غزة تواجه عملية تنظيف طويلة بعد القصف الإسرائيلي ..37 مليون طن حطام
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
في تطور حديث، تواجه غزة آثار الحرب الإسرائيلية، حيث يتناثر ما يقرب من 37 مليون طن من الحطام في جميع أنحاء المنطقة، ويحتوي معظمها على ذخائر غير منفجرة.
وكشف بير لودهامار، مسؤول إزالة الألغام السابق في الأمم المتحدة، أن جهود التنظيف هذه يمكن أن تمتد لأكثر من 14 عامًا، مما يسلط الضوء على التحدي الهائل الذي ينتظرنا.
وفقا للجارديان، أدت حملة القصف المكثفة التي شنتها إسرائيل إلى تدمير قطاع غزة، حيث أن 65% من المباني المدمرة هي سكنية. وتتفاقم العملية البطيئة والخطرة لإزالة هذه الهياكل وإعادة بنائها بسبب وجود قنابل وصواريخ وقذائف غير منفجرة مدفونة تحت الأنقاض. وفي المتوسط، لم ينفجر حوالي 10% من هذه الأسلحة عند الاصطدام، مما يستلزم بذل جهود دقيقة لإزالة الألغام.
وفي خضم هذه التحديات، زار وفد مصري برئاسة مسؤول مخابرات كبير إسرائيل لإعادة إحياء المناقشات حول وقف إطلاق النار واتفاق محتمل لإطلاق سراح الرهائن. حذرت مصر من مغبة شن هجوم إسرائيلي على رفح، وهي منطقة حيوية في قطاع غزة، محذرة من تأثيره الكارثي على المدنيين والاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، يقول القادة الإسرائيليون إن كتائب حماس لجأت إلى المدنيين في رفح، وهو ما يبرر عملهم العسكري. وقد أدى تصاعد الغارات الجوية في المنطقة إلى وقوع خسائر مأساوية، بما في ذلك وفاة طفلة حديثة الولادة من رحم أمها المحتضرة خلال غارة جوية على منزلها.
إن حصيلة الصراع مذهلة، حيث أعلنت السلطات الصحية في غزة عن مقتل 34 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، منذ بدأت الحرب رداً على هجوم حماس في أكتوبر. وتصاعدت الضغوط الدولية من أجل وقف إطلاق النار، حيث اتهم الجانبان بعرقلة جهود السلام بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي إسرائيل، تدعو الفصائل اليمينية المتطرفة داخل ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التدخل العسكري في رفح، مما يسلط الضوء على الديناميكيات المعقدة القائمة. وفي الوقت نفسه، تعمل القوات الأمريكية على بناء رصيف عائم لتسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من استمرار المخاوف بشأن احتمال استغلاله كذريعة للعمل العسكري.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
إيران لا تواجه “إسرائيل” فقط.. قراءة أعمق في مشهد الصراع في الشرق الأوسط
لطالما جرى تأطير الصراع في الشرق الأوسط على أنه مواجهة مباشرة بين إيران و”الكيان الصهيوني”، وكثيرًا ما تم تقديم هذا السرد في الإعلام والخطاب السياسي بوصفه صراعًا تقليديًا بين دولتين تتنازعان النفوذ والمصالح في الإقليم. إلا أن هذا الطرح، رغم انتشاره، يُعد تبسيطًا مخلًا لواقع مختلف تمامًا وأكثر تعقيدًا وتشابكًا.
في جوهر الأمر، “الكيان الصهيوني” ليس كيانًا منفصلًا يتحرك بإرادة مستقلة تمامًا عن القوى الغربية الكبرى، بل هو أشبه ما يكون بقاعدة متقدمة أو أداة تنفيذية في مشروع استعماري عالمي، تتشارك فيه عدة قوى كبرى، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، هذه القوى، التي يمكن تسميتها مجتمعة بـ”قوى الطاغوت العالمي”، تمتلك من أدوات التأثير والتوجيه ما يجعل من “الكيان الصهيوني” مجرد واجهة للصراع، لا محركه الحقيقي.
إن طبيعة التغلغل الغربي في المنطقة، عبر العسكرة والسيطرة الاقتصادية والهيمنة الثقافية، تُظهر أن الصراع يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية بين دولتين. فإيران، بما تمثله من موقف سياسي معادٍ للهيمنة الغربية، لا تخوض معركة ضد “الكيان الصهيوني” فحسب، بل في واقع الحال تقف في مواجهة منظومة عالمية تسعى لإعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح الاستراتيجية للأمة العربية والإسلامية.
من هنا، فإن النظر إلى “الكيان الصهيوني” باعتباره الخصم الوحيد أو الأساسي لإيران، يُفقدنا القدرة على فهم التوازنات الكبرى، ويُغفل الطابع البنيوي للصراع، الذي يتجسد في مقاومة النفوذ الغربي الشامل، لا مجرد الاحتلال الصهيوني لفلسطين؛ فالدعم الغربي اللا محدود لـ”الكيان الصهيوني”، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، يضعه في موضع الامتداد الطبيعي لقوى الهيمنة، وليس كيانًا منفصلًا عنها.
لقد جاءت الهجمات الصهيونية الأخيرة، مساء الخميس 12 ويوم الجمعة 13 يونيو 2025م، والتي طالت عددًا من المواقع الإيرانية، شملت منشآت نووية كبرى مثل ناتانز وفوردو وأصفهان وخنداب، بالإضافة إلى قواعد عسكرية ومراكز قيادة بارزة “وفقاً للأخبار المتداولة”، وقد نجم عن هذه الغارات استشهاد قادة عسكريين كبار، في مقدمتهم اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري، إلى جانب عدد من القادة والعلماء والخبراء النوويين.
ردّت إيران مساء الجمعة بهجوم صاروخي واسع، استهدفت مناطق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك يافا السماه إسرائيليًا “تل أبيب”، وقد تسببت الضربات في خسائر مادية وبشرية كبيرة داخل الكيان.
هذا التبادل لم يكن مجرد رد فعل، بل تجلٍ لصراع أكبر بين مشروعين متضادين: أحدهما يسعى لترسيخ الهيمنة الغربية، والآخر يسعى لتفكيكها عبر مقاومة شاملة وصولاً لإحلال سلام دائم في المنطقة، فالإيرانيون، بردّهم، أعلنوا نهاية زمن الضربات أحادية الجانب، مؤكدين دخول المنطقة عصر الردع المتبادل، ولو بتكلفة باهظة.
ما يلفت الانتباه أن التصعيد الأخير لم يلقَ ردًا دوليًا يُدين “الكيان الصهيوني” باستثناء عدد من الدول والمنظمات الإسلامية والأحزاب، رغم استهدافه المباشر لقادة رسميين ومراكز علمية.. في المقابل، سارع الغرب إلى تحميل إيران مسؤولية التصعيد، في مشهد يعكس بوضوح ازدواجية المعايير وتواطؤ المنظومة الغربية مع أدواتها الإقليمية.
وهنا تبرز أهمية الوعي الشعبي: فكل تصعيد عسكري هو امتحان لمدى قدرة الشعوب والنخب على قراءة ما وراء الأحداث.. فاختزال الصراع في كونه “نزاعًا ثنائيًا” بين إيران و”الكيان الصهيوني” يغفل حقيقة أن المعركة تدور على مصير أمة بأكملها.
الصراع لم يعد محصورًا في تبادل الضربات التكتيكية، بل انتقل إلى مستوى استراتيجي يهدف إلى تغيير قواعد الاشتباك، فالرد الإيراني الأخير، يؤسس لمرحلة جديدة من الردع؛ هذا الرد لا يعكس فقط قدرة إيران على الوصول إلى عمق “الكيان الصهيوني” بصواريخها الباليستية، بل يرسل رسالة واضحة بأن أي اعتداء مستقبلي سيُقابل برد مباشر ومماثل، مما يضع حدًا للغطاء الأمني الذي كانت توفره المنظومة الغربية لـ”الكيان الصهيوني”، وهذا التحول يفرض على صناع القرار الغربيين إعادة تقييم جدوى استخدام إسرائيل كـ”ذراع” عسكرية في المنطقة، خاصة مع تزايد المخاطر التي قد تطال مصالحهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
الصراع بين إيران والمنظومة الغربية ليس منعزلاً عن التحولات الجيوسياسية العالمية.. بروز قوى عالمية متعددة الأقطاب، مثل الصين وروسيا، وتنامي دورها، قد يقلل من قدرة الغرب على فرض إرادته بشكل مطلق؛ هذا التغير في توازنات القوى العالمية يفتح مساحات جديدة أمام الدول الرافضة للهيمنة، مثل إيران، لتعزيز مواقفها وتحالفاتها؛ فالدعم الإيراني لحركات المقاومة في المنطقة، والذي يراه الغرب عامل زعزعة للاستقرار، هو في حقيقة الأمر حق مشروع كجزء من استراتيجية أوسع لتفكيك منظومة الهيمنة وتغيير خارطة النفوذ الإقليمية.
إن تماسك محور المقاومة، من لبنان إلى اليمن، مروراً بالعراق وسوريا، يُعد تحديًا مباشرًا للمشروع الغربي الهادف إلى إبقاء المنطقة تحت السيطرة.
لا شك أن هذا الصراع يحمل في طياته تكاليف باهظة، بشرية ومادية، على جميع الأطراف؛ ولكن مع ذلك، هذه التكلفة ضرورية لتحقيق استقلال حقيقي وسيادة كاملة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن للمنظومة الغربية أن تتحمل استمرار هذا الصراع، خاصة مع تزايد تكلفته الاقتصادية والبشرية، وتزايد الرفض الشعبي لسياستها في المنطقة والعالم؟
إن فشل الغرب في تحقيق أهدافه في المنطقة، رغم كل أدوات القوة التي يمتلكها، يشير إلى أن المشروع الاستعماري يواجه تحديات غير مسبوقة؛ مستقبل المنطقة يعتمد بشكل كبير على قدرة شعوبها على فرض إرادتها وتحقيق تطلعاتها نحو التحرر من كافة أشكال الهيمنة الخارجية.
ختامًا، “الكيان الصهيوني”، مهما بلغت قوته، لا يتحرك في فراغ، فوجوده متصل مباشرة بالمنظومة الغربية التي تموّله وتغطي جرائمه؛ ومن دون هذه الحاضنة، لن يبقى له موقع على خارطة النفوذ، ولذلك فإن أي فهم للصراع يجب أن ينطلق من هذا التشابك، لا من الصور المضللة التي تُبث عبر الإعلام.
إنه صراع بين مشروع للهيمنة والنهب، ومشروع للمقاومة والتحرر؛ والكيان الصهيوني في هذا السياق، ليس خصم إيران وحدها، بل خصم لكل أبناء أمتنا العربية والإسلامية وكل من يطمح لاستقلالٍ حقيقي وسيادة كاملة على أرضه.