غزة بين عقيدة بايدن وخطة نتنياهو
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
سرايا - بعيدًا عن تداعيات قرار مجلس الأمن الذي صدر أخيرًا، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، والشرخ الذي أظهره في العلاقة بين الإدارة الأميركية، وحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، يحسن بنا أن نعود خطوتَين إلى الوراء لمحاولة فهم طبيعة ذلك الخلاف.
في مطلع فبراير/شباط الماضي، أفصح الكاتب اليهودي الأميركي توماس فريدمان وهو وثيق الصلة بالرئيس جو بايدن وبالحزب الديمقراطي عما أسماه "عقيدة بايدن" (Biden Doctrine)، وقرب نهاية الشهر ذاته، صدر عن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ما سُمّي "رؤيته أو خطته لما بعد الحرب".
ذكر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، قبل أسابيع، أن نجاحه في إحراز اختراق في ملف السلام المصري الإسرائيلي يرجع للضغوط الشديدة التي مارسها على إسرائيل، حيث كان الرئيس الوحيد الذي لم يكن لـ"إيباك" فضل في انتخابه
ترتكز عقيدة بايدن على ثلاث نقاط:
احتواء إيران عبر تقليص نفوذها في المنطقة، من خلال سياسة مواجهة عسكرية شاملة مع وكلائها المعادين بطبيعتهم للكيان الصهيوني، والمقصود هنا حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن.
مبادرة للاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، في الضفة الغربية وقطاع غزة، عقب قيام مؤسسات فلسطينية ذات مصداقية وقدرات أمنية بإدارة المشهد، بحيث تكون تلك الدولة قابلة للحياة ولا تهدد أمن إسرائيل بأي شكل.
تأسيس تحالف أمني واسع النطاق بين الفلسطينيين وإسرائيل والولايات المتحدة والسعودية، بما في ذلك تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
أما رؤية نتنياهو فقد ضمنها وثيقة من صفحة وربع الصفحة، عنوانها: "اليوم التالي ما بعد حماس مبادئ"، عرضها على مجلس الوزراء المصغر، وقد تضمنت البنود التالية:
تدمير حماس والجهاد الإسلامي، ما يعني بقاء الجيش في غزة؛ لنزع سلاح القطاع. تعيين "مسؤولين محليين" ذوي خبرات إدارية وغير مرتبطين بأي (كيانات إرهابية) لإدارة الخدمات في القطاع. تولي إسرائيل السيطرة بشكل أكبر على الحدود الجنوبية لغزة، بالتعاون مع مصر "قدر الإمكان"، وإقامة مناطق عازلة على الحدود؛ لمنع التهريب، وضمان عدم وقوع مزيد من الهجمات. حل واستبدال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "أونروا" في غزة والضفة الغربية. عدم السماح ببدء إعادة إعمار غزة إلا بعد نزع السلاح منها، وبدء "عملية مكافحة التطرف". وأن يتم تمويل وقيادة خطة إعادة الإعمار من قبل دول مقبولة لدى إسرائيل. تعزيز خطة لـ"مكافحة التطرف" في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والرعاية الاجتماعية في غزة. وسيتم ذلك بمشاركة ومساعدة الدول العربية ذات الخبرة في هذا المجال.
الاعتراف بقيام دولة فلسطينية بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من شأنه أن "يمنع أي تسوية سلمية في المستقبل". وعدم القيام بهذا الاعتراف يسحب ورقة فلسطين من يد إيران.
هكذا يتبين أن هناك غموضًا كبيرًا في عقيدة بايدن، ووضوحًا نسبيًا في رؤية نتنياهو، رغم ما يمكن أن يرى من استحالة تحقيق هذه الرؤية أو تلك.
فحديث الرئيس الأميركي عن الدولة الفلسطينية لا يعدو أن يكون دعائيًا، وقد اعتاد الرؤساء من الحزبين: الديمقراطي والجمهوري على ترديده دون اتخاذ خطوات حقيقية على الأرض.
يعارض اليمين الصهيوني العلماني أو التوراتي في إسرائيل هذا الأمر بشكل حاسم، ومع ذلك فهذه الخطوة بحكم الأمر الواقع مؤجلة على أحسن تقدير لما بعد نهاية العام 2024؛ لأنه ليس في استطاعة أي مرشح رئاسي أن يعِد بها في عام الانتخابات؛ خشية الخسارة عندما تقوم الإيباك AIPAC (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) بحشد الأصوات ضده.
وقد ذكر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، قبل أسابيع، أن نجاحه في إحراز اختراق في ملف السلام المصري الإسرائيلي يرجع للضغوط الشديدة التي مارسها على إسرائيل، حيث كان الرئيس الوحيد الذي لم يكن لـ"إيباك" فضل في انتخابه.
الدولة الفلسطينية التي رفضها نتنياهو جملةً وتفصيلًا، لم يشأ بايدن الخوض في تفاصيلها، فلا حديث عن حدودها، ولا عن عودة اللاجئين، ولا عن وضع القدس، ولا عن الموارد والمياه وسبل الحياة بين الضفة وقطاع غزة. فهو يعلم أن هذا الطريق تواجهه فيه أشواك وعقبات كثيرة، ولا سيما أنه لا يملك وسيلة لإقناع الكونغرس بممارسة ضغوط على حليفه الصهيوني، كما فعل كارتر.
وفي ضوء المعطيات المتاحة، فإن الفرص غير متاحة إلا لإقامة دولة شكلية خالية من المضمون، أي دولة تابعة بشكل كامل للكيان الصهيوني، وتحمل بذور فنائها.
وعلى عكس نتنياهو بدا أن بايدن عمد أيضًا إلى إضفاء حالة من السيولة وعدم التحديد بشأن مرحلة ما بعد الحرب في غزة، وهو أمر مفهوم؛ لأنه لا يريد أن يفقد شكله كوسيط، على عكس رئيس الوزراء الإسرائيلي المعروف بتطرفه، ناهيك عن أن القضية تتصل بحدوده وأمنه وبصورته الشخصية.
من المهم هنا الإشارة إلى أن وثيقة نتنياهو تبدو حالمة، وهي تتحدث عن إيجاد كيانات من وجهاء غزة قادرة على إدارة شؤون القطاع، رغمًا عن المقاومة بشكلها المنظم أو غير المنظم، فاليقين أن هؤلاء سيكونون في مرمى الاتهام بالخيانة والعمالة، وقد أتوا إلى السلطة على دبابة صهيونية.
الشيء الوحيد الواضح في "عقيدة بايدن" أنه يريد لإسرائيل أن تأخذ وقتها لتنظيف غزة، حتى يتمكن من تكريس رؤيته بعد إعلان فوزه، إن كان سيفوز، وهو ما كشفت عنه مواقفه المتراخية والمتلاعبة بشأن وقف إطلاق النار، وصمته الكامل عن جرائم الإبادة التي ترتكب بالسلاح الأميركي.
أما إيران، فقد أشارت إليها "عقيدة بايدن" بوضوح، وتجاهلتها تقريبًا وثيقة نتنياهو. وتكشف رؤية بايدن عن مغازلة للكيان الصهيوني، بتأكيد التزام إدارته بأمن إسرائيل، في مواجهة الأعداء المحيطين في دول الممانعة، وذلك بتوجيه ضربات موجعة لكل من يدعمهم الحرس الثوري الإيراني في الإقليم. لكنه رغم ذلك، تجنب الإشارة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وهو عكس ما كانت إسرائيل تطمح إليه منذ سنوات، لوأد البرنامج النووي الإيراني.
والواضح أن واشنطن لا تريد أن تنزلق إلى حرب مباشرة مع إيران، في وقت ترتبك فيه سياستها تجاه روسيا في الملف الأوكراني، وتخوض مواجهة شرسة مع الصين. وتقديرها أن المواجهة المباشرة مع إيران، ستفاقم المخاطر الأمنية، وتؤدي إلى حالة عدم استقرار إقليمي ودولي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفي ضوء ذلك تختار أميركا الصمت عن عمليات الموساد المتكررة والموجعة داخل إيران، وعن الضربات لأذرعها في سوريا ولبنان.
وأخيرًا، تأتي المكافأة الكبرى لإسرائيل، وهي استكمال عملية التطبيع، وهنا يشير بايدن بوضوح إلى المملكة العربية السعودية ومشروع التطبيع معها الذي توقف بعد "طوفان الأقصى"، فيؤكد أن التعاون بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة والفلسطينيين كفيل باستتباب السلام، وتمرير كل ما سيتم التغاضي عنه من قضايا الوضع النهائي في الأراضي المحتلة: (اللاجئين القدس- المياه).
وفي توضيحه لعقيدة بايدن، يلمح فريدمان إلى أن المكاسب الاقتصادية ستنجح في إسكات جميع الأطراف، لا سيما الفلسطينيين المرشحين للحصول على كيان بلا هوية أو سيادة، وهو عندما يلمح إلى أنه سيكون هناك نموذج واحد "للرخاء"، فإنه يشير إلى الممر الاقتصادي الذي تم إقراره في قمة العشرين في نيودلهي (10-11 سبتمبر/أيلول 2023).
ويعتبر أيضًا أن الخير سيطال السعودية في شكل اتفاق دفاع إستراتيجي، ومفاعل نووي للأغراض المدنية، وأسراب من طائرات "F-35".
أما وثيقة نتنياهو فلم تشر إلى ملف التطبيع، لكنها ألمحت إلى ضرورة التعاون مع البلدان العربية، وذكرت مصر التي تتوقع تعاونها في إطباق الحصار على غزة، وأشارت إلى دول عربية أخرى لم تسمّها عندما تحدثت عن إسناد إعمار غزة إلى "دول مقبولة"، وكذلك عندما تحدثت عن مكافحة التطرف في غزة بالتعاون مع شركاء عرب، وقد بدا أن التلميح هنا ينصرف إلى السعودية والإمارات.
شيء واحد يجمع بين الرؤيتين، وهما أنهما تسعيان أن تحققا عبر السياسة والتفاوض ما فشلتا في أن تحققاه في الميدان بعد شهور من دكّ البيوت وقتل المدنيين والنساء والأطفال.
وإزاء ذلك، يبدو الصمود هو الحل الوحيد؛ لإفشال تلك المخططات، ولا سيما أن صاحبَيها يتنافسان في الضعف، فبايدن الذي بدأ حكمه بخروج مذلّ من أفغانستان يوشك أن ينهيه بهزيمة انتخابية مذلة، ونتنياهو يترقب مع نهاية الحرب تحقيقًا قد يقوده إلى السجن.
وعلى الدول العربية، جماعةً أو فرادى، ألا تقف صامتة ومقدراتها عرضة لاغتصاب جديد، وإذا كان السلام للعرب خيار إستراتيجي، فإن ما سعت "طوفان الأقصى" إليه هو جعل ذلك السلام كريمًا وعادلًا.
إقرأ أيضاً : الدفاع السورية: مقتل مدنيين وعسكريين في ضربات إسرائيلية على حلبإقرأ أيضاً : عسكري "إسرائيلي" يحذر: نحن ننهار .. ونحتاج إلى 10 آلاف جندي فوراإقرأ أيضاً : الاحتلال يستهدف منازل بمحيط مجمع الشفاء بقصف عنيف
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: عقیدة بایدن ما بعد فی غزة
إقرأ أيضاً:
نصر عسكري وهزيمة سياسية.. نتنياهو ونهاية حرب غزة بمعايير إسرائيل
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق بين إسرائيل وحماس موجة من ردود الفعل المتضاربة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. إذ انقسم اليمين الصهيوني على نفسه بين مؤيد للاتفاق ومعارض له، في حين اندفع معارضو الائتلاف إلى إعلان تأييدهم غير المشروط للاتفاق.
وبدا واضحا من طبيعة ردود الفعل السياسية أن هناك من يؤيد الاتفاق انطلاقا من واقع أنه يعني نهاية الرؤية اليمينية المسيحانية بعد اصطدامها بالواقع مقابل من يعارضون الاتفاق أيضا رفضا لهذا المنطلق. وربما لهذا السبب نظر جميع أطراف الحلبة السياسية الإسرائيلية إلى الاتفاق على أنه لحظة تاريخية تؤسس لتوجه مغاير لما كان عليه الوضع قبل الاتفاق.
والأمر لا يتصل فقط بطبيعة الحرب والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بعد أكثر من عامين على الأسر، وإنما كذلك بما يمكن أن يقود إليه الاتفاق من تغيير شامل في الرؤية السياسية. إذ ليس صدفة أنه تعاظمت مع تطور الحرب وامتدادها الزمني أفكار حاولت التعويض على صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول بتعزيز الاندفاع ليس فقط نحو ضم المزيد من أراضي الضفة والقطاع وتهجير سكانها، وإنما كذلك عرض تأييد فكرة أرض إسرائيل الكبرى من جانب رئيس الحكومة، المطلوب للجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو.
وكان نتنياهو وشركاؤه في اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وإسرائيل كاتس، قد طوروا مفهوم الحرب الدائمة مما جعل كل فرص التوصل لاتفاق تتحطم على صخرة رفضهم. ولذلك، وبصرف النظر عن توفر أسباب كثيرة لاندفاع إدارة ترامب التي قدمت دعما غير محدود للحكومة اليمينية في حربها، اضطر رئيسها للإعلان عن أنه بخطته لإنهاء الحرب ينقذ إسرائيل من غضب العالم.
العجرفةوإذا كان لكلام ترامب من معنى، فإنه شخصيا بما نشر من تسجيلات لمكالمته الحاسمة مع نتنياهو كان يقصد أن إسرائيل ليس بوسعها الاستمرار في مواجهة العالم الذي سئم سلوكها المتعجرف. وفي مقابلة مع "فوكس نيوز" بعد إعلان الاتفاق، أشار ترامب إلى محادثة أجراها مع نتنياهو: "أخبرته أن إسرائيل لا تستطيع محاربة العالم أجمع. لقد توحد العالم أجمع".
إعلانوبكلمات أخرى قال إنه، رغم تأييده لإسرائيل لا يستطيع مواصلة الدفاع عنها في مواجهة العالم بأسره. وهذا ما ينسجم إلى حد كبير مع ما يحاول عدد من المعلقين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين تأكيده في مقالاتهم وتصريحاتهم التي ترى أن إسرائيل قد تكون حققت إنجازات عسكرية مرموقة لكنها منيت بهزيمة سياسية واضحة.
عموما وبعد إعلان ترامب عن الاتفاق سارع نتنياهو لإعلان أن "هذا يوم عظيم لإسرائيل. سأعقد اجتماعا للحكومة غدا للموافقة على الاتفاق وإعادة جميع رهائننا الأعزاء إلى ديارهم. أشكر جنود الجيش الإسرائيلي الأبطال وجميع قوات الأمن الذين أوصلونا إلى هذا اليوم بشجاعتهم وتضحياتهم. أشكر الرئيس ترامب وفريقه من أعماق قلبي على التزامهم بهذه المهمة المقدسة لتحرير رهائننا. بعون الله، سنواصل معا تحقيق جميع أهدافنا وتعزيز السلام مع جيراننا".
ولكن اجتماع الحكومة تأخر عن موعده بأكثر من 4 ساعات جراء خلافات ظهرت ليس فقط بين نتنياهو ومعارضي الاتفاق من حزبي اليمين المتطرف سموتريتش وبن غفير، وإنما كذلك من داخل حزبه الليكود. وقد اضطر ترامب للاستعانة بالمبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر بقصد إقناع الوزراء بأن ما تم التوصل إليه هو أفضل الممكن وأنه يجنب إسرائيل خطرا أكبر. ومع ذلك استمر الخلاف مع حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت اللذين صوتا ضد الاتفاق، وعمدا إلى وضع "خطوط حمراء"، وصولا إلى التهديد بالانسحاب من الحكومة.
ويعلم نتنياهو أن تهديدات حزبي اليمين المتطرف ليست المشكلة بسبب أن هناك شبكة أمان للاتفاق من أحزاب المعارضة. ولكن المشكلة في الأصل هي مقدار قناعة نتنياهو شخصيا بالاتفاق ومدى إحساسه بأن هذا الاتفاق يضمن له البقاء في الحكم أم يسقطه. وهو يدرك أن الاتفاق، إذا لم يتم نسفه، فإنه سوف ينسف أغلب الأسس التي يقوم عليها الفكر اليميني الذي يمثله شخصيا والقائم على التوسع والضم.
ويشعر نتنياهو بأنه مضطر لتضخيم مزايا الاتفاق وحتى البدء بالحديث عن تطلع للسلام، لكنه في قرارة نفسه يعرف أن هذا ليس بالضرورة ما يؤمن به الآخرون. وقديما قال حكماء في إسرائيل إن مواقف اليمين هي التعبير الحقيقي عما في النفوس، لكن إنهاء الحرب يتطلب تنازلا عن هذه المواقف وهو ما يقدر عليه فقط الوسط واليسار وليس اليمين.
أمل وترقبرحّبت المعارضة بالاتفاق، إذ أعلن زعيم المعارضة يائير لبيد: "في هذين العامين الصعبين، هذه لحظة نور عظيم في الظلام. عسى أن تعود ملائكة السلام سالمين". كما كتب رئيس حزب أزرق أبيض، بيني غانتس: "تستيقظ أمة بأكملها هذا الصباح على أمل وترقب، لعودة قريبة لإخواننا وأخواتنا، بعد عامين من المعاناة".
كما كتب رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، على شبكة إكس: "صباحٌ مفعمٌ بالأمل والفرح. نتطلع، مع شعب إسرائيل بأكمله، إلى عودة جميع المختطفين والمختطفات إلى ديارهم".
ومن المعارضة، كتب أيمن عودة، رئيس حزب حداش/العربية للتغيير، أنه "سعيد بتوصل الجانبين إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من الاتفاق لإنهاء الحرب"، مضيفا: "لم تثبت أي حرب أكثر من هذه الحرب أنه لا يوجد حل عسكري. من الآن فصاعدًا، يجب تحرير كلا الشعبين من نير الاحتلال، لأننا جميعا ولدنا أحرارا".
أما في حكومة نتنياهو، فإن الوضع مختلف، إذ إن الترحيب بالاتفاق لا يخرج من صميم القلب وإنما يميل لأن يكون لفظيا. وحتى الآن المطروح على الحكومة هو الفصل الأول من الاتفاق المتعلق بالإفراج عن الأسرى في ظل بقاء الجيش الإسرائيلي في القطاع.
إعلانوهذا يخفف أثر الاتفاق بسبب النتيجة المباشرة له. لكن التقديرات تتحدث عن صدمة ستحدث عند إقرار إنهاء الحرب، خصوصا إذا بقيت حماس في الصورة. وهذا ما هو معلن حاليا من جانب وزراء "عوتسما يهوديت" الذين هددوا بالاستقالة من الحكومة. وفي حين لم يُهدد الصهاينة المتدينون رسميا بالاستقالة، لكنهم يُوضحون أن جميع الخيارات مطروحة.
وثمة قناعة متزايدة بأن من غير المتوقع أن يؤدي الانسحاب من الحكومة إلى الإطاحة بها. الشيء الوحيد المُحتمل هو حل الكنيست مع تحديد موعد مُتفق عليه للانتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل دخلت عام انتخابات، لذا فإن مسألة موعدها المُحدد هذا العام لا تُثير قلق نتنياهو. بطريقة أو بأخرى، على الأقل في الوقت الحالي، من غير المُتوقع أن ينسحب أي حزب من الحكومة. وسيسمح كل من الصهيونية المتدينة و"عوتسما يهوديت" بمرور المرحلة الأولى من الاتفاق -على الرغم من معارضتهما- ثم سيدرسان التطورات ويقرران مسار استمرار الحزبين في ظل حكومة نتنياهو.
وكان زعيم الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، قال: "هناك خوف كبير من عواقب إخلاء السجون وإطلاق سراح الجيل القادم من قادة الإرهاب الذين سيبذلون قصارى جهدهم لمواصلة سفك دماء اليهود هنا، لا سمح الله". وأضاف أنه لا ينوي التصويت لصالح الاتفاق. "لهذا السبب وحده، لا يمكننا الانضمام إلى هذه الاحتفالات قصيرة النظر والتصويت لصالح الاتفاق".
كما أن الوزيرة من حزبه، أوريت ستروك وبعد أن رحبت بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين معتبرة ذلك إنقاذا لهم استدركت قائلة إنه إلى جانب الفرح، هذا الاتفاق "يحمل في طياته عارا عظيما. عار على تطبيع إطلاق سراح الإرهابيين مقابل الرهائن، وعار مُسبق على جميع ضحايا هذا النهج الدموي: تضحيات دماء، وضحايا عمليات اختطاف لاحقة، عار على مجرد ذكر الدولة الفلسطينية في تلك الاتفاقية، بعد وقت قصير من قرار الكنيست بأغلبية ساحقة بأنها تُشكل خطرا وجوديا علينا".
كذبة شائعةوكان التساؤل الأكبر في إسرائيل يدور حول سبب قبول نتنياهو بعرض كان يمكن أن يتحقق مع بداية الحرب في نظر البعض وفي أكتوبر/تشرين الأول العام الفائت في نظر آخرين. ولاحظ باروخ قرا في موقع "والا" الإخباري أن هناك سببين يقفان خلف ذلك.
وأكد أن هناك كذبة شائعة بأنه لم تعرض على نتنياهو مثل هذه الصفقة في الماضي. ويرى أن إسرائيل رفضت أصلا مبدأ الصفقات الشاملة وأن سموتريتش وبن غفير رأيا في عبارة إنهاء الحرب قضاء على حلم الاستيطان في غزة، في حين رأى نتنياهو أن ذلك يسقط حكومته. وتمسكت الحكومة بالنصر المطلق عنوانا لإفشال كل مبادرة.
ويرى قرا أن سببي تغيير موقف نتنياهو يتمثلان في أن الانتخابات المبكرة باتت خيارا قويا وهو ما يتجه إليه، وقرار المحكمة الجنائية الدولية حول الإبادة الجماعية الذي قاد إلى عزلة دولية لا فكاك منها.
ويرى نداف إيال في "يديعوت أحرونوت" أن "هوية الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم ليست جزءا عرضيا من الأخبار الرائعة والمبهجة. ليس من حقنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال بعد 7 أكتوبر، وبعد خبر مقتل يحيى السنوار. أُطلق سراحهم في صفقة شاليط. ستنظر إسرائيل إلى وجه كل أسير يُطلق سراحه بهذه الطريقة وتسأل: هل هذا يحيى السنوار التالي؟ كيف ستُكسر حلقة القتل والخطف والقتل والعودة؟".
وتحت عنوان "نصر عسكري، خسارة سياسية" كتب آفي يسخاروف في يديعوت أحرونوت أن "الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش الإسرائيلي في العامين الماضيين لم تترجم إلى إنجازات سياسية فحسب، بل أصبحت فشلا سياسيا فادحا، وهو ما يُضفي عليه وصف "الفشل" دلالات كبيرة. رغم الدمار الهائل في غزة، ورغم العدد المتزايد للقتلى الفلسطينيين (67 ألف قتيل)، ورغم تعرض الجناح العسكري لحماس لضربات موجعة وفقدانه كامل قيادته العليا، ترى حماس في "طوفان الأقصى" نصرا لا غير. مع أنه ليس نصرا في معارك قطاع غزة أو ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، إلا أنه نصر على الصعيدين السياسي والدولي. تنتصر حماس لأن العمل العسكري العنيف يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية، وهي تحققها واحدة تلو الأخرى، بينما حوّلت دولة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو استمرار الحرب إلى هدف سياسي، بل سياسي، وأهملت الأهداف السياسية للحرب".
بقاء حماسأما بن كسبيت في "معاريف" فتحدث عن ضرورة المحاسبة: "سنجري الحسابات لاحقا. لقد أجرينا بعضها بالفعل. عندما يتضح، للأسف، أن الحرب انتهت وأن حماس لا تزال قائمة. عندما يتضح أن "حماس وافقت على تجميد السلاح"، وعندما يتضح أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق مماثل في وقت أبكر بكثير، سيتعين علينا تقديم حساب لأنفسنا وسنكون ملزمين بتشكيل لجنة تحقيق رسمية. لكن أولا، دعونا نراهم يعودون إلى ديارهم. 20 إسرائيليا أصبحوا أفرادا من عائلاتنا جميعا".
إعلانإسرائيل أبرمت الاتفاق غير أن تنفيذه يفتح بوابات واسعة نحو أفق مجهول تتحطم فيه أحزاب وأفكار وتسميات.