لجريدة عمان:
2025-05-15@09:14:52 GMT

نهاية فـكر الديون السحري

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

على مدار أكثر من عقد من الزمن، زعم عدد كبير من خبراء الاقتصاد -المنتمين إلى اليسار في المقام الأول ولكن ليس حصرا- أن الفوائد المحتملة المترتبة على استخدام الديون لتمويل الإنفاق الحكومي تفوق كثيرا أي تكاليف مرتبطة به. كانت فكرة أن الاقتصادات المتقدمة قد تعاني من أعباء الديون المتراكمة مرفوضة على نطاق واسع، وكانت الأصوات المعارضة موضع سخرية غالبا.

وحتى صندوق النقد الدولي، الذي كان تقليديا من أشد المدافعين عن الحيطة المالية، بدأ يدعم مستويات عالية من التحفيز الممول بالاستدانة.

ثم انقلب المد خلال العامين الماضيين، حيث اصطدم هذا النوع من الـفِـكر السحري بالواقع القاسي المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم والعودة إلى أسعار الفائدة الحقيقية الطبيعية الطويلة الأجل. تؤكد عملية إعادة تقييم حديثة أجراها ثلاثة من كبار خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي على هذا التحول اللافت للنظر.

ويتوقع الباحثون المشاركون في إعادة التقييم أن يرتفع متوسط نسبة الدين إلى الدخل في الاقتصادات المتقدمة إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، ويرجع هذا إلى توقعات نمو هذه البلدان المنحدرة في الأمد البعيد. وهم يشيرون أيضا إلى أن البلدان المتقدمة يتعين عليها، مع تحول تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى الوضع «المعتاد الجديد»، أن تعمل تدريجيا وبشكل جدير بالثقة على «إعادة بناء هوامش الأمان المالية، وضمان استدامة ديونها السيادية». الواقع أن هذا التقييم المتوازن والمدروس بعيد كل البعد عن إثارة الذعر.

ولكن، قبل وقت ليس ببعيد، كان أي اقتراح يوصي بالحصافة المالية سرعان ما يُـرفَـض باعتباره «تقشفا» من قِبَل كثيرين على اليسار. على سبيل المثال، نجد أن كتاب آدم توز الذي نُـشِـر عام 2018 وتناول الأزمة المالية العالمية 2008-2009 وعواقبها، يستخدم كلمة «تقشف» 102 مرة.

في الواقع، حتى وقت قريب للغاية، كانت فكرة التعامل مع عبء الدين العام المرتفع باعتباره مشكلة تكاد تكون من المحرمات. في شهر أغسطس الماضي، قدم باري آيكنجرين وسيركان أرسلانالب ورقة بحثية ممتازة حول الدين العالمي في إطار الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومنغ، حيث وثقا المستويات غير العادية من الديون الحكومية المتراكمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19.

ولكن من الغريب أن المؤلفين امتنعا عن تقديم شرح واضح للأسباب التي قد تجعل هذه الديون تمثل مشكلة تهدد الاقتصادات المتقدمة. هذه ليست مجرد مسألة محاسبية. فبرغم أن البلدان المتقدمة نادرا ما تتخلف رسميا عن سداد ديونها المحلية -حيث تلجأ غالبا إلى تكتيكات أخرى مثل التضخم المفاجئ والقمع المالي لإدارة التزاماتها- فإن عبء الديون المرتفع يضر في عموم الأمر بالنمو الاقتصادي. كانت هذه هي الحجة التي سقتها أنا وكارمن راينهارت في مقال موجز لمؤتمر انعقد عام 2010 وفي تحليل أكثر شمولا شاركنا في تأليفه مع فنسنت راينهارت في عام 2012. أثارت هذه الأوراق البحثية نقاشا محتدما، شابَـه في كثير من الأحيان مغالطة جسيمة. ولم يكن من المفيد أن قسما كبيرا من عامة الناس ناضلوا للتمييز بين تمويل العجز، الذي قد يعمل بشكل مؤقت على تعزيز النمو، والديون المرتفعة التي تميل إلى إحداث عواقب سلبية طويلة الأجل. يتفق خبراء الاقتصاد الأكاديميون إلى حد كبير على أن مستويات الديون الشديدة الارتفاع من الممكن أن تعيق النمو الاقتصادي، سواء من خلال مزاحمة الاستثمار الخاص أو عن طريق تضييق نطاق التحفيز المالي أثناء فترات الركود العميق أو الأزمات المالية.

من المؤكد أن الديون، في حقبة ما قبل الجائحة التي اتسمت بأسعار الفائدة الحقيقية الشديدة الانخفاض، بدت وكأنها بلا تكلفة حقا، الأمر الذي عمل على تمكين البلدان من الإنفاق الآن دون الاضطرار إلى السداد في وقت لاحق. لكن فورة الإنفاق هذه استندت إلى افتراضين. كان الأول أن أسعار الفائدة على الديون الحكومية ستظل منخفضة إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل ترتفع تدريجيا بحيث يتسنى للبلدان ضبط الإنفاق على مدى عقود من الزمن.

وكان الافتراض الثاني يتلخص في أن احتياجات الإنفاق المفاجئة والضخمة -على سبيل المثال، التعزيز العسكري ردا على عدوان أجنبي- يمكن تمويلها من خلال تحمل مزيد من الديون.

في حين قد يزعم بعض المراقبين أن البلدان قادرة ببساطة على تحقيق النمو للخروج من الديون المرتفعة، مستشهدين بطفرة ما بعد الحرب في الولايات المتحدة كمثال، فإن بحثا حديثا أجراه الاقتصاديان جوليان أكالين ولورنس م. بول يدحض هذه الفكرة. يُـظـهِـر بحثهما أنه في غياب الضوابط الصارمة على أسعار الفائدة التي فرضتها الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والارتفاعات التضخمية الدورية، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا لتبلغ 74% عام 1974، بدلا من 23%. النبأ السيئ هنا هو أن هذه التكتيكات، في البيئة الاقتصادية اليوم والتي تتسم باستهداف التضخم والأسواق المالية العالمية الأكثر انفتاحا، ربما لم تعد قابلة للتطبيق، الأمر الذي يستلزم إدخال تعديلات كبيرة على السياسة المالية في الولايات المتحدة.

من الإنصاف أن نقول أيضا إن الذعر بشأن الدين العام غير مبرر، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة. والنوبات العَرَضية من التضخم المرتفع أو الفترات الطويلة من القمع المالي ليست كارثية. لكن من الأهمية بمكان أن نؤكد على أنه في حين يتمكن الأثرياء من الوصول إلى مجموعة من خيارات الاستثمار التي تمكنهم من تخفيف التأثير المترتب على مثل هذه التعديلات المالية، فإن المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يميلون إلى تحمل القسم الأعظم من وطأة التكاليف.

باختصار، قد يكون الدين الحكومي أداة قيمة لمعالجة عدد لا حصر له من التحديات الاقتصادية. لكنه ليس -ولم يكن قَـط- بلا ثمن.

كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد وحاصل على جائزة دويتشه بنك في الاقتصاد المالي لعام 2011، وهو مؤلف مشارك لكتاب «هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة المالية» ومؤلف كتاب لعنة النقد.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصادات المتقدمة

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)

2025-05-14alineسابق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا ونتطلع لمزيد من التعاونالتالي أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها انظر ايضاًأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها

آخر الأخبار 2025-05-14أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها 2025-05-14وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X) 2025-05-14ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا ونتطلع لمزيد من التعاون 2025-05-14ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نؤكد دعمنا لوحدة سوريا واستقرارها ونشيد بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عنها 2025-05-14ترامب: قرارنا برفع العقوبات عن سوريا سيمنحها فرصة عظيمة وقوبل بترحيب عالمي 2025-05-14الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نبحث تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية والتقيت الرئيس أحمد الشرع بعد رفع العقوبات عن سوريا 2025-05-14وزير المالية: رفع العقوبات عن سوريا يسهم بتوفير البيئة المواتية لعودة اللاجئين وتأمين الخدمات لهم 2025-05-14السياحة: رفع العقوبات عن سوريا يدعم ‏عودة الاستثمار السياحي إليها 2025-05-14المبادرات المجتمعية في حملات التشجير تدعم جهود المؤسسات العامة في تحسين الواقع البيئي 2025-05-14وفد من رجال الأعمال الصينيين يبحث فرص الاستثمار في المدينة الصناعية بحسياء

صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • الكهرباء: تسهيل فتح الاعتمادات المالية لاستيراد الغاز التركمانستاني
  • وزير المالية: نستهدف تبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية وخفض تكاليف الإنتاج فى مصر
  • غياب الحكامة وضع نهايةً لأحيزون.. وزيرة المالية: أعدنا النظر في المجالس الإدارية لمجموعة من الشركات والمقاولات العمومية
  • وزير المالية: ندرس طرح صكوك محلية.. وسندات تخاطب المواطن.. وأخرى للمصريين بالخارج
  • «كجوك»: 3 أولويات للسياسات المالية لدفع النشاط الاقتصادي وخفض مديونية الحكومية
  • الرقابة المالية تقرر مد فترة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو الجاري
  • الرئيس التنفيذي لهيئة قطر للأسواق المالية: استضافة قطر لاجتماع "الأيسكو" في نسخته الـ50 تتوج مكانتها المتقدمة في مجال أسواق رأس المال
  • محافظ صلاح الدين يطلق مشروع شارع البلاج في حي القادسية
  • الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو الجاري