الوطن:
2025-07-12@17:55:46 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السنة؟ (5)

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السنة؟ (5)

بيَّنّا بالأدلة القاطعة أنَّ أول مَن قام بتدوين السنَّة والتصنيف فيها هو سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال الكتب التى أمر بكتابتها وإرسالها إلى المدن المختلفة، والأخرى التى حفظها بصورة تبين أنها قوانين ثابتة لا تُنقض ولا تَنخرم.

وأشرنا لكتابه لسيدِنا عمرو بن حزم، رضى الله عنه، حين أرسله إلى اليمن وهو الكتاب الذى ذاع ذيوعاً أشبه التواتر، أى: نُقلَ نقلاً مستفيضاً يستحيلُ معه الشك فى صحته، يقول ابن عبدالبر القرطبى (ت 463) -أحد كبار علماء الحديث-: وهو كتاب مشهور عند أهل السِّيَر، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفةً تستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر فى مجيئه، لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة.

وثَم شىء لا بد من الوقوف عنده، وهو رسائله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء، فقد وصلتنا نصوص هذه الرسائل، والأصل أنها أُرسلت لأممٍ أخرى، فكان ينبغى أَلَّا تصلَ إلينا نصوصُها، ووجودُها فى كتبِ السنةِ النبويةِ وفيما أُلِّف مِن كتب السيرة، بل وصولُ أصولٍ مخطوطةٍ قديمةٍ لها، كل هذا دليل واضح على أنها دُوِّنت إمَّا بأمرهِ صلى الله عليه وسلم، وإما بسماحه بذلك، والوقوف على النّقْلة الحضارية التى أوجدها صلى الله عليه وسلم يجعلنا نميلُ إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذى أمر بحفظ هذه المكاتبات الرسمية، بالدليل أن حفظ المكاتبات والوثائق الرسمية كان موجوداً عند الخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم، حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب جعل لهذه المكاتبات خزانة خاصة فى بيت الخلافة، وتطور هذا فى عهد سيدِنا عثمان إلى منشأة خاصة سُمّيت «بيتَ القراطيسِ» أى: بيت الوثائق.

بل كانت نُسَخ هذه الوثائق متاحةً بين أيدى سائرِ الصحابة رضى الله عنهم، فقد جمع سيدنا عمرو بن حزم المتقدم ذِكره -رضى الله عنه- من هذه الوثائق بضعة وعشرين كتاباً كتبَها النبى صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الكتاب الذى أرسلَه به سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان هذا أول مجموعة لبعض الوثائق النبوية، وقد نُقلَ عنه هذا المجموعُ الوثائقىُّ جيلاً فجيلاً، حتى إن المحدِّث والمؤرخ الكبير شمس الدين محمد بن طولون الدمشقى (ت 953) قد جعل هذا المجموع ذيلاً لكتاب جمع فيه مكاتبات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوانه «إعلام السائلين عن كُتب سيد المرسلين»، وهو كتاب مطبوع متداول.

وقد وصلنا ما يصور لنا مجالس العلم على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة يقومون بالتدوين فى مجلسه صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو، رضى الله عنهما: «بينما نحن حولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نكتبُ..»، وهذه العبارة تبين كيف كان جلوسهم حوله صلى الله عليه وسلم كجلوس التلاميذ حول شيخهم، وهى الصورة التى ظلت إلى عهد قريب فى المعاهد العلمية كالأزهر الشريف، حيث يتحلق الطلاب حول الشيخ، وهذا الحديث يبين أن صورة هذا المجلس سُنة بعُد عهدُ الناس بها، كما أنَّ العبارة السابقة صريحة فى أنَّ الكَتَبة متعددون.

وقد وردت طريقة إلقاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فى مجلسه، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديثَ كسَردِ الناس؛ أى: لم يكن يُكثره ويُتابع بين ألفاظِه، بل كانت ألفاظه قليلة جامعة، فقد أُوتىَ صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكلم؛ أى: يستطيع أن يجمع المعانى الكثيرة فى ألفاظ قليلة، وقد قيل فى وصف قلة ألفاظه صلى الله عليه وسلم: كانَ يُحدّثُ حديثاً لو عَدهُ العادُّ لأحصاهُ، وهذا يناسب طبيعة هذه المجالس العلمية التى يحرص رُوَّادها على كتابة العلم وحفظه.

وقد يظن البعض أن مجالس كتابة العلم هذه لم تكن إلا فى المدينة، وهذا غير صحيح، فقد كانت كذلك منذ أول الوحى فى مكة، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو: كنتُ أكتبُ كلَّ شىءٍ أسمعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريدُ حفظَه، فنهتنى قريشٌ وقالوا: أتكتبُ كلَّ شىءٍ تسمعُه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلّمُ فى الغضب والرضا؟!

فأمسكتُ عن الكتابِ، فذكرتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأومأَ بإصبعِهِ إلى فِيهِ [فَمِه]، فقال: «اكتبْ، فوالذى نفسِى بيده ما يخرجُ منه إِلَّا حقٌّ».

فعبارة (نهتنى قريش) دون ذِكرِ غيرهم، ومفهوم عبارة: (ورسول الله بشر يتكلم فى الغضب والرضا) التى قد تكون نقلاً بالمعنى لقول مشركى مكة، أو حكاية لقول بعض المسلمين فى أوائل الإسلام حيث لم يدركوا حقيقة العصمة، كل هذا يبين أن التدوين بدأ مع بداية الدعوة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله صلى الله علیه وسلم رسول الله رضى الله

إقرأ أيضاً:

خطبة الجمعة من المسجد النبوي

أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ الدكتور خالد المهنا المسلمين في خطبة الجمعة اليوم بتقوى الله عز وجل ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.

وقال فضيلته: “إن من رحمة الله بعباده المسلمين أن بين لهم بعد أن هداهم للإيمان سبل السلام الموصلة إليه، المثبتة من سلكها على الشرع القويم والصراط المستقيم، ألا وإن أعظم دلائل الإيمان ومعالمه، وأجل براهينه ودعائمه: الإخلاص لله تعالى ومتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما، ولا وصول إلى الله إلا من طريقهما، ولا استقامة إلا عليهما، وذلك أن الإيمان يا عباد الله قول وعمل، كما دل على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال عز سلطانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ، تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ), وأصحاب هذا الوعد الكريم هم الذين جمعوا بين التصديق والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة على وجه الإخلاص لله والمتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-“.

ومضى فضيلته قائلًا: وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- (يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم)، وهذا الحديث من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- ومن أجمع الأحاديث لأصول الإسلام، رسم به الرسول الأمين منهج الدين، واختصر فيه طريق الوصول إلى رب العالمين، ومعناه: آمن بالله ربًا خالقًا ومدبرًا، متصفًا بصفات الكمال والجلال، وإلهًا واحدًا مستحقًا للعبادة بجميع أنواعها، ثم صدق ذلك العقد والقول باستقامة جوارحك على طاعة ربك، ممتثلًا أمره، مجتنبًا نهيه، ملازمًا تلك الاستقامة، مداومًا عليها، حتى تتنزل عليك ملائكة الرحمة عند الموت بالبشرى التي بشر الله بها أهل الإيمان والاستقامة بقوله جل ذكره (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) وفي الآية الكريمة دلالة على أن قبول الأعمال متوقف على صحة التوحيد، وأنه متقدم عليها وشرطٌ لقبولها والاعتداد بها.

أخبار قد تهمك خطبة الجمعة من المسجد الحرام 11 يوليو 2025 - 2:53 مساءً “المطيّبون” ينشرون أزكى روائح العود والطيب في أرجاء المسجد النبوي 10 يوليو 2025 - 12:13 مساءً

وبيّن فضيلته أن الإيمان بالله تعالى إذا وقر في القلوب، أوجب إخلاص الدين لله، وتجريد الإرادة له وحده، وذلك بأن يفرد العبد ربه بالقصد في جميع أنواع العبادات، وأن يريد التقرب إلى مولاه بكل الطاعات، وذلك تحقيق شهادة ألا إله إلا الله، فإن الإيمان بالله تعالى يورث في النفوس تعظيم المعبود سبحانه والاستسلام له، وكمال محبته وخوفه ورجائه، فكان الإخلاص مطلوبًا من العبد في جميع أمور الإيمان أصلًا وفروعًا، مشترطًا في جميع العبادات القلبية والعملية، بل هو قاعدتها التي تبنى عليه وأساسها الذي تثبت عليه.

وأشار فضيلته إلى أن العبد لا يصل بذلك الإخلاص إلى ربه، ولا يبلغ من الإيمان ما يستحق أن يوصف باسمه حتى توافق أعماله سنة صاحب الشريعة -صلى الله عليه وسلم- الهادي إلى الله، ومن طاعته طاعةٌ لله، الدال على ما يحبه -جل وعلا- ويقبله ويرضاه، وذلك تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ومقتضاها، وهو تصديق الانقياد لله بالطاعة، الذي هو تفسير الإسلام، فإن الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

وختم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور خالد المهنا, مبينًا أن من حقق الاتباع لرسول الله بعد إخلاصه لله وإرادته وحده بالطاعات فقد جمع أصلي الدين، الذين هما: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، وباين بمسلكه أهل الضلال البعيد، الذين أشركوا فلم يخلصوا لربهم الدين، أو تعبدوه بغير ما أمر وشرع، فلم يحققوا الاتباع لرسول رب العالمين، بل كانوا لأهوائهم متبعين.

 

مقالات مشابهة

  • ما هي صلاة الشروق؟.. ركعتان تفتحان لك 7 أبواب من النعيم
  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. طابور التخذيل ومهمة المستحيل
  • الحكمة من إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة.. مئات الأفضال بالدنيا والآخرة
  • د.حماد عبدالله يكتب: ما لنا وما علينا !!
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • حفظ الأسرار واجب شرعي وأخلاقي.. «أمين الفتوى» يوضح الحكم من إفشاء الأسرار الزوجية
  • د.حماد عبدالله يكتب: الأغنية الوطنية !!
  • دعاء فك الكرب.. 5 أدعية من السنة النبوية تمنع عنك الحزن