سودانايل:
2025-05-19@11:51:58 GMT

دولة 1956 في السودان: يتيمة في يوم استقلالها (2-2)

تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT

اليوم هو العيد الـ 68 لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. وهو يوم يتم طقوسي وسياسي للعيد لم يقع له من قبل. فلن تنعقد الاحتفالات التقليدية به بسبب الحرب. وهذا مفهوم، لكن يجيء صميم يتمه من أن قضية هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، بحسب القائمين بها، هي تقويض "دولة 56"، أي دولة الاستقلال.
لم يتوقف نقد هذه الدولة منذ الاستقلال ممن صار يعرف بأهل الهامش السوداني محتجين على حظهم البئيس منها لاستئثار أهل النيل والوسط الشماليين بوظائفها ولذائذها.

وتنوعت صور الطعن في الاستقلال لتراوح ما بين الأحزاب والمنظمات الإقليمية مثل مؤتمر البجا، وجبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحركات المسلحة التي طبعت تاريخنا في الاستقلال بحرب أهلية أزلية. ولم تبلغ أي من هذه الاحتجاجات مبلغ قوات "الدعم السريع" من مناضلة الاستقلال المنقوص. فهي الآن، غيرها جميعاً، على أبواب العاصمة، التي كان ارتفع عليها علمه قبل 68 سنة، تريد استكماله بيدها.
وسقم الهامش من الاستقلال واضح. لكن ثمة ضجراً آخر من الاستقلال ذاع بين صفوة الشمال والوسط المتهمين أنفسهم بالاستئثار بالاستقلال من غير التفات كبير له. وبدا كامتياز للفئة تنغمس فيه بغير مسائل أو معقب، أو هذا ما خيل لها. فقد تمكنت منها الخيبة الطويلة من بشريات الحرية الوطنية. وبلغ بؤس المردود المشاهد من الاستقلال حداً دفعها إلى الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهو تنصل صريح من الاستقلال بالندامة على فعل الحرية ومردودها.
البادي أن صفوتنا في المركز والهامش نبحتا الشجرة الخطأ، في قول الإنجليزية، في ما اتصل بالدولة الاستعمارية. فاصطرعا على وظائفها مضربين عن النفاذ إلى بنيتها التي تناسلت عن عنف محض. فنهشوا وظائفها كأن القسط في توزيعها بالسوية لا في تفكيكها وردها من دولة للرعايا إلى دولة لمواطنين. وبلغت الأطراف بفقه هذا النهش حداً سخرياً. فكل من قرأ نصوص اتفاقات سلام جوبا (2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة لا بد يزكمه افتضاح التجاحد فيها بما لم تعد الوظيفة فيها وظيفة للخدمة العامة، بل كسباً لكهف من كهوف الوطن، أو غنيمة. وأثار الاتفاق بمغالاته في تدبيج الحركات المسلحة بالوظيفة العامة حسد أقاليم أخرى لم تحمل السلاح قبلاً. وظنت بنفسها ظن الهوان لأنها سالمت وخسرت في حين كسب من خرج للدولة بالسلاح. وأول خروج أبو عاقلة كيكل، الذي قاد هجوم الدعم السريع على مدينة مدني، كان على رأس قوة مستقلة باسم "درع السودان" يريد لشرق السودان غلاباً ما ناله غربه.
لو نفذت الصفوة في المركز والهامش إلى بنية العنف والامتياز في دولة الاستعمار لتجاوزوا وراثتها إلى تفكيكها. وما أضلهم عن هذا إلا زعمهم أن الإنجليز أقاموا وسطهم خدمة مدنية زاهرة خربوها هم في الاستقلال بأيديهم. وعموا عن الحق. فالاستعمار، بتعريفه ذاته، لا ينتج خدمة مدنية. فهو تعريف براء من الخدمة المدنية التي تفترض قيام جماعة من الموظفين بخدمة أمة من الناس شريطة أن تكون هذه الجماعة المخصوصة مساءلة أمام هذه الأمة مهما اشتطت في بيروقراطيتها، أو إذعانها للمستبدين من الحكام.
فالدولة الاستعمارية ليست حكومة في المعنى المصطلح عليه لتكون لديها خدمة مدنية. فالأصل في الحكومة نشأتها لإدارة جماعات من السكان. بينما حكومة الاستعمار نشأت لإدارة رقعة جغرافية تستأثر بخير ظاهرها وباطنها. أما سكان هذه الرقعة فهم عبء. ولهذا لم يسلموا من الإبادة في الأميركتين وأستراليا ونيوزيلندا والجنوب الأفريقي وغيرها لكي تخلو الأرض للغازي الذي جاء ليتملكها.
وعبر سيسل رودس، الحاكم الإنجليزي لمستعمرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، عن شبق المستعمرين للأرض دون الناس بقوله، "إنني أفضل أرض الأهالي عليهم". والقول إن ما تركه الإنجليز فينا خدمة مدنية يكذبه أن موظفي تلك الخدمة هم خدام الإمبراطورية البريطانية، ولم يقتصر عمل كثير منهم على السودان. فكانوا ينقلون من موضع في تلك الخدمة إلى موقع بعده بحسب حاجة الإمبراطورية. ومن فرط بعد الإنجليز في حكومتهم عن مفهوم الخدمة المدنية سموها "قلم السودان" لو صحت الترجمة عن "Sudan service". واشتهرت في الحركة الوطنية باسم حكومة المفتشين الذي يجمع الواحد منهم بين السلطات الإدارية والقضائية حيث هو. فقولنا بـ"خدمة مدنية" في عهد الاستعمار مما يعرف في الإنجليزية بـ"أوكسمورن oxymoron"، أي العبارة التي تلغي نفسها بنفسها.
ومن أبلغ ما قرأته في وصف غربة حكومة الاستعمار قول أحدهم إنها دولة مفكسة (من fax)، أي إنها صورة من أصل. والأصل هو الحكومة في حواضر الإمبريالية مثل لندن وباريس وروما. فمرجع الحكومة في البلد المستعمر مثل السودان هو الحكومة الإنجليزية. فالإدارة الإنجليزية عندنا مكلفة من قبل حكومة الحاضرة الإمبريالية استنزاف موارد البلد المستعمر، ومحرج عليها ألا تضيع مال دافع الضرائب البريطاني في ما لا عائد منه رفعاً لعناء الأهالي أو شفقة بهم. ولهذا ترك الإنجليز أقاليم في السودان مثل جنوبه ودارفور وغيرهما بكراً من التنمية والخدمات لأنهما عصيين على عائد الاستثمار فيهما.
عشنا تجربة الدولة الاستعمارية فينا. وحين لم نستصف إلا الوظيفة منها افترس بعضنا بعضاً للمغنم منها. وبقيت بنيتها فينا بصور شتى. وليس أقلها خطراً أننا عشنا في ظل نظم ديكتاتورية مقطوعة من قماشة الدولة الكتشنرية (أول حاكم عام إنجليزي على السودان في 1989) الاستعمارية حجبت عنا حق اختيار الحكومة فينا لـ43 سنة من عمر استقلالنا (68 سنة). فالشير كان فينا كتشنرياً باختلاف وهمي هو أنه خلافاً عن كتشنر يعقد الانتخابات غير المقصودة لانتخاب غيره أو انتخاب بطانته. وزادت صراعات نهش جاه الدولة الاستعمارية ضغثاً على إبالة. ولهذا قال العالم المصقع عبدالله الطيب إنه لم يخرج الإنجليز من بلدنا لكنهم قاموا فينا، بالحكم الوطني، "بعاتي" (بعاثي، عفريت بلغة مصر) له خنخنة.
وهذا البعاتي هو الذي تزعم قوات "الدعم السريع" خروجها لكتابة نهايته.
المزيد عن:

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دولة الاستعمار من الاستقلال حکومة فی

إقرأ أيضاً:

الإمارات تؤكد رفضها القاطع لادعاءات سلطة بورتسودان حول دورها في الأزمة السودانية

متابعات: «الخليج»

دعت دولة الإمارات العربية المتحدة في كلمتها في الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي عقدت في بغداد السبت، إلى إزالة العراقيل أمام وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المناطق الأكثر حاجة إليها في السودان، بشكل فوري وآمن ومستدام ومن دون أي عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وخطوط النزاع، مؤكدة أنها تابعت بكل أسف واستغراب، ما يصدر عن سلطة بورتسودان من سردية تضليلية وادعاءات باطلة وكاذبة، بحقها ودورها الإنساني والحيادي في الأزمة السودانية.

وأعربت الإمارات عن قلقها البالغ إزاء الوضع الإنساني الكارثي والمتدهور، وانعدام الأمن الغذائي والصحي الحاد، الذي وصل إلى حد المجاعة في مناطق عدة من السودان، والقلق يمتد إلى عواقب استمرار الحرب الأهلية بين الأطراف السودانية، منذ أن اندلع القتال في إبريل 2023، وما يحمله من تبعات خطرة على مستقبل الأمن والاستقرار ليس في السودان فحسب، وإنما على الأمن والاستقرار في عموم الدول المجاورة وفي القرن الإفريقي ومنطقة الساحل كذلك.

وأوضحت الإمارات أنها تابعت بكل أسف واستغراب، ما يصدر عن سلطة بورتسودان من سردية تضليلية وادعاءات باطلة وكاذبة، بحقها ودورها الإنساني والحيادي في الأزمة السودانية.

وأكدت رفضها القاطع وبأشد العبارات تلك الادعاءات التي تفتقر إلى أدنى درجات المسؤولية والموضوعية، والتي تحاول من خلالها سلطة بورتسودان التهرب من مسؤوليتها عن الانتهاكات والوضع الكارثي الذي يتكبد ولايته الشعب السوداني، وكذلك التهرب من مسؤوليتها عن التعنت والرفض المتواصل للانخراط الجاد في مسارات الحل السياسي، والاستجابة للمبادرات الإقليمية والدولية الداعية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للنزاع القائم في السودان.

وشددت الإمارات في كلمتها بالقمة العربية في بغداد على أن الهروب من الفشل الداخلي عبر افتعال الخصومات وتصدير الأزمات إلى الخارج، لا يغير من الواقع شيئاً، بل يفاقم معاناة المدنيين ويعرقل جهود الإغاثة الدولية، ويضع السودان في عزلة إقليمية ودولية.

وتابعت: «لقد جاء القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتار يخ 5 مايو 2025، الذي يرفض الدعوى المقدمة من قبل سلطة بورتسودان ضد دولة الإمارات، وشطب القضية من سجل المحكمة وإنهاء كل الإجراءات المتعلقة بها، ليؤكد بشكل واضح وقطعي أن الدعوى المقدمة لا أساس لها من الصحة وقائمة على باطل، ومن البديهي، فإن القرار يمثل رفضاً حاسماً لمحاولة سطلة بورتسودان استغلال المحكمة لنشر المعلومات المضللة، وتشتيت الانتباه عن مسؤوليتها في الصراع، وكذا محاولاتها البائسة لاستغلال المنابر الإقليمية والدولية، في جهد يائس، للتضليل والافتراء على دولة الإمارات العربية المتحدة.

وأوضحت الإمارات أنه إضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية فإن التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني بالسودان، التابع للأمم المتحدة، الصادر بتار يخ 17 إبر يل 2025، قد دحض أي ادعاءات ضد دولة الإمارات وضلوعها بالنزاع في السودان، مؤكدة أن موقفها كان ولا يزال واضحاً منذ بداية الحرب الأهلية في السودان، حيث ظلت على الدوام داعية لوقف هذه الحرب وسنداً وداعماً للشعب السوداني عبر تقديم المساعدات الإنسانية وبذل الجهود الدبلوماسية المتواصلة لتعزيز الأمن والاستقرار، وفاعلاً أساسياً في كل الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى الحل السلمي للنزاع في السودان، وصولاً إلى تمكين حكومة مدنية مستقلة عن العسكر، للعبور بالسودان إلى بر الأمان والاستقرار.

وقالت الإمارات :«فيما يخص إعلان ما يسمى بمجلس الأمن والدفاع السوداني بقطع العلاقات مع دولة الإمارات وإعلانها دولة عدوان، تؤكد دولة الإمارات أنها لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، باعتبار أن هذه السلطة ليست شرعية ولا تمثل الشعب السوداني، وأن البيان الصادر عن ما يسمى بمجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات وجمهورية السودان وشعبيهما الشقيقين، وتشدد دولة الإمارات بأن هذا الإعلان جاء رد فعل عقب يوم واحد فقط من فشل سلطة بورتسودان نتيجة رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة منها ضد دولة الإمارات.

لا حل عسكري للصراع

وفي هذا السياق أوضحت الإمارات في كلمتها «إزاء كل هذه التطورات في الوضع القائم في السودان، فإن دولة الإمارات ستبقى داعية إلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية بين الأطراف السودانية المتحاربة، إذ إنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، وستواصل العمل مع كافة الجهات المعنية لدعم العودة لمسار العملية السياسية في السودان، وأي عملية تهدف إلى وضع السودان على مسار التوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة مدنية انتقالية مستقلة عن سلطة العسكر، تؤمن للسودان مستقبلاً مستقراً وأمناً، وتحافظ على استقلال السودان وسيادته ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

ولم تأل دولة الإمارات جهداً في الاستجابة للوضع الإنساني الكارثي في السودان وتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة للأشقاء السودانيين، فعلى مدار العقد الماضي، قدمت دولة الإمارات أكثر من 3.5 مليار دولار أمريكي كمساعدات للشعب السوداني، مؤكدة التزامها بمساعدة المحتاجين في أوقات الأزمات، ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في 2023، قدمت دولة الإمارات أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية مباشرة وعبر وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية الدولية.

وأكدت الإمارات أن أوان العمل الحاسم والحازم آن، ليتوقف القتل، ويبنى مستقبل السودان على أسس صلبة من السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة بعيداً عن السيطرة العسكرية، وأولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب على حساب شعبهم.

مقالات مشابهة

  • السودان ليس أرض فراغ، وليس (نو مان لاند) بل هو دولة لها وجود وكيان وسيادة
  • الإمارات تدعو لحل مستدام لمستقبل غزة والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي
  • الإمارات تؤكد رفضها القاطع لادعاءات سلطة بورتسودان حول دورها في الأزمة السودانية
  • الإمارات: تغليب الدبلوماسية والعمل المشترك ضمانة معالجة الأزمات
  • وليد مادبو: لا تهدم سياجاً لم يتفق لك بعد لماذا قام في أول أمره
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • المفاجأة التي لم تخطر على المتمرد عبد العزيز الحلو، حليف ميليشيا آل دقلو الإرهابية، أن الجيش على بُعد 43 كيلومترًا من كاودا
  • قادة 7 دول أوروبية: لن نصمت أمام الكارثة التي تجري في غزة
  • جامعة الدول العربية توضح حقيقة إنسحاب الإمارات من قمة بغداد بسبب السودان
  • دولة النهر والبحر: من مأمنه يؤتى المركز