ذكرى السقوط وحلم النهوض.. التاسع من نيسان تاريخ تخلده ذاكرة العراقيين
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
21 عاما مرت على احتلال الجيش الأمريكي بغداد وسقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان عام 2003، حين بدأت مرحلة جديدة بتاريخ العراق الحديث، ليعيش العراق 21 عاماً من الأزمات والعنف الذي أودى بحياة آلاف العراقيين خلال السنوات الماضية. ورغم هذا الزمن البعيد على احداث 9 نيسان الا ان العراقيين ما زالوا يشبهون "سقوط بغداد" في عام 2003 بسقوطها في الغزو المغولي عام 1258 عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية، حيث قتل المغول البغداديين ودمروا مدينتهم وقضوا على الخليفة المستعصم بالله.
وعاش العراق في حقبة النظام السابق حياة عنوانها الحروب وعسكرة المجتمع والعوز والحصار والهجرة، وسط خوف كبير من بطش السلطة، كما تسببت الحروب في إنهاك العراق بشريا وماديا، لكن التغيير الذي حصل بعد عام 2003 لم يجلب للعراقيين ما كانوا يحلمون به، بل جلب الموت والدمار أيضاً، لتكون المرحلة ما بعد نظام صدام حسين، مشابهة لما قبل 2003، لكن بشكل جديد تمثل بـ "الفساد".
وتحت حكم صدام رئيسا منذ 1979، خاض العراق 3 حروب، أولها حرب الثمان سنوات مع جارته إيران، وثانيها بعد غزو الكويت، لتفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً على العراق تمثلت بتوجيه ضربات جوية للعراق، وحصاراً دولياً استمر 13 عاماً.
أما الحرب الثالثة، فهي حرب عام 2003 التي شنتها الولايات المتحدة بحجة "امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل"، بدأت في آذار، واستمرت ستة أسابيع، لتنتهي بدخول الدبابات الأمريكية إلى قلب بغداد.
وفي 9 نيسان، دخل الأميركيون بغداد، وأسقطوا تمثال الرئيس العراقي حينها صدام حسين، الأمر الذي رمز إلى سقوط العاصمة العراقية بغداد والنظام الحاكم. وقد شاركت في الغزو بريطانيا وأستراليا وبولندا، ودعمتها إسبانيا وإيطاليا وعدد من دول أوروبا الشرقية.
ولا يزال كثيرون يتذكرون صور سقوط تمثال صدام حسين وسط ساحة الفردوس التي دخلتها القوات الامريكية عام 2003 لتبدأ بذلك حقبة جديدة من تاريخ العراق.
وكان إسقاط تمثال صدام، من ساحة الفردوس في بغداد، بمثابة تأكيد على انهيار نظام حزب البعث الذي حكم العراق منذ انقلاب عام 1963، وتمكنت إحدى الدبابات الأمريكية من اقتلاع التمثال البرونزي، وتم بث هذا المشهد على الهواء إلى جميع أنحاء العالم، بينما اعتبر المراقبون هذه اللقطة رمزا لانتصار قوات الغزو.
وعانت مدن العراق خلال الغزو من ضرر كبير أصاب البنى التحتية والاقتصاد، فضلا عن عمليات النهب والسرقة التي حصلت بسبب انعدام الأمن، علاوة على ما نشر حول سماح القوات الأمريكية بسرقة الوزارات والمنشآت الحكومية وعدم منع سرقة وتخريب الممتلكات وخاصة المتحف العراقي التاريخي الذي نهبت مقتنياته الشاهدة على حضارة العراق التي تعود الى ما قبل التاريخ.
ولم يكد العراقيون يتنفسون الصعداء بعد انتهاء الحصار الذي أثقل كاهلهم وتسبب بهجرة مئات الآلاف الى دول الجوار ودول غربية طلبا لحياة أفضل، حتى بدأت أعمال القتل الطائفي والعنف الممنهج تبرز على الساحة، وتحكم على العراقيين بالقتل.
ووصلت أعمال العنف الطائفي داخل العراق أوجها في عامي 2006 و2007 قبل أن تنحسر في عام 2009، إلا أن اندلاع الأزمة في سوريا المجاورة وتحول التظاهرات في بعض المدن السورية الى عنف طائفي كان له أثر كبير على عودة شبح الطائفية الى أرض الرافدين.
ورغم اختلاف المسميات في هذه مناسبة 9 نيسان، حيث سمّاها البعض بيوم "سقوط بغداد" أو "احتلال العراق"، فيما سماه آخرون بـ "يوم التحرير"، يبقى يوم التاسع من نيسان عام 2003 عالقاً في أذهان العراقييين بل المنطقة العربية أجمع.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: صدام حسین عام 2003
إقرأ أيضاً:
العراق بين الأوراق المعطلة والفرص الضائعة: قراءة استراتيجية
27 مايو، 2025
بغداد/المسلة: ناجي الغزي
تواجه الدولة العراقية منذ 2003 أزمة عميقة في الهوية السياسية، وبنية النظام، وآليات اتخاذ القرار. ومع تصاعد التحولات الإقليمية والدولية وتكريس موازين قوى جديدة، تتجدد الأسئلة حول قدرة العراق على أن يكون لاعباً فاعلاً، لا مجرد ساحة لتقاطع المشاريع. تحليل الخطابات الواردة يكشف عن سلسلة من الإخفاقات البنيوية للنخبة الحاكمة، ومأزق العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وتفكك القرار الوطني، في وقت تنشط فيه قوى إقليمية ودولية لرسم خرائط النفوذ عبر الاستثمار في الطاقة والجغرافيا.
أولاً: معادلة كردستان الجديدة
أبرز ما يميّز موقف إقليم كردستان اليوم، هو أنه اختار التموضع خارج الإطار المهتز للحكومة الاتحادية. لا يعود هذا فقط إلى صراعات سياسية تقليدية، بل إلى قناعة استراتيجية بأن بغداد باتت تمثل الطرف الخاسر في معادلة إقليمية ودولية، عاجزة عن استيعاب التحولات الكبرى بعد الحرب في أوكرانيا، وبعد إعادة تعريف واشنطن لمفهوم “الأمن القومي الخليجي”.
التوجه الكردي نحو توقيع صفقات نفطية بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار لا يمكن فصله عن مظلة الحماية الأمريكية، وإدراك الإقليم لغياب مشروع وطني شامل يضم العرب والكرد والشيعة والسنة. إن الترجل من “التحالف المنهك” لا يُعد خيانة للوطنية، من وجهة نظر كردية، بقدر ما يعكس عقلانية سياسية في لحظة تاريخية تتطلب التموضع مع “الطرف المنتصر”. هذا الطرح هو جزء من قراءة سياسية كردية للمشهد الإقليمي والداخلي في آن واحد.
ثانياً: الفيدرالية المعطلة وعجز النخبة السياسية
العراق بموجب الدستور، دولة اتحادية فدرالية. ولكنّ النخبة السياسية فشلت في تجسيد هذه الفدرالية على أرض الواقع، مما دفع الولايات المتحدة، بصفتها “حاملة القلم” وصاحبة الحق في تصحيح المسار السياسي (وفق نظرية “هولدرن”)، إلى التحرك غير المباشر لفرض الأمر الواقع من خلال دعم صفقات الإقليم.
غياب قانون النفط والغاز، وتمسك الأحزاب بثروات المناطق كأداة لفرض الولاء، يمثل شكلاً من أشكال “الإكراه السياسي الإيجابي”، حيث يُقيّد الأفراد عبر الامتيازات، بدلاً من فرض السلاح عليهم. هذا التعطيل لمفهوم الفيدرالية دفع القوى الفاعلة إلى التعامل مع الإقليم ككيان سياسي – اقتصادي منفصل.
ثالثًا: التوازنات الإقليمية والاستثمار كأداة نفوذ
تشير الاستثمارات الإماراتية، تحديداً في مناطق كالسليمانية، إلى مشروع إقليمي اقتصادي يتجاوز الجغرافيا العراقية، ويرتبط بخط أنابيب طاقة يمتد من كردستان العراق إلى كردستان سوريا، وصولًا إلى حوض شرق المتوسط. هذا المسار يعيد تعريف الجغرافيا كساحة صراع بين مشاريع الطاقة والنفوذ، ويضع كردستان في قلب الترتيبات الجديدة، لا بغداد.
الإمارات، بتكليف أمريكي، تتولى الدور الاقتصادي في مشروع إعادة هيكلة المنطقة، بينما تلعب السعودية الدور السياسي. ويتم العمل على دمج سوريا تدريجياً في منظومة أمن الطاقة الإقليمي كبديل جغرافي عن أوكرانيا التي خسرتها أوروبا في معادلة “نورد ستريم”.
رابعاً: مأزق القرار السياسي في بغداد
بالمقابل، تعاني بغداد من انقسام مراكز القرار، وتعدد المرجعيات داخل المكوّن الواحد، خصوصاً الشيعي. رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رغم إبداء الرغبة في الاستثمار وتحريك الاقتصاد، ولكنه لا يملك تفويضاً استراتيجياً موحداً من قبل المكونات السياسية، ما يضعف قدرته على مواجهة المشاريع الإقليمية أو حتى الدفاع عن السيادة الاقتصادية.
مثال ذلك، شيطنة الاستثمارات السعودية والأمريكية، رغم الحاجة الملحّة لها وللاستثمارات الاجنبية في البلاد، وذلك بسبب ضغط أطراف سياسية ترى في هذه الشراكات تهديداً لنفوذها المرتبط بمحاور إقليمية. هذا أدى إلى إجهاض فرص كبيرة للنهوض الاقتصادي، ومنع بغداد من لعب دور سياسي براغماتي إقليمي يتناسب مع إمكاناتها وموقعها الجيوسياسي.
خامساً: غياب المشروع الوطني وصراع الشرعيات
المفارقة المؤلمة أن العراق يمتلك أوراقاً مهمة: جغرافيا استراتيجية، ثروات هائلة، قدرات بشرية، عمق حضاري، لكنه لا يمتلك مشروعاً وطنياً يجمع بين الأطراف، ولا شرعية موحّدة للقرار السياسي. هذا يفسر لماذا تُعتبر قرارات دول كقطر – رغم صغر حجمها – أكثر تأثيراً وموثوقية من قرارات بغداد.
القمة العربية الأخيرة كشفت حدود القدرة التمثيلية للعراق. ورغم نوايا السوداني لإظهار بغداد كقوة إقليمية، إلا أن الانقسام الداخلي وغياب القرار الموحد جعل الحضور شكلياً، لا فاعلاً.
سادساً: ما العمل؟
المعادلة واضحة: العراق في طريقه إلى خسارة المزيد من الفرص ما لم يُحسم الجدل الداخلي حول هوية الدولة، وشكل النظام، ومصدر الشرعية. على النخب السياسية أن تعترف بفشلها في إدارة التعددية، وتبني مشروعاً سياسياً جديداً يعيد بناء الدولة على أسس واقعية.
كما أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن العراق، لكنها ستعيد تعريف شكل تدخلها وفق مصالحها الاستراتيجية، وموازين القوى الإقليمية. ومَن لا يمتلك مشروعاً واضحاً، سيجد نفسه خارج الحسابات. في هذا السياق، لا بد من التحوّل من حالة “رد الفعل” إلى “صناعة الفعل”، وإعادة تموضع العراق كفاعل جيوسياسي، لا مجرد ساحة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts