جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-15@23:37:12 GMT

مكافحة التسوُّل

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

مكافحة التسوُّل

 

محمد بن حمد البادي **

mohd.albadi1@moe.om

 

 

التسول من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسيء إلى الوجه الحضاري لأي بلد، ونحن في عُمان دولة تقوم على التكافل الاجتماعي وصلة الرحم والتَّعاون على البر والتقوى، بما وفرته من سبل العيش الكريم لكافة المواطنين والمقيمين على أرضها.

والتسوُّل من الظواهر الدخيلة على المجتمع العُماني المتمسك بعاداته وقيمه الأصيلة النابعة من مبادئ الشريعة الإسلامية، فمن يمارس هذه السلوكيات لا يملك أي نوع من الثقافة التي ترفع من قدر الإنسان، والتي يحافظ بها على كرامته وعزة نفسه من الهدر.

ولا تزال التعاليم الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تنهى عن التسول، فوجّه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام إلى الابتعاد عن التسول؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام رضي الله عنه يوم أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه ثم سأله فأعطاه، ثم قال له : «يا حكيم، إنَّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العُليا خير من اليد السفلى «قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ- أي لا أسأل- أحدًا بعدك شيئًا، حتى أفارق الدنيا» وكان أبوبكر يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إنَّ عمر دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله، فقال عمر رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقه، الذي قسم الله له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النَّاس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، رحمه الله. وهكذا يتعين على المسلم أن يكون.

 واهتمامًا من وزارة التنمية الاجتماعية بالقضاء على ظاهرة التسول؛ فإنَّ الوزارة أصدرت العديد من القرارات والتشريعات؛ وقامت بدراسة الكثير من الحالات؛ وتعاونت مع جهات حكومية مختلفة (شرطة عمان السلطانية والادعاء العام)، مما كان له أثر إيجابي في انخفاض عدد المتسولين من العمانيين إلى أعداد بسيطة، ولكن تبقى مشكلة المتسولين من غير العمانيين فهم بأعداد كبيرة تظهر وتختفي تقل وتزيد، يجوبون الشوارع، ويتربصون بالناس أمام المساجد والجوامع ومحطات البترول والأسواق والأماكن العامة.

 تجدهم في بعض المحافظات أكثر وبعضها أقل مستغلين مشاعر النَّاس وعواطفهم، وربما بعضهم يستغل الأطفال في استجداء الناس، وأيضًا بعضهم يتسول بطريقة غير مباشرة كأن يعرض عليك تقديم خدمة مُعينة أو يبيع سلعة غير ذات فائدة، لا عمل لديه ولا وظيفة وربما دخل إلى السلطنة وأقام فيها بطريقة غير شرعية.

إن جهود وزارة التنمية الاجتماعية بالمتسولين العمانيين واضحة للعيان، فهي توليهم اهتمامًا بالغًا من خلال الحرص على تتبع أحوالهم المعيشية، ودراسة حالاتهم كلٌ على حدة؛ ومعرفة الدوافع الحقيقية للجوء الشخص منهم إلى التسول؛ ومن ثم معالجة أوضاع المستحقين منهم حسب النظم المعمول بها في الوزارة، أما غير المستحقين فتطبق عليهم القوانين واللوائح التي بموجبها ضمان عدم تكرار هذا السلوك السلبي.

أما المتسولون من غير العمانيين فإنَّ وزارة التنمية الاجتماعية تتعاون بشكل مستمر مع شرطة عمان السلطانية لتولّي مهمة متابعتهم والحد من نشاطاتهم في هذا المجال، ومراقبتهم بما يكفل السلامة للجميع، ولتطبيق القوانين والتشريعات الرادعة لهم.

كما صدرت عن الوزارة سابقًا قرارات وتشريعات تهدف إلى القضاء على هذه الظاهرة، فقد نصَّ القرار الوزاري رقم (21/2011) في مادته الثانية على أنه يحظر على أي شخص ممارسة التسول في الطرق العامة أو الأماكن أو المحلات العامة أو الخاصة، ويعتبر من أعمال التسول استجداء الناس صدقة أو إحساناً أو عرض سلعة تافهة أو ألعاباً استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح لأن تكون موردًا جديًا للعيش بذاتها.

وتضمنت المادة الثالثة من القرار ذاته توجيهًا بتشكيل فرق لمكافحة التسول في المحافظات بممثل عن وزارة التنمية الاجتماعية بدرجة مدير عام وبعضوية ممثلين عن شرطة عمان السلطانية ووزارة العمل ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والبلدية المختصة.

أضف إلى ذلك أن وزارة التنمية الاجتماعية نشرت مؤخرًا قانون الجزاء العماني الجديد حول ظاهرة التسول والذي جاء فيه: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ريالا ولا تزيد عن 100 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من وجد متسولاً في المساجد أو الطرق أو الأماكن العامة أو المحلات العامة أو الخاصة. ونصت المادة 299 على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 200 ريال ولا تزيد عن 600 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من وجه دعوة تبرع أو جمع مال من الجمهور بأي وسيلة كانت دون ترخيص من الجهة المختصة.
إننا- وعبر هذا المقال- نناشد الجميع بضرورة التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المختصة الساعية إلى القضاء على ظاهرة التسول، سواءً كان هذا التعاون على المستوى الفردي أو المجتمعي أو المؤسسي.

ويجب علينا أن لا نتعاطف مع المتسولين، وأن نتعامل معهم بشكل أكثر صرامة، فأنت يا محب البذل والعطاء- رعاك الله- لا تملك أي خلفية عن هذا الشخص؟ وما وراءه؟ وكيف وصل إلى هذا المكان، ولماذا يتواجد في هذا الموقع؟ وربما له أهداف أخرى تضر بالمجتمع، أو أنه تابع لمنظمات خارجية لها أجندة تضر بالصالح العام للبلد.

يجب على شرطة عمان السلطانية التعامل مع هذه الفئة بحزم أكبر من خلال تخصيص فرق نشطة لمتابعة هذه الظاهرة، مع إيجاد آليات تضمن سرعة الاستجابة للبلاغات الواردة من المواطنين والمقيمين، ومن ثم تطبيق العقوبات الرادعة لهم والتي نصت عليها القوانين.

كما إن للفرق الخيرية ولجان الزكاة في الولايات دورًا محوريًا في التصدي لهذه الظاهرة من خلال تلمس حاجات الناس وإعانة من ألمت به الحاجة ليغنوه عن السؤال.

أضف إلى ذلك تكثيف التوعية في أوساط المجتمع إلى ضرورة توجيه أموال الصدقات وأموال الزكاة المفروضة للجان الزكاة أو الفرق الخيرية، وعدم صرفها بشكل عشوائي على المتسولين؛ الذين هم ربما أغنى الأغنياء عن الصدقات؛ فلجان الزكاة والفرق الخيرية يمتلكون معلومات مفصلة وقاعدة بيانات متكاملة عن جميع الأسر المستحقة للمساعدة في الولاية، يأخذون هذه الأموال من المزكين والمتصدقين لتصل إلى مستحقيها بشكل منظم وبطرق مدروسة مع مراعاة تحقيق العدالة في الأعطيات.

يجب علينا عدم قبول المتسولين قطعيًا، وتوجيه التبرعات والصدقات إلى مصارفها الشرعية عبر الجهات والهيئات الرسمية المعتمدة والمتخصصة في تقديم المساعدة والعون للمحتاجين، وفق ضوابط وآليات واضحة تحت إشراف رسمي.

** عضو في لجنة الزكاة بولاية صحم

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة

حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان “بالتي هيَ أحسن”.

وزارة الأوقاف تعقد ندوة بعنوان "عناية الإسلام بالضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة" وزارة الأوقاف تُطلق الأسبوع الثقافي بـ27 مسجدًا على مستوى الجمهورية وجاء نص الخطبة كالتالي:

الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، القَوِيِّ المَجِيدِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، شَهَادَةً مَنْ نَطَقَ بِهَا فَهُوَ سَعِيدٌ، سُبْحَانَهُ هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِه، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وبعد،

فلقد جُبلتِ الحياةُ على التنوعِ، وخُلقَ الإنسانُ مختلفًا في طبعِهِ وفكرِهِ؛ فالاختلافُ فطرةٌ إنسانيةٌ، وسُنةٌ كونيّةٌ، وصنيعةٌ ربانيةٌ، وليس الاختلافُ نقيصةً بشريةً، فهو غِنىً حضاريٌ، به تُثرَى العقولُ،  وتُوسعُ الأفهامُ، فجوهرُ الحضارةِ يَكمنُ في قدرةِ المجتمعِ على استيعابِ هذا التباينِ، والارتقاءِ به من التصادمِ إلى التنافسِ المحمودِ، فحينما انعدمَ الاستيعابُ تحوَّلتِ البيوتُ إلى ساحاتِ نزاعٍ، والمجالسُ إلى ميادينِ شِقاقٍ، وتفككتْ أواصرُ المودةِ؛ فالعقليةُ الفارقةُ ترى في مخالفةِ الرأيِ فرصةً للتعلّمِ لا دعوةً للتعصبِ، ويدركُ أنَّ سعةَ الأفقِ تبدأُ من تفعيلِ فنِّ الاستيعابِ، ليتحققَ الودادُ، قالَ اللهُ تعالى: {وَلَو شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّة وَٰحِدَة وَلَا يَزَالُونَ مُختَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُم وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجمَعِينَ}.

أيُّها الكرامُ، لقد كان المنهجُ النبويُّ منهجًا أدبيًّا رفيعًا في إدارةِ الخلافِ، كانت قدرتُه على احتواءِ المخالفِ درسًا في الإيمانِ بأنَّ الحقَّ قويٌّ بذاتِهِ، ولا يحتاجُ إلى قسوةٍ لفرضِ سطوتِهِ، بل إلى سعةِ صدرٍ تجتذبُ المخالفَ وتذيبُ عنادَهُ، فكانتْ كلماتُه بلسمًا، ونظراتُه أمنًا، حتى لمن جاءَ يتربصُ أو يخاصمُ،  ألم يصلْ إليكم خبرُ هذا الأعرابيِّ الجافِي الذي جذبَ رداءَهُ بعنفٍ مطالبًا بحقِّه، فكان جزاؤُهُ ابتسامةً نبويةً وعطاءً وفيرًا، مُحوّلًا الفظاظةَ إلى إجلالٍ، ألم تسمعوا عن هذا الاحتواءِ النبويِّ للشابِّ الذي طلبَ الإذنَ بالزنا؟ فنورَ قلبَه ووجدانَه بالعفّةِ والطّهرِ، ألم يكتبِ التاريخُ عن وفدِ نجرانَ الذي أذنَ لهم الجنابُ المعظمُ بإقامةِ صلاتِهم في مسجدِه المكرّمِ؟ رافعًا بذلك قيمةَ التعايشِ بينَ الحضاراتِ، ومبينًا أنَّ السعةَ النبويّةَ تحوي الجميعَ، في حُسنِ تطبيقِ للقاعدةِ القرآنيةِ: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ}.

أيُّها المكرّمون، لقد حَوّلتْ جماعاتُ التطرفِ الخلافَ من اختلافِ تنوعٍ إلى صراعِ وجودٍ، حين تعتبرُ رأيَها نصًّا، وتفسيرَها شرعًا، فلا تحتملُ أن يدورَ الفكرُ خارجَ فلكِها الضيقِ، فتفقدُ الفكرَ قدرتَه على النموِّ، وتغتالُ الرحمةَ باسمِ التّشددِ، في حالٍ من الانغلاقِ الفكريِّ، والاستئصالِ الممنهجِ لروحِ المراجعةِ والإصغاءِ؛ ليتحولَ المخالفُ إلى عدو، وتتحولَ الحجةُ إلى بدعةٍ، والحوارُ الهادئُ إلى ساحةٍ للتكفيرِ، حتى يغدو الإيمانُ نفسُهُ ملكيةً خاصةً لا يشاركُهم فيها أحدٌ، لتبقى مأساةُ التطرفِ أنَّهُ يقتلُ آدابَ الحوارِ باسمِ الحقيقةِ، ويجرّدُ العقلَ من حريّتِهِ باسمِ الالتزامِ، وقد تناسى أصحابُ هذا الفكرِ المتطرفِ هذا المبدأَ القرآنيَ: {لَآ إِكرَاهَ فِي ٱلدِّينِ}.

سادتي الكِرَام، إنَّ للاتفاقِ والاختلافِ أخلاقًا وآدابًا تضبطُ سيرَ الحوارِ، فعليكمْ بالصدقِ في النيةِ، وابحثوا عنِ الحقِ أينما كانَ، وتحلُّو بحُسنِ الاستماعِ، وتجنّبوا السخريةَ والتجريحَ، والبعدَ عن تضخيمِ نقاطِ التباينِ، أنصتوا قبل أن تحكموا، والتمسوا الأعذارَ قبل أن تتهموا، واحرصُوا على النقاطِ الجامعةِ؛ فالمؤمنُ الحقُّ لا يُخاصم بلسانه، بل يُحاور بحجّته، وتطبيقُ تلك الآدابِ صِمامُ الأمانِ للمجتمعاتِ، بها تُصانُ الوحدةُ منَ التّمزقِ، وتُحفظُ كرامةُ الأفرادِ؛ فالمجتمعُ الذي يتعلمُ أفرادُه استيعابَ بعضِهم البعضَ هو مجتمعٌ قويٌّ راسخٌ، يختلفون في الفروعِ لكنَّهم يتفقونَ على الأصولِ، فاختلافُ المشاربِ الفكريّةِ يمكنُ أنْ يكونَ مصدرًا للقوةِ إذا سُيِّر بالحكمةِ، فالاستيعابُ هو الركيزةُ التي تجعلنا نتعايشُ مع الآخرِ، حتّى لو لم نتفقْ معَهُ،؛لنكونَ جميعًا كالبنيانِ المرصوصِ الذي يشدُّ بعضُه بعضًا، رغم تنوعِ أجزائِه، قالَ اللهُ تعالى: {ٱدعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلحِكمَةِ وَٱلمَوعِظَةِ ٱلحَسَنَةِ وَجَٰدِلهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعلَمُ بِٱلمُهتَدِينَ}.

أيها الكرامُ، الاختلافُ سُنَّة كونيةٌ لا مفرّ منها، وميدانٌ رحبٌ تُختبر فيه العقولُ، وتُوزنُ به القلوبُ، وليسَ العيبُ أن نختلفَ، ولكن العيبَ أن نُسيءَ الأدبَ عند الاختلافِ، فلْيكن اختلافُنا كاختلافِ النجومِ في السماءِ: تباعدٌ في المواضعِ، ولكنها جميعًا تُنيرُ ليلَ الإنسانِ، لا تُظلمُه، فما أجملَ أن نختلفَ برقيّ، ونتناصحَ بحبٍّ، ونتذكّرَ أنّ الحقَّ أكبرُ منِ الأشخاصِ، وأنّ غايةَ الحوارِ الوصولُ إلى النورِ، لا إشعالَ النارِ.

******

الخطبة الثانية


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه وأشهدُ أنّ سيدَنا محمدًا رسولُ اللهِ، اللهم أدمِ الصلاةَ والسلامَ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ سيدِنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

عبادَ اللهِ، إنّ التحرشَ من أكثرِ الجرائمِ الأخلاقيّةِ والاجتماعيّةِ فتكًا بنسيجِ المجتمعِ وأمانِهِ، فهو لا يمسُّ ضحاياه فقط، بل يهدمُ قيمَ الاحترامِ المتبادلِ، ويقوّضُ الثقةَ بينَ أفرادِ المجتمعِ، ويزعزعُ الشعورَ العامّ بالأمنِ، وتكمنُ خطورتُه في أنَّه يتجاوزُ الفعلَ الجسديَّ أو اللفظيَّ؛ ليصيرَ سلوكًا عدوانيًّا ممنهجًا، يعكسُ انحرافًا نفسيًّا وتربويًّا حادًّا.

أيُّها الكرامُ، التحرشُ كلمةٌ ثقيلةٌ، يرتجفُ لها قلبُ المؤمنِ، وتدمعُ لها عينُ الغيورِ، فهو عدوانٌ أثيمٌ، وغدرٌ قبيحٌ، ووصمةُ عارٍ في جبينِ الإنسانيةِ، قبلَ أنْ يكونَ إثمًا مبينًا في ميزانِ الشرعِ، فهو تطفّلٌ على حرماتِ الغيرِ، واعتداءٌ على خصوصياتِهم، وتلويثٌ لنقاءِ الأرواحِ، وسرقةٌ لصفوِ الأمنِ، فالمتحرشُ لا يدركُ عواقبَ فعلتِهِ، يزرعُ الخوفَ في القلوبِ، ويهدِمُ الثقةَ في النفوسِ، ويشوّهُ براءةَ الطفولةِ، ويجعلُ الضحيةَ أسيرةً لجراحٍ نفسيّةٍ قد لا تندملُ أبدًا، إنَّه يهزُّ كيانَ الأسرةِ والمجتمعِ، ويشيعُ الفاحشةَ والريبةَ، ويحوّلُ الأمنَ إلى قلقٍ، والطمأنينةَ إلى خوفٍ.

أيُّها النبلاءُ، لقد صدقَ الجنابُ المعظمُ حينَ وضعَ هذه القاعدةَ: «إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ»، فأيُّ حياءٍ يبقى فيمنْ يترصّدُ الأبرياءَ، ويتلمسُ ثغراتِ الغفلةِ؛ ليمدّ يدَه الآثمةَ، أو يطلقَ لسانَه الفاحشَ، أو يرمقَ بعينِه الخائنةِ؟ إنَّه خوارٌ في الرجولةِ، وخواءٌ في الإيمانِ، وتجرؤٌ على حدودِ اللهِ، واستضعافٌ لمن أوجبَ اللهُ علينا حمايتَهُ.

أيُّها ألآباءُ، اغرسوا في قلوبِ أبنائِكم العفّةَ واحترامَ الحرماتِ، ولا تتهاونوا أبدًا في الإبلاغِ عن هذا الجرمِ، كونوا صوتًا لمن لا صوتَ له، ودرعًا واقيًا لكلِّ ضعيفٍ ومستضعفٍ، أظهروا الرفضَ القاطعَ لكلِّ متحـرشٍ، واجعلوا من مجالسِكُم وأسواقِكَم وشوارعِكم مناطقَ محرمةً على كلِّ من سوّلتْ له نفسُه العبثَ بسلامةِ الآخرينَ، وليكنْ هذا البيانُ النبويُّ المعظمُ طريقَ الخلاصِ: «منْ يضمنُ لي ما بينَ لِحْيَيهِ وما بينَ رجلَيهِ، أضمنُ له الجنةَ».

 

مقالات مشابهة

  • وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة
  • وزيرة التنمية الاجتماعية تطلق جلسة تشاورية حول تصنيف الجمعيات ضمن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية
  • القبض على 16 متهم ومتهمة باستغلال 24 صغير في أعمال التسول بالقاهرة والجيزة
  • وزيرة التنمية الاجتماعية تكرم الفائزة بجائزة المرأة العربية عدلة الطويسي
  • القبض على 16 متهمًا باستغلال الأطفال في التسول بالقاهرة والجيزة
  • ضبط 16 متهمًا استغلوا أطفالًا في التسول وبيع السلع بالقاهرة والجيزة
  • وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة تستعرض جهود التخلص الآمن من المخلفات الإلكترونية
  • استغلال الأطفال في التسول.. حبس أفراد عصابات «الكتعة» بالقاهرة
  • انطلاق برنامج "مشواري" للتوجيه المهني بمعهد الخدمة الاجتماعية في كفر الشيخ
  • رابط تسجيل المساعدات في غزة 2025.. وزارة التنمية الاجتماعية e-gaza.com