لجريدة عمان:
2025-10-21@22:31:31 GMT

فخ الماضي وفخ المستقبل كلاهما معًا

تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT

وصلنا إلى شاطئ البحر بعيدًا عن المدينة، أو بعيدًا عن البيوت إذا تحريتُ الدقة. بدا كما لو أننا انتصرنا، لا يوجد بالقرب منا «شاليهات» تؤجر كمصيف طوال العام، لا يوجد لحسن الحظ تلك الخيم الصغيرة المنصوبة، مع أسلاك إنارات صغيرة، ومرآة للتصوير، كما رأينا قبل قرار البلدية بإزالتها فورًا.

كان الشاطئ بانتظارنا لوحده.

قال أحدنا، لم يتبقَ لنا شيء، وآخرون قالوا: كان أجدادنا يعيشون بهذه البساطة، هذه كل حياتهم.

كنا نقصد بلا شك، أننا أمام البحر بلا وسيط، لم نشتر تذكرة دخول كما هو الحال في المنتجعات الساحلية، ولم يكن هنالك أكشاك لبيع القهوة أو المثلجات، لم يكن هنالك شيء.

تثير هذه اللحظات حيرتي، أخاف بشدة من الوقوع في فخ الحنين إلى الماضي، تلك الحالة الساذجة من رؤية الوجود البشري، لكنني أخشى في الوقت نفسه من تملق الذات بالاعتراف بأن هذه اللحظة الزمنية أفضلُ من تلك التي عاشها أجدادي.

كان الماضي مروعًا، الناس يموتون من الأمراض البسيطة، الحيوانات تلتهم النائمين في العراء، لكنهم امتلكوا البحر أليس كذلك؟ كان لهم جميعًا ذلك البحر، لا أظن بأنهم عرفوا معنى الإقطاعية، كانوا يأكلون من الأرض مباشرة، يستريحون كثيرًا، لا يريدون إثارة إعجاب أحد إلا بالقدر الذي يؤهلهم ليكونوا نبلاء وخيرين.

أريدُ أن أتخيل الإنسان بهذه الطريقة، وفي واقع الأمر أرى بأن حقيقة الإنسان هي هذه الرغبة في العيش بسلام مع الآخرين.

أما هذه اللحظة، فأنا أسافرُ في بضع ساعات لكي أكون في قارة أخرى، أحصل على المعرفة سريعًا، أتصلُ بمن أحب فورًا، أرتدي ملابس نظيفة، أعيش في شقة بجانب المرسى، لديّ امتياز العزلة، وأستمع لموسيقاي المفضلة طوال الوقت، أشاهدُ أفلامًا رائعة، وأقرأ كتبًا تنعشُ روحي، ورغم ذلك كله أستدركُ هذه الأفكار المتدفقة عن حياتي بالقول إن كل هذه قد تكون متطلبات صنعتها لي الثقافة، حاجات لم تكن لديّ قبل أن تزرعها ثقافة تدعي أنها تستجيب لحاجاتي، بينما تصنعها هي، وتُجيب عليها هي.

لكننا اليوم لا نموت من الحمى، الأطفال لا يُشلون بمجرد إنجابهم، السُل مسيطر عليه، وهكذا أرواح بين الموقعين في توجس شديد، ترا أيهما كان أفضل للإنسان، ذلك الماضي أم هذا الحاضر؟.

يزداد تفكيري حول هذه المسألة، واسمحوا لعصابيتي أن تُعبر عن نفسها، إذ إنني اجتررت هذا الموضوع كثيرًا، وربما لن أتوقف عن الحديث عنه، ما الذي يفعله الذكاء الاصطناعي بنا بحق؟ تعملُ الشركات الآن على خلق «وعي» «Conscience خاص بالأدوات الخاصة به.

إنه بعد قليل من الوقت سيتمكن من توليد ما لا نتخيله، ربما سنفقد السيطرة عليه، ربما سيكون ذلك الوحش الذي ربيناه لكي يتحرر منا فيأكلنا جميعًا. سيخسر كثير منا وظائفهم، بينما تزداد ثورة الإقطاعيين الجدد، أصحاب هذه الشركات التي طورت هذه الوحوش، أولئك الذين يريدون إقناعنا بأن خسارة وظائف تقليدية، سيصاحبها ظهور وظائف جديدة تناسب هذا الزمن، لكن علينا أن «نشخر» في وجوههم فور سماعنا لذلك.

سيقول لنا أحدهم أو ربما زبانيتهم إننا بالضبط مثل أولئك الذين فزعوا من الثورة الصناعية، أو أولئك الذي رثوا مناجم الفحم مع اكتشاف مصادر أخرى للطاقة.

سنوصم بالتقليدية، لكن ذلك لن يهلكنا بقدر أن نُعرض أنفسنا لاكتشافات أخرى، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ستستبدل الأطباء الجراحين أكثر كفاءة، مما يعني أن فرص أحبتنا بالنجاة من الموت أكبر، لن نقول إن فرصنا نحن للنجاة من الموت أكبر، لن يكون هنالك سلطة كبيرة لرجال الدين، ولا للأطباء النفسيين، بدأ هذا بالفعل، هنالك ملايين الآن يستخدمون تطبيقات للفتاوى، آخرون يتحدثون مع أطباء نفسيين من أسرتهم.

نستدرك ذلك الاستسلام بالتفكير فيمن سيمتلكون توليد السرديات سيحتكرون الحقيقة، إسرائيل مثلاً لديها كل الحق في قتل الفلسطينيين، الفلسطينيون باعوا أراضيهم لليهود، العرب مجرد حيوانات بربرية.

السلطات السياسية التي بدأت بالفعل بشراء حصص كبيرة من شركات إنتاج الذكاء الاصطناعي ستزداد هيمنتها، دولة خليجية معروفة قطعت شوطًا في هذا. ولا أحد يعرف ما الذي سينقذنا من هذه الدوامة المدوخة.

أتساءل كل الوقت لماذا لا يوقف العالم هذا الجنون، لماذا لم نقرر أن نتوقف قبل صناعة القنبلة الذرية، إن كان صانعوها قد عزموا على ذلك، لماذا لم تقرر البشرية أن تمنعهم عن ذلك؟.

لماذا لا نفعل شيئًا بخصوص البشر الذين يموتون جوعًا بينما تلقي سفن ــ بحسب الأسطورة ــ التفاح في البحر، لكي يكون العرض أقل من الطلب فيزداد سعر التفاح؟ لكن هذه الأمثلة الأخيرة أقل وطأة من تلك التي ترتبط بصناعة شيء ما، القنبلة النووية، والآن الذكاء الاصطناعي.

عندما استدعى الكونجرس الأمريكي أصحاب هذه الشركات أو مطوري تطبيقاتها للتحقيق، كان ذلك مخزيًا للغاية، من تولوا مساءلتهم كانوا من حزب الجمهوريين، وهم محافظون، إن أيا مما سينطقونه سيتعلق ببيع البيانات لدول معادية، أو الإشارة عرضًا لخسارة الوظائف، وإفساد العلم لن يكون إلا بسبب عدم القدرة على اختبار الأطفال واليافعين بالطرق التقليدية، كيف سنحدد أيهم سينافس على مكانة ما.

أما أنا ومن هم مثلي من وراء الشاشات نتوسل أي سؤال أخلاقي، أي نقاش حقيقي عما هو الأجدى لصالح البشرية، أي جدل كان، عما إذا كان وضعنا جيدًا في الغابة مع امتلاكنا جميعًا الهواء لنتنفسه، أم القدرة على السفر إلى أقصى مكان في العالم في بضع ساعات.

لا يبدو أننا تعلمنا أي شيء من كل الأوبئة التي اجتاحت الأرض. تلك التي نتجت في معظم الأحوال عن واقع تحكمه الشركات ورأس المال، واقع لا يشبع ومتعطش لزيادة الربح، لا يهم إن ألقينا المخلفات هنا وهناك، هل هي سامة؟ لن نسأل سؤالاً كهذا، ليس ضروريًا أن تنفق حيوانات أو تنقرض، هل سيهدد ذلك أي شيء في السلسلة الغذائية، أو في المناخ؟ لا يُهم، ذلك ليس سؤالنا الآن، سيصلك هاتف محمول ومسطح، خفيف، لن تضطر لحمل غيره، ستدفع من خلاله، ستقرأ فيه، سترسم وتعزف وتغني عبره، وستحصل على العلاج من خلاله.

لكنني أتساءل كيف استطعنا تجاوز ما حدث فترة كورونا، كيف تجاوزنا كل الأسئلة الأخلاقية التي لابد وأن تجعلنا نتباطأ في فعل أي شيء؟ حسنًا إن كانت هذه الأمور مجردة وبعيدة عنا كأناس عاديين، تعايشنا معها وتركناها خلف ظهورنا إذ هي ليست مُلحة اليوم، كيف ننسى أن إيطاليا في الصيف حارة جدا وبينما تسافرُ لها من أقصى الأرض، لن تتمكن من السير على أرصفتها التاريخية، روما التي تغرب الشمس فيها متأخرة، عليك أن تدخل في نافوراتها المائية وسط شوارعها، وإلا ستفطس من حرها، عليهم أن يفكروا بخيارات التكييف، هؤلاء الأوروبيون الذين لم يكتشفوا الشطاف بعد، أما هنا، فمتى آخر مرة أمطرت؟ أي مدينة في الخليج ستسجل أكبر درجة حرارة هذا العام، تُرى ما الذي تفضله من الصيف، الرطوبة أم الجفاف؟

تتطلب مولدات الطاقة لشركات إنتاج الذكاء الاصطناعي، موارد غبية، وهي تحتاج لتشغيل مراكز بياناتها لمصادر غير متجددة للطاقة مثل النفط والغاز والفحم، لمستودعات خوادم عملاقة، تقول التقديرات إن نموذجا لغويا واحدا مثل شات جي بي تي ٣ استهلك طاقة تعادل ما تستهلكه اثنتا عشرة- أسرة أمريكية في عام واحد.

تستخدم هذه الأنظمة مياه التبريد وتستهلك ملايين اللترات من المياه يوميًا في تقرير بلومبرغ Bloomberg عام 2023 شغلت شات جي بي تي - هو بالمناسبة من أبسط وأتفه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الإشارة لذلك مهمة فكثيرون يعتقدون أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست إلا شات جي بي تي- نحو خمسين لترًا من الماء لكل محادثة قصيرة.

تسهم هذه الشركات في تصنيع شرائح إلكترونية بعدد كبير، علينا أن ننسى الصراع عليها خصوصًا بين أمريكا والصين، وتايوان المعلقة بينهما، يتطلب نقل البيانات آلاف الألياف الضوئية المهلكة للأرض.

لدي سؤال وحيد: أليس لدينا رجل أو امرأة، عاقل أو عاقلة وسط كل هذا الجنون؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

دليل رويترز.. 3 خطوات لدمج الذكاء الاصطناعي بغرف الأخبار

سلطت مجلة "محررون وناشرون إي آند بي" الضوء على دليل أنشأته مؤسسة طومسون رويترز من أجل مساعدة المؤسسات الإخبارية على دمج الذكاء الاصطناعي بأمان وكفاءة دون أن يحل محل الصحفيين.

ودعت المؤسسة المسؤولين في غرف الأخبار إلى وضع سياسات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بعدما تبين أن أغلب الصحفيين يستخدمونه دون توجيه رسمي، مما تسبب بمشكلات مهنية وزاد من تآكل الثقة بوسائل الإعلام.

ويرتكز الدليل الذي نشرته طومسون رويترز في مايو/أيار الماضي على ثلاث خطوات:

الأولى: تحديد أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بغرفة الأخبار.

الثانية: تحديد المخاطر والحلول.

الثالثة: دمج إرشادات الذكاء الاصطناعي في السياسة التحريرية.

وبحسب رئيسة المبادرات في المؤسسة هبة قنديل فإن الدليل يتوافق مع نتائج استطلاع رويترز الذي شمل 200 صحفي وخلص إلى أن 13٪ فقط من الصحفيين قالوا إن غرفهم الإخبارية لديها سياسات رسمية مطبّقة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي.

وتقول هبة لمجلة "إي آند بي" إن مديري وسائل الإعلام التقليدية مشغولون غالبا أو مشتتون بالعديد من المسؤوليات والتحديات، مما يحول دون التركيز على سياسات الذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم.

كلما تأخرت المؤسسات في وضع سياسة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي زادت سرعة هزيمتها من ناحيتي التنافس وجودة العمل

بواسطة هبة قنديل - مؤسسة طومسون رويترز

وثمة العديد من المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، من مخاوف الأمن السيبراني، إلى نشر المعلومات المضللة دون قصد، مما يقوّض الثقة في المؤسسات الصحفية.

وأشارت المجلة إلى أن الصحفيين يتعلمون بالفعل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة دون توجيه، وذلك بدافع فضولهم ورغبتهم في تجربة واختبار التكنولوجيا.

وأوضحت هبة قنديل أن غرف الأخبار يمكنها التعامل مع الذكاء الاصطناعي من زوايا مختلفة جدا، لافتة إلى أن إحدى الوسائل الإعلامية العاملة في مجال الصحافة الاستقصائية تعاملت مع سياسة الذكاء الاصطناعي من منطلق حفظ أنظمتها من المخترِقين لحماية المصادر والصحفيين، في حين كانت إحدى المؤسسات الإخبارية تبحث من خلال الذكاء الاصطناعي عن طرق لجعل عملية التحرير أكثر كفاءة.

الصحفيون يتعلمون استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة دون توجيه بدافع الفضول والرغبة بتجربة التكنولوجيا (شترستوك)

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الصحفيين في تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة، مثل تعليم النظام كيفية فهم الإرشادات والمعايير المحلية في العمل الصحفي عبر إتقان ما يُعرف بهندسة الأوامر.

إعلان

وتقول هبة إن دليل طومسون رويترز لا يسعى إلى فرض سياسة جاهزة لجميع المؤسسات الإخبارية، بل وضع إطار عام ومرن يسهّل عملية إرساء السياسات الخاصة بكل مؤسسة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي.

ونبهت إلى أن بعض الصحفيين قد يقاومون الذكاء الاصطناعي خوفا من أن يحل مكانهم، وأكدت أهمية طمأنتهم عبر توضيح دوره في المساعدة على نحو يكمّل عملهم ويجعله أسرع وأكثر دقة.

وقالت الخبيرة الإعلامية في نهاية حديثها للمجلة إن الأمر لم يعد ترفا، وشددت على أهمية المبادرة إلى وضع سياسة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وختمت قائلة "كلما تأخرت المؤسسات في ذلك زادت سرعة هزيمتها من ناحيتي التنافس وجودة العمل".

مقالات مشابهة

  • أمازون تراهن على الطاقة النووية لتشغيل ثورة الذكاء الاصطناعي
  • حين يدخل الذكاء الاصطناعي باب المدرسة.. من يبقى في الداخل؟!
  • الذكاء الاصطناعي يدخل جيبك.. خوارزميات تحدد كم يجب أن تدفع؟
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق الاتصال المؤسسي الحكومي
  • تفاصيل هاكاثون الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا المالية
  • دليل رويترز.. 3 خطوات لدمج الذكاء الاصطناعي بغرف الأخبار
  • الذكاء الاصطناعي والتنمية الاقتصادية
  • الذكاء الاصطناعي يكتشف السرطان في عينات دم خلال دقائق
  • حمدان بن محمد يعتمد إطلاق «منصّة تعزيز بنية الذكاء الاصطناعي» ويطلق «برنامج يونيكورن 30»