الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السنة؟ (5)
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
بيَّنّا بالأدلة القاطعة أنَّ أول مَن قام بتدوين السنَّة والتصنيف فيها هو سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال الكتب التى أمر بكتابتها وإرسالها إلى المدن المختلفة، والأخرى التى حفظها بصورة تبين أنها قوانين ثابتة لا تُنقض ولا تَنخرم.
وأشرنا لكتابه لسيدِنا عمرو بن حزم، رضى الله عنه، حين أرسله إلى اليمن وهو الكتاب الذى ذاع ذيوعاً أشبه التواتر، أى: نُقلَ نقلاً مستفيضاً يستحيلُ معه الشك فى صحته، يقول ابن عبدالبر القرطبى (ت 463) -أحد كبار علماء الحديث-: وهو كتاب مشهور عند أهل السِّيَر، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفةً تستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر فى مجيئه، لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة.
وثَم شىء لا بد من الوقوف عنده، وهو رسائله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء، فقد وصلتنا نصوص هذه الرسائل، والأصل أنها أُرسلت لأممٍ أخرى، فكان ينبغى أَلَّا تصلَ إلينا نصوصُها، ووجودُها فى كتبِ السنةِ النبويةِ وفيما أُلِّف مِن كتب السيرة، بل وصولُ أصولٍ مخطوطةٍ قديمةٍ لها، كل هذا دليل واضح على أنها دُوِّنت إمَّا بأمرهِ صلى الله عليه وسلم، وإما بسماحه بذلك، والوقوف على النّقْلة الحضارية التى أوجدها صلى الله عليه وسلم يجعلنا نميلُ إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذى أمر بحفظ هذه المكاتبات الرسمية، بالدليل أن حفظ المكاتبات والوثائق الرسمية كان موجوداً عند الخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم، حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب جعل لهذه المكاتبات خزانة خاصة فى بيت الخلافة، وتطور هذا فى عهد سيدِنا عثمان إلى منشأة خاصة سُمّيت «بيتَ القراطيسِ» أى: بيت الوثائق.
بل كانت نُسَخ هذه الوثائق متاحةً بين أيدى سائرِ الصحابة رضى الله عنهم، فقد جمع سيدنا عمرو بن حزم المتقدم ذِكره -رضى الله عنه- من هذه الوثائق بضعة وعشرين كتاباً كتبَها النبى صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الكتاب الذى أرسلَه به سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان هذا أول مجموعة لبعض الوثائق النبوية، وقد نُقلَ عنه هذا المجموعُ الوثائقىُّ جيلاً فجيلاً، حتى إن المحدِّث والمؤرخ الكبير شمس الدين محمد بن طولون الدمشقى (ت 953) قد جعل هذا المجموع ذيلاً لكتاب جمع فيه مكاتبات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوانه «إعلام السائلين عن كُتب سيد المرسلين»، وهو كتاب مطبوع متداول.
وقد وصلنا ما يصور لنا مجالس العلم على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة يقومون بالتدوين فى مجلسه صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو، رضى الله عنهما: «بينما نحن حولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نكتبُ..»، وهذه العبارة تبين كيف كان جلوسهم حوله صلى الله عليه وسلم كجلوس التلاميذ حول شيخهم، وهى الصورة التى ظلت إلى عهد قريب فى المعاهد العلمية كالأزهر الشريف، حيث يتحلق الطلاب حول الشيخ، وهذا الحديث يبين أن صورة هذا المجلس سُنة بعُد عهدُ الناس بها، كما أنَّ العبارة السابقة صريحة فى أنَّ الكَتَبة متعددون.
وقد وردت طريقة إلقاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فى مجلسه، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديثَ كسَردِ الناس؛ أى: لم يكن يُكثره ويُتابع بين ألفاظِه، بل كانت ألفاظه قليلة جامعة، فقد أُوتىَ صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكلم؛ أى: يستطيع أن يجمع المعانى الكثيرة فى ألفاظ قليلة، وقد قيل فى وصف قلة ألفاظه صلى الله عليه وسلم: كانَ يُحدّثُ حديثاً لو عَدهُ العادُّ لأحصاهُ، وهذا يناسب طبيعة هذه المجالس العلمية التى يحرص رُوَّادها على كتابة العلم وحفظه.
وقد يظن البعض أن مجالس كتابة العلم هذه لم تكن إلا فى المدينة، وهذا غير صحيح، فقد كانت كذلك منذ أول الوحى فى مكة، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو: كنتُ أكتبُ كلَّ شىءٍ أسمعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريدُ حفظَه، فنهتنى قريشٌ وقالوا: أتكتبُ كلَّ شىءٍ تسمعُه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلّمُ فى الغضب والرضا؟!
فأمسكتُ عن الكتابِ، فذكرتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأومأَ بإصبعِهِ إلى فِيهِ [فَمِه]، فقال: «اكتبْ، فوالذى نفسِى بيده ما يخرجُ منه إِلَّا حقٌّ».
فعبارة (نهتنى قريش) دون ذِكرِ غيرهم، ومفهوم عبارة: (ورسول الله بشر يتكلم فى الغضب والرضا) التى قد تكون نقلاً بالمعنى لقول مشركى مكة، أو حكاية لقول بعض المسلمين فى أوائل الإسلام حيث لم يدركوا حقيقة العصمة، كل هذا يبين أن التدوين بدأ مع بداية الدعوة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله صلى الله علیه وسلم رسول الله رضى الله
إقرأ أيضاً:
هل هناك علامات لـ ساعة الاستجابة يوم الجمعة؟.. اعرف وقتها
ساعة الاستجابة يوم الجمعة، من الأوقات التي يستجيب الله فيها الدعاء، حيث ورد في مسند أحمد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ في الجمُعة سَاعةً لا يسألُ اللهَ العبد فيها شيئًا إلاَّ أتاه اللهُ إيَاه، وهِيَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصر».
رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء في يوم الجمعة ، ولكن هذا لا يعني أن المسلم لا يدعو ربه في يوم الجمعة إلا بهذا ، بل يسن الدعاء في كل يوم وساعة وفي يوم الجمعة غير أن الساعة المذكورة من يوم الجمعة له خصيصة.
روى ابن ماجة والترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني عن النبي قال : " إن في الجمعة ساعة لا يسأل اللهَ العبدُ فيها شيئًا إلا آتاه الله إياه ، قالوا : يا رسول الله أية ساعة هي؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الإنصراف منها .
علامات ساعة الإستجابة يوم الجمعةقيل أنها تكون بعد صعود الإمام إلى المنبر وجلوسه حتى ينصرف من الصلاة، وقيل أنها من بعد العصر إلى مغيب الشمس .
وقيل أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول: ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى أن عبد الله ابن عمر قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله في شأن ساعة الجمعة شيئًا ؟ قال : نعم، سمعته يقول : سمعت رسول الله يقول : هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".
وقيل أنها بعد العصر، وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق . وحجة هذا القول : ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي قال : " إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه ، وهي بعد العصر " ، وروى أبو داود والنسائي عن جابر عن النبي قال : " يوم الجمعة اثنا عشر ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر " ... " زاد المعاد " 1 / 389 – 391 .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه . قال أبو هريرة : فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث . فقال : أنا أعلم بتلك الساعة .فقلت : أخبرني بها ولا تضنن بها علي . قال : هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس فقلت كيف تكون بعد العصر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي " ، وتلك الساعة لا يصلى فيها فقال عبد الله ابن سلام أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة ؟ قلت : بلى . قال : فهو ذاك .
دعاء يوم الجمعة المستجابكما يحرص كل مسلم على ترديد دعاء يوم الجمعة المستجاب، ومنه ما يلي:
اللهمَّ احفظ مصر وأهلها، واجعل لها من كلِّ هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كلِّ بلاء عافية، ومن كل محنة منحة يا رب العالمين.
اللهمَّ إنا نسألك نفوسًا مطمئنة وألسنة ذاكرة وقلوبًا خاشعة يا من إذا وعد وَفَى وإذا أوعد عفا، يا رب العالمين.
اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهمَّ اغفر لنا ما مضى وأصلح لنا ما تبقَّى يا رب العالمين.
اللهمَّ بشِّرنا بما يَسرُّنا، وكُفَّ عنَّا ما يَضرُّنا، وثبِّت يقيننا، وارزقنا حلالًا يكفينا، وأَبْعِدْ عنَّا كل شرٍّ يؤذينا يا رب العالمين.
اللهم أغدقْ علينا من فضلك وأَنْزِلْ علينا من بركاتك وأكرمْنا بقَبول الدعاء وصلاح العمل، واجعلنا ممَّن حسنت سيرتهم واستمر أجرهم في حياتهم وبعد مماتهم يا رب العالمين.
اللهمَّ احفظنا من شتات الأمر ومسِّ الضرِّ وضِيق الصدر وعذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر والعسر بعد اليسر والعقوق بعد البر، يا رب العالمين.