محاربة الفساد.. واجب وطني
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
عمير بن الماس العشيت **
alashity4849@gmail.com
يمثل الفساد عقبة كؤود أمام التنمية الشاملة، فهو يُدمر ويحطم آمال الشعوب، ويُهدر موارد الدول، ويطرد الاستثمارات الأجنبية ويُضعف العدالة، ويزيد الفجوة المعيشية بين الأغنياء والفقراء، ولا تخلو أي دولة في العالم من الفساد، لكن باختلاف درجة انتشارها وبنسب متفاوتة؛ فالدول المتقدمة تقل عندها نسبة الفساد بحكم محاربتها من خلال الأجهزة الحكومية والصحافة والمؤسسات المدنية والأفراد، بينما نجده منتشرًا بشكل واسع في الدول النامية؛ نظرًا لعدم قدرة أجهزة الدول على محاربته؛ لأسباب عدة.
ظهر الفساد في العصور الماضية عندما كانت الشعوب خاضعة لأباطرة وحكام مستبدين تحكموا في ثورات البلاد والعباد وأشاعوا الفساد بين الطبقات المخملية الموالية لهم وبعض الأفراد من عامة الشعوب المتعاونين معهم، فأصبحت الحياة بينهم تنضوي تحت منظومة "القوي يأكل مال الضعيف دون شفقة أو رحمة أو محاسبة بحكم أنهم مسيطرون على كافة السلطات في الدولة"، بيد أن نمطية مثل هذه الحياة مازالت الشعوب تتجرعها في عصرنا الحديث ولكن بأساليب فساد ملتوية ومختفية وبعيدة عن القانون. وفي المقابل نجد أن الشريعة الإسلامية جعلت الفساد من المحرمات والجرائم ويجب محاربته والنهي عنه. والفساد "معاملة لا أخلاقية ترتبط النتيجة بمصلحة لفرد". أما تعريف الفساد في منظمات الشفافية الدولية فهو: "إساءة استخدام السلطة العامة من أجل تحصيل مكاسب شخصية، ومن مظاهر الفساد الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام والواسطة والابتزاز والتزوير وغسيل الأموال.. إلخ.
تم تصنيف الفساد الى نوعين؛ مالي وإداري، أما الأول فقد عرّفه المشرعون بأنه تغطية الأموال غير الشرعية بوسائل مالية مشروعة لإبعاد الشبهات المالية الممنوعة. أما الثاني فقد عرَّفه صندوق النقد الدولي بأنه "سوء استخدام السلطة العامة من اجل الحصول على مكسب خاص ويتحقق عندما يقبل الموظف الرشوة".
والفساد ظاهر تنتشر بسرعة كبيرة كانتشار النار في الهشيم، إذا لم تجد من يحاربها، والدول التي ينتشر فيها الفساد تجدها تعاني من إدارة ثرواتها الاقتصادية والتأخر في مجالات التنمية البشرية كالتعليم والصحة والصناعة وفقدان العدالة الاجتماعية، وظهور موجات الكراهية بين الطبقات الغنية والفقيرة، وهجرة الناس من بلدانهم، وتفشي الفقر والشعور بالظلم.. وغيرها.
وتوضح تقارير منظمة الشفافية الدولية أن "غياب قواعد المساءلة والمحاسبة يعتبر من الأسباب الرئيسية في تغلغل الفساد وانتشار الفساد بين أفراد المجتمع مما يخلف آثارا مدمرة ونتائج سلبية لا تطال الجانب الاقتصادي فحسب؛ بل يتعداه إلى أبعد الحدود". والمفسدون لديهم الكثير من الطرق والتحايل والخداع لجلب ضمائر الضحايا لبؤرة الفساد وإضفاء الشرعية على جرائمهم والإفلات من المسؤولية القانونية.
يضم الفساد قائمة واسعة من الأعمال غير الأخلاقية منها إرساء مناقصات مشاريع الدولة على رجال أعمال متنفذين ومعنيين، واستنزاف مبالغ طائلة من ميزانية الدولة من أجل استئجار المباني الخاصة من قبل الحكومة على حساب المال العام، وتوزيع الأراضي السكنية والتجارية والصناعية والزراعية لفئة معينة من المواطنين وتهميش الآخرين، وتأخر تعيين الباحثين عن عمل وتوظيف أبناء الطبقة المخملية غير المؤهلين، وعقد صفقات وعقود بأسعار خيالية في فواتير الشراء، واستغلال مبالغ النثريات المخصصة للاحتفالات وانشطة المؤتمرات والندوات والسفريات والمهمات الخارجية، وجرف وتخطيط مساحات أراضٍ حكومية دون موافق الجهات الرسمية ومن ثم المطالبة بالملكيات الخاصة، وإنشاء مشاريع لا تخدم الصالح العام، وتأخر المشاريع التنموية الى فترات طويلة، وتشبث المسؤولين بمناصبهم فترات طويلة دون ترك فرصة للكوادر المؤهلة، واستخدام المركبات الحكومية في الاعمال الخاصة بعيدا عن الاعمال الرسمية، وغيرها الكثير من مظاهر الفساد.
ولله الحمد أن حكومتنا الرشيدة أولت اهتمامًا كبيرًا بمحاربة الفساد، وقد تجلى ذلك بعد تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- سلطان المساواة والإنسانية، مقاليد الحكم؛ إذ شدد جلالته في خطابه السامي بتاريخ 25 أغسطس 2020 على دعم الإصلاح ومحاربة الفساد وترسيخ وتنفيذ التنمية المستدامة، وترسيخ الرؤية الواضحة للسلطنة نحو رقابة فاعلة. وانضمت السلطنة إلى اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وكذلك الجوانب المتعلقة بالتعاون الدولي، بهدف القضاء على جميع أنواع الفساد المحرمة، ونتيجة لهذه الجهود فقد صدر المرسوم السلطاني رقم (64/ 2013) بالموافقة على انضمام السلطنة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث كُلف جهاز الرقابة المالية والإدارية -الذي قام بمجهود كبير خلال السنوات الماضية في استرجاع الكثير من المال العام لخزينة الدولة- بمهمة هيئة مكافحة الفساد، ومن أراد الإبلاغ عن المفسدين فعليه التواصل بالجهاز، وأقول لكل مواطن: لا تتأخر في أداء واجبك الوطني والشرعي؛ فالحكمة تقول "حاسِبُوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبُوا".
** كاتب وباحث
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شكوى بتلاعبات في سوق الجملة بالدار البيضاء... ونقابة تتحدث عن شبهة "تبديد المال العام"
وجّه المكتب النقابي لتجار ومهنيي وعمال سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء، المنضوي تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، شكاية عاجلة إلى نبيلة الرميلي، رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، لكشف ما وصفه بـ »خروقات وتجاوزات جسيمة وشبهة تبديد المال العام » في تدبير الاستغلال المؤقت للمحلات التجارية داخل سوق الجملة.
وطالبت الشكاية بفتح تحقيق إداري فوري « في كل عمليات تفويت أو انتقال حق الاستغلال المؤقت التي تمت خلال السنوات الأخيرة منذ سنة 2017″، وبإيقاف العمل بأي تفويت غير مشروع تم خارج المساطر القانونية.
ودعت النقابة إلى « إحالة الملف على الجهات الرقابية المختصة، بما في ذلك المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الجهوي للحسابات، مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة كل من ثبت تورطه، سواء من داخل الإدارة أو من المستفيدين بطرق غير مشروعة ».
وأشار المكتب النقابي في شكايته إلى وجود عمليات تفويت لحق الاستغلال المؤقت لعدد من المحلات التجارية من مستغلين أصليين إلى أشخاص آخرين، دون الرجوع إلى المجلس الجماعي أو اتباع المساطر القانونية المعمول بها. وشدّد المكتب على أن هذه الممارسات تخرق مبدأ التنافسية المنصوص عليه في الظهير الشريف رقم 1.21.74 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية.
والأخطر من ذلك، حسب الشكاية، هو أن بعض هذه التنازلات تم إنجازها بتصحيحات إمضاء لاحقة بأثر رجعي في إحدى الملحقات الإدارية المجاورة للسوق، وهو ما يعتبره المكتب « تحايلاً قانونياً وتزويراً محتملاً في وثائق رسمية »، مما يمس بمصداقية الإدارة وحقوق الجماعة كمالك لهذه المحلات.
من جانبه، شدد جعفر الصبان، مدير سوق الجملة للخضر بمدينة الدار البيضاء، في تصريح لـ »اليوم 24″، على أن « مضامين الشكاية عارية من الصحة »، نافياً ما ورد في شكاية المكتب النقابي بشأن وجود تلاعبات في نقل الاستغلال المؤقت للمحلات التجارية.
واعتبر أن هدف الشكاية المذكورة هو « الضغط على الإدارة من أجل عدم متابعة المتملصين من الأداء لفائدة الجماعة ».
وأوضح الصبان أن شركة التنمية المحلية كشفت سابقاً أن ما يقارب 50 مليون درهم هو المبلغ الذي لم تحصل عليه الجماعة من المحلات التي استفادت من تفويتات الاستغلال.
وأكد مدير السوق أن الشركة بادرت إلى تسوية هذا الوضع « في إطار قانوني »، ونجحت بعد سنوات في استرجاع هذا المبلغ « لفائدة الجماعة ».
وشدد الصبان على أن « أغلبية المحلات في السوق تؤدي ما عليها من إتاوات لصالح الجماعة، وذلك وفقاً للقانون ».
كلمات دلالية سوق الجملة بالدار البيضاء نبيلة الرميلي