كل الرهانات على أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة قبل شهر رمضان فشلت، وجولات المفاوضات للاتفاق على صفقة تشمل وقفا لإطلاق النار، أو هدن إنسانية، مع تبادل للأسرى والرهائن لم تنجح حتى الآن.
معركة عض الأصابع مستمرة؛ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم التدمير، والقتل، والتجويع سلاحا لفرض شروطه في التفاوض، وحماس تراهن على أن صمودها حتى الآن، ومنع الجيش الإسرائيلي من تحقيق انتصار حاسم منذ بدء العدوان يُعطيها قوة، فالتدمير قد حدث في غزة، والقتل يفوق الوصف، ولا يوجد ما تخسره، وكل يوم يمضي يخسر نتنياهو الذي يريد إطالة الحرب حتى لا يخرج من اللعبة السياسية، ويخضع للمساءلة، والمحاسبة.
ما هو مؤكد أن الشعب الفلسطيني في غزة لن يحمل الرايات البيضاء مستسلما مهما حدث، ولن تتكرر تجارب التهجير، واللجوء التي عاشها الفلسطينيون في الحروب السابقة، ولكن لا أستطيع الصمت، أو تجاهل هذه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الغزيون، وكل يوم يتوقف فيه العدوان حقن للدماء، وفرصة للنهوض من تحت الركام، وإن كان هناك ثمن لذلك فليكن بعد أن عمّ الصمت والتخاذل في كل مكان، وأصبحت إسرائيل تُملي على العالم شروطها بعنجهية، واستخفاف بكل القانون الدولي.
صحيح أن هناك متغيرات خجولة في العالم، وهناك تصريحات تنتقد الاحتلال الإسرائيلي، وتحذر من اقتحام رفح، ولكنها لا تكفي، ولا تردع دولة فاشية تعتاش على الاستيطان، ولا تتورع في قتل الأطفال والنساء، وتظل تروج، وتصنع الأكاذيب عن مظلوميتها.
جيدٌ توجه بعض دول العالم لمشاركة الأردن التي كانت سباقة في كسر الحصار، وعمل إنزالات جوية لتقديم المساعدات الإنسانية، وأنا لست عبثيا لأقلل من أهميتها، فكل قطرة ماء مهمة وضرورية، وكل لقمة خبز تسعف جائعا.
رغم أهمية الإنزالات فإنها لا تكفي، وهذا يفتح النقاش على طرح الولايات المتحدة لبناء رصيف بحري مقابل شاطئ غزة، وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي تُحمّل الأمر أكثر مما يحتمل، فإنها خطوة متأخرة، وإن كانت أميركا تستطيع فرض إقامة رصيف بحري لتمرير المساعدات، فلماذا لا تُلزم حكومة الاحتلال بفتح المعابر البرية، فهي أسهل، وأسرع، ولا تحتاج كلف مالية لبناء رصيف بحري، أو إطار زمني طويل للتنفيذ؟
نعم هذه أسئلة تسأل عنها الإدارة الأميركية، وأيضا إذا كنتم ترون أن اقتحام رفح خط أحمر كما يقول الرئيس بايدن، وأنه حذّر إسرائيل من قتل 30 ألف إنسان جديد في غزة، وأن نتنياهو يضر بإسرائيل؛ فلماذا لا يوقف تصدير الأسلحة، وتمرر أميركا قرارا في مجلس الأمن يوقف الحرب؟
حكومة نتنياهو، وعصابة المتطرفين الحاكمة معه لا يريدون دون مواربة وقف الحرب، لأنها لم تقضِ على حماس، ولأنها تريد العودة لاحتلال غزة، وتشق شوارعَ لتضمن سيطرتها الأمنية، وتخشى قبل كل ذلك سقوطها الذريع، وخروجها من اللعبة السياسية، ولذلك فإن الشروط على طاولة مفاوضات الهدنة تبدو تعجيزية، ولا تتسم بالمرونة، وكأنها تدفع حماس للرفض حتى تستمر الحرب.
رمضان على الأبواب، والنقاشات داخل قيادة الاحتلال، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية من مخاوف من اندلاع انتفاضة شعبية في الضفة، وحتى الداخل الفلسطيني، خاصة بعد تسريبات عن قيود ستفرضها إسرائيل للصلاة في المسجد الأقصى، ويشيعون أن حماس ستستفيد من تأجيج حرب دينية تحشد الجميع خلفها، ولذلك فإن الانقسامات الإسرائيلية تتصاعد في التعامل مع الصفقة، وهناك أصوات - رغم قلتها - تطالب نتنياهو بقبولها مهما كان الثمن.
التحولات الغاضبة من إسرائيل في المجتمع الدولي مطلوبة، ومرحب بها، وعودة بعض الدول لتمويل الأونروا مؤشر إيجابي، والحديث عن مبادرة عربية تطالب بتجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة، على غرار ما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في السبعينيات من القرن الماضي -إن حدثت- ضربة موجعة للكيان الصهيوني، ولكن كل هذا الكلام على أهميته لا ينقذ اهل غزة.
وقف إطلاق النار، أو هدنة طويلة مع عمليات تفاوض لإنجاز صفقة تبادل للأسرى، يعقبها تحريك للمسار السياسي ضرورة لا غنى عنها، وهي أكيد اهم من المزايدات، وبصراحة الدعوات، والابتهالات لفلسطين ليست حلا، ويختارها العاجزون أحيانا ليقولوا إنهم فعلوا ما يمكن أن يفعلوه.
الغد الأردنية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال حماس احتلال حماس غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل صفع ترامب نتنياهو أم زوبعة مصالح؟
هذه التوترات، التي حاولت الجزيرة نت كشف حقيقتها وأبعادها عبر مراسليها ومحللين، تُنذر بتحول جذري في طبيعة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
وبدأت القصة تتكشف عندما استبقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) زيارة ترامب الخليجية بالإفراج عن الأسير الإسرائيلي-الأميركي عيدان ألكسندر، وأكدت الحركة أن الإفراج جاء نتيجة مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وهو ما اعتبره ترامب مبادرة حُسن نية.
لكن هذا الإفراج أثار موجة انتقادات حادة في إسرائيل ضد نتنياهو، إذ قالت صحف إسرائيلية إن تل أبيب تعرضت لـ"إهانة موجعة" من الرئيس الأميركي، لأنه أجرى مفاوضات مباشرة مع حماس من وراء ظهر نتنياهو.
واعتبر محللون إسرائيليون أن الأمر يحمل دلالات سياسية عميقة وتساؤلات عدة حول مستقبل التنسيق بين تل أبيب وواشنطن، حيث يمثل سابقة دبلوماسية في ظل مخاوف من انحسار دور إسرائيل لصالح تفاهمات إقليمية ودولية تجري بمعزل عنها.
وفي خضم هذه الأزمة، دعا المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، نتنياهو إلى انتهاز الفرصة لاستعادة الأسرى.
ترامب يزيد التوتر
غير أن صحفا إسرائيلية كشفت أن نتنياهو عارض مقترحا جديدا بشأن صفقة تبادل قد تمهّد لإنهاء الحرب، وهو ما يمثل إحراجا سياسيا له، نظرا لتعارضه مع الأهداف المعلنة لحكومته.
إعلانوزادت من حدة التوتر سلسلة قرارات اتخذها ترامب خلال جولته الخليجية، إذ سرّبت وسائل إعلام أميركية أن نتنياهو فوجئ بشدة وغضب من إعلان ترامب أن الولايات المتحدة أوقفت حملتها العسكرية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومين من إيران في اليمن.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تبعه إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وسبق ذلك موافقته على بيع مقاتلات "إف-35" لتركيا، فضلا عن توقيع اتفاقيات إستراتيجية وتجارية ضخمة خلال الزيارة الخليجية.
هذه الخطوات التي اتخذها ترامب دون تنسيق مسبق مع تل أبيب أثارت غضب نتنياهو بشكل غير مسبوق.
وفي مواجهة هذه التطورات، مارس نتنياهو نوعا من التصعيد في الخطاب، حيث أكد أن إسرائيل ستواصل الحرب على غزة حتى لو تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت.
وجدد تأكيده على نيته تهجير سكان القطاع إلى بلد آخر، في خطوة تصعيدية تعكس محاولته إظهار استقلالية القرار الإسرائيلي.
ورغم الفتور الكبير الذي يظهره ترامب تجاه نتنياهو، فقد تجاهل الرئيس الأميركي الحديث عن الحرب في قطاع غزة خلال زيارته الخليجية، وهو أمر يعزوه محللون إلى عدم وجود اتفاق يمكن إعلانه، ولا يعني بالضرورة تغييرا في الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل بشكل عام.
وبحثا عن جذور الأزمة، قال مراسل الجزيرة نت في إسرائيل إن التقارير تتحدث عن قطع ترامب اتصالاته مع نتنياهو، على خلفية ما اعتبره الأميركيون محاولات من الأخير للتلاعب بمواقف إدارتهم.
ويرى مراقبون أن هذه المقاطعة تعكس تحولا في السياسة الأميركية نحو مقاربة أكثر استقلالية في إدارة الملف الفلسطيني.
تهميش نتنياهو
وفي أميركا، أفاد مراسل الجزيرة نت بأن ترامب قام بتهميش نتنياهو بشكل متزايد، وهو ما يثير مخاوف أنصار إسرائيل من مغبة تحرك إدارة ترامب بانفراد في قضايا الشرق الأوسط، على غرار ما فعله مع إيران والحوثيين.
إعلانوتشير تحليلات إلى أن ترامب اقتنع بأن نتنياهو ليس الشريك الذي يمكن التعامل معه، فالرئيس الأميركي "يكره من يتذاكى عليه، ومن لا يخدم مصالحه الشخصية والأميركية، وكذلك يكره من يتعامل من خلف ظهره"، وهو ما ينطبق على رئيس الوزراء الإسرائيلي في نظر الإدارة الأميركية الحالية.
ونشرت الجزيرة نت مقالا لكاتبة أميركية أوضحت فيه أن ترامب لا يكترث إنسانيا بالإبادة في غزة، بل يرى أن استمرار الحرب فيها يعيق رؤيته لما يسميه "ريفيرا الشرق الأوسط".
وقالت إن الإفراط في الحرب قد يُعد استثمارا غير مجدٍ في نهاية المطاف، على الأقل من منظور ترامب "العقاري".
ويرى محللون أن نتنياهو غير جاد وسيحاول التسويف، غير أنه في مأزق شديد جدا، لأن الإدارة الأميركية مصممة على خلق نوع من الهدوء في المنطقة.
وفي المقابل، يشير آخرون إلى أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يعدو كونه تكتيكيا في بعض الملفات.
وفي ظل هذه التوترات، يبقى السؤال: هل ستتمكن واشنطن من فرض رؤيتها على تل أبيب وإنهاء الحرب في غزة، أم إن "الجموح الإسرائيلي" سيستمر في تهديد الأمن والسلام بالمنطقة؟
الصادق البديري17/5/2025