودان في العراء دون مأوى ولا طعام ولا مياه؛ بعد أن امتلأت المدارس والمؤسسات العامة بالباحثين عن المأوى.


وكانت مدينة مدني أهم مراكز الإيواء لنحو 4 ملايين من الأطفال والنساء والرجال الذين فروا من العاصمة الخرطوم بعد اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل؛ لكن بعد دخول الحرب شهرها التاسع تحولت ود مدني نفسها إلى واحدة من أخطر مناطق القتال في البلاد.
وبعد معاناة شديدة عاشها مع آلاف النازحين مثله؛ وصل عبدالرحمن إلى مدينة سنار بعد رحلة استغرقت نحو 5 ساعات من ود مدني التي كان يتلقى فيها، منذ فراره إليها من الخرطوم، العلاج من مرض الفشل الكلوي.
ورغم أن المسافة بين المدينتين لا تتعدى 105 كيلومترات فقط إلا أن طوابير السيارات الطويلة، والتدفقات البشرية الراجلة، والعقبات الأمنية العديدة، وانعدام الوقود كلها أسباب أدت إلى تأخير الخروج من مدني، التي شهدت خلال الساعات الماضية انتشارا كبيرا لقوات الدعم السريع بعد معارك استمرت اكثر من 5 أيام على تخوم المدينة التي تعتبر ثاني اهم وأكبر مدن البلاد، وتحيط بها عدد من القرى والمناطق التي أصبحت تحت سيطرة قوات الدعم السريع حتى صباح الثلاثاء.
ومع اتساع رقعة القتال الذي راح ضحيته حتى الآن نحو 12 ألف شخص، وأجبر بسببه أكثر من 7 ملايين شخص على ترك بيوتهم؛ تشتت الكثير من الأسر في أكثر من مدينة وبلد وأصبحت مسألة البحث عن طريقة للم الشمل هاجسا يؤرق آلاف الأسر.
وعندما اندلع القتال في الخرطوم سارعت آلاف الأسر للفرار في وقت كان فيه أفراد بعضها خارج الخرطوم لظروف مختلفة وبعضهم لا يمتلك حتى أوراق ثبوتيه أو جوازات سفر، مما أدى في حالات عديدة إلى تشتت أفراد الأسرة الواحدة في أكثر من بلد؛ لكن مع تطاول أمد الحرب وارتفاع تكاليف السفر وصعوبة الإجراءات قد تصبح أمنية جمع الشمل بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين؛ خصوصا بعد تدهور الأوضاغ في ود مدني التي كانت تعتبر حتى الأحد نقطة الارتكاز الرئيسية والأكثر أمانا في وسط البلاد.
وربما تكون قصة أسرة عبدالرحمن من أكثر قصص الحرب المستمرة في السودان منذ 9 أشهر؛ مأساوية فقد تفرقت الأسرة المكونة من 9 أفراد بين 3 دول؛ فعندما فرت الأسرة من الخرطوم في الأسبوع الخامس من القتال متجهة إلى مدني كان الابن الأكبر “عادل” في مهمة عمل في إقليم دارفور؛ وفي حين تمكن الأب والأم واثنان من أبنائهمها من الوصول إلى مدني؛ سافر شقيقا عادل إلى مدينة بورتسودان بشرق البلاد على أمل الحصول على جوازات تمكنهم من تسفير والدهم المريض لتلقي العلاج في الخارج.
أما عادل فقد نجح في عبور الحدود إلى دولة تشاد المجاورة بعد أن نجا من الموت بأعجوبة خلال اشتباكات عنيفة شهدتها مدينة الجنينة عاصمة إقليم غرب دارفور في شهر أغسطس.
ويقول أحمد شقيق عادل الأصغر لموقع سكاي نيوز عربية “كنا نقطن في حي قريب من وسط الخرطوم حيث تحتدم المعارك، وعندما قررنا الفرار كان شقيقنا الأكبر في منطقة غرب دارفور النائية.. كان علينا في البداية تأمين مكان يتلقى فيه والدنا المريض جرعات غسيل الكلى، وكانت الوجهة المتاحة هي مدينة ود مدني.. الآن اضطررنا لنقل الوالد إلى مدينة سنار التي لا تتوفر فيها معينات كافية، ولا ندري ما ينتظرنا، ولم تعد هنالك طريقة للملمة بقية أفراد الأسرة.. إنه وضع مأساوي”.

وفي حين يتلاشى أمل العودة لدى أكثر من 3 ملايين عبروا حدود الدول المجاورة؛ يواجه نحو 4 ملايين نازح في المدن الداخلية الأقل خطرا ظروفا معيشية وصحية سيئة للغاية؛ بعضهم مهدد بفقدان المأوى بعد البدء في إخلائهم من المدارس والمؤسسات التعليمية التي كانت تأوي أكثر من 70 في المئة من النازحين في مختلف مدن البلاد؛ في ظل شح كبير في الوحدات السكنية التي تضاعفت أسعارها بأكثر من 6 مرات في معظم المدن التي لجأ لها النازحون الذين فقد نحو 80 في المئة منهم مصدر دخلهم.
ومع فقدان الجنيه السوداني نحو 90 في المئة من قيمته حيث يتم تداول الدولار الواحد بأكثر من 1000 جنيه حاليا مقارنة بنحو 600 جنيها قبل الحرب؛ يجد الكثير من السودانيين الذين فروا إلى الخارج صعوبة بالغة في تدبر احتياجاتهم؛ إذ يعتمدون على مدخراتهم التي يحولون منها عبر التطبيقات المصرفية لتجار محليين مقابل العملة محليين.
وعقد الانهيار الكبير الذي حدث قي قيمة صرف الجنيه خلال الأسابيع الماضية حسابات الكثير من السودانيين الذين أجبرهم القتال على الفرار لدول أخرى؛ فقد تضاءلت كثيرا قيمة تحويلاتهم لعملات البلدان المستضيفة.

سكاي نيوز

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: أکثر من ود مدنی

إقرأ أيضاً:

قلعة "الدَّقَل" في أبها.. معلم تراثي عريق يعود للواجهة بعد ترميمه

عادت قلعة "الدَّقَل" -إحدى أبرز المعالم الأثرية في مدينة أبها-، إلى الواجهة من جديد بعد أن أنهت هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة مشروع التدعيم والترميم الإنقاذي للقلعة؛ للتأكيد على عمقها التاريخي وأصالتها المعمارية، لتكون وجهة تراثية وثقافية بارزة في منطقة عسير.

وتقع القلعة في الجهة الشمالية الغربية من مدينة أبها، وشُيدت على قمة جبل يبلغ ارتفاعه نحو 2342 مترًا فوق مستوى سطح البحر، مما أكسبها موقعًا إستراتيجيًا لمراقبة الطرق التي تمر عبر السلاسل الجبلية المحيطة بها، وفق ما أشار إليه عدد من الباحثين، ومنهم الدكتور غيثان جريس، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، الذي قدّر تاريخ بنائها بأكثر من 110 أعوام، حيث بُنيت عام 1334هـ.

وشمل مشروع الترميم الذي نفذته هيئة التراث إعادة بناء ما تهدّم من جدران القلعة باستخدام الأحجار المحلية ذاتها التي شُيدت بها في الأصل، مع المحافظة على تفاصيل تصميمها التقليدي، إلى جانب تنظيف ممراتها وأقسامها الداخلية، بما يعزز جاهزيتها لاستقبال الزوار والمهتمين بالتراث.

وفي دراسة أكاديمية أعدّها ونشرها الدكتور محفوظ الزهراني في كتابه "تحصينات مدينة أبها" الصادر عام 2006م، ذكر الباحث أن اسم "الدَّقَل" يشير إلى المنشأة المرتفعة، ويعود في أصله اللغوي إلى "الدَّقَل" كما ورد في "لسان العرب"، وهي الخشبة التي يُشدّ عليها الشراع وسط السفينة، دلالة على الشموخ والارتفاع.

وأظهرت الدراسة أن القلعة شُيدت على تضاريس صخرية صلبة أثّرت على تخطيطها الهندسي، غير أن المعمار التقليدي استطاع التكيّف مع هذه التضاريس، فجاءت القلعة بشكل مستطيل يبلغ طوله 43.6م، وعرضها 16م، بواجهة شمالية شبه دائرية، واستُغلت الانحدارات والصخور الطبيعية في الجهات الشمالية والغربية؛ لتدعيم الاستحكامات الدفاعية.

وتتكوّن القلعة من ثلاث وحدات رئيسة هي وحدة القيادة والسيطرة، ووحدة سكن الجنود، إضافة إلى وحدة الخدمات، ويخترقها ممر مركزي طويل (دهليز) يقسم المبنى إلى جناحين شرقي وغربي، كما تضم القلعة فرنًا حجريًا ضخمًا، كان يُستخدم لتجهيز الخبز للقوات المرابطة، ويصل عرض فتحة الفرن إلى مترين، تعلوه مدخنة بطول 110 سم، وعرض 65 سم.

وفي جانب التخزين، تحتوي القلعة على مدفن محكم لحفظ القمح والحبوب، بُني بأسلوب شبه أسطواني معزول بالحجارة والتراب لمنع تسرب الرطوبة والسوس، إضافة إلى تخصيص مساحة لتحضير طبق "الحنيذ" الذي تشتهر به منطقة عسير، في إشارة إلى البعد الثقافي والاجتماعي للموقع.

واستخدم البناؤون المحليون في تشييد القلعة من مواد خام متوافرة في البيئة المحيطة، كالأحجار الجرانيتية التي تتميز بمقاومتها العالية للتعرية، وجذوع أشجار العرعر لتسقيف الحجرات، إلى جانب الطين، والقصب (الشوحط)، والجص المستورد من إحدى المدن الساحلية على البحر الأحمر، وقد أُضيفت طبقة من الجص إلى الواجهات الخارجية للجدران لتمنح القلعة طابعًا جماليًا وتمنع تسرب المياه.

وقامت تقنية التسقيف التقليدية على وضع جذوع العرعر بشكل متواز، تغطيها أعواد القصب، ثم طبقة من الطين المخلوط بالقش، وتُدك بعناية لتوفير عزل مائي فعّال.

ويُنتظر أن تفتح القلعة أبوابها أمام الزوار والمهتمين بالتراث المحلي عقب مراحل أخرى متتابعة من المشروع، في خطوة من شأنها؛ تعزيز الحضور التراثي في مدينة أبها، وتفعيل البعد الثقافي للمعالم الأثرية في منطقة عسير.

// انتهى //

أبهاقلعة الدَّقَلقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • مخرج مسلسل فات الميعاد يكشف تفاصيل مشهد ضرب أسماء أبو اليزيد| خاص
  • فاروق فريد: تسرع الإعلاميين السودانيين لأجل السبق الصحفي
  • مخرج مسلسل فات الميعاد: انتهينا من تصوير مشاهده قبل العرض.. والقادم أقوى| خاص
  • الدويري: صواريخ فتاح التي استخدمتها إيران في هجومها الأخير أكثر تطورا
  • النزوح من طهران وسط تصاعد التوترات وتهدئة السلطات
  • عبور أكثر من 5 ملايين مركبة المسالك المؤدية لمكة المكرمة والمدينة المنورة خلال حج 1446
  • ‎الامارات تعفي السودانيين من شرط صلاحية الـ 6 أشهر لجواز السفر
  • "أكثر من مجرد مدينة".. ما أهمية الضربات الإيرانية على هرتسيليا الإسرائيلية؟
  • إحداها في سوريا..إليكم 10 من أجمل القلاع حول العالم
  • قلعة "الدَّقَل" في أبها.. معلم تراثي عريق يعود للواجهة بعد ترميمه