لجريدة عمان:
2025-10-21@20:17:32 GMT

من كل الجهات تأتي الحكاية

تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT

«اسْمُه الأسْمر» عبارة واردة على لسانِ شخصيّة ثوريّة بها عدَّل من اسم عليّ الأسْود، الشخصيّة المركز في قسْمٍ من الرّواية الحاملة لاسمه، وهي روايةٌ من تأليف محمّد الشِّحري، لامس فيها مواضيع شتّى وقلَّب فيها الحكاية مواقعَ مختلفة، وارتحل بها زمانًا ومكانًا وموضوعًا. من الذاتيّ في اتّصال خيطِ السُّلالة الثوريّ تحوم أحداث شخصيّة الأسعد الشابّ العُمانيّ المشدود بصلاتٍ إلى تونس، والمرتبط بأسبابٍ بأسرته المعقّدة أحداثها، الضّاربة في عمق أزماتٍ من آثار الثورة والرَّغبة في التحرّر، إلى التاريخيّ الرّاصد لحركة شخصيّة أُتي بها حمّالةٌ مبادئ، نافرةٌ من السّائد، آملةٌ في مقبل أفضل، هي شخصيّة علي الأسمر.

وتبدو الركيزة الفعليّة للسّرد، متمحورة حول ذاتٍ ترْوي وتُرْوى، هي شخصيّة الأسعد، الذي باع الثورة بدراهم معدودات ووظيفة ثابتة، وباع صاحبته التي تعشقه ببنت ليل، من أجل ليلة مدفوعة الأجر.

تراكمٌ من الوقائع، وزحمةٌ من القصص متولّدة عن جذرين متعارضين، متضادّين، في الفعل والنتاج والمبدأ، وإن كانت الدّماء تجمع بينهما، شخصيّة علي الأسمر، هي شخصيّة وازنةٌ، واضحةٌ، تسير على قيمٍ أرادتها منذ بداية وعيها، وهي طلب العلم، والعمل على مقاومة أشكال التجهيل والتصحّر، تفني حياتها من أجل تحقيق هذا الهدف، وهي شخصيّةٌ غادرت أرْضَها وبيئتها، وقاومت الصّعاب لأجل تحقيق الوجود، التعلّم، ورفع الجهل، والوقوف ضدّ الظلم الذي كانت ضحيّته، وهي أيْضًا وفيّة في صلتها الشخصيّة، أحبّت امرأة واحدة وبقيت وفيّة لها عند موتها، «كان حبّ هدى البحرينيّة آخر النبضات العاطفيّة في قلب عليّ الأسمر، لم يحبّ بعدها، ولم يُفكّر في الزّواج رغم إلحاح أمّه التي تظنّ أنّه مسحور»، وهو أيْضًا شخصيّة خالية من الأحقاد، تميل إلى السِّلم، وإلى الخضوع إلى الضّوابط والقوانين، ومحافظة على صلاتها الأسريّة.

أمّا الشخصيّة المقابلة، فهي من دمه، ابن أخته، الذي يُرَدُّ إلى أب مسجونٍ بسبب معارضته، آبقٍ في شهواته، ضارب عرْض الحائط روابط الأسرة، تارك لزوجته التي عانت الصّعاب من جرّاء سجنه، ومحقّق لشهواته ونزواته، الابن «الأسعد»، هو خيْط الرّبط لمتفرّق أحداث الرّواية، وهو ضابِط إيقاعها، وجامع شتاتها، يأتي من هذه الأسرة التي تنتمي مكانًا إلى صلالة، ويجول في أماكن عدّة، منها يُولّد علاقات وحكايات، ولعلّ أكثرها تبئيرًا وأثرًا، صلته بـ«عفاف»، البنت التونسيّة التي تعرَّفها زمن دراسته في تونس، واستغلّ الراوي هذه الركيزة ليُجيل نظره في سرديّة تونسيّة يُعْمِل فيها اللّهجة والقدرة على تعرُّف أمزجة النّاس ومختلف رائج أقوالهم ومعهود أفعالهم، وليدقّق معرفته بالمكان تسميةً إحاليّة مرجعيّةً.

صلة الشخصيّة المركز بـ«عفاف» فاتحةُ آفاقٍ سرديّة، تُظْهِرُ عالمًا مختلفًا عن المكان الصلالي الذي منه نبتت الشخصيّة، إذ تنبعث شخصيّاتٌ وتُقَام أحداثٌ تنبئ بكوْنٍ قصصيّ مختلف في مشاغله وجهاته وأحداثه عن الكوْنِ المَنْبَت.

فضاءٌ آخر يُفتِّحه الراوي من خلال صلته بالشخصيّة وبالمكان، وإن كان قد اتّخذ حيِّزًا أقلّ وهو صلته بعنوة الجزائريّة التي رغب فيها زوجةً، وحملته إلى التحرُّك في الشّارقة وفي دبي وفي الجزائر، بكلّ ما يُمكن أن يتولّد عن هذا التحرُّك من ميْل الراوي إلى وسْم المكان وسرْد خواصّه.

أمّا الارْتحالُ الزّمنيّ في الرِّواية، فهو ممتدٌّ من خريف 2014، لحظة عودة الأسعد إلى تونس في وفد رسميّ، ليعود بشريط الذكريات روايةً استرجاعيّة إلى بُرَه زمنيّة مختلفة حدّ بلوغ سنة 1984، بداية حكاية علي الأسمر، وما بين هذين الزّمنين أزمنة متفرّقة، منها ما يتّصل بذاكرة الشّعوب مثل سنة 2011، ومنها ما يتّصل بالتاريخ الشخصيّ في حكاية الأسرة وما علق بها من ذكريّات ناتجة عن السِّجن أو عن الحبّ.

أزمنةٌ منتقاةٌ محدّدة، اتّخذها الراوي مواقع نظر ومحطّ حكاية في سياق سرده الاسترجاعيّ الذي جمّع فيه بين الذاتيّ العشقيّ والأسريّ السياسيّ، وشتّت فيه ذهن القارئ بوفْرة منابت الحكاية وكثرة الأماكن واختلاف الأزمنة، ليبدو تنافُرٌ هامٌّ في الرّواية بين العنوان، الذي هو في أصْل المعهود يتخيّر شخصيَّةً وتَدًا، ومسار الرّواية الذي أعطى وفرةَ الرؤية والرّواية إلى شخصيّة الأسْعد، الذي كان المحور الأساس لكليّة الرّواية، وهو الأحقّ بعنوان الرّواية، وإن كان شخصيَّةً انتهازيّة، عديمة القيَم، قابلة للبيع والشّراء، غير أنّها شخصيّة نتاج، هي حصيلةٌ نفسيّة لوضْعٍ من الخُسْران السياسيّ على مستوى الأسرة، ولتاريخ من التهميش والعذاب والجوع بسبب المبادئ، «سعدون مسرف في العاطفة جدّا، سريع التعلّق وسريع التخلّي، شخص لا يريد التخلّص من طبعه مهما تقدَّم به العمر وصعقته التجارب».

روايةُ «اسمه الأسمر»، روايةٌ شافّة عن مدى النضج الذي بلغته الرواية العمانيّة، حاملةٌ لمعانٍ، غير أنّها لا تستوي في أثرها وتأثيرها في القارئ، ولا تحافِظ على وتيرة واحدة من الاستمالة والحمل على القراءة، هنالك مواضع فيها تكرار واستعادة لا معنى لها، مثل علاقة الأسعد بعفاف، وهنالك قصص ضعيفة كان من الأجدر الاشتغال عليها بعمق وأناة مثل علاقة الأسعد بعنوة، وهنالك في المقابل وفْرة من المعلومات تصل أحيانًا حدّ التوثيق والرغبة في مسْك لحظة الثورة.

الرّواية دفعتني إلى سؤالٍ يؤرقني منذ زمن، ومفاده متى تُخفّف الرّواية العربيّة من أثقال التّاريخ وأحمالِ الذّات، متى يُمكن أن ننعتق من التّاريخ الذي لم نتصالح معه أبدًا، ولم ننعتق من إساره، سواء أكان تاريخًا ضاربًا في القِدَم أو قريبَ الوصْل والصِّلة؟.    

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة الأسعد الشخصی ة الر وایة

إقرأ أيضاً:

ما الدور الذي لعبته النقابات الإيطالية من أجل دعم غزة؟

وكانت صلة الربط الرئيسية بين المجتمع الإيطالي والقضية الفلسطينية وعنصر ضغط قوي على الحكومة خلال عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة.

Published On 20/10/202520/10/2025|آخر تحديث: 20:42 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:42 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: واشنطن لا ترى حاجة لعقد لقاء شخصي بين لافروف وروبيو
  • في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة حسن الأسمر صوت الحارة المصرية
  • فى ذكراه.. حكاية وفاة حسن الأسمر بعد عودته من الصلاة
  • قصة من الواقع.. كيف حولت هند عبدالله ألمها الشخصي إلى دراما عن الطلاق الغيابي؟
  • الدماطي: الأهلي لا يعرف الفردية .. وكل إدارة تأتي تبني على السابقة
  • ما الدور الذي لعبته النقابات الإيطالية من أجل دعم غزة؟
  • إدارة الدخل الشخصي في زمن الغلاء
  • السيدة الجليلة تُكرّم عددًا من الشخصيّات النسائية العُمانية
  • إتجار بالبشر.. ملف التجنيس قنبلة موقوتة.. و 4 من وزارة الرياضة..إيه الحكاية