ضرّتان في الكابينت الموسع
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
سرايا - في الليلة التي كان يفترض أن يبحث "كابينت الطوارئ" مسألة ما الذي تريده الحكومة لغزة في اليوم التالي للحرب، أطلق سموتريتش إنذاراً: إذا أجري البحث فسينسحب هو وكتلته، لذا ذعر نتنياهو وخنع. سيجرى البحث ليس في "كابينت الطوارئ" بل في "الكابينت الموسع"، الجسم الذي يسمع فيه صوتا سموتريتش وبن غفير بكل شدتهما.
لقد كان ادعاء سموتريتش رسمياً وسياسياً على حد سواء: رسمياً، لا يفترض أن يبحث "كابينت الطوارئ" إلا في الحرب وليس في اليوم التالي لها؛ وسياسياً، له ولبن غفير جملة آراء في هذا الموضوع، ويملكان القوة والمكانة. لا يحتمل بقاؤهما في الخارج.
كان محظوراً إعطاؤهما يداً حاكمة منذ البداية، هذه هي الخطيئة الأولى. لكن ما تم فعله لا يمكن استعادته.
مسألة اليوم التالي ترافق الحرب من بدايتها. جاء الضغط لبلورة موقف "إسرائيلي" من عدة اتجاهات؛ من إدارة بايدن أولاً التي تسعى لجعل استثمارها الهائل للحرب رافعة لإعادة تصميم المنطقة، ليس في غزة فحسب بل في الضفة ولبنان والسعودية أيضاً. الرفض "الإسرائيلي" يمنع عن بايدن إنجازاً دبلوماسياً، ويعرضه لنقد في حزبه ووسائل الإعلام.
الضغط يمارس أيضاً من جانب مسؤولين كبار في الجيش، في هيئة الأمن القومي و”الشاباك”. المهنيون هناك معتادون على العمل المرتب: فالحرب تدار لتوليد واقع آمن أكثر بعد يوم من انتهائها. عندما لا يعرف المرء إلى أي واقع تسعى الحكومة، يراوح الجيش مكانه. المعارك بطولية، لكن لا غاية لها تستشرف المستقبل. الجنود يقتلون عبثاً.
الجهة الضاغطة الثالثة هي غانتس وآيزنكوت. وحسب شعورهما، هما يجلسان في الحكومة بناء على الأمر العسكري 8. صورة اليوم التالي ستساعدهما على بلورة القرار هل ومتى وكيف ينسحبان.
لقد تباهى نتنياهو في مؤتمره الصحافي أن ثماني مداولات أجرتها هيئة الأمن القومي لليوم التالي. لم يرو بأنه حظر على أعضاء هيئة الأمن القومي عرض نتائج هذه المداولات على الحكومة. وأفلت نتنياهو عبارة “في اليوم التالي سنتحدث عن اليوم التالي”.
مداولات “الكابينت الموسع” عديمة المعنى: لأن فرضية عمل المشاركين فيها هي تسريب كل كلمة تقال في هذا المحفل، فالجميع يتحدثون لوسائل الإعلام. الجدال على المداولات في اليوم التالي مشوق لسبب آخر؛ فهو يكشف حقيقة أن الحكم في "إسرائيل" تتولاه في هذه اللحظة حكومتان منفصلتان: حكومة سموتريتش-بن غفير، وحكومة غانتس-آيزنكوت.
ولكل سلم أولويات وأهداف خاصة. ونتنياهو يناور بينهما. مثل زوجتين ورجل واحد، كل حكومة تحاول العمل وكأن ضرتها، الحكومة الأخرى، غير موجودة. الأولى تقر ميزانية وكأنه لا توجد حرب؛ والأخرى تقر مطالب الجيش وكأنه لا توجد إلا الحرب. يوجد هنا تعدد زوجات. أما الحب فغائب.
يسجل انفجار بين الحين والآخر: البحث في “اليوم التالي” مثال واحد؛ إقالة مأمورة السجون كيتي بيري مثال آخر؛ والاعتزال الإجباري لمديرة سلطة الشركات ميخال روزنبويم مثال ثالث؛ واستئناف الحرب ضد المحكمة العليا مثال رابع… وكلما استمرت الأحداث في الجنوب والشمال، تتسع المسافة بين الحكومتين. غانتس سيتصدى كل يوم لمسألة ما هو دوره في القوة، هل هو الفتى الذي يسد ثغرة السد بأصبعه أم هو ورقة التين التي تستر عورة الحكومة.
هذه أيام الـ “معاً”. يخيل أن معظم "الإسرائيليين" كانوا يرغبون في أن يسمعوا من زعمائهم الرسائل إياها التي يطلقها الجنود في غزة وفي الشمال: الوحدة، الوحدة، الوحدة. لكن ما جيد للمناجاة على ألسنة مذيعي التلفزيون لن يكتفي عندما يدور الحديث عن المسؤولية على أصحاب القرار. فوظيفة أصحاب القرار هي أن يقرروا.
كل قرار يتخذونه سيحدث مزقاً في بطانية سور الوحدة. مصير المخطوفين في غزة يقترب من جديد إلى مصاف قرارات غير سهلة: هل يتعين على إسرائيل أن تسعى إلى صفقة جزئية مرة أخرى، تبقي معظم المخطوفين في الأسر أم من الأفضل أن تصل إلى صفقة كبرى بثمن تحرير آلاف السجناء والتخلي عن استمرار الحرب وعن تفكيك حكم حماس؛ هل يخول وزير الخارجية الأمريكي بلينكن والمبعوث إلى لبنان هوكشتاين بإنهاء الصفقة مع “حزب الله”، فالرجلان يصلان إلى هنا مع نهاية الأسبوع؛ يقترب الحسم أيضاً في مسألة من هم الفلسطينيون الذين سيكونون شركاء في إدارة غزة، ماذا ستكون عليه مسيرة الإعمار وإلى أين سينسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي.
قرارات صعبة. شراكة متعذرة. لا غرو أن نتنياهو يعد "الإسرائيليين" بحرب إلى الأبد: الحرب تعطيه الوقت، وتؤجل القرارات وتبقي حكومتيه معاً، في ورطة متواصلة.
القدس العربي
إقرأ أيضاً : بالفيديو .. مشاركة الشهيد محمد الريس في مظاهرات قبل أيام من اغتياله رفقة العاروري إقرأ أيضاً : ترامب يطعن بقرار منعه من الترشح في ولاية ماينإقرأ أيضاً : الصحة العالمية تتهم "إسرائيل" بشن هجمات "غير معقولة" على مستشفى في خان يونس
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الحكومة اليوم اليوم اليوم بايدن غزة بايدن العمل الحكومة اليوم اليوم اليوم اليوم العمل الحكومة غزة غزة لبنان الاحتلال ترامب المنطقة لبنان الصحة اليوم الحكومة العمل بايدن القدس مستشفى غزة الاحتلال محمد فی الیوم التالی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. للعقل وللدَّجل أيضاً
ليس هناك مجالٌ لا يتنازع داخله الضّدان، ومثلما الأذكياء في الخير والأمانة والتَّقدم، يقابلهم أذكياء في الدَّجل والكذب والتَّأخر، وهنا أقصد المجال الفكريّ، ففي لحظة يُقدم «الاصطناعيّ» بحثاً، في أيّ مجال ترغبُ، إن أردت الفيزياء فعنده ما ليس عند إسحاق نيوتن (ت 1727)، وإنْ طلبت البيان فعنده ما ليس لدى الجاحظ (ت 255 هج)، وإن طلبت علوم الرّجال والسِّير، فيُقدم لك ما تجهد به لأيام وشهور بثوانٍ. لهذا نجد التّثاقف يتزايد، فالكلّ يتحدث، فإن سُئلت، كطبيب أو مؤرخ، عن دواء أو واقعة، تجد الذي سألك يوزع عيناه بينك وبين آيفونه، وما يقرأه فيه هو المصدقُ، مع أنه جمعه مِن علوم النّاس، لكنَّ هيبة الجهاز، وعجائبيته الباهرة، تغري بالتّصديق، وكأن العلم الذي فيه ليس بشريّاً.
نادراً ما يوجد باحث، أو كاتب اليوم، لم يستفد مِن محركات البحث، بصورة أو أخرى، فبواسطتها تؤخذ المعلومة مِن أمهات العلوم كافة بلمح بصر، أو لمح برق، إنَّها سرعة الضّوء، وما عليك إلا تحديد المعلومة، ثم تدقيق النتيجة بطريقتك، وهذا يحتاج إلى عِلمٍ وتخصص وثقافة، وإلا المحرك لا يهديك إلى شيء موثوق. كانت سرعة لمح البصر، أو لمع البرق، مِن أحلام الأولين، تأتي قصص عديدة فيها وصل فلان بلمح بصر، تشبيهات لواقع متخيل سيأتي وقد أتى، نعيشه الآن، كالشَّعاع الذي تخيله المتكلمون، وهو اليوم يماثل الأشعة فوق البنفسجية.
غير أنَّ هذا التَّقدم الفائق، يُستخدم في الدَّجل أيضاً، أشخاص يدعون البحث، ومترجمون يدعون الترجمة، يستخدمون «الذَّكاء الاصطناعي» في تأليف الكتب وترجمتها، ويبدون متخصصين، لكنهم أتقنوا إدارة أدوات «الذَّكاء الاصطناعي»، فألفوا الكتب العِظام، وللأسف معارض الكتب ملأى بمؤلفاتهم، وهي ليست لهم، ولا للذكاء الاصطناعي، فالأخير يقوم بمهمة الإدارة والتنسيق، لِما رمي في أجواف أجهزته. إنّ الدَّجل في الكتابة ظاهرة قديمة، لكنها تعاظمت، مع ظهور «غوغل»، وبقية محركات البحث، بما يمكن تسميته بـ «نسخ ولصق»، ولأنَّ الدَّجالين احترفوا لصوصية الحروف، فهم يقومون بإعادة صياغة النُّصوص، كي لا تبدو مِن جهود غيرهم، مع التَّلاعب بالمصادر والحواشي، إذا اقتضى الأمر. هذا هو الدَّجل، الذي يمنحه الذَّكاء الاصطناعي، وليس لدي ما أستطيع التعبير به، عن الوقاية مِنه.
سيكون أمام المؤسسات الأكاديميَّة، ومراكز البحوث، مهمة صعبة، في التَّمييز بين ما ينتجه العقل، وما يستولي عليه الدَّجل، وإلا لا قيمة تبقى لهذه المراكز، ولم تبق حاجة لأهل الاختصاص، والخطورة الأكثر تكون في العلوم الإنسانية والآداب، فمجال اللصوصيّة فيها مفتوح، منذ القدم، ولكنه توسع، وسيتوسع، مع الذَّكاء الاصطناعي.لا أتردد في المشابهة بين العقل والدَّجل، مع الذكاء الاصطناعي، باكتشاف نوبل للديناميت، أفاد البشرية بأعز فائدة، لكنه صار أداة قتل رهيبة، فمنه تصنع المتفجرات القالعة للصخور، والمبيدة للحياة، في الوقت نفسه. إذا فتح مجال الذّكاء الاصطناعي، دون ضوابط صارمة، وأحسبها في مجال التأليف والكتابة، صعبة المنال، ستتحول الثّقافة إلى مستنقع مِن الدَّجل، فما وصله ول ديورانت (ت 1981)، في «قصة الحضارة» سيظهر مؤلفات لدجال، وأسفار غيره أيضاً، لأن الذَّكاء الاصطناعي يُقدمها له، فيطبخها مِن جديد. قد يلغي الذكاء الاصطناعي الاختصاص، فيظهر أصحاب السَّبع صنائع. يقول أبو عُبيْد القاسم بن سلام (ت 224 هج)، صاحب «الأموال»: «ما ناظرني رجلٌ قطٌ، وكان مُفَنِّناً في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجلٌ ذو فنٍّ واحد إلا غلبني في عِلمه ذلك» (ابن عبد البرِّ، بيان العلم وفضله).
قدمت منصات الذَّكاء الاصطناعي باحثين مزيفين، وخبراء دجالين في كلّ علم ينطون، يزايدون على ابن سلام في شرح كتابه «الأموال»، وبحضوره! قد يفيد ما قاله المفسر فخر الدِّين الرَّازي (ت 606 هج) شاهداً: «نهاية إقدام العقول عِقالُ/ وأقصى مدى العالمين ضلال» (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان).
(الاتحاد الإماراتية)