يوميات مسافر.. لا أحد ينام في الطريق إلى أوزبكستان
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
طشقند – يمكن القول -بغير كثير من المبالغة- إن ركاب تلك الرحلة المتجهة إلى طشقند الأكثر حماسة على الإطلاق، ولمَ لا؟ فبانتظارهم حكايات شرقية ماتعة تكاد تكون مختلسة من الزمن على طريق الحرير التاريخي.
استقبلتنا المضيفة بتحية روسية لم أعرف جوابها، سألتني سؤالا خمنت أن يكون عن رقم المقعد في الطائرة الأوزبكستانية الكبيرة، فأجبت بالتركية التي خمنت أن تفهمها، فأشارت للمقعد.
يتحرك صف الركاب ببطء إلى مقاعدهم، وأحدق في اللاشيء، فتلتقي نظراتي مع كهل بملامح وسط آسيوية واضحة يبتسم لي فأبادله الابتسام بلا كلام، وعندما أمر بحذائه ينتصب واقفا ويمد لي كلتا يديه للسلام بحرارة غير معهودة بين الأغراب ويقول شيئا بالروسية لم أفهمه فأحييه وأتمنى له رحلة سالمة فيفهم قليلا من جوابي، ويقول "السلام عليكم" ثم يفسح لي المجال لأمر.
يجلس بجواري سائح تركي كثير التردد على أوزباكستان وسيدة أوزبكية مسنة عائدة إلى بلادها، يقول الرجل بلا مناسبة: أراهن أن الطائرة لن تتحرك إلا قبل نصف ساعة، وقد كان؛ نقضي الوقت بالكلام وأشارك معهما قليلا قبل أن تنطلق الطائرة ويقضي ركابها ساعات طويلة في حوار مفتوح حول كل شيء.
ورغم قرب المسافة نسبيا بين آسيا الوسطى والبلاد العربية، لكن رحلات الطيران قليلة نوعا ما، ما يجعل سعرها أغلى من تلك المتجهة لأوروبا مثلا، لكن ما تخسره في رحلة الطيران تكسبه في تلك البلاد الساحرة التي لا ترهق ميزانيتك، وتستطيع التمتع بفصولها الثلاثة المبهجة مع استثناء شتاؤها قارس البرودة.
آلة الزمنلا يشبه فيديو "إعدادات السلامة" الخاص بطائرة الخطوط الأوزبكستانية سواه، كأنه رحلة قافلة تجارية عبر طريق الحرير القديم مرورا بعمارة المدن القديمة وقلاعها وأسواقها التي تختلط فيها أصوات الباعة ورائحة التوابل وألوان فسيفساء البشر في متحف حضارات الشرق والغرب المفتوح.
أما الحوار على متن الطائرة المحلقة فوق طريق الحرير وسهوب أوراسيا؛ فهو مزيج من الحديث عن تحولات المجتمع والتاريخ والسياسة والطعام والموسيقى بين أمور أخرى، تقول السيدة الأوزبكية إنها عاشت تحولات بلادها 3 مرات، خدمت سنتين في العسكرية السوفياتية قبل تفكك الاتحاد، وتنظر لي قائلة: لا تصدق ما يقوله عن السوفيات كنا نعيش في رخاء وسلام ولم يتدخلوا في ديننا وثقافتنا.
يضحك الرجل التركي ويدخل في الحوار قائلا: هذه مسألة أجيال، أراهن أن ابنكِ الذي يدرس في تركيا لا يوافقك الرأي، تجيب: نعم، للأسف، الأجيال الجديدة لا تهتم سوى بالمال!، وتتطلع للغرب.
أقول: هذه مسألة متكررة، كل بلاد الاتحاد السابق تنقسم مجتمعاتها بين الحنين للعهد السوفياتي البائد والتوق للتحرر من إرثه، أستطيع أن أقول بثقة إني حضرت هذا النقاش مرارا وتكرارا في أوروبا الشرقية أيضا.
تعقب السيدة الأوزبكية بحسرة: الاتحاد كان قوة لشعوب المنطقة وآسيا الوسطى، انظر لنا الآن، نشبه البلاد العربية المفككة، ونحن ضعفاء أمام القوى الكبرى.
يقطع الطعام حديثنا، تقول السيدة بدون مناسبة: لا تقلق اللحم طيب والطعام لذيذ في بلادنا بفضل المراعي السهلية، وهو حلال بالتأكيد، كما أن سعره رخيص كثيرا اشترِ كيلوا منه على الأقل عندما تعود.
أقول مشاكسا: كيف يكون طعامكم طيبا وأنتم لا تعرفون الزيتون ولا زيت الزيتون؟ الزيتون جاء من عندنا من سواحل البحر المتوسط وليس من سهول بحر آرال.
تجيب السيدة: أعرف الزيتون لكنه غير معروف في بلادنا، جاء بعد البيريسترويكا (برنامج للإصلاحات الاقتصادية السوفياتي الذي ينظر إليه أنه سياسة أدت لتفكك الاتحاد) التي جلبها "رجل البيتزا" غورباتشوف، نحن نستخدم زيت بذرة القطن للطهي وزيوت أخرى مثل بذور اللفت وعباد الشمس وغيرها.
"مدينة الحجر"تقترب الطائرة من الهبوط في مطار طشقند، التي تعني حرفيا باللغات التركية "مدينة الحجر"، ويظهر مزيج غريب من التضاريس المستوية والتلال المنحدرة، وتلوح بحيرة كبيرة جهة اليمين تقول جارتي إنها بحيرة آيدار والبرك الضحلة والضخمة المرتبطة به.
وتتحسر قائلة إن التلوث وانخفاض منسوب المياه قضى على صيد الأسماك في بحر آرال الذي ازدهر طويلا، كما تعطلت معظم السفن على شواطئ آرال.
وطشقند هي عاصمة أوزباكستان وأكبر مدن آسيا الوسطى، وعاشت "بلد الألف مدينة" كما سماها الرحالة المسلمون، حقبا مختلفة، وفتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في القرن الأول الهجري، وعاشت حكم القرخانيين والسمانيد وأتراك كراكنيد والخورازميين وغزو المغول ثم حكم التيموريين والأوزبك والقزق ثم خانية الخوقند التي حكمت بلاد تركستان والتتار، ثم عصر القيصرية الروسية والثورة والاتحاد السوفياتي حتى الاستقلال والجمهورية مطلع التسعينيات، وترك كل هؤلاء آثارهم في المدينة العريقة.
وكانت طشقند مركزا مهما للتجارة والحرف اليدوية على طريق القوافل المتجهة بين أوروبا والشرق الأوسط من ناحية، وشرق آسيا على الجهة الأخرى، فيما عرف بطريق الحرير، وتشتهر بزراعة القطن والقمح والأرز وتربية دودة القز، وهو ما ينعكس على ثيابها وطعامها، وهي كذلك مدينة الصناعة والتعليم والثقافة والفنون والرياضة في البلاد، وتضم معالم أثرية مثل ساحة "حضرة إمام" التي تضم مدرسة براق خان العريقة ومعهد الإمام البخاري، وفيها أيضا العديد من المتاحف والمساجد والميادين والأضرحة.
عندما وصلنا للمطار الصغير المرتب استلمنا الأمتعة وخرجنا في دقائق معدودة، واستُقبلت جارتي استقبالا حافلا من عائلتها الكبيرة وأخذوها بسيارة قديمة، بينما أخذني سائق يسمى سردار إلى وسط المدينة في شوارع نظيفة مرتبة مرورا بنهر صغير وقنوات مائية وساحات وحدائق واسعة.
أردت تبديل بعض المال للحصول على سوم أوزبكستاني فدلني على الصرافين المنتشرين في الشوارع، حيث يساوي الدولار الواحد 12 ألفا و700 سوم فلا تتعجب عندما تجد الأوزبكستانيين أسرع الناس قدرة على عد الورقات النقدية، هل يعني ذلك أن الأسعار مناسبة؟ نعم الفنادق والمطاعم والأماكن السياحية والتنقل قليل التكلفة مقارنة بمعظم الوجهات البديلة.
في الموضوعات التالية نتحدث عن التاريخ والسياحة في طشقند وسمرقند وخورازم، وآثارها ومعالمها وطعامها وشايها وفنادقها، في دليل شيق وماتع لوجهة سياحة تاريخية غير مكلفة كثيرا، ونروي حكايات تلك المدن الشرقية البديعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات طریق الحریر
إقرأ أيضاً:
هل تنجح خارطة الطريق الأوروبية في فك الارتباط بإمدادات الطاقة الروسية؟
بعد أكثر من 3 سنوات من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، توصلت المفوضية الأوروبية أخيرا إلى طرح "خارطة طريق" للتخلي التدريجي عن الطاقة الروسية بحلول عام 2027.
وقد تم وضع هذا الهدف منذ بدء الحرب في عام 2022 للحد من التبعية الطاقية لروسيا وقطع الطريق على مصادر تمويل نفقات الدفاع الروسية، ومن المتوقع أن يدرس البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2025 مقترحات تشريعية لتطبيق بنود خارطة الطريق، حيث يتعين مبدئيا أن تحظى التشريعات في النهاية بموافقة كاملة من الدول الأعضاء لدى التصويت عليها.
ومع ذلك، تحيط بالخارطة الجديدة العديد من الشكوك بشأن فرص نجاحها في الواقع، في ظل استمرار اعتماد بعض الدول الأوروبية على سوق الطاقة الروسي، إضافة إلى الانقسامات السياسية داخل الاتحاد وصعوبات موضوعية تعيق الاستغناء التام عن الغاز والنفط الروسيين.
يسلط هذا التقرير الضوء على تراجع ارتباط أوروبا بإمدادات الطاقة الروسية، ويفحص احتمالات نجاح خطة الانفصال النهائي عن هذه العلاقة الحيوية.
تراجع كبير للإمدادات من روسياقبل طرح "خارطة الطريق"، بدأت دول التكتل الأوروبي منذ 2022 بالحد بشكل كبير من وارداتها الطاقية من روسيا عبر إيقاف واردات الفحم الروسي، الذي كان يمثل قرابة نصف إجمالي الاستهلاك في دول الاتحاد.
إعلانوفي العام نفسه، خفّض الاتحاد وارداته النفطية من روسيا بنسبة تقارب 90%، لتنخفض حصة النفط الروسي إلى 3% فقط من إجمالي الواردات الأوروبية، مقارنة بنسبة 27% قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.
ويقر المفوض الأوروبي للطاقة والإسكان، دان يورغنسن، بأن واردات الاتحاد من الغاز الروسي منذ عام 2022 تجاوزت قيمة المساعدات التي قدمتها دول الاتحاد لأوكرانيا خلال الحرب. وأوضح، بحساب تقريبي، أن قيمة مشتريات أوروبا من الغاز الروسي تعادل تكلفة شراء 2400 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35".
وبشكل عام، تراجع الاعتماد الأوروبي على واردات الغاز الروسي منذ 2022 بنسبة 19% من إجمالي احتياجاتها في عام 2024، مقارنة بـ45% في عام 2021. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى نحو 13% في عام 2025، وفق ما تخطط له المفوضية الأوروبية في "خارطة الطريق".
وفي تقدير الخبير في شؤون الاتحاد الأوروبي حسين الوائلي، فإن التخلص من اعتماد أوروبا على الغاز والنفط الروسيين بات ممكنا، خاصة مع التراجع الكبير في حجم الواردات الروسية، إلى جانب توجه الاتحاد الأوروبي المتزايد نحو مصادر الطاقة المتجددة، وهي سياسة بدا تطبيقها بالفعل بهدف تجاوز نسبة 42% بحلول عام 2030.
ويشير الوائلي في تحليله للجزيرة نت إلى أن هناك إصلاحات تشريعية مرتقبة في البرلمان الأوروبي ضمن إستراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية عبر سنّ قوانين ملزمة.
من جانبه، يربط الباحث والمحلل الاقتصادي كانغان هالدر، في تحليل على موقع "بابرجام" المتخصص في أسواق المال، هذا التراجع الملحوظ في الاعتماد على الغاز الروسي إلى الجمع بين خفض واردات خطوط الأنابيب وزيادة تنويع مصادر الإمدادات، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة والنرويج وأذربيجان.
ويشير هالدر أيضًا إلى أن التطور السريع لمحطات إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية في دول مثل ألمانيا وهولندا وفنلندا يعكس إرادة سياسية قوية، وقدرة مؤسساتية على تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية.
إعلانوفي هذا السياق، تسعى المفوضية الأوروبية إلى المضي قدما في سياسة فك الارتباط التدريجي، وصولا إلى الانفصال الكامل عن الغاز والنفط الروسيين، من خلال تشريعات داعمة لخارطة الطريق الأوروبية.
ماذا تتضمن خارطة الطريق؟تتضمن خارطة الطريق التي طرحتها المفوضية الأوروبية 9 إجراءات رئيسية، من أبرزها:
إلزام مشترِي الغاز الروسي بالإفصاح عن معلومات عقود الاستيراد، وتبادل المعلومات بشكل منتظم بين السلطات الجمركية والهيئات العامة المعنية. التزام الدول الأعضاء بوضع خطط وطنية واضحة تتضمن إجراءات وجدولا زمنيا محددا للتخلي عن الغاز الروسي، على أن يتم تقديم هذه الخطط بحلول نهاية عام 2025. حظر استيراد الغاز الروسي بموجب عقود جديدة وعقود فورية قائمة بحلول نهاية 2025، إضافة إلى وقف الاستيراد بموجب عقود طويلة الأجل بحلول نهاية 2027 كحد أقصى. فرض قيود على العقود الجديدة لاستيراد اليورانيوم واليورانيوم المخصب وغيره من المواد النووية ذات المنشأ الروسي. استمرار العقوبات وتطبيقها على الكيانات و"السفن الشبح" التي يُشتبه في نقلها للنفط الروسي بطرق غير مشروعة.أما بالنسبة للخطوات المقبلة، فتعتزم المفوضية تقديم مقترحات تشريعية إلى البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل، تمهيدا لتطبيق ملزم لخارطة الطريق على الدول الأعضاء.
وفي هذا السياق، أكد يورغنسن أن الاتحاد يظهر اليوم قوته وعزيمته في مواجهة روسيا، مشيرًا إلى أن الرسالة واضحة: وضع حد لسياسات الابتزاز للدول الأعضاء، ومنع ضخ المزيد من الأموال في خزائنها، ووقف استيراد الغاز وحظر الأنشطة السرية للسفن.
واعتبر يورغنسن أن هذه الإجراءات تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقلال الطاقي للاتحاد الأوروبي وإنتاج طاقة نظيفة بأسعار معقولة بدلا من استيراد الوقود الأحفوري باهظ الثمن.
ورغم ذلك، تصطدم الإرادة الأوروبية بواقع مغاير تؤكده الأرقام.
رغم التراجع الفعلي في إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، فإن بيانات هيئة الطاقة الأوروبية تظهر أن روسيا صدرت في عام 2024 نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى 10 دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 13 مليون طن من النفط لـ3 دول، وما يقارب 2800 طن من اليورانيوم المخصب أو على هيئة وقود إلى 7 دول أوروبية.
وبالأرقام أيضا، لا تزال روسيا تحتفظ بموقع مهم في سوق الغاز الطبيعي المسال بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ تمثل صادراتها نحو 20% من إجمالي احتياجات الاتحاد من هذا المورد، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تغطي نحو 45%.
فقد ضخت روسيا نحو 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2024، من إجمالي 100 مليار متر مكعب تم استيرادها، مما يوفر لها عائدات تقدر بمليارات اليوروهات.
وتقر المفوضية الأوروبية بأن الغاز الروسي، حتى بعد التوقف المتوقع لعبوره عبر أوكرانيا بنهاية عام 2025، سيظل يشكل نسبة تقارب 13% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز.
ويقول هالدر إن هذا التدفق المستمر للطاقة الروسية يعكس طبيعة الاعتماد الدائم عليها من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير تساؤلا جوهريا حول حقيقة الاستقلال الطاقي لدول التكتل".
إعلانوهناك مظهران على الأقل يدعمان تلك التساؤلات:
الأول يتعلق بدولتي المجر وسلوفاكيا اللتين تحتفظان بعلاقات وثيقة مع روسيا، إلى جانب دولة التشيك التي لا تزال جميعها تستفيد من إمدادات خط الأنابيب الروسي "درويجبا". والثاني أن موسكو تمكنت من وضع آليات للالتفاف على العقوبات الأوروبية، مما أدى إلى تقليص نطاق الحظر الأوروبي، وأعطى هذا نتائج مثمرة من حيث العائدات المالية.وتعتقد صحيفة "لوموند" الفرنسية في تحليل لها، أنه سيكون من الصعب على دول الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى العقوبات للقطع نهائيا مع واردات الطاقة الروسية.
ووصفت خطتها الأخيرة بـ"المخاطرة" في الوقت الذي تحتاج فيه مثل هذه القرارات الى موافقة جماعية من كامل الدول الأعضاء بينما من المتوقع أن تعترض المجر عليه.
ولم يتأخر رد الفعل المجري عند طرح خارطة الطريق، حيث وصف وزير الخارجية بيتر زيجارتو الخطوة بالـ"خطأ بالغ الخطورة".
وتخطط المفوضة الأوروبية للجوء إلى آليات قانونية بديلة كالاكتفاء بتجميع الأغلبية من الأصوات بدل الأغلبية الكاملة.
لا توجد ضمانات حقيقية للاتحاد الأوروبي بشأن إمدادات بديلة للطاقة الروسية، ورغم التوقعات الكبيرة المعقودة على الغاز الأميركي، فإن استمرار المفاوضات الرامية لتفادي حرب تجارية مع واشنطن يثير مخاوف لدى خبراء أوروبيين من احتمال الوقوع في تبعية جديدة لحليف متقلب.
وأشارت تقارير أوروبية إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مارس في مطلع أبريل/نيسان ضغوطًا كبيرة على الأوروبيين لتوقيع عقود ضخمة لاستيراد الطاقة الأميركية، تصل قيمتها إلى نحو 350 مليار دولار.
وقد حذرت عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر ماري توسان من خطر "استبدال إدمان بإدمان آخر"، بينما قال مفوض الطاقة يورغنسن "نحن لا نريد أن نكون معتمدين على أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة".
إعلانويقول الوائلي للجزيرة نت: "نلاحظ رغبة أميركية للهيمنة على الواردات الأوروبية من الغاز، لكن أوروبا يمكنها أن تذهب في اتجاهات متعددة، لديها قطر وأذربيجان والنرويج والمملكة المتحدة إلى جانب الجزائر".
وأضاف الوائلي أن الاتحاد الأوروبي يمضي قدما نحو هدفه، لكن لا يمكن التغافل عن بعض العراقيل التي تتمثل أولا في الدول الأعضاء، مثل سلوفاكيا والمجر ودول أخرى لديها رغبة في الإبقاء على علاقات وطيدة مع الروس".
إلى جانب ذلك، يلفت خبراء إلى أن إقدام الشركات الأوروبية على إنهاء عقود الغاز الروسية من طرف واحد، قد يعرضها لدعاوى قضائية وعقوبات مالية، نظرًا للحماية التي توفرها القوانين الدولية لهذه العقود.
وفي نظر الباحث هالدر، يحد هذا الواقع القانوني من قدرة الاتحاد الأوروبي على الانسحاب الكامل من الغاز الروسي على المدى القصير والمتوسط، بغض النظر عن النوايا السياسية.
كما يشير إلى أن وتيرة الانتقال الطاقي في أوروبا أبطأ من المطلوب لتحقيق الاستقلال الكامل، إذ تتوقع خارطة الطريق الأوروبية إنتاج 35 مليار متر مكعب من الميثان الحيوي بحلول 2030، بينما لم يتجاوز الإنتاج في 2023 سوى 3.5 مليارات متر مكعب فقط.
ويضيف هالدر في تحليله: "رغم تزايد الاستخدام الواسع النطاق للمضخات الحرارية وكهربة أنظمة التدفئة في أوروبا الغربية، فإن هذه التقنيات لا تزال غير كافية لاستبدال الاحتراق عالي الحرارة اللازم للصناعات الثقيلة".