يكفي أن ننظر إليّ برديتنا الفرعونية وإلي الأشياء الجميلة المستحيلة في حضارتنا العظيمة لنتأكد أننا ملوك الأض أعظم حضارة في العالم ومازال الحديث مستمر عن قصص الأدب الفرعوني و تنتمى هذه الرواية إلى نوع من الأدب الإنسانى وهذا هو سر بقائها وتداولها حتي الان قصة سنوحي وهي ليست مجرد رواية فقط بل درساً مؤثراً من دروس حب الوطن، والتمسك بترابه، والشوق والحنين الغامر إليه، خاصة فى عندما تبتعد عنه، والتعلق بحبه والتمسك بالعودة إليه رغم كل الصعوبات التي نواجها .
هيا بنا نتعرف علي حدوتة جديدة من حواديت الأدب الفرعوني، وهي قصة من الأدب الإنساني الفرعوني.
يحكي أن سنوحي كان خادمًا للملك أمنمحات الأول و كان والده طبيباً في مصر الفرعونية القديمة و من أثرياء العاصمة و يروي أن الملك أرسل حملة إلى التحنو ، وأرسله معها وهي قبائل ليبية، وكانت الحملة بقيادة ابنه سنوسرت الأول ، الذي استطاع هزيمة التحنو خلال الحملة .
وكان الملك قد كبر في السن وكان أولاده يتطلعان لوراثة عرشه، وذات ليلة سمع سنوحي بالصدفة حواراً لمتآمرين على الملك بينهم ابنه سنوسرت الأول وفي ذلك الوقت جاء أمناء من القصر الملكي إلى سنوسرت الأول ابن الملك أمنمحات الأول ليخبروه عن المؤامرة التي أدت إلى اغتيال أبيه، فعاد سنوسرت مسرعًا إلى القصر الملكي دون أن يُعلم الجيش بذلك، إلا أن سنوحي الذي كان معه في الحملة قد سمع المحادثة واستبد به الخوف، فقرر الهروب دون أن يذكر أية أسباب لذلك، و فر سنوحي وسافر هارباً حتي أصابه الظمأ وظن أنه سيموت إلا أنه سمع صوت الماشية ورأى بدوًا قدموا إليه ماء، وأخذوه إلى قبيلتهم التي عاملته معاملة حسنة لينتقل سنوحي بعد ذلك من بلد إلى آخر حتى مكث عند أمير رتنو العليا ويدعي عاموننشي، ويحكي سنوحي أن الأمير طمأنه، ووعده بمعاملته جيدًا.
وهناك عمل طبيباً للفقراء فذاع صيته وعالج الملك فقربه منه وجعله طبيبه ومستشاره
فسر سنوحي ذلك بأن عاموننشي كان يعلم بحكمته، وصفاته، كما أن المصريين الذين كانوا هناك شهدوا له بذلك. وسأله الأمير عن الأوضاع في مصر بعد وفاة الملك أمنمحات فأخبره أن سنوسرت الأول تولي الحكم، ويسترسل سنوحي واصفًا، ومادحًا للملك الجديد.
ولكن كان الامير له نوايا أخري وهي محاربة مصر ، و أعد الملك جيشاً لمحاربة الجيش في مصر القديمة وكان قد ابتكر سيوفاً من المعدن (وكانت السيوف في زمنه من الخشب) وأسر بذلك لسنوحي، فما كان من سنوحي إلا وتراسل مع ملك مصر وطلب الأمان ليعود فيخبره بسره المهم وحين وصل مصر أظهر السيف المعدني فقام ملك مصر بصناعة سيوف المعدن لكي يواجه بها ملك رتنو.
وهكذا انتصر الملك سنوسرت الأول، على غزاة بلده بفضل سنوحي الذي طلب من الملك أن يعطيه الأمان ليسر له بحكايته فسمعها وسمح لسنوحي أن يعيش في مصر آمناً وأن يكون الطبيب الخاص للملك وفيما يلي مقطع من رسالة سنوسرت الأولى لسنوحي يطلب منه العودة:
عد إلى مصر حتى ترى الأرض التي ولدت فيها ونشأت، وقبل الأرض عند البوابة الثنائية العظمى، والتحق بالبلاط، لقد هرمت الآن، وعسر نشاطك، فتذكر يوم الدفن، وليلة إعداد الطيوب والأكفان، ويوماً يعد لك فيه موكب مشهود، وتابوتاً ذهبياً بقناع من اللازورد.. لا ينبغي أن تموت في بلد غريب، ولا ينبغي أن يخفرك البدو، أو أن تكفن في جلد شاة، هذا ليس أوان الطواف في الأرض، فعد واحذر المرض.
وبعد العودة روي سنوحي وتحدث عن مدي حنينه إلى وطنه مصر ورغبته في العودة إليها، وأن يدفن في ترابها، ويحكي سنوحي أن الملك سنوسرت قد علم بحاله وأصدر قرارًا بالعفو عنه والسماح له بالعودة إلى مصر.
ووصل سنوحي يحكي عن المعاملة الحسنة التي تلقاها من قبل الأمير ووصل به الامر إليّ أن زوجه كبرى بناته كما منحه أرضًا وافرة الخيرات، وأيضًا أعدادًا كبيرة من الماشية، ولذلك من أجل أن يخون بلده وأرضة وكيف خدعة سنوحي .
كما وصف سنوحي حب الناس له هناك حتى أصبح منهم ويحكي سنوحي عن رجل قوي جاء ليبارزه ويسرق ممتلكاته، ويفسر سنوحي سلوكه بأنه على الأرجح كان حاقدًا عليه بسبب المكانة التي حظي بها. ويصف سنوحي استعداده للمبارزة، وعن اجتماع الناس من كل القبائل لمشاهدتها، واستطاع سنوحي قتل خصمه، وفرح الأمير بذلك وضمه إلى صدره.
، ويصف رحلة عودته إلى الوطن واستقبال الملك له، كما يصف مخاطبة الملك للملكة متعجبًا من أن سنوحي أصبح يبدو كأسيوي من نسل أهل البدو ، واندهاش الملكة وأبناء الملك من تغير مظهره، قائلين: "حقًا كأنه ليس هو أيها الملك" ليرد الملك: "حقًا إنه هو". ثم يتحدث سنوحي عن طمأنة الملك له، ويصف جمال المكان الذي أقام فيه في القصر الملكي، وحالة الرخاء التي عاشها هناك، وتحدث عن بناء مقبرة فخمة له، وعيشه متنعمًا بالكرم الملكي بالرغم من كل هذا فضل العودة إليّ أرض الوطن حتي يلقي وفاته.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فی مصر
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأمنيات
الرغبة، والطموح، والتمني في بلوغ الأفضل، أو ما تتوق إليه النفس إذا ما كان مشروعًا، ولا ينفصل عن الواقع؛ فتلك أمور حميدة، تشحذ الهمم؛ كي تعلو الهمة، وتنشط الأذهان، وتترجم إرادتنا في صورة أفعال، تحاول أن تحقق أمانينا، التي نتطلع إليها، بل، تحفزنا على تكرار المحاولة في إطار من التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والمثابرة، والمتابعة، وتقييم ما توصلنا إليه؛ لنزيل العثرات، ونستكمل المسيرة، ونؤكد أن عزيمتنا، وإيجابية النفس لدينا قادرة الدفع بنا دومًا إلى الأمام؛ لنسجل أهدافًا مستحقة.
تعالوا بنا نتفق على أمر مهم؛ ألا وهو أن التمني المشروع، إذا ما أردنا ترجمته إلى واقع، وجعلناه هدفًا إجرائيًا؛ فإن ذلك يتطلب منا بصورة واضحة أن نتبنى سيناريوهات، تحمل خطة مرنة تقبل التعديل، والإضافة في مراحل؛ كي نستثمر ما قد يتواتر لدى أذهاننا من أفكار ملهمة بأن نترجمها إلى آليات، أو خطوات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وهنا تبدأ الرحلة في إطار جهود مكثفة تجعلنا نستمتع بما نحققه من مراحل، أو خُطوات، ولو بسيطة.
لكن ما نخشاه أن نترك ما نتمنى حدوثه أو تحقيقه لعالم الصدفة، الذي يدفع لنا من بنك الحظ ما تتوق إليه أنفسنا؛ فقد أرى أنه ضرب من وهم الخيال يؤدي بنا إلى منطقة ضبابية، قد تورث في نفوسنا سلبية تؤثر حتمًا على ما قد نتطلع إلى في مستقبلنا القريب، أو البعيد، بل، تضعف لدينا جموح النزال في ساحة المعركة، التي نثبت فيها الذات، ونستطيع أن نؤكد مقدرتنا على تحقيق ما نصبوا إليه؛ لذا يتوجب علينا أن ندرك ماهية التمني وفق الفلسفة، التي ينبثق منها، والتي ينبغي أن تقوم على الربط الوظيفي بين الواقع، وأمنياتنا وتطلعاتنا الإيجابية.
رُبّ سائل يسأل، هل هناك ميزان، أو ضابط للأمنيات، التي تلوح في وجدانياتنا؟، نقول بلسان مبين نعم؛ فقد أوضحنا أن ما نضعه من خطط نسير على خطاها، يتوجب أن تتصف بالمرونة، التي تمنحنا حرية الاختيار، وتجعلنا نراعي مستجدات المتغيرات، التي تطرأ على ساحتنا الخاصة؛ ومن ثم تتنامى مقدرتنا على تجاوز التحديات، أو الصعوبات، التي قد تقف حجر عثرة أمام مسيرتنا نحو أمانينا المشروعة، وهنا نحاول أن نميز منذ البداية بين الطريق الصحيح، والأخر المعوّج؛ فنتجنب الغور في سكة الظلام؛ لنخرج في نهاية المطاف مجبوريّ الخاطر.
الأمر لم ينته عند هذا الحد؛ فهناك حسابات خاصة ندرك من خلالها ما إذا كانت أمنياتنا في إطار الممكن، أم في طور غير الممكن، أو ما نسميه أحيانًا بالمستحيل، وهذا يؤكد الفلسفة، التي ننادي بها، وهي هدوء الخيال؛ كي لا يجنح بنا إلى آفاق بعيدة المنال؛ فكل ما علينا أن نربط بين الأمنية، ومقومات تحقيقها في ساحة الواقع؛ ومن ثم نستطيع أن ندشن سقفًا زمنيًا، يتسم بالمرونة، ونحاول بصدق العزيمة، وإخلاص النوايا، وبذل الجهود، وإتقان الممارسة أن نبدأ المسيرة، التي أزعم أنها ستكلل بالنجاح بمشيئة الله تعالى.
نؤكد أن الأمنيات، التي تكبر في نفوسنا، وتنمو في خيالنا الخصب، وتأخذ مساحة في أذهاننا، تعد ضرورة في توجيه ميولنا، بل، ترتبط بها في كثير من الأحيان، وهذا ما يدفعنا نحو التجربة، ويجعلنا نكتسب مهارات نوعية تضيف إلى رصيد خبراتنا، ناهيك عن سبر غور احتياجاتنا، التي تتغير وفق تدفق الأحداث الجارية، التي تحيط بنا، سواءً داخل الإطار الاجتماعي البسيط، أو الكبير، وهذا ما يولد لدينا قوة الثبات، والصبر، والمثابرة، والمغامرة، التي نتحمل مسئولية نتاجها، وفي كثير من الأحيان تفتح لنا أبوابًا من الابتكار، لم تكن في واحة الحسبان.
يصعب أن نتجادل حول ثمرة الأمنية، التي تذيب الفتور، وتحفز الرغبة، وتعلى من مقدار الجهد الصادق؛ لتدفعنا نحو استدامة العطاء؛ فتتبدل مسارات حب الذات، إلى تحقيق غايات نبيلة، يستفيد منها الجميع، فيعم الخير بفضل أفكار منتجة تتدفق من وجدان راقٍ، صافٍ، لا يسمح للأنانية أن تحوز جزءًا منه، وهذا ما يجعل أصحاب الأمنيات المشروعة يمتلكون المقدرة على التواصل، وتقوية الروابط في إطار ما تحث عليه الإنسانية، كما تزداد لديهم روح التفاؤل، والوفاء بما ينعكس إيجابًا على تعزيز الهوية الوطنية، ويجعلنا دومًا في رباط مواثيق المحبة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.