الجزيرة:
2025-06-23@15:35:29 GMT

الحَسْبَرة.. كيف تخفي أثر الجريمة؟

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

الحَسْبَرة.. كيف تخفي أثر الجريمة؟

لم يكن في سيناء من فدائيين فلسطينيين عندما قال مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، 1956؛ إنّ بلاده اضطرت لاحتلالها لإبعاد الفدائيين عن الحدود، ولإيقاف المجازر التي تُرتكب بحق شعب إسرائيل.

كانت إسرائيل تعمل من أجل فرصة للانقضاض على شبه جزيرة سيناء، وقد أتاح لها العدوان الفرنسي – البريطاني على مصر فرصة لتحقيق ذلك.

وقفت أميركا ضد العدوان، ونفذت إجراءات اقتصادية عقابية بحق بريطانيا، ووبخت إسرائيل.

كان آيزنهاور يستعد لجولة انتخابية جديدة، وكانت الدبابات الروسية تقتحم الأراضي الهنغارية. علل الرئيس الأميركي موقف بلاده بالقول؛ إنّ اللجوء إلى القوة لحل الخلافات السياسية سيضر بالأمن العالمي.

من أجل إدانة الزحف السوفياتي على شرق أوروبا، وحشد العالم ضد ذلك الغزو، كان لا بد من إدانة غزو مثيل ينفذه حلفاء آيزنهاور. راحت إسرائيل تفسّر الجزء الخاص بها من الحرب، فهي لا تغزو وإنما تدافع عن حق شعب إسرائيل في الوجود. تعلمت إسرائيل من تلك الحرب أن عليها أن تلبس ثياب الضحية قبل إطلاق النار، حتى لا تضطر لخوض عمل دعائي شاق دفاعًا عن أفعالها.

في الأسابيع التي سبقت نكسة يونيو/ حزيران، 1967، قرّر عبد الناصر إغلاق مضيق تيران بقوات محدودة بلا غطاء جوي. انطلق الإعلام الإسرائيلي في موّال من البكاء والتفجع حول شعب إسرائيل الذي يتعرض للخنق والتجويع. وعندما طلب الأميركيون تقريرًا يفصّل حجم الضرر الذي سيلحق بإسرائيل جراء إغلاق مضيق تيران رفض قادة تل أبيب الرد، إذ باستثناء النفط القادم من إيران فإن المبادلات التجارية مع العالم كانت تمر عبر الموانئ الأخرى.

عكفت إسرائيل على التحكم في السرديات قبل الأزمات وبعدها. بحلول الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت قد ملأت "يوتيوب" ومنصة "إكس" بإعلانات مؤثرة حول المأساة التي حلّت بأطفالها

التدمير الذي ألحقته القوات الإسرائيلية بالبلدان العربية، بعد ذلك بأيام، حمل مشروعيته الأخلاقية. فلا يوجد جيش في العالم يقف متفرجًا والأعداء يخنقون شعبه ويمنعون عنه الوقود والغذاء.

إن حسبرة (Hasbara)  كلمة عبرية أثيرة وتعني في العبرية الكلاسيكية التوضيح. مع الأيام صارت تشير إلى الدبلوماسية العامة لإسرائيل، وهي لون من البروباغندا المستدامة التي تتحكم بالسردية الطالعة من الشرق الأوسط، وتديرها بما يحقق أمرين في آن واحد: ترك صورة حسنة عن إسرائيل، وأخرى قاتمة عن شعب فلسطين.

داخل نظام الحسبرة تحرص إسرائيل على تقديم نفسها كضحية تتعرض للتهديد، وأن ذلك يحدث بسبب كونها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وبسبب ديانة شعبها. الفلسطيني، وفقًا للحسبرة، هو نظام فاسد في رام الله، جماعات إرهابية في غزة، ومجموعات بشرية متناثرة تلقن أولادها كراهية اليهود.

تدرك إسرائيل أهمية الرأي العام العالمي، وتبذل جهدًا كبيرًا في سبيل صيانة صورتها الخارجية. فهي وإن لم تنجح في أن تصير بلدًا لكل يهود العالم، فقد تحولت إلى كعبة الديانة اليهودية، ولا بد من إبقاء صورتها لامعة وملهمة في نظر العالم.

الاستطلاع الذي أجراه مركز بيو، المتخصص في قياس الرأي، في العام 2019 كشف عن أن 45% من اليهود الأميركيين قد زاروا إسرائيل مرّة واحدة على الأقل في حياتهم، وأن 82 %منهم يرون العناية بإسرائيل وشؤونها مسألة تقع في صلب هويتهم اليهودية. تشمل أنشطة العناية، صيانة صورة إسرائيل، والتدريب على وسائل الحسبرة وتقنياتها.

في العام 2002، تحت إيقاع الانتفاضة الثانية، نشر الاتحاد الدولي للطلبة اليهود "كتاب حسبرة، كيف تدافع عن إسرائيل في الحرم الجامعي؟". يقع الكتاب في 131 صفحة، أخذ نصفه الأول في شرح عدد من المسائل المتعلقة بالاتصال بالعالم كالكتابة، الخطابة والمراسلات. بينما انفرد الجزء الأخير منه بتلقين الطالب اليهودي المعضلة وحلّها، مثل: مسألة اللاجئين، الإرهاب، مفاوضات كامب ديفيد، الاستيطان، وسواها.

في شأن الاستيطان يتوجب على الطالب اليهودي أن يردد هذه الكلمات: لا توجد مشاريع استيطانية جديدة، هناك توسع طبيعي للأسر اليهودية التي تضاعف عدد أفرادها.

وأمام "الادعاء" القائل إن وجود إسرائيل يزعزع أمن الشرق الأوسط، يتعيّن على الطالب اليهودي، في أي مكان في العالم، أن يعالج المسألة بهذه الكلمات: يعاني الشرق الأوسط من اضطراب عميق بسبب الانقسام الديني بين شعوبه، وكنتيجة طبيعية للإرث الاستعماري. فضلًا عن جملة من الأزمات المعقدة، مثل: الحرب العراقية – الإيرانية، الثورة الإسلامية الإيرانية، الاحتلال العراقي للكويت، الصراع الإسلامي- العلماني في مصر، وبفعل الثروة النفطية الهائلة التي يذهب رَيعها للنخب الحاكمة دون شعوبها.

عكفت إسرائيل على التحكم في السرديات قبل الأزمات وبعدها. بحلول الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت قد ملأت "يوتيوب" ومنصة "إكس" بإعلانات مؤثرة حول المأساة التي حلّت بأطفالها.

بعض تلك الإعلانات ينتهي بعبارة: "نعلم أن الأطفال لا يستطيعون قراءة ما هو مكتوب هنا، ولكن الآباء يقدرون. صلوا لأجل الأسر التي فقدت أطفالها في إسرائيل". في واحدة منها تبرز صورة ضبابية لجثة طفل مضرّج بالدماء، مع مناشدة إلى الآباء – الغربيين تحديدًا- بأن يحتضنوا أطفالهم.

استخدمت إسرائيل الطفولة في صناعة الضحية منذ سنوات التأسيس المبكّرة. أثناء الحرب العالمية الثانية، بعد العام 1942، شرعت آنّا فرانك، 13 عامًا آنذاك، في تدوين يومياتها في قبو بمدينة أمستردام. في الوقت نفسه كانت يهودية أخرى تفعل الشيء نفسه من النرويج، وكانت تدعى روث ماير، فرّت إليها من مدينة فرانكفورت.

ما دونته ماير أكثر شمولًا وبلاغة مما فعلته فرانك، إلا أنها كانت شابة في الثانية والعشرين، حين فقدت حياتها في معسكر للنازية، لذا فقد بقيت مذكراتها مهملة حتى العام 2008، وبالكاد لاقت رواجًا.

تبحث الحسبرة عن صور ثرية، غير تقليدية، لتعزيز خطابها، وهو ما توفره أنّا فرانك أكثر مما تقدمه روث ماير. من خلال حكاية أنّا فرانك استطاعت إسرائيل أن تعذب الضمير الأوروبي لما يزيد عن نصف قرن.

تعمل الظاهرة الاستعمارية، بمختلف تشكيلاتها، على الحط من إنسانية السكان الأصليين، كالادعاء بأنهم يحملون جينات مجرمين في حمضهم النووي، كما لاحظ الكاتب النيجيري بيكو أغوزينو. شيطنة السكان الأصليين سهلت من عملية محوهم، فعندما تكون المشكلة في الجينات فإن كل وسيلة إصلاح تغدو عبثًا.

في الأيام الأولى من الحرب على غزة وصف نتنياهو أطفال فلسطين بأبناء الظلام، مقابل أبناء النور في إسرائيل. تذهب إسرائيل إلى كل حرب بعد أن تبني قصة الضحية وتنشرها على نطاق واسع. الضحية لا يُتوقع منها أذى، وهكذا تتجرأ إسرائيل على الحديث حول الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، والديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

صار العالم، بسبب من وفرة المعلومات، أكثر قدرة على الرؤية، وصار بمستطاع الفرد العادي وصل الأزمنة ببعضها وإلقاء نظرة شاملة على ما يجري فيها.

من المثير أن نلاحظ أن خطاب الحسبرة لا يزال يعمل بالطريقة نفسها: الضحية الإسرائيلية المحاطة بالهمجي. تركت إسرائيل خلف ظهرها جملة من التعقيدات التي لا يمكن إخفاؤها عن طريق الحسبرة وحدها، كاللاجئين، الاحتلال، الحصار، الفصل العنصري، وانتهاك القانون الدولي.

مع كل عملية عسكرية تشنها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية يُعاد إنتاج كل هذه القضايا بما يفقد الحسبرة قدرتها على التأثير. لا تجري الحروب في الفراغ، بل في سياق تاريخي مركّب. فقد قالت نتيجة الاستطلاع الذي أجرته منظمة "غلوب سكان"، مقرها كندا، في العام 2013 وشمل 25 دولة في العالم: إن 21% فقط يحملون صورة إيجابية عن إسرائيل.

جاءت هذه النتيجة بعد عام من حرب غزة 2012. في يوليو/تموز 2014 عاودت إسرائيل حربها على غزة، معززة بضجيج الحسبرة العالي عن الجيش الأخلاقي الذي يدافع عن حق اليهود في العيش.

بُعيد انتهاء الحرب أجرت "تشاتام هاوس" استطلاعًا داخل بريطانيا، نشرت نتائجه في العام 2015، لتلاحظ أن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تفوقت على إسرائيل في سوء السمعة.

وفي هذه الحرب استطاعت منظومة الحسبرة أن تضع أكاذيبها على لسان الرئيس الأميركي نفسه، وأن تدفع قادة الدول الديمقراطية إلى ترديد أحط أنواع الأكاذيب، وبرغم كل ذلك فقد ذهبت إسرائيل لأول مرّة إلى محكمة العدل الدولية محاطة باتهام عالي المعقولية بارتكاب جريمة إبادة بشرية.

ليس لإسرائيل سياسة خارجية بل داخلية، كما لاحظ كيسنجر. تستعيض عن السياسة الخارجية من خلال الحسبرة. يقول كتاب حسبرة، المشار إليه أعلاه: إن على الطالب اليهودي أن ينقل النقاش حول السلام كمبدأ إلى السلام كصيرورة، وأن يتجنب الخوض في المآلات. تتطلب الحسبرة صورة صغيرة لتبني عليها كيانًا كبيرًا، وإذا لم تجدها فإنها تخترعها.

فعندما وقف إدوارد سعيد، يوليو/تموز 2000م، بالقرب من الحدود الإسرائيلية- اللبنانية ورمى حجرًا باتجاه الحاجز انطلقت آلة الحسبرة لتفعل فعلها، وكاد بروفيسور الأدب الإنجليزي يخسر مكانه في جامعة كولومبيا.

الحجر الذي ألقاه سعيد، في سباق مع ابنته، صار دليلًا إضافيًا على همجية الفلسطيني وإن كان أستاذًا للأدب الإنجليزي. تحت وقع سياط الحسبرة عاتب سعيد أصدقاءه العرب، قال؛ إنه كان يود لو استطاع مجاملتهم بطريقة أخرى غير تلك، كما يروي شكيب كاظم في القدس العربي.

تستطيع آلة الحسبرة خلق حقائق بديلة، أولى ضحايا تلك الآلة الشعب الإسرائيلي نفسه. في كتابهما "النكبة بالعبرية"، الصادر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، يتحدث الزوجان إيتان وإليونور برونشتاين عن الحسبرة داخل منظومة التعليم المدرسي، إذ يبدو العربي الفلسطيني بربريًّا يعمل بلا كلل من أجل اجتثاث إسرائيل.

يتعلم التلاميذ أنه ما من مساحة للالتقاء مع الفلسطيني، إما إسرائيل من البحر إلى النهر أو فلسطين. يعمل الجيش – يقول المؤلفان- في خدمة تلك السردية، ومن وقت إلى آخر يقتحم جنرالاته المدارس ويتحدثون إلى التلاميذ على نحو مباشر.

في الحرب الراهنة تعمل آلة الحسبرة داخليًا ببراعة بعد أن خسرت أثرها الخارجي، ولا يزال شعب إسرائيل بأغلبية ملاحظة يؤيد المزيد من الحرب على غزة، ويشعر بالخوف.

ليست الحرب هي سبب الخوف الإسرائيلي المستدام، بل آلة الحسبرة التي تضع الإسرائيلي على صفيح ساخن، تعيده إلى تاريخه حيث نام طويلًا على حقائبه المعبأة، متأهبًا للرحيل على الدوام. فقد قالت دراسة أجراها مركز الكنيست للبحث والمعلومات، 2019: إن قرابة نصف الإسرائيليين في الشمال والجنوب لا يشعرون بالأمن، وأن ثلثهم يفكرون بالرحيل إلى مناطق أكثر أمنًا.

تتذكر إليونور برونشتاين في "النكبة بالعبرية" اللحظة التي اكتشفت فيها، وهي فرنسية الأصل، يهوديتها. كانت تلعب في طفولتها مع ابنة خالتها، ووجدت نفسها تقول: "إذا عاد النازيون فإنك ستكونين على رأس القائمة عندهم، لأنك يهودية"، لترد عليها: "أنت أيضًا يهودية، وسيأخذونك كذلك". تصاب بالخوف فجأة، فذلك معنى أن يكون المرء يهوديًا.

الحسبرة التي لا تكف عن القول؛ إن خطرًا وجوديًا يحيط بإسرائيل تعجز عن غش العالم كل الوقت، ولكنها تنجح داخليًّا، تخلق المواطن الخائف، والحقائب المعبأة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات شعب إسرائیل إسرائیل على إسرائیل فی فی العالم فی العام التی ت

إقرأ أيضاً:

بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟

هل ما تحقق كان نصرًا استراتيجيًا يعيد رسم قواعد اللعبة؟ أم مجرد إنجاز آني قد تتجاوزه المواجهة المقبلة؟ اعلان

منذ اللحظة الأولى لانطلاق الهجوم الإسرائيلي المباغت على أهداف داخل العمق الإيراني، بدا أن تل أبيب تسعى لتغيير قواعد الاشتباك في الصراع مع طهران، مستندة إلى دعم سياسي وعسكري ضمني من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية. ومع اتساع رقعة الضربات وتطورها لاحقًا إلى تدخل أميركي مباشر استهدف منشآت نووية بالغة التحصين، أثير تساؤل جوهري في الأوساط السياسية والعسكرية: هل حققت إسرائيل نصرًا حقيقيًا؟ وإن كان كذلك، فهل هو نصر آني تكتيكي أم تحول استراتيجي في المواجهة الطويلة مع إيران؟

الهجوم الإسرائيلي

بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل إيران بضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة، فضلًا عن مواقع لصناعة وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة. وتميزت هذه الضربات بسرعتها واعتمادها على معلومات استخباراتية عالية الدقة، مما أربك الدفاعات الإيرانية وشكّل صدمة أولى للنظام في طهران.

الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: لم تعد الجغرافيا تحمي الجمهورية الإسلامية من الضربات، والمواجهة لم تعد مقتصرة على ساحات الوكلاء، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق. ومع ذلك، فإن هذه الضربات لم تسفر بعد عن انهيار عسكري أو أمني داخل إيران.

يتصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في متحف إسرائيل بالقدس، 23 مايو/أيار 2017. AP Photoالتدخل الأميركي

التحول الأكبر جاء عندما تدخلت الولايات المتحدة بضربات نوعية استهدفت منشآت نووية رئيسية في فوردو وأصفهان ونطنز، مستخدمة طائرات B-2 الشبحية وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57. هذه الضربات شكّلت ذروة التصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب تقرير قدمه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أمام مجلس الأمن، فإن الأضرار التي لحقت بهذه المنشآت كانت كبيرة، إلا أن الوكالة لم تتمكن من تقييم مدى الدمار داخل المرافق تحت الأرض.

Related"تخطى دوره الرقابي وساهم بإشعال الحرب".. غروسي في دائرة الاتهامات الإيرانيةضربة واشنطن النوعية: هل نجحت "مطرقة منتصف الليل" في شل البرنامج النووي الإيراني؟كم عدد القنابل والصواريخ التي استخدمتها واشنطن في هجماتها ضد إيران؟إيران: لا تراجع

رغم الضربات القاسية، لم تُبدِ إيران مؤشرات على التراجع، بل كثّفت من خطابها التعبوي وهددت بالرد على الولايات المتحدة الأميركية، فيما واصلت قصفها لإسرائيل.

تقييم المكاسب: آنية أم استراتيجية؟

استطاعت إسرائيل، بلا شك، تسجيل نقاط مهمة في المدى القصير، سواء عبر إظهار قدرتها على اختراق العمق الإيراني، أو من خلال توجيه ضربات مباشرة. كما نجحت في إعادة تسليط الضوء الدولي على البرنامج النووي الإيراني، وحشد دعم ضمني لاحتواء طموحات طهران.

لكن في المقابل، لم تنجح الضربات حتى الآن في تغيير المسار الاستراتيجي للسياسة الإيرانية، إذ لم تُجبر طهران الى الآن على العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة. بل يبدو أن الصراع دخل مرحلة أخرى من التوترات المستمرة والضربات المتبادلة التي قد تطول.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت قد أطلق أمس تصريحات غاية في الأهمية. إذ رأى أن الغارات الأمريكية تحيّد البرنامج النووي الإيراني محذرا من تداعيات أكبر حجما. حيث قال إنه النظام لن ينهار رغم قوة الضربات ودعا للأخذ في عين الاعتبار ترسانة طهران الصاروخية. وقد أخذ أولمرت مسافة من التهليل الإسرائيلي بما جرى. فقال من الغطرسة ومن غير الواقعي اعتبار أن الغارات الاستباقية ستركّع دولة تعداد سكانها 90 مليونا وذات تراث عمره آلاف السنين.

وبناء على ما تقدم، يرى مراقبون أن ما حققته إسرائيل حتى الآن يمكن وصفه بنصر آني محدود التأثير من الناحية الاستراتيجية. فقد وجهت ضربة قوية للهيبة الإيرانية، لكنها لم تُنهِ المشروع النووي، بحسب ما صرّح به مسؤولون إيرانيون. ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، ارتفعت الكلفة، لكن أيضاً ارتفعت معها المخاطر. فهل ستتمكن إسرائيل من ترجمة هذا التقدم التكتيكي إلى تغيير دائم في المعادلة الإقليمية، أم أنها فتحت أبواب صراع طويل قد يتجاوز قدرتها على التحكم بمساره؟

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • زرداري: كانت لدينا بضع ثوان فقط لنقرر ما إذا كان الصاروخ الذي نشرته الهند نوويا
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟
  • كأس العالم للأندية.. مدافع دورتموند: مباراة صن داونز كانت مثيرة
  • الوَلَد !! لَمَسَ الأسد !!
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • إذا كانت الملابس لا تناسب جسمك.. انتبه لهذه الأعراض الخطيرة التي تظهر دون ألم وراجع الطبيب فوراً
  • «باحث»: إسرائيل كانت تستهدف إسقاط النظام الإيراني باغتيالات وضربات جوية منسقة
  • هل كانت ابتكارات كأس العالم للأندية جيدة أم سيئة؟
  • شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)