لجريدة عمان:
2025-10-15@20:38:38 GMT

كيف فـقـدت البشرية السيطرة؟

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

كيف يُعقَل أن نكون أكثر ثراء بخمس عشرة مرة على الأقل من أسلافنا في العصر الزراعي ما قبل الصناعي، ومع ذلك يكتنفنا شعور غامر بالتعاسة؟ يتلخص أحد التفسيرات في أننا لسنا مهيئين لذلك: فلا شيء في تراثنا أو ماضينا التطوري أعدنا للتعامل مع مجتمع يضم أكثر من 150 شخصا. لتشغيل تكنولوجياتنا المتزايدة التعقيد وتعزيز رخائنا، يتعين علينا بطريقة أو أخرى أن ننسق بين أكثر من ثمانية مليارات إنسان.

لهذا، عملنا على بناء آلات مجتمعية ضخمة تتألف من اقتصادات السوق، والبيروقراطيات الحكومية والشركاتية، والسياسات الوطنية ودون الوطنية، والأيديولوجيات الثقافية، وغير ذلك الكثير. لكننا برغم ذلك، نجاهد في محاولة ضبط عمل هذه المؤسسات، لأننا ببساطة لا نفهمها. لقد تُرِكنا تحت رحمة شبكة تمتد عبر العالم من وحوش بالغة الغرابة تتحكم فينا وتجعلنا تعساء، حتى في حين تجعلنا أثرياء بدرجة خيالية مقارنة بالأجيال السابقة. كتب الخبير الاقتصادي دان ديفيز كتابا صغيرا رائعا عن إبداعاتنا الـمُـلـتَـبَـسة. في كتابه «آلة انعدام الـمُـساءلة: لماذا تتخذ الأنظمة الضخمة قرارات مروعة ــ وكيف فقد العالم عقله»، ينسج ديفيز حجة من خمسة خيوط منفصلة. الأول يتمثل في ملاحظته أن عالمنا عامر ببالوعات المساءلة: وهي أماكن حيث تنحرف الأمور عن الصواب بوضوح، ومع ذلك لا يوجد من يتحمل اللوم عن هذا الانحراف. بل يكون النظام بالكامل ملوما، ولا يملك أي وسيلة لرصد المشكلة أو تصحيحها. ثانيا، يشير ديفيز إلى أن كل نظام اجتماعي لا يحتاج فقط إلى متابعة مهمته بل يحتاج أيضا إلى الحفاظ على ذاته. هذا يعني في عموم الأمر أنه لا يستطيع التركيز على مقياس ضيق واحد. بل يتعين على كل نظام أن يؤدي مهام فرعية متعددة بالإضافة إلى مهمته الأساسية. وتشمل هذه المهام توفير الموارد الكافية للأشخاص الذين يقومون بالعمل؛ وتنسيق الأمور في المكان واللحظة الآنية؛ والتطلع من المكان واللحظة الآنية إلى «أماكن أبعد في المستقبل»؛ والحفاظ على تركيز المشاركين من البشر على الغرض من المنظمة (فلسفتها التوجيهية). يضرب ديفيز مثالا بفرقة موسيقية تقدم أغاني إلتون جون، حيث تؤدى هذه المهام، بشكل تقريبي، من قِبَل «الموسيقيين، وقائد الأوركسترا، ومدير الجولة، والمدير الفني، وإلتون جون». ثالثا، يشكل التفويض أهمية بالغة في الحد من التعقيدات والحفاظ على قدرة المنظمة على إدارة مهمتها. فأنت لست بحاجة إلى مراقبة درجة الحرارة داخل قفص السنجاب دقيقة بدقيقة؛ بل تحتاج فقط إلى ضبط منظم الحرارة. رابعا، من المهم بناء حلقات تغذية مرتدة قوية. هذا يعني تضخيم الإشارات الخارجية التي تحتاج إلى رؤيتها أكثر من غيرها، والحفاظ على القدر الكافي من قوة المعالجة الداخلية للتعامل مع هذه الإشارات قبل فوات الأوان.

أخيرا، تتمثل الطريقة الأفضل لإصلاح المنظمات حتى لا تتحول إلى آلات تُـنـتِـج انعدام الـمُـساءلة في إحياء شبه الانضباط الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية والذي اعتمد على التحكم الآلي في الإدارة. حَـمَـلَ هذا النهج، الذي كان أول روّاده عالم الكمبيوتر نوربرت وينر وعالم السياسة هربرت سيمون، اسم مقتبس من الكلمة اليونانية kybernētikos: وتعني «بارع في توجيه القارب».

كان الـمُـعَـلِّـم الذي حقق أكبر قدر من التقدم في بناء علم التحكم الآلي في الإدارة هو مستشار الإدارة في عصر الثقافة المضادة ستافورد بير، الذي استكشف في كتابه «مُـخ الشركة» كيف يمكن إصلاح البيروقراطيات على النحو الذي يسمح بالإبقاء على توازن التدفق الداخلي للمعلومات بين أصحاب القرار والـمُـقَـرَّر بشأنهم. وبدون ذلك، لن يظل النظام قابلا للاستمرار ومفيدا للبشرية بمرور الوقت. في مراجعة لكتاب «آلة انعدام المساءلة» في صحيفة فاينانشال تايمز، يصف فيلكس مارتن نهج ديفيز بأنه «نوع من التحليل النفسي لأشكال ذكاء غير بشرية، حيث يلعب ستافورد بير دور سيجموند فرويد». لم أكن لأعبر عن ذلك بشكل أفضل. الواقع أن عالمنا الاجتماعي لم يعد محصورا في أسرنا وجيراننا وزملاء العمل وأولئك الذين نتفاعل معهم بشكل مباشر عبر شبكات المودة، والكراهية، والمقايضة والتبادل، والتخطيط على نطاق صغير، والإرغام. بل يأتي قدر متزايد من كل ما نقوم به من عمل مدفوعا بمجموعة شديدة التعقيد من الآليات الاجتماعية والتكنولوجية المتشابكة الشديدة الضخامة التي صنعناها ولكننا لا نفهمها. إذا كان التحدي الذي تفرضه الحداثة يتلخص في التوصل إلى طريقة أفضل للعمل والتفكير معا كمجتمع عالمي يضم أكثر من ثمانية مليارات إنسان، فكيف يمكننا تحسين فهمنا، وبالتالي سيطرتنا؟ من المؤسف أن ديفيز لا يقدم لنا إجابة واضحة على هذا السؤال. ويختتم كتابه بالثرثرة المألوفة في كليات إدارة الأعمال. لكنه رغم ذلك يستحق أن ننسب إليه الفضل في تحديد المهمة التي نواجهها وتوجيهنا نحو مسار فكري جديد إلى الأمام.

جيه. برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو باحث مشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية ومؤلف كتاب «التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين».

عن بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

«الاتحادية للموارد البشرية الحكومية» تشارك في «جيتكس»

 
دبي (الاتحاد)


استعرضت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، خلال مشاركتها في فعاليات معرض «جيتكس جلوبال 2025» في دبي، مجموعة من المشاريع والمبادرات المبتكرة المعززة بحلول الذكاء الاصطناعي.
وأكد فيصل بن بطي المهيري، مدير عام الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، أن «جيتكس جلوبال 2025» يشكل منصة مثالية للتعريف بالإنجازات والمشاريع الرقمية، والمعززة بالذكاء الاصطناعي التي طورتها حكومة الإمارات، ترجمة لرؤى وتوجيهات القيادة الرشيدة بترسيخ ثقافة الابتكار، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في العمل الحكومي، مشيراً إلى أن «الهيئة» تسعى من خلال مشاريعها إلى دعم جهود الحكومة في تسريع تصفير البيروقراطية، والارتقاء بتجربة الكوادر الوطنية وتمكينها من أدوات المستقبل.
وقال «نؤمن في (الهيئة) بأن الاستثمار في الحلول الذكية والذكاء الاصطناعي يمثل ركيزة أساسية لتطوير منظومة الموارد البشرية الحكومية، وتعزيز كفاءتها واستدامتها، ويجسد كل من منصة (جاهز) لتعزيز جاهزية الكوادر الحكومية للمستقبل، و(مساعد الموارد البشرية المعزز بالذكاء الاصطناعي)، التزامنا بتمكين مواهب حكومية أكثر جاهزية للمستقبل، بحيث تكون محركاً رئيسياً لمسيرة التنمية والتطوير في دولة الإمارات».
وعرضت «الهيئة»، خلال مشاركتها في (جيتكس)، «مساعد الموارد البشرية المعزز بالذكاء الاصطناعي»، وهو نظام ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات الموارد البشرية بشكل ذاتي وذكي دون تدخل بشري مباشر، يدعم توجهات الحكومة لتصفير البيروقراطية، عبر توفير أكثر من108 خدمات رقمية، ومعالجة نحو 80% من استفسارات الموظفين.
كما عرّفت بتجربة منصة «جاهز»، إحدى المبادرات التحولية الرائدة التي تهدف إلى تطوير مهارات موظفي الحكومة الاتحادية، وتعزيز جاهزيتهم لمهارات المستقبل عبر منصة ذكية تفاعلية ومتكاملة.
ووقعت «الهيئة» ضمن فعاليات المعرض، مذكرة تفاهم مع شركة «كور 42» المتخصصة في التحول الرقمي، لتعزيز الشراكة في توظيف حلول الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومة عملها، وعدد من الشراكات الاستراتيجية، بما يواكب توجهات الحكومة الاتحادية في بناء نموذج عمل حكومي أكثر كفاءة وابتكاراً.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: تسريح أكثر من 10 آلاف موظف فيدرالي
  • محافظ كفر الشيخ يوجه بتأهيل الكوادر البشرية العاملة بالمراكز التكنولوجية
  • أكثر من 65 ألف متدرب ضمن "مبادرة سمّاي" لتعليم الذكاء الاصطناعي بعسير
  • «الموارد البشرية»: مبادرة «العمل الموثق» تعزز الأثر الإيجابي على العلاقة التعاقدية وسوق العمل
  • الموارد البشرية: تسجيل الموظف ببرنامج توطين عن طريق منشأته
  • السيسي: اتفاق غزة ينهي صفحة أليمة في تاريخ البشرية
  • السيسي من شرم الشيخ: اتفاق غزة يغلق صفحة أليمة في البشرية
  • الرئيس السيسي: نأمل أن ينهي اتفاق غزة صفحة مؤلمة في تاريخ البشرية
  • «الاتحادية للموارد البشرية الحكومية» تشارك في «جيتكس»
  • «الموارد البشرية والتوطين»: انخفاض إصابات العمل والصحة والسلامة المهنية بنسبة 19%