كيف يبدو اليمن في الذكرى العاشرة لعاصفة الحزم؟ (تحليل)
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
عشر سنوات مرت على إعلان المملكة العربية السعودية عملياتها العسكرية في اليمن، والمعروفة بعاصفة الحزم، والتي انطلقت في الـ26 من مارس 2015م، بتحالف يتكون من عدة دول عربية وإسلامية، ودعم دولي، بغرض نصرة الشرعية اليمنية، والتصدي للانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي، وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
إن مقارنة سريعة بين الظروف والأوضاع التي انطلقت فيها عاصفة الحزم، والوضع الذي يعيشه اليمن اليوم يبدو صادما للمتابع لسير الأحداث، والمصير الذي آلت إليه اليوم، فالمشهد يبدو متغير، ودخل اليمن واقع جديد، مختلف كليا، بل وتشكلت فيه خارطة جديدة، للقوى الفاعلة، واتجاهات المعارك، والوجوه المتحكمة بالوضع العام، بل وأولويات الدول التي انخرطت في هذه العملية العسكرية.
انطلقت الحرب السعودية عبر التحالف العسكري بغرض نصرة وإعادة الشرعية اليمنية التي مثلها حينذاك الرئيس عبدربه منصور هادي، وكانت واضحة في مهمتها، في وأد الانقلاب، ومنع ذهاب اليمن نحو إيران، الخصم التقليدي للرياض، والتي جعلت من الحرب واجهة لها في التدخل باليمن.
لكن تطورات الأحداث خلال العشر سنوات اتجهت نحو دروب أخرى، وأصبحت الحرب الأطول التي يشهدها اليمن في العصر الحديث، وكانت مليئة بالمحطات والتفاصيل، ونقلت اليمن من وضع إلى وضع آخر، مختلف عن تلك الآمال والتطلعات التي كان اليمنيون يأملون تحقيقها.
أخفقت الحرب في التصدي لجماعة الحوثي وانقلابها، بل استفادت الجماعة من هذه الحرب في تمتين جذورها وحضورها وانتشارها داخل اليمن، وتحولت لتصبح دولة قائمة، خاصة بعد مقتل حليفها علي عبدالله صالح على يدها في ديسمبر 2017م، وانتقلت من خانة الدفاع إلى الهجوم، ونمت قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ، وبات هذا واضحا مع هجماتها في البحرين الأحمر والعربي، على خلفية الأحداث في غزة، والهجوم الإسرائيلي عليها.
وبدلا من تقديم نموذج جيد في المناطق التي ظلت بعيدة عن جماعة الحوثي، شهدت تلك المدن خاصة عدن وضعا آخر مليء بالمواجهات الدامية، التي نشطت بشكل كبير، وبتمويل إماراتي، وتوجت بتشكيل ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ناهض الشرعية اليمنية منذ اليوم الأول لإعلانه، وأحدث انقساما لايزال يلقي بتداعياته على المشهد في اليمن.
وأدى التدخل السعودي العسكري في اليمن لتعزيز التواجد الأجنبي بمختلف مظاهره في عدة مدن، كالمهرة وسقطرى وحضرموت وعدن، ناهيك عن تحكم السعودية والإمارات بالقرار اليمني، بما يخدم أجندتهما، ويعزز من نفوذهما وحضورهما في اليمن.
ونجم عن هذا الوضع انقسام مؤسسات الدولة لشطرين، أحدهما في صنعاء، والآخر في عدن، بما في ذلك المؤسسات الإيرادية، والبنك المركزي، والاتصالات، والجيش والأمن، وموازنة الدولة، والعملة المحلية، وكثير من الهيئات الحكومية، وهو ما كان له الأثر الكبير في الخسائر المتتالية، والتداعيات الباهظة اقتصاديا وسياسيا، وألقى بظلاله على حياة السكان في اليمن.
انتهجت الرياض نهجا متشددا في بداية عملياتها العسكرية، ولذلك ألقت بثقلها في الحرب، ولكنها تدريجيا بدأت في الجنوح نحو أهداف أخرى، بما يعرف بانحراف المسار، فتوقفت الجبهات القتالية، وتراجعت أخرى، وسادت الخلافات في الصف المؤيد للرياض، وظهرت أجندة جديدة، لعل أبرزها ارتفاع الصوت المطالب في انفصال اليمن، ثم انتقل الخلل ليطال رأس الشرعية، والتي انقلبت عليها الرياض، وأطاحت بالرئيس هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، وشكلت مجلسا رئاسيا جديدا من ثمانية أعضاء، لتضاعف بذلك حالة الاحتقان والانقسام في اليمن، أكثر من أي وقت مضى.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن النزيف طال قيادات كثيرة في الجيش التابع للشرعية، تعرضت خلال فترات متفاوتة للاغتيال، والإقصاء، والاستهداف، ومثلها قيادات في السلك المدني والدبلوماسي، كانت هي الأخرى عرضة للإزاحة والاستبدال، لصالح تصعيد شخصيات جديدة، تعمل وفق أجندة السعودية والرياض.
لذلك تدخل الذكرى العاشرة لعاصفة الحزم، في ظل وجوه مغايرة تقود المشهد السياسي في الجانب الموالي للرياض، بعدما جرى التخلص من القيادات الرئيسية التي باركت عمليات الرياض العسكرية، وعملت معها لسنوات في الحرب التي شنتها على اليمن.
ويبدو المشهد في اليمن اليوم أكثر سوداوية، إذ أن التمزق الجغرافي والسياسي والعسكري هو السائد، وتتواجد قوات عسكرية وتشكيلات أمنية متعددة، في عدة محافظات، وتتبع عدة قيادات، وأخفق مجلس القيادة الرئاسي في توحيدها ودمجها، وظل هو الآخر محافظا على نوع من البقاء الشكلي، بفضل الدعم السعودي الذي تلتقي عنده مكونات المجلس، ويحول دون الصراع المباشر بين أطرافه.
ووفقا للمعطيات اليوم تذهب السعودية إلى خيار السلام مع جماعة الحوثي، وهي انتكاسة كبيرة لحربها العسكرية، وتغير واضح في موازين القوى، بل وتعد بمثابة هزيمة مبكرة لها، والفارق اليوم واضحا بين الأهداف التي أعلنتها الرياض في بداية الأمر، وعملت على تحقيقها، وبين الواقع الذي آلت إليه الأوضاع، بفعل السياسية السعودية نفسها، والخيارات والقرارات التي اتخذتها، والتي انعكست على تطورات الأوضاع في اليمن، لتؤول إلى هذه النتائج.
ولا يختلف المشهد الإنساني في اليمن الناجم عن هذه السنوات من حيث التدهور الذي أصابه، وتصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم، إذ بات أغلب اليمنيون يعانون من الجوع، ويعتمدون على المساعدات، ويفتقرون للخدمات اللازمة، في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وتدهور العملة المحلية، وتوقف المرتبات.
أما في الجانب الاقتصادي فالنزيف لم يتوقف لرأس المال المحلي، وهروبه نحو دول أخرى، وكذلك تعرضه للابتزاز في الداخل، والجبايات المتكررة، والصعوبات التي تقف أمامه، وأثقلت كاهله، وأوصلته إلى حالة من التدمير، لصالح بروز طبقة جديدة مستفيدة من الحرب.
وثمة تداعيات أخرى غير منظورة للحرب التي فجرتها الرياض في اليمن، لكنها تشكل على المدى البعيد أزمات حقيقة، من شأنها أن تصبح بمثابة بذور صراع جديد في اليمن خلال المستقبل، ومن ذلك الاستهداف الممنهج للهوية اليمنية، من خلال شكلين الأول، طائفي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، والآخر مناطقي في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي، وجميعها تتغذى من الحرب، التي وفرت لها بيئة خصبة للنمو والتوسع والانتشار.
ولعل من مظاهر الإخفاق طوال هذه السنوات التغييرات المستمرة في رئاسة الحكومة، وأعضائها، وكذلك محافظي المحافظات، وقيادات الجيش، والتي تعكس حالة عدم الاستقرار، وتحدث من وقت لآخر بسبب تطورات جديدة، واحتدام المشهد السياسي والعسكري.
إن رحلة محلية عابرة داخل المدن اليمنية اليوم تحكي كثير من التفاصيل، عن الوضع والمستوى الذي آل إليه وضع اليمن اليوم، بعد عشر سنوات من الحرب السعودية في اليمن، إذ تبدو أوصال البلاد مقطعة، وطرقاتها مغلقة، وتتحكم فيها المليشيا شمالا وجنوبا، وتتضاعف فيها المعاناة، وتتجسد فيها أوجاع اليمنيين، في مشهد لم يشهده اليمن في أسوأ أوضاعه طوال عقود ماضية.
لقد أخفقت عشر سنوات من التدخل الخارجي المباشر للرياض في تحقيق النصر العسكري داخل اليمن، وكذلك في إرساء دعائم السلام، رغم المحطات الكثيرة لتقريب وجهات النظر بين المكونات اليمنية تارة، وبين السعودية والحوثيين تارة أخرى، وأصبح الوضع يتأرجح بين حالة اللاحرب واللاسلم، وعدم الغلبة لأي طرف.
اليوم بات اليمن يحضر كدولة متلاشية، ويصارع العديد من التحديات، ويعاني تهديدات وتعقيدات متداخلة ومتشابكة، وانتقل الحوثي كطرف في المعركة إلى مربع يفرض فيه شروطه اليوم، بدلا من القضاء عليه، فيما تهيمن جماعات متعددة على الأرض، وتنمو أجندة جديدة، بعيدا عن جذر المشكلة التي تولدت قبل عشر سنوات.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن عاصفة الحزم السعودية جماعة الحوثي التحالف العربي جماعة الحوثی عشر سنوات فی الیمن من الحرب
إقرأ أيضاً:
أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:24 صبقلم: فاروق يوسف تخلى حزب العمال الكردستاني عن خيار الكفاح المسلح معلنا نزع سلاحه. فهل يعني ذلك اعترافا بالهزيمة؟كان عبدالله أوجلان زعيم الحزب واضحا في كلامه. الاستمرار في ذلك الخيار يعني المشي في طريق مسدودة.لقد سبق للزعيم الكردي الذي تم اعتقاله عام 1999 في سياق صفقة سياسية مبتذلة على المستوى الأخلاقي أن دعا غير مرة من سجنه إلى طي صفحة الحرب.كان من الصعب على الحزب الذي تأسس عام 1984 أن يطوي تلك الصفحة التي انطلق منها من غير أن تتغير المعادلات السياسية في تركيا. تلك المعادلات المتحجرة التي كانت قائمة على عدم الاعتراف بوجود الأكراد جزءا من التركيبة الوطنية في تركيا.
لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة قاوم الأكراد تحجّر العقل السياسي التركي بطريقة تعبّر عن معرفة عميقة بتعثر إمكانية الحوار تحت مظلة وطنية جامعة. فبغض النظر عن نوع النظام الحاكم في أنقرة، دينيا كان أم مدنيا فإن الاعتراف بحقوق الأكراد القومية كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى أن تركيا لم تكن تعترف بوجود الأكراد قومية مستقلة وكانت تسمّيهم بأتراك الجبل.
وعلى الرغم من أن الحرب على الساحة الكردية قد كلفت تركيا خسائر بشرية ومادية هائلة فإن دولة أتاتورك كانت مستعدة لخرق القانون الدولي واحتلال أجزاء من سوريا والعراق من أجل مطاردة المتمردين الأكراد.كان خيار السلم على الأراضي التركية التي يقيم فيها الأكراد مُستبعدا حتى بعد اعتقال أوجلان. ذلك لأن حزب العمال وقد وجد له حاضنة في شمال العراق كان يأبى أن ينضم إلى زعيمه في معتقله ويستسلم. وإذا ما كان حزب العمال قد استفاد من الاستقلال النسبي للإقليم الكردي في شمال العراق فإنه استفاد أيضا من الظرف الإقليمي المضطرب بحيث كانت تركيا حائرة في أن تحارب على أيّ جبهة، في سوريا أم في العراق أم في الداخل التركي.ولا يخفى على تركيا وهي الضليعة بمؤامرات الناتو التي هي جزء منه ما تخطط له الولايات المتحدة وهي تعمل على تأثيث وجودها في المنطقة بأسلوب استعماري جديد. كل تفكير بتركيا قوية يبدو ساذجا في ظل استضعافها محليا من خلال المسألة الكردية. ولأن تركيا بدت عاجزة عن حل مشكلة محلية فقد بات الحل الدولي قريبا. فعلى الرغم من أن تركيا كانت حاضرة في المعالجة الدولية للمسألة السورية فإن ذلك لم يضمن لها انحياز الجانب الأميركي.يملك الأكراد اليوم تمثيلا قويا في الحياة السياسية التركية. ذلك ما يعني أن تركيا قد تغيّرت. ولأن تركيا قد تغيّرت فقد آن للأكراد أن يتغيّروا.من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية من المؤكد أن أكراد حزب العمال لم يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح إلا بعد أن ضمنوا أن هناك حياة وطنية عادلة في انتظارهم.
من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية. وكما يبدو فإن تركيا تغيرت عبر الزمن. لذلك صار على الأكراد أن يتغيّروا ويغيّروا نهجهم وطريقتهم في التلويح بمطالبهم. والأهم من ذلك أن مبدأ الكفاح المسلح لم يعد مقنعا للكثير منهم، أولئك الذين انخرطوا في الحياة السياسية التركية من خلال الأحزاب التي صار لها صوت في الشارع. كان عبدالله أوجلان حكيما ورجلا مسؤولا حين صارح شعبه بأهمية الاستجابة لتلك التغيّرات والتفاعل معها بطريقة إيجابية. فالمهم بالنسبة إليه وإلى شعبه أن يكون الهدف الذي اختاروا من أجله اللجوء إلى الكفاح المسلح قد تحقق أو في طريقه إلى أن يكون واقعا وليس الكفاح المسلح هدفا في حد ذاته. هنا تكمن واحدة من أهم صفات الزعيم العاقل. ليس من المعلوم حتى الآن ما هي الصفقة التي تخلّى حزب العمال بموجبها عن سلاحه منهيا الحرب التي أضرّت بالأكراد مثلما أضرّت بتركيا.لكن اللافت هنا أن رجلا لا يزال قيد الاعتقال منذ أكثر من ربع قرن كان قادرا على أن يقول كلمة النهاية. وهو ما يعني أن الطرفين، الكردي والتركي، يثقان بذلك الرجل الذي وهب شعبه الجزء الأكبر من عمره.لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة.