لجريدة عمان:
2024-06-12@04:20:39 GMT

يتدافعون..

تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT

تذهب المقاربة هنا؛ في مفهوم التدافع؛ إلى أن هناك محفزا ما، يجعل مجموعة من الناس، أو من الحيوانات لأن يدفع بعضها بعضا بصورة غير واعية، ولا منظمة، حيث يذهب الشعور في لحظة التدافع، إما للهروب من أمر، وأغلبه خطير جدا؛ وإما للحصول على منفعة ما، وأغلبها مجزية، وفي كلا الحالتين يصل التدافع إلى حد التضحية بالنفس «لا شعوريا» لأنه لا يوجد عاقل يضحي بنفسه طواعية، وهو في الوقت نفسه يتدافع مع غيره لإنقاذها، ولا في الحالة الثانية، لكي يحقق مكسبا -ماديا؛ في الغالب- ليصل به إلى هلاك نفسه، إذن في كل حالات التدافع هناك؛ غالبا؛ خسارة على مشارف الأفق، وربما قد لا تكون، وهناك يكون نجاح المتدافعين.

ومع ذلك يظل التدافع صفحة حيوية لأي كائن حي، فالثبات؛ أيضا «معاب» إذا جاوز حد الاعتدال، بينما لا يوجد حد للاعتدال في التدافع، لأن يتكون في لحظة زمنية حرجة، وفارقة بالنسبة للكائن الحي «ومن لا يحب صعود الجبال؛ يعش أبد الدهر بين الحفر» وهذا الصعود الذي يشير إليه الشاعر لا يخلو من التدافع، ولذلك فصور التدافع كثيرة في حياتنا اليومية، وكلها تهدف إلى الوصول إلى حياة أفضل مما عليه، ولذلك فالناس يتدافعون نحو الخير، كتدافعهم نحو الشر، ولذلك يقع الكثيرون في مصائب عندما يكون تدافعهم عن غير هدى، وهل يحتاج التدافع إلى مجموعات بشرية حتى تشرع عليه هذه التسمية؟ أتصور أن مسألة التدافع ليست مرتبطة بالمجموعات البشرية بصورة مطلقة، فحتى الحيوانات تتدافع بوحي الغريزة، ولكن الإنسان يتدافع بشعوره الحسن، أو السيئ، ولأن من صفات التدافع المغامرة، أو المجازفة، فإن الإنسان الفرد يقع في مأزق المفهوم ذاته، ولذلك كثير ما يشار إلى فلان من الناس على أنه «مندفع» لا يضع للعواقب مساحة آمنة للتراجع فلا يقع في فخ التدافع، على الرغم من سيئات التدافع إلا أن هناك؛ في المقابل؛ أناسا حققوا نجاحات كثيرة في حياتهم لأنهم غامروا «تدافعوا» سواء برؤوس أموالهم، أو بأجسادهم، أو باستحقاقاتهم الاجتماعية، فكسبوا الرهان، وقد تصلهم تعليقات من آخرين: «ضربة حظ».

يعيش جميعنا حالات الإقدام والتراجع بناء على مجموعة المشاعر التي نعيشها في لحظة حاسمة، ولذلك يقال: «المرء في المحنة عيي» والإعياء هنا ليس الضعف الجسدي «المنهك» وإنما الوقوع في مأزق «الإقدام والتراجع» في آن واحد، وتسيّد اللحظة الحرجة في اتخاذ قرار ما لصالح أو ضد ما هو مطروح في تلك اللحظة، حيث تحل حالة المجازفة أو التفريط، وفي كلاهما خسارة متوقعة، والنجاح غير مضمون، ولذلك يتخذ العقلاء من الناس، الاحتياطات اللازمة في كثير من شؤون حياتهم اليومية، بألا يصلوا في أمر ما إلى اللحظة الحرجة التي تجبرهم على اتخاذ قرار مصيري، إما الذهاب أو التوقف، وهو ما يؤول إلى مفهوم التدافع غير مأمون العواقب. يتخذ من خطوات الكفيف؛ الكثير من العبر، فالكفيف لا يسرع في مشيه، حيث يضع خطوته القادمة بكثير من الحذر، خوف الوقوع في مأزق ما؛ حفرة؛ حجرة؛ شجرة، أي جسم مؤذ، حتى يصل إلى بر الأمان، متكئا على عصاه لمآربه الكثيرة، هذه الصورة المتمهلة هي التي يشار إلى الأخذ بها عند كل إنسان يطلب السلامة لدينه، ودنياه، فلا يؤذي غيره، ولا يتعرض لأذى غيره ضده، وهي مسألة ليست صعبة، وتعفيه عن كثير من صور التدافع التي توقعه عاجلا أو آجلا في مآزق الرذيلة؛ وما أكثرها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ولاية مودي الثالثة.. هل هناك بصيص أمل؟

بعد أن أدى ناريندرا مودي، اليمين الدستورية لولاية ثالثة كرئيس لوزراء الهند، ها هو يتخذ لهجة أكثر تواضعًا الآن بعد أن اضطر للانضمام إلى حكومة ائتلافية، وخسر أغلبيته البرلمانية.

استخدم مودي نبرة تصالحية في خطاب ألقاه يوم الجمعة: "لإدارة الحكومة، من الضروري الحصول على الأغلبية. لكن لإدارة الأمة، هناك حاجة إلى توافق في الآراء". كما قام أيضًا بإبراز شركائه الرئيسيين في الائتلاف علنًا في الأحداث. ولكن يظلّ السؤال قائمًا: هل يستطيع مودي حقًا أن يصبح صانعًا للإجماع، وهو ما لم يفعله طوال أكثر من عقدين من الزمن في منصبه رئيسًا للوزراء؟

ولكن كيف حدث ذلك: إليكم قراءة توضح لماذا تحمل نتائج الانتخابات الهندية بصيص أمل؟

يوم السبت الماضي، انتهت الانتخابات الهندية التي استمرّت 6 أسابيع. كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم سيفوز بأغلبية ساحقة، فيما أكد قادة الحزب مرارًا وتكرارًا أن هدفهم الحصول على 400 مقعد في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعدًا. وقد فاز الحزب ولكن نتيجة التصويت لم تكن جيدة بالنسبة لهم.

أظهرت النتائج الرسمية يوم الثلاثاء أن حزب "بهاراتيا جاناتا" تمكن من الفوز بـ 240 مقعدًا فحسب، بانخفاض 63 مقعدًا عن انتخابات 2019، وهكذا فشل في تحقيق الأغلبية التي احتفظ بها على مدى السنوات العشر الماضية.

مع حلفائه سيظل بإمكان الحزب تشكيل الحكومة المقبلة، ولكن الواضح أن الناخبين الهنود لم يعطوه التفويض المطلق الذي أراده.

بدلًا من ذلك، أعاد الشعب الهندي المعنى للديمقراطية. وأكدوا من جديد أن الديمقراطية تعارض الهيمنة الكاملة لفكرة واحدة وصوت واحد. وأثبتوا أنهم في الهند، متعددة الأديان والثقافات، لا يقبلون عزل أتباع دين واحد وتعبئة الأغلبية ضدهم. لقد منحوا الهند العلمانية الأمل في أنه حتى في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الجديدة، هناك إمكانية للتغيير السياسي.

لقد كان موسم الحملة الانتخابية الذي أوصلنا إلى هذا المشهد استثنائيًا. فقد جعل مودي الانتخابات تدور حول نفسه وسعيه إلى السلطة المطلقة. وكان وجه الحملة، حيث أخبر الناخبين في كل دائرة انتخابية زارها أنهم يصوتون له، وأن جميع المرشحين ليسوا سوى ممثلين له.

كما أوضح مودي طموحاته الإمبراطورية. فقد نصب نفسه كإمبراطور هندوسي، محاولًا إقناع الجمهور بأنه كان ينتقم من الفظائع التي ارتكبها المغول، وهم السلالة الإسلامية التي حكمت الهند بين القرنين: السادس عشر والثامن عشر، وأنه بذلك ولأول مرة تأسس حكم الهندوس في الهند تحت قيادته. وأكد أن الأمة الهندوسية كانت في الأفق، ولتحقيق ذلك كانوا بحاجة إلى أن يكون في السلطة.

في نفس الوقت، انغمس مودي في الخطاب المناهض للمسلمين. وكانت خطاباته مليئة بالإساءات والكراهية ضد المجتمع الإسلامي. فقد قام بمحاولة يائسة وخطيرة لتخويف ناخبيه بإخبارهم أن حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض سوف ينتزع ممتلكاتهم ومواردهم الأخرى ويعطيها للمسلمين. وصوّر المعارضة على أنها قوة سياسية مناهضة للهندوس ومؤيدة للمسلمين.

لكن إدارة الحملة الانتخابية فقط على أساس برنامج قومي هندوسي مناهض للمسلمين، أدَّى إلى نتائج عكسية. فقد طلب مودي من ناخبيه تفويضًا مناهضًا للمسلمين، لكنه لم يحصل على ذلك. وهذا مؤشر على أنّ هناك حدودًا لصعود سياسة الكراهية في الهند. كما أنه مؤشّر على أنه من الخطأ التغاضي عن احتياجات الناس اليومية لصالح خطاب استقطابيّ.

لقد أخبرني جميع الشباب الهندوس الذين تحدثت إليهم بأنه عبر تخديرهم بالإيمان بأمة هندوسية، دمرت هذه الحكومة حاضرهم. فلا يوجد عمل ولا آفاق اقتصادية. والضائقة المادية واضحة في جميع أنحاء المناطق الريفية في الهند. ورأى الشباب أن مودي كان يخفي عدم كفاءته بالانغماس في خطاب القومية الهندوسية والكراهية ضد المسلمين، فقرر كثيرون منهم شن حملة ضده.

وعانى حزب بهاراتيا جاناتا من هزيمة رمزية مهمة في دائرة "أيوديا" الانتخابية، وهي المكان الذي قام مودي في يناير/كانون الثاني بتخصيص معبد جديد للإله الهندوسي "رام"، ومدينة "أيوديا" لعبت كذلك دورًا مركزيًا في صعود المد القومي الهندوسي وحزب بهاراتيا جاناتا مع الاحتشاد لهدم مسجد بابري الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر في عام 1992، ثم الحملة اللاحقة لبناء معبد هندوسي مكانه. وكان افتتاح الضريح لحظة مهمة في الحملة الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا. ومع ذلك، صوت شعب "أيوديا" على خروج الحزب الحاكم.

وفاز مودي أيضًا بهامش ضئيل في فاراناسي، وهي مدينة مقدسة أخرى يدعي أنه غيرّها، ففارق الأصوات لم يزد عن 150 ألف صوت، وهو هامش أقل بكثير مما كان عليه في انتخابات عام 2019، عندما فاز بما يقرب من 480 ألف صوت.

من ضمن أسباب التصويت ضد حزب بهاراتيا جاناتا، هو خوف الناس من أن يستخدم الحزب الأغلبية المطلقة لتغيير الدستور. واحتشد الداليت والمحرومون ضد هذا الاحتمال؛ خوفًا من مصادرة جميع الحقوق التي اكتسبوها عبر الدستور.

كما قامت المعارضة ــ التي توحدت أخيرًا بعد سنوات من التنافس تحت راية تحالف الهند – بعمل جيد في حشد الناخبين للدفاع عن الديمقراطية الدستورية في الهند. وعلى الرغم من خسارة هذا التحالف الانتخابات فعليًا، فإنه تمكن من تحسين موقفه في "لوك سابها"، وقد فعل ذلك في مواجهة عدد لا يحصى من التحديات.

وقبل الانتخابات، كانت المعارضة تتخلف كثيرًا عن حزب بهاراتيا جاناتا في جمع التبرعات. وتفاقم الوضع فقط عندما سحبت الوكالات الحكومية الأموال بالقوة من حساب أكبر حزب معارض، "الكونغرس"، وأغلقت حساباته المصرفية.

كما تعرض زعماء المعارضة لمضايقات السلطات، حيث واجه بعضهم مداهمات ورفعت قضايا ضدهم.  وقد أُلقي القبض على رئيسي وزراء ولايتي جهارخاند ودلهي، وهما عضوان في حزبين معارضين، قبل أشهر قليلة من بدء الانتخابات، وكان على المعارضة أيضًا أن تواجه بيئة إعلامية معادية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تحوّلت وسائل الإعلام المهيمنة إلى منصات دعائية لحزب بهاراتيا جاناتا. وخلال الحملة الانتخابية، أظهرت وسائل الإعلام الرئيسية انحيازًا واضحًا ضد المعارضة.

ومع كل هذا، ولأول مرة في تاريخ الهند، عملت لجنة الانتخابات أيضًا بشكل علني لصالح حزب بهاراتيا جاناتا. والتزمت الصمت بشأن الانتهاكات المتكررة لقواعد سلوك الانتخابات من قبل مودي وحزبه، وغضّت الطرف عن الشكاوى المتعلقة بقمع الناخبين والتلاعب بقوائمهم.

إن الرسالة التي أرسلها الناخبون الهنود إلى حزب بهاراتيا جاناتا وبقية النخبة السياسية واضحة. إنهم يريدون عودة الحشمة والكياسة والاحترام المتبادل. ويرفضون اللغة السياسية المسيئة التي يستخدمها حزب بهاراتيا جاناتا، والتي تهين مجتمعات معينة وتشوّه صورتها. وهم يدركون التهديد الذي تتعرض له الفكرة الدستورية للهند في شكل حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة مودي.

لقد أعطى الناخبون الهنود تفويضًا بحماية العلمانية في الهند، وحماية حقوق الأقليات، واحترام المجتمع التعددي. إنّها ولاية لصالح قيم المساواة والحرية والعدالة والأخوّة. وينبغي لنا أن نأمل أن تفهم المؤسسات الدستورية في الهند معناها، وأن تتمكن من حشد القدر الكافي من الشجاعة للوفاء بمسؤولياتها الدستورية.

ويشكل هذا التفويض أيضًا فرصة لحزب بهاراتيا جاناتا لتحرير نفسه من قبضة مودي المتعجرفة والبدء في العمل كحزب سياسي عادي. وفي الوقت الحالي، أصبح كل فرد في حزب بهاراتيا جاناتا مجرد تابعٍ أو نصيرٍ لزعيم الحزب. وقد لاحظ المراقبون السياسيون أن جميع القادة الأقوياء في حزب بهاراتيا جاناتا إما أزيحوا بهدوء أو هُمّشوا من قبل مودي الذي استولى على الحزب مع أميت شاه.

لقد أعطت نتائج الانتخابات فرصة للهند كما عرفت نفسها. إن الهند، التي أصيبت بجراح بالغة بسبب سياسات القوميّة الهندوسية أثناء الأعوام العشرة الماضية، قادرة الآن على شفاء جراحِها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • صدمة جديدة داخل الأهلي.. كولر في مأزق بسبب الزمالك
  • جوتيريش: مليون طفل بغزة يحتاجون إلى الأمان والمدارس والخدمات الصحية
  • ولاية مودي الثالثة.. هل هناك بصيص أمل؟
  • القوات لبري: نأمل منه ومن غيره الالتزام بالدستور ونصوصه
  • استقالة غانتس تترك إسرائيل في مأزق استراتيجي عميق
  • السفير الايراني من الهرمل: نتنياهو اليوم في مأزق
  • على حافة الغابة البدائية: الحلقة (21)
  • عمر جابر ساخرًا: انضمامي للمنتخب بسبب صداقتي بمحمد صلاح "يحدث في عالم سمسم"
  • من البصرة كلنا العراق
  • بعد واقعة عمرو دياب.. ما حكم الصفع على الوجه؟