عربي21:
2025-05-10@21:34:54 GMT

عن التنديد والذين لم يملّوا منه!

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

حققت الحرب الإسرائيلية الوحشية على سكان غزة كل الشروط التي من المفروض أن تستنفر العالم لوقفها، حتى لو تطلب ذلك استعمال أساليب غير مألوفة لردع إسرائيل ووقفها عن غيّها.
توفرت في هذه الحرب كل الصفات والمواصفات التي تُحتِّم على المجتمع الدولي الانتقال من القول إلى الفعل لوضع حد للإبادة غير المسبوقة التي يمارسها جيش الاحتلال.


مثلا: قتلت إسرائيل من سكان غزة العزّل خلال الشهور الأربعة الأخيرة أكثر مما قتلت روسيا في أوكرانيا خلال 24 شهرا. وسبّبت إسرائيل من التهجير القسري والتجويع والخراب المادي والروحي والاعتداء على حرمات المدارس والمستشفيات ودور العبادة في غزة ما لم يجرؤ عليه أيّ جيش في العالم خلال العصر الحديث. أثر القنابل الإسرائيلية على غزة تساوي أثر القصف الأمريكي على هيروشيما وناغازاكي، وربما يتجاوزه.
لكن رغم هذه الفظاعات، كل ما نسمع ونقرأ حتى الآن تنديد وإدانة ودعوات لإنهاء الحرب وأخرى لتخفيف وتيرتها. نسمع أيضا بكاءً وحزنا يختلف في الدرجات وطرق التعبير عنه، لكنه في المجمل يتراجع مقارنة بالأسابيع الأولى للحرب.
كان البكاء والحزن وثورة العواطف الجياشة «موضة» محبذة في الأسابيع الأولى من الحرب. كانت الأهوال طريقة تستوقف الناس وتدمي قلوبهم. اليوم هناك شعور بأن أثر الصدمة أصبح أقل، وتراجع معه التأثر وبدأت العواطف الجياشة تأفل، لأن العالم تعوّد وتآلف مع يوميات الحرب وشاهد منها أشكالا وألوانا. وقديما قالوا إن الألفة تُذهِب الدهشة.
كان هذا أحد رهانات المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل: النجاح في تجاوز الأسابيع الأولى من الغضب العالمي ثم يتعود الناس. كل ذلك تحت حماية المظلة الأمريكية الغربية بكل أذرعها وتفرعاتها. وقد صدق رهانهم.
بايدن يندد، الزعماء الأوروبيون يأسفون ويدينون، القادة العرب ينددون، السلطة الفلسطينية تندد، الشعوب العربية تندد، الرأي العام الغربي يندد.
لم يعد الأمر يتطلب أكثر من تغريدة من كلمات معدودة. تكرّس اعتقاد عبر العالم بأن التنديد بواسطة تغريدة يكفي ويصبح ممكنا لك بعده أن تذهب لشأنك.
بايدن يأسف لأن إسرائيل تجاوزت كل الحدود، ويحذّر لكنه يواصل إرسال الأسلحة الفتاكة والخبراء العسكريين لإسرائيل. وبرفض رؤية وقف إطلاق النار مفضّلا هُدنا استراتيجية في مصلحة إسرائيل. الاتحاد الأوروبي يعترف بأن إسرائيل ترتكب جرائم خطيرة ويتألم لحال سكان غزة، لكنه لا يفعل شيئا لوقف إجرامها. القادة العرب ينددون ويعيدون لكن لا أحد فيهم تجرأ على أكثر من ذلك. بعضهم ينددون في العلن وفي السر يفتحون أبوابهم الخلفية لوصول السلع الضرورية لإسرائيل عبر أراضي بلدانهم بعد أن استحال مرورها من خلال البحر الأحمر. الذين منهم أقاموا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لم يمتلكوا شجاعة تعليقها ولو مؤقتا. والذين كانوا على وشك التطبيع قبيل الحرب الحالية لم يُظهروا علامات واضحة على التراجع. بينما توارى الآخرون وراء صمتهم خوفا من أيّ محاسبة أمريكية لاحقة.
تساوى كل الناس في التنديد والإدانة. لا فرق بين الرئيس بايدن وأيٍّ من نظرائه العرب والعجم وأيّ عاطل عن العمل في أيّ بلدة عربية منسية لا يملك غير حساب على إحدى منصات التواصل الاجتماعي.
في مقابل كل هؤلاء، إسرائيل تقتل وتُهجّر وتحرق الممتلكات وتقضي على كل مقومات العيش في غزة ولسان حالها يقول: لا بأس بما أن أقصى ما لديهم هو التنديد.
لماذا أُصيب العالم بهذا الشلل؟ لأن الأمر يتعلق بإسرائيل، هذا هو الجواب الأبرز. وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل وجرائمها لا صوت يعلو فوق الصمت، مشفوعا بالتفهم والتبرير الذي يرقى إلى درجة التواطؤ.
لكن هناك أكثر من كون الأمر يتعلق بإسرائيل. الموقف الرسمي دوليا متأثر غالبا بالموقف الأمريكي. والولايات المتحدة في عام انتخابات يلعب فيها داعمو إسرائيل دورا محوريا وحاسما. الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بلا حياء أو تردد، والقادة الأوروبيون لا يستطيعون مخالفة هذا الموقف لأن مصالح القارة الأوروبية متداخلة مع المصالح الأمريكية لكن بمنطق التبعية وليس الندّية. القادة العرب لا يستطيعون اتخاذ موقف مخالف صراحة للموقف الأمريكي لأنهم جميعا مرتبطون بأمريكا، كلٌّ متورط معها بشكل ما، يحتاجها على طريقته ويخاف منها لأسبابه الخاصة. ليس بين القادة العرب من يستطيع الخروج عن الخطوط العامة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، رغم أنها عرجاء عمياء مهووسة فقط برفع عدد الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مع اهتمام خاص بالسعودية باعتبارها الجائزة الكبرى.
يشكّل القادة العرب حالة عجيبة في هذه المعمعة. الحريصون منهم على بلدانهم وشعوبهم يحتاجون لأمريكا كي لا تتضرر بلدانهم وشعوبهم. الطغاة منهم يخافونها لأنها مصير كراسيهم يتوقف في جزء كبير منه على أمريكا. هناك فئة أخرى يشكلها الذين أقنعوا أنفسهم بأن أمريكا سيّدة العالم والأفضل تفادي الوقوف في طريقها.
بقي موقف دولي ثالث استثنائي هو ذلك الذي تعبّر عنه دول بعض الجنوب مثل جنوب إفريقيا وعدد محدود من دول آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية. إذا حدث تغيير سيكون من هذا التكتل غير المتجانس، وقد بيّنت دعوى جانب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية أن الفعل ممكن. لكن لحد الآن لا تزال الكلمة العليا للولايات المتحدة. ولهذا فعلى الأغلب سيواصل العالم مراوحته في مربع التنديد والذين لا يملّون منه مثلما فعلوا كل تهديد يصدر عن إسرائيل بشن هجوم ما، وبعد أن تشنه وتتكشف فظاعاته.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال تنديد العدل الدولية غزة الاحتلال تنديد العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القادة العرب

إقرأ أيضاً:

قادة أوروبا في كييف: مساعٍ لتكثيف الضغط على روسيا ودفعها إلى هدنة

شارك القادة في مراسم رمزية مع زيلينسكي لإحياء ذكرى الجنود الأوكرانيين، مؤكدين في بيانهم المشترك: "إراقة الدماء يجب أن تتوقف. وعلى روسيا وقف غزوها غير القانوني". اعلان

وصل قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا السبت إلى العاصمة الأوكرانية كييف، في زيارة تهدف إلى دعم الرئيس فولوديمير زيلينسكي والضغط على روسيا للقبول بوقف لإطلاق النار، وذلك غداة استعراض عسكري ضخم في موسكو بمناسبة الذكرى الثمانين للنصر على النازية.

وفي بيان مشترك، أعلن القادة الأربعة أنهم "مستعدون لدعم محادثات سلام في أقرب وقت"، مؤكدين أن هدفهم هو وقف الحرب المستمرة منذ الغزو الروسي في فبراير 2022.

القادة الأوروبيون في كييفAP Photo

ومع ذلك، لم تصدر عن الكرملين أي مؤشرات على نيته القبول بهدنة، إذ سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن رفض مقترحًا أميركيًا-أوكرانيًا بهدنة لمدة 30 يومًا، مكتفيًا بإعلان هدنتين قصيرتين اتهمت كييف موسكو بخرقهما.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرّح خلال توجهه إلى كييف بأن اتفاقًا على هدنة قد يمهد الطريق لمحادثات مباشرة بين كييف وموسكو. لكن زيلينسكي أكد مرارًا أن أي مفاوضات لا يمكن أن تبدأ إلا بوقف كامل لإطلاق النار، فيما تواصل روسيا احتلال نحو خمس الأراضي الأوكرانية وتصعيد هجماتها منذ الربيع.

وحدة أوروبية غير مسبوقة

وصل القادة الأوروبيون الأربعة معًا عبر القطار من بولندا: ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وانضم إليهم لاحقًا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك. وتعد هذه الزيارة أول تحرك مشترك بهذا المستوى إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب.

شارك القادة مع زيلينسكي في مراسم رمزية لإحياء ذكرى الجنود الأوكرانيين، مؤكدين في بيانهم المشترك: "إراقة الدماء يجب أن تتوقف. على روسيا وقف غزوها غير القانوني". وطالبوا مع الولايات المتحدة بوقف إطلاق نار كامل وغير مشروط لمدة 30 يومًا، معتبرين أنه شرط ضروري لفتح باب المفاوضات نحو سلام دائم.

حذر ميرتس من أن رفض روسيا هذا المقترح سيؤدي إلى تشديد هائل في العقوبات الغربية، متوعدًا في مقابلة مع صحيفة "بيلد" بزيادة الدعم العسكري والمالي والسياسي لأوكرانيا. بدورها، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عبر منصة إكس إلى وقف نار فوري ودون شروط مسبقة، تمهيدًا لمفاوضات جادة.

وفي وقت لاحق، يعقد الزعماء اجتماعًا افتراضيًا لإطلاع بقية القادة الأوروبيين على خطط تشكيل قوة أوروبية تدعم أمن أوكرانيا بعد الحرب. وذكر البيان أن هذه القوة ستساعد في إعادة بناء القوات المسلحة الأوكرانية وتعزيز الثقة بأي اتفاق سلام مستقبلي. في المقابل، سبق لموسكو أن حذرت من أن أي وجود عسكري غربي في أوكرانيا بعد انتهاء القتال قد يشعل مواجهة مباشرة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).

مواجهة مستمرة

تزامن استعراض الوحدة الأوروبية هذا مع خطاب تحدٍّ ألقاه بوتين خلال العرض العسكري في موسكو، حيث شدد على استمرار روسيا في معركتها. وفي مقابلة مع قناة "إيه بي سي" الأميركية، صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن موسكو لن توافق على أي هدنة ما لم تتوقف إمدادات الأسلحة الغربية إلى كييف، معتبرًا أن أي هدنة ستكون "مفيدة لأوكرانيا" في وقت "تتقدم فيه القوات الروسية بثقة كبيرة".

من جهته، دعا ماكرون عقب لقائه توسك في باريس الجمعة إلى تسريع العمل على خطة هدنة أميركية-أوروبية لمدة 30 يومًا، مشددًا على ضرورة دعمها بعقوبات اقتصادية هائلة في حال انتهكها أي طرف.

القادة الأوروبيون في كييفAP Photo

وفي السياق ذاته، صرح الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب خلال اجتماع في النرويج بأن الولايات المتحدة لديها حزمتا عقوبات جاهزتان تشملان قطاعي البنوك والطاقة.

مع تصاعد التحركات الدبلوماسية، تبقى الأنظار معلقة على رد موسكو وإمكانية كسر الجمود، وسط تحذيرات السفارة الأميركية في كييف من احتمال وقوع "هجوم جوي كبير" خلال الأيام المقبلة.

وحتى اللحظة، لا تزال خطوط النار مشتعلة، بينما يسابق القادة الأوروبيون الزمن لمحاولة حقن الدماء وفتح نافذة أمل نحو السلام.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • للضغط من اجل الهدنة ..قادة أوروبا في كييف
  • أحلام العرب في نظام عالمي يتشكل .. حديث بلا مرتكزات
  • خطاب القائد وفشل العدوان الأمريكي على اليمن
  • قادة أوروبا في كييف: مساعٍ لتكثيف الضغط على روسيا ودفعها إلى هدنة
  • زيلينسكي خلال اجتماعه مع القادة الأوروبيين: روسيا لا تريد إنهاء الحرب
  • خطاب القائد وفشل العدوان الامريكي على اليمن
  • العالم يتخوف نشوب "الحرب شاملة".. آخر مستجدات المعارك الباكستانية الهندية
  • هدنة الـ30 يوما.. قمة أوروبية في أوكرانيا تسعى لموقف موحد أمام ترامب
  • ذكرى الحرب العالمية الثانية.. هكذا عانى العرب ويلات حرب لا تعنيهم
  • الرئيس السيسي يشهد العرض العسكري بمناسبة الذكرى الـ 80 للانتصار في الحرب الوطنية العظمى