ناجون من عمليات إبادة جماعية في دارفور عالقون في معركة وحشية جديدة
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن ناجين من عمليات إبادة جماعية سابقة في دارفور غربي السودان باتوا عالقين في معركة وحشية أخرى تهدد بسقوط المزيد من الضحايا.
وتستمر المعارك العنيفة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور على الرغم من دعوات أممية متكررة للطرفين المتحاربين إلى تجنيبها القتال.
تضم المدينة مخيم أبو شوك الذي يؤوي أكثر من 100 ألف ناجٍ من الفظائع الجماعية التي ارتكبت ضد مجتمعات السكان الأصليين في منطقة دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
والآن تقول الصحيفة إن سكانها يتعرضون للهجوم مرة أخرى حيث يحذر الناشطون المحليون والمسؤولون الدوليون من تكرار أعمال العنف السابقة، والتي اعترفت بها الولايات المتحدة باعتبارها أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين.
يقول سكان أبو شوك والناشطون المحليون والخبراء الذين يراقبون الصراع إن قوات الدعم السريع تستهدف المخيم بقذائف المدفعية.
وعلى مدى العام الماضي، شنت قوات الدعم السريع حربا ضد الجيش السوداني للسيطرة على البلاد، وهي تحاول الآن الاستيلاء على الفاشر، آخر مركز سكاني رئيسي في دارفور لا تسيطر عليه بالفعل.
ونفت قوات الدعم السريع، في بيان نشرته على منصة "إكس" الأحد استهداف النازحين في الفاشر وألقت باللوم في أعمال العنف على الجيش وحلفائه.
وشهدت الفاشر استقرارا نسبيا حتى تحالفت ميليشيتان محليتان مع الجيش في أبريل الماضي لمواجهة الهجمات المتصاعدة على مستوطنات السكان الأصليين في أماكن أخرى من المنطقة.
كما وردت تقارير عن عمليات قتل واعتقال لمدنيين من أصل عربي في الفاشر، مما أدى إلى تأجيج أعمال العنف.
وأدى التنافس على الأراضي في دارفور، وهي منطقة غنية بالمعادن وتعادل مساحتها مساحة إسبانيا تقريبا، إلى خلق توترات منذ فترة طويلة بين المجتمعات العربية البدوية التقليدية والسكان الأصليين.
ومنذ بداية الحرب، تحالفت قوات الدعم السريع مع الميليشيات العربية لتشديد قبضتها على دارفور، وغالبا ما استهدفت النازحين من جراء أعمال العنف التي شهدتها المنطقة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ولم يستجب الجيش لطلبات التعليق التي أرسلتها الصحيفة، لكنه نفى سابقا استهداف المدنيين عمدا.
وقال زعيم إحدى ميليشيات الفاشر المتحالفة مع الجيش للصحيفة إن مقاتليه يدافعون عن السكان ضد الهجمات ذات الدوافع العرقية.
وقال نشطاء محليون إن حوالي ثلثي سكان أبو شوك فروا من المخيم منذ اشتداد القتال حول الفاشر هذا الشهر.
وذكر نشطاء وسكان إن بعض مقاتلي قوات الدعم السريع دخلوا المخيم وقاموا بضرب واحتجاز المدنيين ونهب المنازل.
وبحسب منظمة "Practical Action"، ومقرها المملكة المتحدة وتعد من المنظمات الإنسانية القليلة المستمرة في العمل في المنطقة، فقد أطلقت قوات الدعم السريع، الجمعة الماضية، ما لا يقل عن 80 قذيفة مدفعية على المناطق السكنية ومخيمات النازحين في الفاشر وما حولها، مما أسفر عن مقتل 32 شخصا على الأقل.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود، الثلاثاء، إنها استقبلت أكثر من 1000 جريح منذ 10 مايو في مستشفى الفاشر، وأن 145 توفوا متأثرين بجراحهم.
وذكرت المنظمة أن المستشفى، وهو واحد من اثنين فقط في الفاشر لا يزالان يعملان جزئيا، تعرض للقصف مرتين أثناء القتال، بما في ذلك بقذيفة هاون سقطت على وحدة رعاية خاصة بالحوامل يوم السبت.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن هذا الهجوم أدى إلى مقتل شخص وإصابة ثمانية مرضى وأفراد من عائلاتهم.
وتُظهر صور أقمار اصطناعية حللها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأميركية المرموقة أن ما لا يقل عن 32 مجتمعا خارج الفاشر تعرض للهجوم خلال الشهرين الماضيين، كذلك شهدت عمليات إحراق منازل وغيرها من المباني على نطاق واسع.
وقال المختبر في تقرير نشر الأسبوع الماضي إن الهجوم على معسكر أبو شوك هو أول هجوم واسع النطاق معروف لقوات الدعم السريع على معسكر للنازحين حول الفاشر.
وأدت الاشتباكات في الفاشر إلى نزوح أكثر من 500 ألف من سكان المدينة الذين يتراوح عددهم بين 1.6 مليون ومليوني نسمة منذ أوائل مايو، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وأشار تقرير حديث أعده باحثون في منصة مرصد النزاع في السودان إلى أن قوات الدعم السريع حشدت ما يصل إلى 28 ألف مقاتل حول الفاشر.
وقال سكان محليون للصحيفة إن الجيش السوداني وحلفائه أقاموا حواجز وحفروا خنادق للدفاع عن المدينة.
وقالت الصحيفة إنه وعلى عكس عواصم الولايات الأخرى في دارفور، حيث انسحب الجيش بسرعة، عزز الجيش السوداني مواقعه بمزيد من القوات والأسلحة الثقيلة وغيرها من الإمدادات.
والفاشر، تعتبر مركزا رئيسيا للمساعدات في إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة.
وتعد الفاشر المدينة الوحيدة بين عواصم ولايات إقليم دارفور الخمس التي لا تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع أعمال العنف فی دارفور فی الفاشر أبو شوک
إقرأ أيضاً:
???? حين ضاق الخناق .. هل قرر العالم أخيرًا التخلص من مليشيا الدعم السريع؟
قراءة مختلفة للمتغيرات الدولية… منذ اندلاع الحرب في السودان، كان الموقف الدولي في بداياته مرتبكًا، تتنازعه مصالح متضاربة وحسابات ضيقة. لكن يبدو أن الزمن كفيل بكشف الحقائق مهما طال الإنكار. واليوم، وبعد أكثر من عامين من المعاناة، بدأ المجتمع الدولي يغيّر لهجته، وربما حتى بوصلته.
فبيان وزارة الخارجية الأمريكية الأخير، واجتماع نائب الوزير كريستوفر لاندو مع سفراء الرباعية (الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات)، يعكسان تحولاً لافتًا في طريقة مقاربة الأزمة: لم يعد الحديث عن وقف القتال فقط، بل عن معالجة جذرية، وأن لم يعلن عن تفاصيلها لكن يبدو أنها ستبدأ من تحمّل مليشيا الدعم السريع مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وتفكيك الأزمة عبر إخراجها من المشهد بأقل الأضرار الممكنة.
الدعم السريع.. من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل
كانت بعض العواصم في بداية الحرب تنظر إلى الدعم السريع كـ”أمر واقع”، يمكن احتواؤه أو توظيفه لمصالح سياسية ضيقة. لكن ما ارتكبته هذه المليشيا من فظائع — من نهب واغتصاب وتجنيد أطفال، إلى ترويع المدنيين واحتلال المدن وتخريبها — جعل أي محاولة لتبرير وجودها عبئًا لا يُحتمل أخلاقيًا وسياسيًا.
اليوم، تتعامل العديد من الدول مع هذه المليشيا كـ”ورقة محروقة”، لم يعد بالإمكان الدفاع عنها. التفاوض المقترح لا يهدف إلى إعادة تأهيل الدعم السريع، بل إلى إخراجه من المسرح السياسي، تحت عباءة “الحل السلمي”.
الجيش السوداني.. صمود بدّد الأوهام
التحول الدولي لم يكن منحة مجانية، بل ثمرة لصمود أسطوري لقواتنا المسلحة وقواتنا النظامية. فقد راهن البعض على انهيار الجيش، لكنه صمد، وقاتل، واستعاد زمام المبادرة في محاور عدة، رغم الظروف الصعبة.
وفي ظهره، وقف الشعب السوداني بكل ما يملك من صبر وكرامة. صمد في وجه الترويع، ورفض الخضوع، وعرّى المليشيا أمام العالم. حتى بعض القوى السياسية، رغم تباين المواقف، كان لها دور في فضح الانحيازات الدولية والتدويل غير النزيه.
التفاوض القادم: لا تنازل عن الثوابت
والآن، مع ازدياد الحديث عن تسوية سياسية، فإن الجيش وحكومة السودان لا يذهبان إلى الطاولة من موقع ضعف، بل من موقع الطرف الذي صمد ورفض أن ينكسر. ومن هنا، فإن أي مفاوضات جادة يجب أن تُبنى على الثوابت الوطنية، وأهمها:
1. تفكيك الدعم السريع كليًا، دون قيد أو شرط.
2. تقديم قادة المليشيا للعدالة على الجرائم التي ارتكبوها.
3. رفض أي مساواة بين الجيش والمليشيا في أي صيغة سياسية أو انتقالية.
4. الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية والأمنية، واحتكارها المشروع لاستخدام القوة.
5. رفض أي وصاية خارجية، وتمسك كامل بسيادة القرار الوطني.
من يتحمّل فاتورة الإعمار؟
لا يمكن تجاهل الدور غير المعلن لبعض الدول في دعم الأزمة، وخاصة الإمارات التي أصبحت في خانة المساهم في تعقيد الموقف. واليوم، وقد بدأت هذه الدول تراجع مواقفها، فإن من الطبيعي أن نطالبها بالمشاركة الفاعلة في إعادة الإعمار، لا نكايةً، بل من منطلق المسؤولية السياسية والأخلاقية.
مؤتمر دولي، أو صندوق دعم تشارك فيه الدول الفاعلة، قد يشكّل بداية صحيحة لمصالحة قائمة على الاحترام المتبادل، لا على الإملاءات.
ختامًا: لا مكان للمليشيات في سودان الغد
ربما تغيّر الموقف الدولي، وربما نشهد محاولات لإنتاج تسوية جديدة، لكن الثابت أن الجيش والشعب كانا خط الدفاع الأول عن الوطن. وكل محاولة لحل الأزمة لا تعترف بهذه الحقيقة، ولا تستند إلى دماء الشهداء ومعاناة النازحين وصمود الجنود، ستكون مجرد وهم سياسي جديد.
السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يحسم المجتمع الدولي أمره ويضع حدًا لوجود المليشيا، أو يستمر في إدارة الأزمة إلى أن تنفجر بشكل أوسع. لكن الأكيد أن الجيش الذي لم ينكسر، لن يفرّط في نصرة ولا في كرامة شعبه.
السودان ليس أرضًا سائبة، بل وطن عريق، مليء بالخيرات، لكنه يعرف كيف يدافع عن نفسه. ومن لا يحسن قراءة تضاريسه، ستلتهمه أشواكه قبل أن يلتقط أنفاسه.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٥ يونيو ٢٠٢٥م
نشر بموقع صحيفة المحقق الإلكترونية