بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ الأحد جولة تشمل ثلاث دول في أوروبا وسط انقسام في القارة بشأن كيفية التعامل مع قوة الصين المتنامية والتنافس بين واشنطن وبكين.

وفي زيارته الأولى إلى أوروبا منذ العام 2019، اختار شي اعتماد التوازن الدبلوماسي في محطاته: فبعد زيارة الدولة إلى فرنسا التي تدعوه منذ زهاء عام إلى "حمل روسيا على تحكيم العقل" بشأن الحرب في أوكرانيا، يتوجه الرئيس الصيني إلى صربيا والمجر القريبتين من موسكو.

وفي ظل المخاوف الأوروبية من التراجع اقتصاديا في ظل التنافس بين أقوى اقتصادين في العالم، أي الولايات المتحدة والصين، فتحت بروكسل خلال الأشهر الماضية سلسلة تحقيقات بشأن حزم الدعم التي تقدمها الحكومة الصينية لبعض القطاعات الصناعية خصوصا السيارات الكهربائية.

ويخشى الأوروبيون والأميركيون من أن هذا الدعم الحكومي يقوّض المنافسة وقد يلحق ضررا بالاقتصاد العالمي.

وتخسر شركات صناعة السيارات الأوروبية قوتها أمام السيارات الكهربائية الصينية المدعومة. ويشعر الدبلوماسيون بالقلق من وجود جواسيس صينيين مزعومين في العواصم الأوروبية. ويثير استمرار التجارة الدفاعية بين الصين وروسيا قلق أي شخص في أوروبا يدعم أوكرانيا التي مزقتها الحرب ويخشى ألا يتوقف الجيش الروسي عند هذا الحد.

وتربط بين أوروبا والصين علاقات اقتصادية قوية، حيث تقدر التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنحو 2.3 مليار يورو يوميا، ويبدو شي عازما على إعادة بناء وتعميق العلاقات مع الزعماء الأوروبيين بعد غياب طويل بسبب جائحة كوفيد-19.

وستحظى رحلة شي بمتابعة وثيقة في واشنطن بحثا عن علامات على تراجع الدعم الأوروبي لأهدافها الرئيسية في السياسة الخارجية. وفي الوقت نفسه، هناك حالة من عدم اليقين المتزايد في أوروبا بشأن الدعم الأميركي المستقبلي للحلفاء عبر المحيط الأطلسي، بحسب "أسوشيتد برس". 

ووصل شي الأحد إلى فرنسا حيث كان في استقباله بعيد الساعة الرابعة بعد الظهر (16,00 بتوقيت غرينتش) رئيس الوزراء غابرييل أتال في مطار أورلي.

ويعقد شي الاثنين خلال الزيارة التي تتزامن مع ذكرى مرور 60 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية الفرنسية الصينية، سلسلة اجتماعات مع ماكرون الذي استبق زيارته بمشاورات مع المستشار الألماني أولاف شولتس.

وصباح الاثنين، تنضم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى الرئيسين في قصر الإليزيه في جلسة يتوقع أن تثار خلالها النزاعات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي.

وفي حين لم يتم الكشف بعد عن توقيع أي عقد كبير، ستتواصل النقاشات بشأن الاستثمارات حتى النهاية. ومن المقرر أن يعقد منتدى اقتصادي صيني-فرنسي الاثنين في مسرح مارينيي.

بعد الظهر، يُنظم حفل استقبال رسمي للرئيس الصيني بحفاوة بالغة في قصر ليزانفاليد. وقبل مأدبة في الإليزيه، يلتقي ماكرون وشي على انفراد في اجتماع طابعه سياسي، ثم يتحدثان أمام الصحافة. 

ومن المتوقع أن يحث الرئيس الفرنسي نظيره الصيني على تقليص أوجه الخلل التجاري بين البلدين واستخدام نفوذه على روسيا في ما يتعلق بالحرب على أوكرانيا.

التبادل التجاري بين الصين وفرنسا حتى عام 2022

ومن غير المرجح أن يتحقق ما يأمل فيه ماكرون بسهولة في وقت تتزايد فيه الخلافات التجارية بين أوروبا والصين.

وتدعم فرنسا تحقيقا يجريه الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات السيارات الكهربائية الصينية، في حين تتهم بكين أوروبا بـ"الحمائية" وتعتزم جعل موقفها واضحا في باريس.

وفتحت الصين في يناير تحقيقا بشأن الدعم الحكومي لبعض المنتجات مثل مشروب الكونياك الفرنسي، وهو ما يتوقع أن يثير ماكرون تحفظات بشأنه.

وقال مسؤولون إن فرنسا ستسعى أيضا إلى إحراز تقدم بشأن فتح الأسواق الصينية أمام صادراتها الزراعية وحل القضايا المتعلقة بمخاوف صناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية، بحسب وكالة "رويترز".

ويعتزم الرئيس الفرنسي أن يطلب من الصينيين دعم "هدنة أولمبية" لتعليق "كل" النزاعات خلال دورة ألعاب باريس هذا الصيف. 

وتحرص فرنسا على مطالبة الصين بالضغط على موسكو لوقف عملياتها في أوكرانيا. ولم يتحقق تقدم يذكر حتى الآن، باستثناء قرار شي الاتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي للمرة الأولى بعد وقت قصير من زيارة ماكرون لبكين العام الماضي.

تقدّم الصين دعماً للاقتصاد الروسي، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 30 في المئة تقريباً في العام 2022، في اتجاه شهد نمواً في العام 2023، وفقاً لأليس إيكمان من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (IESIE).

وقفزت واردات النفط الروسي في الصين بنسبة 55 في المئة في مايو 2021 ومايو 2022، لتصبح موسكو تاليا المورد الرئيسي للنفط إلى الصين، وفقاً لأرقام الجمارك الصينية.

وتتهم واشنطن بكين بتقديم مساعدات حاسمة لروسيا. ويقول وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنّها "المورّد الرئيسي للآلات والإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصلات المتفجّرة التي تعتبر ضرورية لتصنيع الصواريخ والذخائر، بالإضافة إلى المكوّنات الأخرى ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن تستفيد منها موسكو لتعزيز صناعتها الدفاعية".

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي "إذا كان الصينيون يسعون إلى تعميق العلاقات مع الشركاء الأوروبيين، فمن المهم حقا أن يستمعوا إلى وجهة نظرنا ويبدأوا في أخذها على محمل الجد"، بحسب ما تنقل عنه "رويترز". 

وفي مقابلة مع صحيفة "لا تريبون" نشرت الأحد، أقر ماكرون بعدم وجود "إجماع" لدى الأوروبيين بشأن الاستراتيجية الواجب اتباعها، لأن "بعض الأطراف لا يزالون يرون الصين كسوق للبيع"، في حين أنها "تقوم بالتصدير بشكل هائل نحو أوروبا".

وحضّ على "حماية أفضل لأمننا القومي"، والتمتع "بواقعية أكبر بكثير في دفاعنا عن مصالحنا"، و"نيل المعاملة بالمثل" في التبادلات مع الصين.

وتؤكد الصين رسميا أنها على الحياد في حرب أوكرانيا، إلا أنها تعرضت لانتقادات غربية على خلفية عدم إدانتها الغزو الروسي. كما شهدت العلاقات بين موسكو وبكين تقاربا منذ اندلاع النزاع في فبراير 2022.

وقال شي في مقال نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية "نأمل أن يعود السلام والاستقرار بسرعة إلى أوروبا، ونعتزم العمل مع فرنسا والمجتمع الدولي برمته لإيجاد سبل جيدة لحل الأزمة".

ويؤكد الإليزيه أن ما تريده فرنسا هو "تشجيع (الصين) على استخدام" نفوذها لدى روسيا "للمساهمة في حلّ للنزاع".

وكان ماكرون نقل الرسالة نفسها قبل عام خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى الصين، وحقق نتائج متواضعة.

سيحاول ماكرون تكرار هذا الموقف خلال محطة في جبال البيرينيه الثلاثاء، ستكون شخصية أكثر، إذ يترافق فيها الرئيسان مع زوجتيهما. وتهدف هذه المأدبة في ممر تورماليه الجبلي حيث كان ماكرون يمضي إجازاته طفلا لدى جدته، إلى كسر البروتوكول الدبلوماسي وخوض نقاش صريح ومباشر خصوصا بشأن أوكرانيا، بحسب وكالة "فرانس برس". 

أما بشأن قضايا حقوق الإنسان في الصين، فأكد ماكرون أنه يؤثر إثارة "التباينات... خلف الأبواب الموصدة". ولا تصرّ باريس على منح مسألة تايوان أولوية، على رغم ما تشكّله من نقطة خلاف أساسية بين بكين وواشنطن.

وتجمع مئات من الناشطين التبتيين الأحد في ساحة الجمهورية في باريس احتجاجا على زيارة الرئيس الصيني إلى فرنسا "دولة حقوق الإنسان" التي ترحب بـ"ديكتاتور".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الرئیس الصینی فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

ماكرون: فرنسا ستشارك مع مصر في تنظيم مؤتمر لدعم وإعادة إعمار غزة

أعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون عن شكره للمفاوضين من مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا، وذلك في تصريحات أدلى بها فور وصوله إلى شرم الشيخ للمشاركة في مؤتمر السلام.

وأكد الرئيس الفرنسي حسبما ذكرت صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية اليوم الاثنين، ضرورة استئناف العمليات الإنسانية بغزة في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أن فرنسا ستكون أحد الأطراف الفاعلة وأن باريس ستشارك مع مصر في تنظيم مؤتمر لدعم القطاع وإعادة إعماره.

وقال إن فرنسا ستلعب دورًا مهما في دعم السلطة الفلسطينية لتحقيق السلام في قطاع غزة، وخاصة في كل ما يتعلق بالقضايا الإنسانية وعلى رأسها الأطفال الجرحى والذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب، كما ستلعب فرنسا دورها في القضايا الأمنية.

قمة شرم الشيخ للسلام

وتستضيف مصر اليوم الإثنين قمة دولية في مدينة شرم الشيخ، بمشاركة أكثر من 20 من قادة وزعماء العالم، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شامل لإنهاء الحرب في قطاع غزة.

وتأتي القمة بدعوة من جانب مصر والولايات المتحدة، التي تسعى إلى إطلاق المرحلة التالية من خطتها للسلام، بما يشمل التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في غزة، ووضع ترتيبات ما بعد الحرب في القطاع، لا سيما ما يتعلق بالحكم والأمن وإعادة الإعمار.

أهداف قمة شرم الشيخ للسلام

تهدف القمة إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي.

القادة المشاركين في قمة شرم الشيخ للسلام

يشارك في قمة شرم الشيخ للسلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا، إلى جانب العاهل الأردني، ورؤساء حكومات إيطاليا وإسبانيا وباكستان، وغيرهم.

اقرأ أيضاًماكرون من شرم الشيخ: يجب أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في حكم غزة

مساعد وزير الخارجية الأسبق: قمة شرم الشيخ للسلام تاريخية

مقالات مشابهة

  • السفير الصيني لـ"الرؤية": إجماع عالمي على مبدأ "الصين الواحدة".. وتربطنا بسلطنة عُمان صداقة راسخة
  • السفير الصيني لـ"الرؤية": هناك إجماع عالمي على مبدأ "الصين الواحدة"
  • واشنطن تسعى لترتيب لقاء بين ترامب والرئيس الصيني لتهدئة التوترات التجارية
  • لأول مرة منذ عشر سنوات.. كوردستان دون غارات تركية خلال شهر
  • موسكو تهاجم ماكرون: يحاول فرض شروط أوكرانيا علينا
  • اليوم ..الشرع في موسكو لبحث العلاقات بين روسيا وسوريا
  • روسيا تمهد لنشر مليوني جندي احتياط في أوكرانيا
  • سيناريوهات الحرب بين روسيا وأوروبا
  • ماكرون: فرنسا ستنشر قوة أممية في غزة وتدعم تدريب قوات الأمن الفلسطينية
  • ماكرون: فرنسا ستشارك مع مصر في تنظيم مؤتمر لدعم وإعادة إعمار غزة