أحمد ياسر يكتب: العراق أمام الامتحان الداخلي بسبب غزة
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
بعد مرور ستة أسابيع على حرب غزة، تكبد العراق أولى خسائره الناجمة عن ذلك الصراع.. في الفترة من 21 إلى 22 (نوفمبر) 2023، أدت سلسلة من الغارات الجوية الأمريكية بالقرب من بغداد إلى مقتل تسعة مسلحين عراقيين اتهمت منظمتهم، كتائب حزب الله، بشن هجمات بطائرات دون طيار ضد القواعد الأمريكية في البلاد.
بدأت الهجمات على أهداف أمريكية من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في العراق في 17 أكتوبر، عندما اشتبهت إسرائيل بقصف المستشفى الأهلي العربي في غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 فلسطيني.
وعلى الرغم من أن العراق بعيد عن جبهة القتال في غزة، إلا أنه خلال الشهرين الماضيين تم شن ما يقرب من 100 هجوم على القواعد الأمريكية في البلاد… وعلى الرغم من أن الخسائر البشرية كانت خفيفة نسبيًا، إلا أن هذه الأعمال المسلحة تعكس مشاعر معادية للولايات المتحدة في العراق وتدعو إلى الانتقام السريع...وهناك الآن مخاوف مشروعة من أن انتشار حرب غزة إلى مختلف أنحاء المنطقة قد يبدأ في العراق.
في الفترة التي سبقت بدء الحرب، كان العراق يشهد فترة غير مسبوقة من الاستقرار والسلام… وفي شهر مارس2023، أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن العراق "يتمتع بأكثر فتراته استقرارًا منذ عام 2003".
وأشاد العديد من المراقبين برئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتقديمه “حكومة خدمية” من حيث جهودها لتطوير أمن الطاقة والبنية التحتية، وكانوا يتطلعون إلى أن تقوم إدارته بمعالجة تحديات الحكم المتأصلة الأخرى في المستقبل القريب.
وانتهى كل هذا مع بدء القتال في غزة، واحتشد آلاف العراقيين في شوارع بغداد، وانتقدوا بشدة الولايات المتحدة وإسرائيل وعرضوا صور المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
دعا الزعيم الشعبي مقتدى الصدر أنصاره للانضمام إلى التظاهرات الحاشدة، تحدث آية الله العظمى علي السيستاني، عن قضية الحقوق الفلسطينية وهاجم الاحتلال الإسرائيلي والدمار في غزة،ودعا رئيس وزراء سابق إلى سحب القوات الأمريكية البالغ عددها 2500 جندي المتبقية في العراق.
وكانت الميليشيات الشيعية مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر في طليعة هذه الاضطرابات، وذكر رئيس بدر أن تحرير فلسطين سيبدأ في العراق، وقد أنشأت بعض الميليشيات "غرف دعم" لتنسيق دعمها لحماس.
وفي محاولة لتهدئة المشاعر الشعبية، أدان السوداني وشخصيات حكومية بارزة أخرى الهجمات الإسرائيلية على غزة وأعربوا عن تضامنهم الكامل مع الفلسطينيين، وبالتالي وضع السياسيين والشعب العراقي في نفس الجانب.
منذ البداية، كان الجهد الرئيسي الذي بذله رئيس الوزراء هو كبح الأعمال العدوانية للمسلحين تجاه الأهداف الأمريكية، حيث حذر من ضرورة تجنب إثارة ردود فعل عسكرية أمريكية أو إسرائيلية قاسية.
سيكون السيناريو الكابوس بالنسبة للسوداني هو العودة إلى الصراع في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يعرض انتعاشها الاقتصادي للخطر، ويشجع على زيادة النفوذ الإيراني في الشؤون الداخلية ويجعل العراق مسرحا لمواجهة كبيرة بين واشنطن وطهران.
ولا يبدو أن مخاوف السوداني قد أثرت على المسلحين، الذين وجدوا في الصراع في غزة قوة متجددة وشعورًا بالهدف، هناك تقارير تفيد بأن معلميهم الإيرانيين نصحوهم بإجراء عمليات "منخفضة الضرر" ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية، ولكن ليس التورط بشكل مباشر في الصراع في غزة نفسه.
وقد أدى ذلك إلى استمرار الهجمات بالطائرات دون طيار والصواريخ على أهداف أمريكية في قاعدة عين الأسد الجوية وقاعدة حرير الجوية ومطار بغداد الدولي.
ودفعت هذه الهجمات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للقاء السوداني في بغداد، في 5 نوفمبر2023، لينقل من خلاله رسالة إلى السلطات الإيرانية، يحذرها فيها من كبح جماح المسلحين أو مواجهة انتقام قاس.
وسافر السوداني إلى طهران في اليوم التالي لتسليم رسالة واشنطن إلى الرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى، على الرغم من أن كلاهما أدان "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في غزة وأن رئيسي يحمل الولايات المتحدة، مسؤولية العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وتصاعدت المناوشات المتبادلة بين المسلحين العراقيين والقوات الأمريكية في نهاية نوفمبر، عندما شنت الأولى هجوما صاروخيا باليستيا على قاعدة عين الأسد الجوية، خارج بغداد، مما أدى إلى إصابة ثمانية أمريكيين… وردت الولايات المتحدة بهجوم بطائرات حربية أدى إلى مقتل تسعة مقاتلين، وهم أول "شهداء" عراقيين في الحرب في غزة.
ووقعت الهجمات الأمريكية في منطقة جنوب بغداد تسمى جرف النصر.. وهي مقر كتائب حزب الله وتشير إليها مصادر غربية أيضًا على أنها “قاعدة عمليات أمامية لإيران”، ويتم تجميع الأسلحة الفتاكة للميليشيا، بما في ذلك الطائرات دون طيار والصواريخ والقذائف، في هذه المنطقة، ومن هناك تنطلق معظم الهجمات على الأهداف الأمريكية.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في أواخرأكتوبر 2023، إن بلاده قامت برفع مستوى استعدادها الدفاعي في المنطقة ردا على "التصعيد الأخير من قبل إيران ووكلائها في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط".
وكان رد إيران حتى الآن غير مبال…وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في منتدى الدوحة الأسبوع الماضي، إن بلاده تتلقى رسائل من الولايات المتحدة كل أسبوع… ونفى أن تكون إيران توجه المسلحين في العراق، وأشار بدلًا من ذلك إلى أنهم "كانوا يدافعون فقط عن شعب غزة"... وحذر من أن الحرب في غزة قد تؤدي إلى “انفجار إقليمي”.
ومع احتدام القتال في غزة، يتحول العراق تدريجيًا إلى برميل بارود… إذا استمر العنف الإسرائيلي في غزة بلا هوادة، فسوف يحتاج الأمر إلى هجوم مسلح كبير واحد فقط في العراق يتسبب في وقوع العديد من الضحايا الأميركيين بسبب تصاعد القتال هناك ويمهد الطريق لمواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران…
وهو الصراع الذي تشترك فيه الدولتان، على الرغم من ذلك، التي وصلت إلى حافة الهاوية في عدة مناسبات، تمكنت من تجنبها لأكثر من عقدين من الزمن.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي طائرات بدون طيار حماس واشنطن الشرق الأوسط مجلس الأمن الأمم المتحدة سد النهضة ايران العراق حزب الله الانتخابات الرئاسية المصرية أخبار مصر الولایات المتحدة الأمریکیة فی على الرغم من أمریکیة فی فی العراق فی غزة
إقرأ أيضاً:
القضاء يكتب السطر الأخير في فوضى خور عبد الله.. ما هو قانوني وما هو مزايدة
29 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: في لحظة سياسية شديدة التعقيد، برز صوت مجلس القضاء الأعلى ليبدد ضباب المشهد القانوني المتشابك حول اتفاقية خور عبد الله، ويعيد ترتيب الأوراق الدستورية على الطاولة السياسية.
وفي غمرة الجدل والتجييش، بدا القضاء وكأنه يعيد تعريف وظيفة القانون في زمن النزاعات السياسية، حين قدّم تفسيراً معمقاً لثنائية قرارات المحكمة الاتحادية الصادرة عامي 2014 و2023، واضعاً الحد الفاصل بين المفهوم القانوني للتصديق على الاتفاقيات الدولية وواقع التوظيف السياسي لها.
وفتح مقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، نافذة جديدة على الفقه الدستوري في العراق، حين ربط بين اتفاقية 2012 الخاصة بتنظيم الملاحة، والإطار الأوسع لترسيم الحدود الذي انطلق من قراري مجلس الأمن 687 و833، مروراً بالقانون رقم 200 لسنة 1994، وانتهاءً بالمصادقة البرلمانية لعام 2013.
وكان الزيدان صريحاً في الإشارة إلى أن ما صدر عن المحكمة عام 2014 لم يكن حكماً في جوهر الدعوى، بل رفضاً شكلياً للطعن، بينما جاء قرار 2023 محمّلاً بتفسير جديد يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، رغم أن ذلك يخالف العرف القضائي والمادة 105 من قانون الإثبات.
وأكد القانونيون أن ما كُتب ليس حكماً واجب التنفيذ، بل مقالة تفسيرية تسعى إلى توحيد الفهم الدستوري وتفكيك التناقضات.
وقال الخبير القانوني علي التميمي، إن “مجلس القضاء قدم توضيحاً معمقاً اشتمل على العديد من النقاط المهمة المتعلقة بالفقه الدستوري، وتناول السياق القانوني للقرارات الصادرة بحق العراق بعد غزو النظام المباد للكويت، لا سيما قراري مجلس الأمن 687 و833 المتعلقين بترسيم الحدود مع الكويت”.
وأضاف أن “القانون رقم 200 لسنة 1994 جاء مصادقاً على هذا الترسيم استناداً إلى قرارات مجلس الأمن، تلاه توقيع اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله عام 2012، والتي صادق عليها العراق بموجب القانون رقم 42 لسنة 2013”.
وتابع التميمي أن “مقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، أشار إلى قراري المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية، إذ قضى الأول بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في الطعن من الناحية الشكلية، فيما عد الثاني، الصادر عام 2023، أن قانون التصديق على الاتفاقية غير دستوري، وقرر العدول عنه، رغم أن العدول يُطبق فقط على المبادئ القضائية لا القرارات، استناداً للمادة 105 من قانون الإثبات”.
وأكد أن “المقال سلط الضوء أيضاً على التزامات العراق الدولية واحترامه للمعاهدات استناداً للمادة 8 من الدستور، والمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يؤكد أهمية احترام القرارات والمعاهدات الدولية”.
و شدد الخبير القانوني عباس العقابي أن الاتفاقيات تُمرر عادة بالأغلبية البسيطة، وما جرى ليس إلا محاولة لشرح التباين بين القرارين دون إصدار حكم ملزم. بينما أشار حمزة مصطفى إلى خطورة ما وصفه بـ”هندسة الرأي العام” على أسس مغلوطة، محذراً من أن العبث بهذه الاتفاقية يهدد استقرار مئات الاتفاقيات الدولية الأخرى التي تشكل العمود الفقري للسياسة الخارجية العراقية.
وتناسق معه علي الخفاجي الذي رأى في بيان مجلس القضاء الأعلى محاولة لوقف نزيف التضليل الإعلامي.
وتوّجت الرئاسات الثلاث هذا السجال بإعلان التزام واضح بالاتفاقيات الدولية، وسحب طلبات العدول عن الاتفاقية، في إشارة سياسية واضحة إلى أن العراق باقٍ على التزاماته أمام الأمم المتحدة. غير أن ما تبقى من المشهد ليس قانوناً فحسب، بل إدارة دقيقة للرماد المتطاير من نار الجدل، وسط مناخ إقليمي لا يحتمل التنازل ولا حتى التفسير المغلوط.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts