العواصف الترابية من الصحراء الكبرى تنشر مسببات حساسية غير مرئية حول العالم
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
يلقي الكثيرون باللوم على حبوب اللقاح عندما يبدأ موسم الحساسية، لكن هناك "مسافرين غير مرئيين" قادمين من منطقة الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي، قد يكونون سببا في هذه الحساسية.
وتسافر أعمدة الغبار الضخمة التي تنشأ على بعد آلاف الأميال في منطقة الصحراء الإفريقية، بواسطة العواصف الترابية حول العالم كل صيف، حاملة مزيجا من الملوثات ومسببات الأمراض المحتملة عبر القارات.
وقاد الدكتور شانكار تشيلام، الأستاذ بجامعة تكساس إيه آند إم، مهمة فهم المتنقلين البيولوجيين داخل العواصف الترابية. ويعمل هو وفريقه على تحديد الميكروبات، وتحديدا البكتيريا والفطريات، التي تهاجر مع الغبار واستكشاف تأثيرها المحتمل على صحة الإنسان.
وتتناول أبحاث الدكتور تشيلام بشكل فريد كيفية إدخال العواصف الترابية الصحراوية لهذه الميكروبات إلى أمريكا الشمالية.
وقام الدكتور تشيلام وفريقه بتحليل عينات من الغبار الصحراوي الذي وصل إلى هيوستن في عام 2018، وقياس المعادن والبكتيريا والفطريات للتحقق من أي روابط.
ومن المثير للدهشة أن النتائج التي توصلوا إليها كشفت عن روابط قوية بين التنوع البيولوجي للميكروبات وعناصر محددة، وخاصة الكالسيوم.
وفي حين أن هذه العناصر تحدث بشكل طبيعي في الصحراء الكبرى، فإنها موجودة أيضا في البيئات المحلية لأمريكا الشمالية. ويظل تحديد المصدر الدقيق للغبار وحمولته يمثل تحديا يواصل العلماء مواجهته.
ولعل الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة هو أنه حتى سحب الغبار التي تبدو هامدة مليئة بالنشاط البيولوجي.
وسمح تحليل الحمض النووي عالي التقنية للفريق بإنشاء مخزون من البكتيريا والفطريات، حتى لو لم تكن الميكروبات نفسها نشطة.
إقرأ المزيدوالمثير للدهشة أنهم عثروا على آثار للعديد من مسببات الأمراض المعروفة بأنها تسبب المرض لدى البشر بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويحذر الدكتور دانييل سبالينك، الأستاذ المساعد في جامعة تكساس إي أند إم، قائلا: "لا يخبرنا هذا ما إذا كانوا سيتمكنون من نقل العدوى إلينا وإصابتنا بالمرض، ولكن على الأقل تم التعرف على الحمض النووي للعديد من البكتيريا والفطريات المسببة للأمراض في الغبار الإفريقي".
ويؤدي تغير المناخ إلى تغيير أنماط الطقس على مستوى العالم. ويؤثر هذا التحول على سلوك العواصف الترابية، ما يؤدي إلى اختلافات في تواترها وشدتها.
وتنتقل العاصفة الترابية في الصحراء الكبرى إلى ما هو أبعد من حدود أمريكا الشمالية، ما يؤثر على النظم البيئية العالمية بطرق عميقة.
وينطلق هذا الغبار الذي ينشأ من الصحراء الكبرى الشاسعة، في رحلات عبر القارات تؤثر على المناخ وبيولوجيا المحيطات والأنظمة البيئية البعيدة عن مصدره.
وأثناء انتقاله عبر المحيطات والقارات، فإن الغبار الصحراوي يعكس ضوء الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، ما يؤدي إلى تبريد سطح الأرض. وتعمل هذه الظاهرة الطبيعية كموازنة لتأثيرات الاحتباس الحراري لغازات الدفيئة، ما يوضح كيف يمكن أن يؤثر غبار الصحراء على درجات الحرارة العالمية.
ويحمل الغبار أيضا الكائنات الحية الدقيقة والمواد المغذية، مثل الفوسفور الذي يُخصب النظم البيئية النائية، من غابات الأمازون المطيرة إلى البحر الكاريبي، ما يدل على دورات المغذيات المعقدة في الطبيعة.
إقرأ المزيدوتستفيد بيولوجيا المحيطات أيضا من الغبار الغني بالمغذيات. وعندما يستقر الغبار الصحراوي على مياه المحيط، فإنه يوفر المعادن الأساسية التي تحفز نمو العوالق النباتية التي تشكل أساس السلسلة الغذائية المحيطية، وتدعم مجموعة متنوعة من الحياة البحرية.
وبالتالي فإن تدفق المواد الغذائية من الصحراء الكبرى يمكن أن يعزز الإنتاجية البحرية، ما يؤثر على أعداد الأسماك وصناعة صيد الأسماك العالمية.
لكن تأثير الغبار الصحراوي ليس مفيدا دائما، وفي النظم البيئية غير المعتادة على تدفق الجزيئات والمواد المغذية الأجنبية، يمكن للغبار أن يعطل البيئات المحلية.على سبيل المثال، يمكن لترسب الغبار المفرط أن يخنق الشعاب المرجانية، ويحجب ضوء الشمس ويعوق عملية التمثيل الضوئي.
وعلاوة على ذلك، فإن الآثار الصحية للغبار الصحراوي تمتد عبر القارات، حيث لا يحمل الغبار العناصر الغذائية فحسب، بل يحمل أيضا الملوثات ومسببات الأمراض التي يمكن أن تؤثر على جودة الهواء والصحة العامة.
وقد تواجه المجتمعات الواقعة في مسار أعمدة الغبار هذه مشاكل متزايدة في الجهاز التنفسي والحساسية والأمراض، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى المراقبة والتأهب الصحي العالمي.
المصدر: earth.com
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أخبار الصحة الاحتباس الحراري الارض البيئة التغيرات المناخية الشمس الصحة العامة الطقس المناخ امراض محيطات العواصف الترابیة الصحراء الکبرى
إقرأ أيضاً:
حمّى الذهب العالمية.. إلى أين؟
في طوكيو، كانت الساعة بالكاد قد تجاوزت التاسعة صباحًا حين أغلقت أبواب متجر "نيهون ماتيريال" أمام طوابير من المشترين للذهب، لم تمضِ سوى ساعة واحدة على افتتاحه حتى أعلن العاملون أن الكمية المخصصة لليوم قد نفدت.
كان بينهم كينجي أونوكي، المهندس المعماري الأربعيني، الذي شعر بنشوة الانتصار بعد أن نجح في شراء سبيكته الذهبية الأولى، وإن كان عليه أن ينتظر شهرا كاملا لتسلمها، قال وهو يبتسم للصحفيين: "أردت شيئا حقيقيا، شيئا يمكنك أن تمسكه بيدك".
لكن ما بدأ كلحظة فردية في متجر ياباني أصبح ظاهرة عالمية مدهشة.
من آسيا إلى أوروبا وأميركا، يعيش العالم -ما تصفه فايننشال تايمز بـ"حمّى الذهب الكبرى"- موجة شراء محمومة لا تقتصر على المستثمرين المحترفين، بل تشمل الأفراد العاديين أيضًا، إنها عودة الملاذ الأقدم في التاريخ إلى صدارة المشهد المالي الحديث، في وقت يتقاطع فيه الخوف مع الجشع، والسياسة مع الأسواق.
العالم يتزاحم على المعدن الأصفروتقول فايننشال تايمز إنّ الذهب "أعاد سحره القديم إلى عقول وقلوب المستثمرين" بعد ارتفاع استمر 3 سنوات متواصلة، تقوده هذه المرة البنوك المركزية للدول النامية التي تبحث عن ملاذ بعيد عن الدولار الأميركي.
لكن ما فاجأ المراقبين هو الانفجار المفاجئ في الطلب المؤسسي والشعبي معًا، حيث تدفق ما يزيد على 26 مليار دولار إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب خلال الربع الثالث وحده، وهو أعلى رقم مسجّل في التاريخ الحديث.
وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب بأكثر من 50% منذ بداية العام، لتتجاوز 4 آلاف دولار للأونصة، في أفضل أداء له منذ عام 1979 عندما تضاعفت الأسعار بفعل مخاوف التضخم.
هذا الارتفاع المذهل، كما تشير الصحيفة، لا يمكن تفسيره بالعوامل التقليدية مثل أسعار الفائدة أو التضخم أو الاضطرابات الجيوسياسية فحسب، بل بشيء أعمق: "الخوف من انهيار مالي شامل".
إعلانيقول ديفيد تيت، الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي: "المحرّك الأساسي لهذا الصعود هو الخوف من انهيار مالي كامل، من سيناريو ديون خارجة عن السيطرة. الخوف هو الكلمة المفتاح في قصة الذهب اليوم".
اليابان تشهد اندفاعة تاريخيةوفي اليابان، تَحوّلت السوق المحلية إلى حالة من الهوس بعد أن تجاوز السعر المحلي 20 ألف ين (نحو 131 دولارا) للغرام الواحد في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، وهو رقم لم تعرفه البلاد من قبل.
وتصف فايننشال تايمز المشهد بأنه "انفجار ذهبي" أدخل اليابانيين، الذين عاشوا 3 عقود من الانكماش، في علاقة جديدة مع التضخم.
الذهب أصبح فعليا الأصل الاحتياطي المهيمن في العالم خارج أميركا، وهو ما اعتبره بعض المحللين عودة رمزية لنظام ما قبل الدولار
فبعد سنواتٍ كانت فيها النقود تُخزّن بلا خوف من فقدان قيمتها، أصبح الين يتآكل بسرعة، ما دفع العائلات إلى تحويل مدّخراتها إلى سبائك معدنية.
ويقول بروس إيكيمازو، مدير جمعية سوق الذهب اليابانية: "سلوك المستثمرين تغيّر 180 درجة. الناس يشعرون بتأثير التضخم وضعف الين، ويدركون أن عدم فعل شيء يعني خسارة حقيقية".
البنوك المركزية تعيد تشكيل النظام النقديوبحسب الصحيفة، فإن في خلفية هذا الجنون الشعبي، هناك تحوّل إستراتيجي عالمي صامت تقوده البنوك المركزية.
فمنذ عام 2022، شرعت عشرات الدول -خاصة في آسيا والشرق الأوسط- في شراء كميات قياسية من الذهب لتقليص اعتمادها على الدولار في احتياطاتها الرسمية.
وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي التي نقلتها فايننشال تايمز، ارتفعت حصة الذهب من احتياطيات البنوك المركزية العالمية من 10% قبل عقد إلى نحو 24% بحلول منتصف 2025، أي ما يعادل 3.93 تريليونات دولار من القيمة السوقية، متجاوزة لأول مرة قيمة السندات الأميركية المحتفظ بها خارج الولايات المتحدة.
هذا التحوّل، وفقًا للصحيفة، يعني أن "الذهب أصبح فعليا الأصل الاحتياطي المهيمن في العالم خارج أميركا"، وهو ما اعتبره بعض المحللين عودة رمزية لنظام ما قبل الدولار.
ترامب والديون الأميركية.. شرارة جديدة للرالييُجمع المحللون على أن تزايد التدخل السياسي في عمل الاحتياطي الفدرالي الأميركي زاد من اشتعال الأسعار.
فالرئيس دونالد ترامب، كما تذكر فايننشال تايمز، يضغط على البنك المركزي لخفض الفائدة لتقليل كلفة خدمة الدَّين العام الأميركي الذي تجاوز 34 تريليون دولار.
الضغوط بلغت ذروتها عندما هاجم ترامب علنًا عضوة مجلس الاحتياطي ليزا كوك، ملوّحًا بعزلها، ما تسبب في قفزة فورية في الأسعار.
وتقول روث كرويل، الرئيسة التنفيذية لرابطة سوق لندن للسبائك: "رأينا ارتفاعا فوريا في سعر الذهب بعد الهجوم على ليزا كوك. مجرد الشك في استقلال الفدرالي يكفي لدفع المستثمرين إلى الاحتماء بالذهب".
ويرى ديفيد تيت من مجلس الذهب العالمي أن "ترامب قد يوقف الارتفاع فقط إذا تمتع بحظ اقتصادي استثنائي: نمو مرتفع وتضخم منخفض في آنٍ واحد”.
الرهان على الخوفورغم أن هذا الارتفاع "يتحدى المنطق" على حد تعبير تيت، فإن دوافع المستثمرين أصبحت تتجاوز التحليل المالي إلى سيكولوجيا القلق.
ويقول غريغ فريث، مدير تجارة المعادن في شركة غنفور: كلما انخفض السعر قليلا، تدفقت موجات جديدة من الشراء المؤسسي. لا أحد يريد أن يفوّت القطار.
وتصف الصحيفة هذا السلوك بظاهرة "فومو المطلي بالذهب"، أي الخوف من تفويت الفرصة في سوق تتسابق فيها حتى المؤسسات الكبرى.
علامات الفقاعة تلوح في الأفقلكن فايننشال تايمز تحذر من أن الاندفاع الجماعي نحو الذهب قد يخلق فقاعة مالية جديدة.
إعلانفبحسب بيانات بنك أوف أميركا، أصبح الذهب الآن أعلى من متوسطه المتحرك لـ200 يوم بنسبة تفوق 20%، وأعلى من متوسط 200 أسبوع بنسبة 70%، وهو وضع لم يحدث إلا 3 مرات منذ السبعينيات، وتلاه دائمًا تصحيح قاسٍ تراوح بين 20 و33%.
ويقول غاي ميلر من شركة زيورخ إنشورنس: الاستثمار في الذهب بات مزدحما جدا، والمخاطرة تكمن في أن يخلق المستثمرون بأنفسهم الفقاعة التي يخشون منها.
صعود الذهب هذه المرة لا يشبه أي موجة سابقة. فالأمر لا يتعلق بالتضخم وحده، بل بتآكل الثقة في النظام المالي العالمي، وفي العملة الأميركية نفسها
السوق على وشك تجاوز العقلوفي أوروبا، تضاعفت مبيعات دار سك العملة الملكية البريطانية 5 مرات مقارنة بذروتها السابقة في 2022، مسجلة صفقة قياسية تجاوزت 50 مليون جنيه إسترليني في شراء مشترك للذهب والفضة.
وفي تركيا، التي يشكل الذهب فيها خُمس ثروة الأسر، ترى مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" أن ارتفاع الأسعار "قد يعزز الاستهلاك المحلي عبر تأثير الثراء".
أما في هونغ كونغ، فالمشهد معكوس: الأسر القديمة التي خزّنت الذهب لعقود بدأت تبيعه لجني الأرباح عند القمة.
والفضة بدورها لم تبقَ بعيدة عن الموجة، إذ ارتفعت إلى أكثر من 52 دولارًا للأونصة في أعلى مستوى تاريخي، مع نقص واضح في المعروض في لندن، ما دفع دار السك البريطانية إلى تعليق بيع عملات "بريتانيا" الفضية.
ما وراء الهوس.. أزمة ثقة في النظام الماليوتقول فايننشال تايمز إن صعود الذهب هذه المرة لا يشبه أي موجة سابقة. فالأمر لا يتعلق بالتضخم وحده، بل بتآكل الثقة في النظام المالي العالمي، وفي العملة الأميركية نفسها.
ولخص المستثمر الأميركي مات ماكليلان من "فيرست إيغل" الظاهرة بقوله: "حين ترتفع أسعار الأصول الدفاعية كالذهب في الوقت نفسه مع الأسهم، فهذه إشارة إلى أن قيمة المال نفسه بدأت تتراجع".
أما دانيال تايلور، من شركة "مان نوميريك"، فيرى أن الديون الأميركية بلغت "مستوى لا مخرج منه إلا عبر نظام تضخمي أطول عمرا مما اعتدناه"، مضيفًا: "الناس يشترون الآن أصولًا ذات معروض محدود -كالذهب وربما البيتكوين- لأن الورق لم يعد مطمئنًا".
الذهب لا ينتج شيئا، ولا يدر دخلا، لكنه بات مرآة لقلق العالم. وكلما ازداد القلق، ازداد بريق المعدن الأصفر
تاريخ يعيد نفسهورغم الاندفاع المحموم، يذكّر المحللون بما حدث في الماضي، فبعد الارتفاع الأسطوري في سبعينيات القرن الماضي، انهار الذهب مطلع الثمانينيات مع تراجع التضخم، وتكرر السيناريو بعد ذروة 2011.
لكنّ ديفيد تيت يرى أن المقارنة اليوم مع تلك الفترات قد تكون مضلّلة، لأن "العالم يعيش الآن مزيجًا فريدًا من الديون، والاضطرابات الجيوسياسية، وانعدام الثقة بالعملة".
ويختتم التقرير بما يشبه التحذير والاعتراف في آنٍ واحد: "الذهب لا ينتج شيئا، ولا يدر دخلا، لكنه بات مرآة لقلق العالم. وكلما ازداد القلق ازداد بريق المعدن الأصفر".