لجريدة عمان:
2025-11-21@08:50:14 GMT

نوافذ :وانطفأت شمعة

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

ashuily.com

«نحن نمضي واحدًا تلو الآخر، ولا أحد ينظر إلينا ولا إلى حجم الكارثة والجريمة التي نعيشها في غزة؛ لا حماية دولية إطلاقًا، لا حصانة من أي شيء، هذه الدروع لا تحمينا ولا تلك القبعات». هذه كانت كلمات مراسل تلفزيون فلسطين عقب رؤيته جثة زميله الصحفي الذي يتزامل معه المهنة نفسها مسجّاة على الأرض بعد غارة إسرائيلية استهدفت ضمن من استهدفتهم الصحفيين والإعلاميين الذين ينقلون جرائم إسرائيل الوحشية التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دون مراعاة للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية التي تعتبر الصحفيين خارج دائرة الحرب فهم يقومون بنقل الخبر وتوثيقه وليسوا طرفا في معادلة الحرب.

وهي ذات الكلمات التي ودّع بها وائل الدحدوح زميله المصور سامر أبو دقة الذي قتل في غارة إسرائيلية استهدفت مدرسة فرحانة في خان يونس قائلا بـ «إنه وعلى الرغم من وجود تنسيق مسبق لوجودهم في مكان المدرسة برفقة سيارة الإسعاف غير أن همجية الاحتلال الإسرائيلي قامت بقصفهم عمدا رغم علمهم بأنهم صحفيون يقومون بتغطية أحداث الحرب» تاريخ سلطات الاحتلال الإسرائيلي في خنق الأصوات وكسر الأقلام الصحفية متكرر ليس في هذه الحرب فقط وإنما في كل تاريخ صراعها مع الفلسطينيين، وقبل عام فقط قام قنّاص إسرائيلي عمدا بإطلاق الرصاص على مذيعة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة من على مسافة قريبة خلال تغطيتها لاقتحام مخيم جنين رغم ارتدائها سترة الصحافة وأيضا لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا في هذه القضية رغم أن شيرين كانت تحمل الجنسية الأمريكية.

تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» المنشور الأسبوع الفائت قال: إن إسرائيل قتلت 56 صحفيا منذ بدء حربها على غزة بما يزيد عن قتل صحفي واحد كل يوم، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي تجرّم الاعتداء على الإعلاميين الممارسين لعملهم والملتزمين بزي الصحافة أثناء تغطيتهم لأحداث الحرب؛ ويقول الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود»: إن المنظمة قامت برفع شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في الوقائع» التي تستهدف حياة الصحفيين.

المخاطر التي يتعرض لها الإعلاميون والصحفيون في نقلهم للوقائع والأحداث جسيمة وخطيرة قد لا يفهمها ولا يعيها من يجلس خلف أريكته أو مكتبه قارئا صحيفة أو مستمعا لإذاعة أو مشاهدا لقناة تلفزيونية، فما يصل إلى المتلقي هو خلاصة جهد كبير وعناء شديد وتكبد مشاق صعبة من النواحي النفسية والبدنيّة والعقلية يتعرض خلالها الإعلامي والصحفي لشتى أنواع المشاق والصعوبات والعقبات تصل إلى حد فقدانه لحياته أحيانا أو الزج به في السجون والمعتقلات أو محاكمته أو طرده من عمله، وكل هذه الأخطار يتحملها الصحفيون في سبيل إظهار الحقيقة الخالصة للناس وحمايتهم من الوقوع في شراك التدليس والخداع من أي طرف آخر؛ ورغم كل ذلك إلا أن الصحفيين في كثير من أنحاء العالم لا يجدون التقدير المناسب لأوضاعهم الصحفية.

تقرير «مراسلون بلا حدود» الصادر لهذا العام 2023 أشار إلى أن « 521 صحفيًا حول العالم لا يزالون يقبعون خلف القضبان في مختلف أنحاء العالم لأسباب تعسفية تتعلق بطبيعة عملهم» وفي ظني أن هذا الرقم ليس الرقم الصحيح؛ فكثير من المعتقلين الصحفيين لا يُعرف عنهم الكثير وتمت تصفية البعض منهم.

لولا الإعلاميون والصحفيون الأبطال الواقفون في الصفوف الأولى للحرب لما استطعنا مشاهدة تفاصيل الحروب والمشاكل والأزمات التي تحدث في كل أنحاء العالم، ولولاهم لما وصلت إلينا الحقيقة كاملة عما يجري على أرض الواقع؛ لأن الوصول إلى مناطق الصراعات والأزمات ليس بالأمر السهل أو الهين، ويتطلب الكثير من المخاطرة والتنسيق والجهد المبذول والتضحية بالنفس لنقل الأحداث والحقائق الكاملة من دون كذب أو تدليس أو خداع احتراما لمهنة الإعلام أولًا وللمتلقين ثانيا ولإظهار ما يجري على أرض الواقع ولولا الصحفيون والإعلاميون الشجعان لعشنا في ظلام دامس طامس للحقائق، لكننا بحاجة إلى إشعال شمعة تنير الدروب حتى وإن انطفأت تلك الشمعة فإن شمعة أخرى غيرها ستواصل مهمة إنارة الطريق.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمير وجيش: كيف تغلب ولي العهد على الصحفيين الأمريكيين؟

عندما علم الصحفيون الأمريكيون ومؤسساتهم الإعلامية بموعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن وتم تحديده في يوم ١٨ من شهر نوفمبر ٢٠٢٥، فإنهم بالتأكيد أعدوا العدة واجتمعوا على المقترحات والأسئلة وتسابقوا بين فريق يريد احراجه وإحراج السعودية، وآخر يبحث عن السبق الصحفي، وثالث يريد إجابة لعل وعسى تجعله حديث العالم. وكصحفي فإنني أدرك تماما أن وجود رجل بمثل محمد بن سلمان في واشطن، زعيم في منطقته، فإن كل سؤال دسم سينتج إجابة دسمة وستتناقله الركبان.

ولعلني أعطي القارئ تنويرا حول كيفية الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الإعلامية لإعداد الأسئلة واختيار الصحفيين بالدقة من أجل الفوز بإجابة تجعل الصحيفة والصحفي حديث العالم. أقول، عندما تستعد المؤسسات الإعلامية لزيارة شخصية مهمة، تبدأ بتجميع ملف شامل عن الزائر ومواقفه السابقة، ثم تعقد اجتماعات تحريرية لوضع أولويات التغطية. بعد ذلك يُكلف فريق متخصص بصياغة أسئلة دقيقة تعتمد على السياق السياسي والاقتصادي للزيارة، إضافة إلى القضايا الخلافية أو الملفات التي تُعد موضع اهتمام للرأي العام. كما تُراجع الأسئلة قانونيًا ومهنيًا لضمان دقتها وموضوعيتها، ثم تُرتَّب بحسب أهميتها، ليظهر الصحفي في المؤتمر بمظهر الخبير الملم بكل التفاصيل.

ومع تواجد الجيش الصحفي الأمريكي في مواجهة ولي العهد السعودي، ورغم الإجابات والتدخلات التي كانت يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب – مثلا مع مراسلة ABC news عندما وصف سؤالها بقلة الذوق وأن مؤسستها تنشر أخبار كاذبة – فإن الأمير محمد بن سلمان يأخذ طرف الحديث ويقدم رأيه وتصريحاته دون تردد. هذه الإجابات منه تدعو لقراءة اتصالية متعمقة لحضور سموه المهيب في مواجهة جيش من الصحفيين الأمريكيين المترقبين لأجوبته. وقد أظهرت إجابات محمد بن سلمان في البيت الأبيض مستوى متقدمًا من الاحتراف الاتصالي والاستراتيجي، فالأمير قدم نموذجًا واضحًا لأسلوب “الدبلوماسية الإعلامية الهادئة”، حيث حافظ على لغة متوازنة وواقعية تقوم على بناء الجسور لا إشعال الخلافات.

من الناحية الاتصالية أيضا، اعتمد الأمير على منهج التواصل القيمي القائم على بناء سردية تحفّز الشراكة لا الصراع، عبر التركيز على التاريخ الطويل الذي يجمع البلدين، والتأكيد على المصالح المشتركة، خاصة في ملفات الأمن، الاقتصاد، والاستثمار. ولعل الأبرز هو التحكم العالي في الإيقاع الإعلامي؛ فعندما طُرحت قضايا حساسة مثل ملف حقوق الإنسان أو قضايا ضحايا ١١ من شهر سبتمبر أو حتى قضايا المنطقة، لم ينجرّ الأمير لنبرة دفاعية عاطفية، بل أعاد توجيه الحوار بهدوء نحو مساحات من المصالح والرؤى المستقبلية. كذلك، أظهر الأمير براعة في استخدام التقنيات الاتصالية المتعلقة بإعادة تشكيل الصورة الذهنية، فأبرز بوضوح جهود السعودية في التحول الداخلي، وأتاح فرصة للمتلقين الأميركيين فرصة فهم المملكة “الجديدة” بعيدًا عن الصور النمطية التقليدية، بل وقدّم رسالة ضمنية مفادها أن السعودية ليست فقط شريكًا، بل لاعبًا رئيسيًا في الأمن الإقليمي وصناعة القرار العالمي.

هذا الأداء الاتصالي لولي العهد يعكس إدراكًا عميقًا بأهمية الإعلام الأميركي وتأثيره في صياغة القرار والمزاج السياسي في واشنطن، ويؤكد أنّ القيادة السعودية تعمل اليوم وفق رؤية اتصالية استراتيجية طويلة المدى، وتُراعي تلك الرؤية تعقيدات البيئة الإعلامية وتستثمر فيها بوعي وإدراك ، وبأدوات حديثة متقنة. ثقة وإجابة على الأسئلة مهما كانت حرجة، وحضور لغوي مميز، وإنجليزية رائعة يفهمها المتلقي بشكل واضح ومفردات رصينة لا تترك فرصة للتأويل ولا تنبئ بالتردد.

‏أما فيما يتعلق بلغته الإنجليزية التي تعد لغة ثانية، قدم الأمير نموذجًا مميّزًا لاستخدام اللغة الثانية في سياق دولي رسمي؛ إذ يختار بنية لغوية واضحة ويبتعد عن التعقيد، مع اعتماد جمل مباشرة من نمط (فاعل–فعل–مفعول) تجعل رسائله مفهومة وميسّرة حتى لغير المتخصصين. وتظهر في نطقه بعض سمات اللكنة العربية الطبيعية لمتحدث عربي، لكنها لا تعيق الفهم، بل تعكس هويته وثقته بلغته الأم وهو يستخدم الإنجليزية كأداة تواصل إستراتيجي لا كغاية شكلية. أما إيقاع حديثه يميل إلى البطء النسبي والتوقفات الواضحة بين الجمل، ما يمنح المستمع فرصة لاستيعاب المحتوى، ويضفي على الخطاب طابعًا رسميًا جادًا يناسب مقام اللقاءات القيادية. نزول النبرة في نهاية الجمل يمنح إحساسًا بالثبات والحسم، ويخدم مضمون الرسائل التي تركز على التحول، والشراكة، والفرص، خاصة عند الحديث عن رؤية 2030 والاستثمار.

بقي القول، فإن زيارة ولي العهد الحالية إلى واشنطن أثبتت أن التحدي لا يقوم فقط على البعد السياسي بل هناك تحديات اتصالية، حيث تمكن الأمير من تحويل أكثر البيئات الإعلامية صعوبة إلى منصة لعرض رؤية السعودية بثقة وهدوء. لقد واجه أسئلة الصحفيين الأميركيين بقدرة القائد الذي يستوعب مشهد القوة الناعمة ويُدرك أثر الكلمة في صناعة القرار. فبأداء رصين ولغة دقيقة وإجابات محكمة، نجح في إعادة تعريف علاقة الرياض بواشنطن، ليس عبر الخطاب الانفعالي، بل عبر بناء سردية جديدة تقوم على المصالح المشتركة والتحول الاستراتيجي الذي تعيشه المملكة. وهكذا، نجح الأمير السعودي في التغلب على جيش الإعلام الأمريكي بطريقة احترافية وأكثر وتأثيرًا، كما خرجت السعودية بصورة أكثر وضوحًا ونضجًا في الوعي الأميركي.

صحفي وأكاديمي ومختص في الاتصال المؤسسي.

الرئيس الأمريكيأخبار السعوديةولي العهدالصحفيون الأمريكيونقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • العازفة التي تقود اليابان نحو اليمين والنزاع مع الصين
  • الزيارة الناجحة التي شغلت العالم بنتائجها المبهرة : شراكة استراتيجية بملامح المستقبل... دلالات نتائج زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن
  • وزير التنمية الاجتماعية السوداني للجزيرة نت: حجم المعاناة أكبر مما يراه العالم
  • روسيا التي صنعها بوتين.. كيف أُعيد تشكيل البلاد ؟
  • مراسلون بلا حدود: 8 إجراءات أقرها ترامب ضد الصحفيين منذ توليه
  • آخرها كوراساو.. الدول الأقل سكانا التي تأهلت إلى كأس العالم
  • أمير وجيش: كيف تغلب ولي العهد على الصحفيين الأمريكيين؟
  • تعرف على قدرات F-35 الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم.. المقاتلات التي تثير رعب الحوثيين في اليمن
  • هذه هي الأسلحة البعيدة المدى التي تستخدمها أوكرانيا لضرب عمق روسيا
  • هل نفد صبر العالم على انتهاكات الدعم السريع؟