الشيخ العلامة عيسى الطائي.. قاضي قضاة مسقط وأحد أعلام الجيل الذهبي لعُمان
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
◄ الطائي: مسيرة الشيخ عيسى مُلهِمة لإطلاق مبادرة وطنية تسبر أغوار تراثنا العماني
◄ إبحار عبر التاريخ لاستقراء مُحددات العزيمة والإلهام لصناعة قدوات حقيقية أمام الأجيال
مسقط - الرؤية
نظَّمتْ مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، أمس الإثنين، الندوة الحوارية حول كتاب السيرة الذاتية لقاضي قضاة مسقط الشيخ عيسى بن صالح الطائي، بمشاركة حاتم بن حمد الطائي والشاعر سماء عيسى والدكتور محمد العريمي والدكتورة خلود الخاطرية، وسلمى بنت سيف البطاشية.
واستهلَّ حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة "الرؤية"، الندوة بكلمة ترحيبية، أكَّد خلالها أنَّ استقصاء الأبعاد الوطنية في سيرة ومسيرة الشيخ عيسى الطائي يُتيح للأجيال الجديدة التعرف على تاريخ الحياة الاجتماعية والسياسية في عُمان ما بين القرنين 19/20، كما يكشف دور القضاء العماني في قيادة التحولات الاجتماعية، والتأريخ لمفاعيل الحياة الفكريّة. إلى جانب الكشف عن دور القضاء العمانيّ في قيادة التحوّلات الاجتماعيّة، والتأريخ لمفاعيل الحياة الفكريّة خلال هذه الفترة. مشيرا إلى أن كتاب الذي تنعقد في رحابه الندوة ليس سردا، بل اعتمد في منهجه على المزاوجة بين الوثائق والأحداث، والمقارنة بين المخطوطات والوقائع.
ووجَّه الطائي خلال كلمته الدعوة للشباب الباحثين، خاصة المشتغلين بتحقيق التراث، للإقبال على تاريخ عُمان والعكوف على مجاميع الأراشيف الخاصة المتناثرة ما بين المكتبات الخاصة وهيئة الوثائق والمحفوظات، والمقتنيات العائلية، وإعادة قراءتها وفق آليات البحث المنهجي، وهذا يتطلب أيضا تقديم مبادرة وطنية كبرى تكون غايتها دراسة وطباعة وتوزيع التراث العمانيّ وتقديمه للجمهور.
وأوضح الطائي أن الكتاب هو إبحار في التاريخ العُماني التليد لسبر أغوار أهم شخصية عمانية بزغ نجمها مع مطلع شمس النصف الأول من القرن العشرين، والمادة الثرية التي يحويها الكتاب تؤكد جدّية البحث التاريخي والمنهجي الذي قام به، كما تؤكد أيضا على مهارته وتمكّنه من أدواته، وبراعته في استقراء الوثائق والمخطوطات، واستكشافه لعلاقاته ودوره السياسي والثقافيّ في الحياة الاجتماعية العُمانية. مضيفًا بأنْ ديوان الشيخ عيسى بن صالح الطائي يضم كثيرا من قصائده التي ضاعت وصارت طيّ النسيان وطالتها يد الإهمال على يد بعض النُّساخ، إلا أنّ بعض الباحثين استطاع استدراك النذر اليسير الذي فُقِدَ منها وجمع شذراتها التي تناثرت هنا وهناك والسعي الدؤوب في تحقيقها بالتعاون مع "ذاكرة عمان"، ومؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر"، ومطبعة العنان بمسقط، والذي من خلاله يستطيع القراء التعرّف على تاريخ الحياة الاجتماعية والسياسية في عُمان خلال هذه الفترة من التاريخ المعاصر، والتي كانت تُمثل حدثًا مفصليًا ونقطة استنهاض وتنوير للعبور بسفينة الوطن إلى شطآن الأمان، والنجاة بها من الصراعات المتلاطمة التي حدّقت بها من كل حدب وصوب، وكان الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي شاهد عيان، بل ومشاركا أصيلا في صناعة الكثير من الأحداث في هاتيك الأيام الخوالي.
ونوَّه الطائي إلى أنَّ الكتاب بمثابة بحث علميٌّ تميّز بالرصانة وتوسّل بمجموعة من المناهج البحثية كان في مقدمتها المنهج التاريخيّ، ووظّف الاستقراء لاكتشاف الخيوط الخفية التي تربط بين الأحداث، واستعان بالاستنباط للوصول إلى الحقائق، وتوسّل بالمقابلات الشخصية والاستطلاعات والزيارات، وتنقّل بين أصحاب الأراشيف الخاصة، واستعان بالتحقيقات السابقة على كتابة ليضع يده على الحقائق التي لا تقبل الشك، سائرا على خطى ابن خلدون عن "طريق مُطالعة المعلومات أو البيانات التي دُوِّنت في الفترات الماضية، وتنقيحها ونقدها بحياد وبموضوعية؛ للتأكد من جودتها وصحتها، ثم إعادة بلورتها للتوصل إلى النتائج المقبولة، والمُدعمة بالقرائن والبراهين" ووظّف المنهج المقارن بين عمان الماضي ومنجزات الحاضر واضعًا عينه على المستقبل.
ووجه الطائي شكره للباحث الدكتور محمد بن حمد العريمي مؤلف الكتاب، مثنيا على دوره المضني في "جمع وتفسير البيانات حول الأحداث التاريخية التي أحاطت بالبيئة السياسية التي عاصرها الشيخ القاضي عيسى الطائيّ، ومحاولاته الحثيثة في استكناه الأفكار الماضية وقدرته الرصينة على تحليلها لمعرفة كيفية تأثيرها على الأحداث والأفكار الحالية، فضلا عن دراسته "الأسباب المحتملة وراء أحداث معينة" في حياة قاضي قضاة مسقط، مما أسهم في "شرح تأثيرها على الأحداث التي تلت ذلك"، وقد مكّنه المنهج التاريخيّ من "اكتشاف الروابط بين الأحداث الماضية والحاضرة"، مما جعل مادة كتابه مادة ثرية يستطيع من خلالها الباحثون الجدد جمع "المعلومات المتعلقة بالأحداث المستقبلية المحتملة".
قاضي قضاة مسقط
من جهته، قدَّم الدكتور محمد بن حمد العريمي الباحث التاريخي، مؤلف الكتاب، تجربته مع جمع معلومات تقفي سيرة الشيخ عيسى بن صالح الطائي، وقال إنَّه اعتمد الخصائص الكتابية عند الباحث د. محمد الغيلاني في تأاليف هذا الكتاب، الذي يعد قيمة مضافة للمكتبة العُمانية ويشحذ همم الباحثين للعمل على شخصيات عُمانية أخرى تنتظر أقلام الباحثين ليُخرج بها من خزانات المنازل وأراشيف المكتبات إلى العامة والمثقفين.
وقال العريمي: إنَّ المنهج العملي الذي اتُّبع في استعراض مادة الكتاب يستدعي جهدًا أوسع وفهمًا دقيقًا، خصوصًا وأن المادة التاريخية في الكتابة التاريخية العُمانية غالبًا ما تكون مُشتتة بين أكثر من مصدر وأكثر من مرجع؛ الأمر الذي يتطلب سعة من الباحث في التنقيب والبحث والتحليل عن هذه المعارف التاريخية ليكتب منها مادته العلمية حسب مباحث الدراسة وفصولها. وأضاف العريمي: من خلال اطلاعي على محتوى الكتاب، أستطيع القول بأن الدكتور الباحث قد وفق إلى درجة كبيرة في سبر أغوار حياة الشيخ عيسى بن صالح الطائي قاضي قضاة مسقط؛ وذلك نجده في تنوع مادة الفصول التي يحويها الكتاب؛ إضافة إلى تتبع سيرة الشيخ الطائي وكل ما كُتب عنه في المصادر المحلية والمصادر الأخرى وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على براعة الباحث واتباعه الأسلوب العلمي الدقيق في الوصول إلى المعارف التاريخية.
الباروني مُلهمًا
إلى ذلك، قدَّم الشاعر سماء عيسى خلال الندوة كلمة، أكَّد خلالها أنَّ الكتاب حافل باستشهادات تُؤكد جذور إعجاب الشاعر عيسى بن صالح الطائي بأستاذه الباروني إعجابًا يدل على توجهاته في التعالي على الضغائن القبلية التي كانت سائدة بين العمانيين وقتها، وكانت سبباً في حروبهم الأهلية لقرون طويلة، فضلاً عن أنَّ الشاعر جاء من أسرة عانت الكثير من التعصب القبلي، وهو مدرك لذلك جيدا.
وقدَّمت الباحثة الدكتورة خلود الخاطرية كلمة خلال الندوة، قالت فيها: لقد اتبع الغيلاني في معظم فصول الكتاب ومباحثه منهج المقارنة والتحليل؛ فعندما استعرض نسب الشيخ الطائي ومولده، لم يستعرض الروايات التي سبقته حول ذلك على علاتها؛ وإنما ذكر الروايات السابقة مثل روايات الموسوعة العمانية ورواية الرحلة البارونية وكتابي السعدي في معجميه معجم الفقهاء ومعجم الشعراء الإباضية وحللها ثم استعرض مصادر جديدة معتمدًا على مؤلفات الشيخ الطائي مثل الدر الثمين في منافع المسلمين واستعراضه صورة للشيخ عيسى الطائي استخلص ورجح من خلال المصدرين أن ما كتبه السابقون حول تأريخ ولادته غير دقيق.
من جهتها، قالت سلمى بنت سيف البطاشية: يحفلُ المجتمعُ العمانيُّ بالعديدِ من العلماءِ والشخصياتِ المشهورة التي أحدثتْ تأثيراً واضحًا، سواءً على المُستوى الأدبيِّ أو الثقافيِّ أو العلميِّ، والتي ظلَّتْ راسخةً في التأريخِ العمانيِّ، ومن بين هؤلاء الشيخ عيسى بن صالح بن عامر الطائي قاضي قضاة مسقط، والذي كان حَافِظاً ومُطَّلِعاً على شواردَ الآثارِ، وطرائفَ الأخبارِ، فترقَّى بعلمِهِ وأدبِهِ وحُسنِ خُلُقِهِ فصارَ وَجِيْهًا عند الناس، وكذلك قدَّم العديد مِنَ الأعمالِ في المجالاتِ العلميةِ؛ سواء بصفتهِ شاعرًا أديبًا، أو شيخَ قبيلة وقاضيا، أو في المجال السياسي؛ إذ إنَّه رافق السلطان سعيد بن تيمور في رحلاته خارج عُمان، كرحلته إلى الهند سنة 1940م، وكذلك من المهماتِ التي كُلِّف بها خارج عُمان انتداب حكومة مسقط له سنة 1928م لسد فِتنة في مقاطعة جوادر التي كانت تابعة للسلطنة آنذاك.
وكتاب سيرة حياة قاضي قضاة مسقط الشيخ عيسى بن صالح الطائي، يقدِّم الخطوط العريضة لشخصية الشيخ الراحل، إضافة للبحث في التفاصيل والإبانة عن دوره الوطني في صناعة تاريخ وأحداث العقود الأولى من القرن العشرين والسعي لتوثيقها علميا لتكون نبراسًا للأجيال المتعاقبة من شباب عمان يهتدون به في الصمود أمام التحديات التي ما تفتأ تعصف بكثير من الشعوب.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجيل : مصر ملاذ الإنسانية حين يغلق العالم أبوابه
قال المهندس إيهاب محمود، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب "الجيل الديمقراطي" بالإسكندرية، إننا في لحظة فارقة من التاريخ، وبينما كانت أجواء العالم تمتلئ بالخوف والقلق، أرسلت مصر رسالتها الخالدة: "اتفضلوا عندنا.. مصر فاتحة أبوابها".. لحظةٌ جسّدت أعظم معاني الأمان، والانتماء، والإنسانية، لحظةٌ روى تفاصيلها الكابتن الطيار أحمد مشعل وهو في قلب السماء، تائهًا بين حدود مغلقة ومجالات جوية محظورة، قبل أن يسمع النداء المصري يفتح له طريق النجاة.
وأضاف "محمود"، في بيان، أنه من هذا المشهد المؤثر نستكشف المعنى العميق لقول الله تعالى: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، موضحًا أن هذه الكلمات لم تكن مجرد آية قرآنية تُتلى، بل نبوءة خالدة تتجسد في مواقف الدولة المصرية قيادةً وشعبًا على مر العصور، وخصوصًا في أشد الأزمات.
وأوضح رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب "الجيل الديمقراطي" بالإسكندرية، أن مصر اليوم كما كانت بالأمس أرض اللجوء والملاذ والحضن الدافئ؛ في زمنٍ أُغلقت فيه المطارات، وارتبكت فيه العواصم، كانت القاهرة تفتح ذراعيها للعالقين في السماء، وتقول لكل من تقطعت به السبل: "ادخلوها آمنين"، مشيرًا إلى أن الموقف البطولي الذي رواه الطيار المصري ليس موقفًا فرديًا ولا استثنائيًا، بل هو انعكاس لنهج راسخ تتبعه الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي رسّخ مفهوم "الأمن الوطني الشامل"، ليس فقط داخل الحدود، بل في إطار رسالة مصر الحضارية والإنسانية تجاه العالم.
وأكد أن ما قامت به مصر من فتح أجوائها في لحظة حرجة، رغم المخاطر والتحديات يعكس ثقة الدولة في منظومتها الأمنية والسيادية، ويُرسل رسالة واضحة للعالم مفادها: "نحن دولة مستقرة و آمنة، وقادرة على حماية الداخل واستيعاب الخارج"، موضحًا أن القوة الناعمة لمصر اليوم تتجلى في المواقف وفتح الأجواء رسالة دبلوماسية وإنسانية قبل أن تكون قرارًا ملاحيًا؛ إنها سياسة الدولة التي تُراهن على موقعها الجغرافي، وإرثها التاريخي، ومكانتها الإقليمية، لتكون الملجأ حين يغيب الملجأ".
وتابع: "الطيار الذي كان تائهًا في السماء وجد على أرض مصر حياة؛ تلك هي القيمة الحقيقية لوطن بحجم مصر، الذي لا يرد طالب أمن، ولا يتخلى عن إنسان ضائع، ولا يغلق الأبواب أمام الخائفين""، مؤكدًا أن هذه اللحظة يجب أن تُوثق، وأن تُدرّس في كتب الوطنية، وأن تكون درسًا للعالم في كيف تُصنع دولة من الأمان قيمة سياسية واقتصادية وأخلاقية.
وأشار إلى أن الأمن في مصر ليس مجرد شعور، بل مشروع وطني ضخم بدأ منذ تولي الرئيس السيسي المسؤولية، قائلاً: "حينما آمن الرئيس أنه لا تنمية دون أمان، وأن الاستثمار لا يولد في الفراغ، بدأت مشروعات البنية التحتية، وتطوير المطارات، وتأمين الحدود، وبناء منظومة رادارية متكاملة، ليصبح الأمان هو السلاح غير المرئي الذي تجذب به مصر المستثمرين قبل السائحين."
واختتم: "من الطيار مشعل في السماء، إلى قلب كل مصري على الأرض، كانت اللحظة درسًا لنا جميعًا؛ مصر لا تُقاس فقط بعدد الكيلومترات أو ناتجها القومي، بل بقيمتها الأخلاقية والإنسانية، وكل من دخلها، دخلها آمنًا بحق، لأنها وطن لا يخون، وأرض لا تغدر، وشعب لا ينسى أنه ابن حضارة علّمت الدنيا الأمان"، موضحًا أن اللحظة التي تحدث عنها الكابتن أحمد مشعل ليست لحظة طيران عادية، بل لحظة تجلّى فيها وجه مصر الحقيقي: وطن الأمان، وقلب الإنسانية."