تتعرض عملة "الفرنك الأفريقي"، التي يُنظر إليها على أنها إرث عفا عليه الزمن من الحقبة الاستعمارية واستمرار الهيمنة الفرنسية، لانتقادات شديدة من الشباب الأفريقي، وجزء من النخب وصولا إلى أعلى قمة للدول.

نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن قرار مجموعة من الدول في غرب أفريقيا التخلي عن الفرنك كعملة رسمية، واعتماد عملة جديدة تسمى "الإيكو".



وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العملة المشتركة المرتبطة باليورو، باعتبارها إرثا استعماريا، والمرفوضة من قبل الرئيس الجديد للسنغال، يبدو أنه سيكون محكوما عليها بالزوال في أجل قَصير أو مُتوسط. ولا يخلو الأمر من المخاطر على الجبهة الاقتصادية.

وجعل كل من رئيس السنغال بَسِّيرُ دِيوماي ، والمعارض ورئيس الوزراء عثمان سونكو، نهاية الفرنك الأفريقي شعارا لحملتهما السياسية، ورفعاه كرمز باعتباره قضية سيادة وطنية.

ويتجلى العداء تجاه الفرنك الفرنسي أيضا في دول الساحل الثلاث،ـ بوركينا فاسو ومالي والنيجر، من قبل المجالس العسكرية التي شكلت تحالف الساحل. 

وردا على العقوبات الاقتصادية، قررت هذه الدول الثلاث مؤخرا الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي الكتلة الإقليمية التي كانت تضم خمسة عشر دولة قبل انسحاب هذه الدول الثلاث.

وتريد الدول المتمردة الثلاث الآن الاتفاق على إنشاء عملة مشتركة. وقد قال عبد الرحمن تياني، قائد الحرس الرئاسي في النيجر، في خطاب متلفز يوم 11 شباط/فبراير الماضي: إنه "لم يعد من المقبول أن تكون دولنا بقرة فرنسا الحلوب. العملة هي مرحلة للخروج من هذا الاستعمار، إنها علامة على السيادة".

وأشارت الصحيفة إلى أن التلاعب بعملة بلد ما يثير بطبيعته نقاشات حماسية غالبا ما تغذيها الأطراف المتطرفة. يقول أبو كين، الخبير الاقتصادي في جامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار: "إن العملة مسألة سياسية قبل أن تكون اقتصادية. لعدة سنوات، كانت هناك رغبة في غرب أفريقيا للتحرر من الحقبة الاستعمارية التي تعتبر العملة جزءا منها".

وفي سنة 2017، أثار الفعل الرمزي للناشط الأفريقي كيمي سيبا بحرق عملة بقيمة 5000 فرنك إفريقي، والذي ترتب عليه طرده من السنغال ومحاكمته، ضجةٌ على وسائل التواصل الاجتماعي.

محرك أو عائق للتنمية
وبعيدا عن القضايا الجيوسياسية، تنقسم الآراء حول التأثير الاقتصادي لهذه العملة، هل الفرنك الأفريقي محرك أم عائق للتنمية؟ 

وفي هذا السياق، يسلط المدافعون عنها الضوء على الجاذبية والاستقرار الذي توفره مظلة الخزانة الفرنسية، وضمان قابلية التحويل والثبات النقدي. أما منتقدوها فيعيبون ربط الفرنك باليورو الذي يضر بالتنافسية، ويستنكر البعض الأثر السلبي للضمان الاصطناعي الذي لا يُحفز على إصلاحات الحوكمة، مما يبقي الحكام السلطويين في السلطة. 

وعلى أي حال، فإن الخروج من هذه التبعية لن يكون خاليا من المخاطر بالنسبة للبلدان التي لا تزال هشة وعرضة للصدمات الخارجية.

وكانت الفكرة الأولية، التي نشأت في سنة 1939، والمتمثلة في إنشاء منطقة نقدية لأقاليم ما وراء البحار، تهدف إلى قيام بنك فرنسا بالحفاظ على هذه المناطق "من التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف". وأدى ذلك في سنة 1945، إلى جانب اتفاقيات بريتون وودز، إلى إنشاء منطقة الفرنك في "المستعمرات الفرنسية في أفريقيا". وتم استخدامه في جميع المستعمرات الفرنسية، ووقع تقسيمه إلى منطقتين: غرب أفريقيا ووسط أفريقيا. وقد أظهر منذ ذلك الحين قدرا كبيرا من الاستقرار، ونجا حتى من الاستقلال، وأزمات وتوترات متعددة، حتى وصول اليورو.

ويؤكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الاستثماري ليونيل زينسو، رئيس الوزراء الأسبق لجمهورية البنين أن "عملة الفرنك لم تشهد في تاريخها سوى انخفاض واحد في قيمتها في سنة 1994"، مشيرًا إلى أن الأمر المضحك هو أن ألمانيا التي يُضرب بها المثل في قوتها الاقتصادية هي واحدة من الدول التي غيرت عملتها أكثر من مرة في القرن العشرين".

”من بقايا إفريقيا الفرنسية“
ونظرا لمتطلبات الاستقلال، تم تغيير تسمية فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا (سي إف أ) - الذي يشمل الدول الثمانية الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا - إلى "الجماعة المالية الأفريقية"، تم تغيير المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (سيماك)، إلى "التعاون المالي الأفريقي". 

ومنحت الإصلاحات البنكين المركزيين المزيد من الاستقلالية عن الحكومات، ومن دون قطع الرابط الأصلي، أدى إصلاح 2020 الذي أقره إيمانويل ماكرون ونظيره الإيفواري الحسن واتارا، إلى تقليص الوصاية الفرنسية.

ومن ثم أدرك الرئيس الفرنسي أن الفرنك الأفريقي "يُنظر إليه على أنه من بقايا فرنسا الأفريقية" وأنه من الضروري الرد على الانتقادات. 

وفي هذا الصدد، يتم الحفاظ على سعر التعادل الثابت مع اليورو عند سعر 655.90 فرنك أفريقي بالإضافة إلى الضمانة المقدمة من الخزانة الفرنسية، أي أن فرنسا تتعهد بتغطية الاحتياطيات إذا لزم الأمر.

وحدث هذا مرة واحدة فقط خلال ثمانين سنة تقريبا. لكن الاحتياطيات موضوعة الآن بالكامل في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، بينما كان من الواجب إيداع نصفها في حساب في فرنسا في السابق. ولم يعد ممثلو وزارة الخزانة يشاركون في هيئات الحكم.

من جهتها، تقول إيميلي لافيتو، الباحثة المتخصصة في أفريقيا: "يظل ضمان الخزانة ضمانا قويا للأسواق وضد هجمات المضاربة وضد مخاطر انخفاض قيمة العملة"، كما لعب الفرنك الأفريقي دور 'ممتص" للصدمات في مواجهة الأزمات المتعاقبة: الوباء، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الفائدة. وكان الارتفاع في الأسعار داخل الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا محدودًا أكثر منه بين جيرانها، خاصة في نيجيريا الكبرى التي تواجه تضخما يتجاوز 30 بالمئة وانهيار قيمة النيرا.

في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، بعد ذروة بلغت 9 بالمئة في سنة 2022، انخفض متوسط معدل التضخم إلى أقل من 3 بالمئة في بداية سنة 2024. ويُنظر إلى الفرنك الأفريقي على أنه "ملاذ آمن"، حسب العديد من الخبراء، حيث أن الجهات الفاعلة الاقتصادية والأسر والشركات، وما إلى ذلك، يشترون سندات الخزانة ويستثمرون ويتاجرون بالفرنك الأفريقي.  

ومن جانب آخر، أوضح ليونيل زينسو: "أن عدم وجود أسعار فائدة متعددة في منطقة الفرنك يشهد على هذه الثقة". ولا تواجه الشركات الأجنبية مشكلة في العودة إلى الوطن كما كان الحال مؤخرا في نيجيريا.

ويستخدم الجيران الفرنك، سواء كانوا من الغانيين أو النيجيريين، لحماية مدخراتهم. ويؤكد الخبير أبو كين أن "الفرنك الإفريقي له العديد من المزايا الاقتصادية، على صعيد استقرار الأسعار وثقة المستثمرين".

 وفيما يتعلق بمصداقية السياسة النقدية، تخضع البلدان للانضباط الجماعي، ومركزية احتياطيات النقد الأجنبي التي يمكن أن تحمي بعض البلدان التي تواجه صعوبات. وهو يدرك أن الارتباط باليورو وتشديد السياسة النقدية يخلفان تأثيرا سلبيًا على تمويل الاقتصاد في ظل معدلات ائتمان مرتفعة للغاية، من 18 بالمئة إلى 20 بالمئة.

في المقابل، ينتقد الخبير الاقتصادي كاكو نوبوكبو، مفوض الاتحاد الاقتصادي والنقدي لأفريقيا الغربية، السياسة النقدية التي يتمثل هدفها الوحيد في مكافحة التضخم، مشيرا إلى أنه "يجب أن يكون التوظيف متكاملا، على غرار بنك إنجلترا الذي يذكر ذلك صراحة. وهذا التحدي كبير حيث يتضاعف عدد السكان كل خمسة وعشرين سنة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي أفريقيا فرنسا فرنسا أفريقيا الإستعمار الفرنك الافريقي المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة غرب أفریقیا التی ی فی سنة

إقرأ أيضاً:

السلطات الفرنسية تتهم فلسطينيا بتمويل الإرهاب والضلوع بمحاولات اغتيال

اتهمت السلطات الفرنسية فلسطيني بتمويل الإرهاب والتواطؤ في محاولات اغتيال، بعد الاشتباه بصلته بـ "هجمات ضد إسرائيليين" بالضفة الغربية مطلع عام 2023.

ويحاكم هذا الفلسطيني بتهمة الانتماء إلى مجموعة إرهابية بهدف "التحضير لجرائم اعتداء على أشخاص وتمويل الإرهاب والتواطؤ في محاولات اغتيال تتعلق بتنظيم إرهابي"، بحسب ما أكدت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب لوكالة "فرانس برس".

وجرى وضع المشتبه فيه الفلسطيني وعمره في الثلاثينات ضمن الحبس الاحتياطي، دون ذكر مزيد من التفاصيل.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة وشرق القدس، الأمر الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 530 فلسطينيا وإصابة نحو 5 آلاف.


ويذكر أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، دعا، إلى وضع حد لسفك الدماء غير المسبوق في الضفة الغربية المحتلة، 

وأضاف تورك: "من غير المنطقي إطلاقا أن يُحصَد هذا العدد الكبير من الأرواح بهذه الطريقة الوحشية".

ونتيجة ذلك، انتقدت "إسرائيل" تصريحات تروك، مشيرة إلى "الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، غالبيتهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال"، وفقا لبيانات إسرائيلية رسمية.

وتبرر "إسرائيل" أن عملياتها العسكرية في الضفة الغربية تأتي بهدف "ملاحقة مطلوبين بجرائم إرهابية".


وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن المدعي العام للجنائية الدولية السعي إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت.

وتضمنت الجرائم الإسرائيلية "تجويع المدنيين أسلوبا من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب"، و"التسبب عمدا في معاناة شديدة أو إلحاق أضرار جسيمة بالجسم أو الصحة"، و"القتل العمد"، و"توجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب"، و"الإبادة و/ أو القتل".

ولليوم 245 على التوالي، يواصل الاحتلال إبادته لسكان غزة، وارتكب خلال الساعات الـ 24 الماضية 8 مجازر، وصل منها للمستشفيات 77 شهيدا و 221 إصابة، بحسب وزارة الصحة في غزة.


وخلف العدوان الإسرائيلي على غزة الذي دخل شهره التاسع نحو 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وقرابة 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأشخاص.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أمس الخميس، أن عدد الشهداء الفلسطينيين بلغ 36654 شخصا، فيما أصيب 83309 آخرون، في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة المحاصر، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.

مقالات مشابهة

  • رحيل مبابي يكبد الخزانة الفرنسية خسائر طائلة
  • السلطات الفرنسية تتهم فلسطينيا بتمويل الإرهاب والضلوع بمحاولات اغتيال
  • الحزب الحاكم بجنوب أفريقيا يعتزم تشكيل حكومة وحدة بعد خسارته أغلبيته البرلمانية
  • بشير التابعي: الشناوي هو حارس مصر الأول وأحيى حسام حسن بعد إشادته باللاعبين
  • رئيس "سبير بنك" الروسي: لن تكون هناك قفزات كبيرة في سعر صرف الروبل حتى نهاية العام
  • قبل نهاية العام .. روسيا تسير رحلات جوية مباشرة إلى السعودية
  • رئيس جامعة المنصورة يشارك في أعمال المعرض الطبي الأفريقي
  • صحيفة ليكيب: تأجيل كأس أمم أفريقيا في المغرب
  • المؤتمر الوطني بجنوب أفريقيا يبحث خيارات تشكيل حكومة بعد تراجع مقاعده
  • تأجيل كأس أمم أفريقيا في المغرب