عندما نتكلم عن اجتماع فى العاصمة التشادية نجامينا، فنحن نتكلم عن اجتماع فى دولة قريبة منا؛ لأن تشاد لها حدود مباشرة مع ليبيا والسودان.
والقرب هنا ليس المقصود به القرب الجغرافى فقط، وإنما هو قرب أيضًا فى القضايا التى تشغلنا هنا بقدر ما تشغلهم هناك. وليس سرًا أن عمرو موسى كان قد اقترح وقت وجوده أمينًا عامًا على رأس جامعة الدول العربية أن تنضم تشاد عضوًا مكتمل العضوية فى الجامعة.
كان ذلك فى القمة العربية التى انعقدت فى مدينة سرت الليبية قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، ولكن اقتراح الرجل لم يصادف ما كان يجب أن يصادفه من جدية ومن اهتمام على مستوى الساسة والقادة العرب. وكان طرح الاقتراح فى حد ذاته دليلًا على أن تشاد دولة عربية، من حيث ما هو مطلوب فى الدولة لتكتسب عضوية الجامعة.
والاجتماع الذى استضافته تشاد قبل أربعة أيام، هو الاجتماع الأول للآلية الوزارية التى تشكلت فى أعقاب قمة دول جوار السودان التى استضافتها القاهرة ١٣ يوليو. أما جوار السودان فيضم سبع دول هي: مصر، جنوب السودان، اريتريا، أثيوبيا، أفريقيا الوسطى، تشاد، ثم ليبيا. وأما الذى دفع القاهرة إلى استضافة تلك القمة، فهو يقين المحروسة فى أن المأساة الجارية فى السودان، إذا كان لها أن تهتدى إلى حل، فلن يكون ذلك إلا عن طريق السودانيين أنفسهم، ثم فى مرحلة تالية وربما موازية عن طريق دول الجوار، لا لشيء إلا لأن هذه الدول السبع هى أول الأطراف التى تتأثر بالحاصل فى السودان منذ أن انطلقت الحرب على أرضه فى ١٥ أبريل.
منذ ذلك التاريخ بدأت الحرب بين الجيش وبين قوات الدعم السريع، ولا يمكن الحديث الآن ولا حتى فى المستقبل عن طرف منتصر من بين الطرفين وعن طرف آخر مهزوم، ولكن يمكن الحديث عن أن الخسارة المؤكدة هى خسارة السودان نفسه، بلدًا، وشعبًا، ووطنًا، وكيانًا بين الدول.
ولأن مصر حريصة على السودان حرصها على نفسها، فإنها بادرت واستضافت القمة، ومن بعد القمة كان هذا الاجتماع فى نجامينا، وكان الهدف فى الحالتين وفى كل حالة مقبلة، أن تتوقف هذه الحرب بأى طريقة، وأن تكون هناك خريطة طريق لما بعدها، وأن تسعى هذه الخريطة إلى استعادة ما سقط من السودان على طول الطريق فى أيام الحرب.
السودان بلد غنى بأهله وثرواته، وموقعه، وليس من المعقول أن يكون بهذا الغنى ثم يكون هذا هو حال السودانيين الذين نراهم فى النشرات وعلى الشاشات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خط احمر ليبيا والسودان
إقرأ أيضاً:
أمريكا وحريق السودان.. كلمات تُقال وحفنة دولارات
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
٢٣ مايو ٢٠٢٣م
في العلاقات الدولية عادة ما يكون التلويح بإستخدام القوة رهين بمستوى مصلحة الدولة المباشرة تجاه الطرف أو الأطراف التي تمارس عليها تلك القوة، غني عن البيان أن القوة هي الأداة التي تمكن من ممارسة النفوذ الذي بدوره يجعل الطرف الآخر يزعن لتوجيهات وأوامر صاحب النفوذ.
ما لمح به وزير خارجية أمريكا أنتوني بلكن يوم ٢٣ مايو ٢٠٢٣ بالتلويح بإستخدام القوة لفرض الهدنة الموقعة في جدة بين طرفي الحرب في السودان تلويح غير مجد لأنها في الغالب ستحرك عقويات اقتصادية، وهذه بالطبع ممارسة للقوة الناعمة ولن تكون ذات أثر كبير ومباشر في إسكات صوت السلاح ولن تثني أطراف النزاع عن مواصلة الحرب، فالعقوبات حتى وإن فرضت لن تظهر آثارها الا بعد أن يكون السودان قد إحترق عمليا بالنظر لتصاعد وتائر العنف وضرواة الحرب في المدن خاصة في الخرطوم.. أما استخدام القوة الخشنة كوجود مراقبين مسلحين على الأرض Boots on the ground فهذا ما لن تقدم عليه أمريكا نظرا لعدم وجود مصالح تتهددها الحرب بشكل مباشر كالإستثمارات الكبرى أو كوجود مواطنين أمريكان يمكن أن تخاف على حياتهم ( لاحظ كيف تسرعت أمريكا بإجلاء رعاياها من السودان منذ الأيام الأولى للحرب)... أما قول بلنكن العودة لحكومة مدنية فهذا حديث يُلقى هكذا دون أن تحرك له مفاعيل حقيقية لاسيما وأن مسار التحول المدني الديمقراطي قد انقطع منذ إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ولم تتحرك إلا ضمن الرباعية وهي آلية مغلولة وممهولة بالدرجة التي أوصلت الجميع لهاوية الحرب.
بأختصار أمريكا لا مصلحة لها في إطفاء حريق السودان إلا ضمن شرطية توازن القوى في المنطقة حال تمدد النفوذين الروسي و / أو الصيني واللذين عادة ما تنظر لهما بعين الريبة.
فكلما بوسع أمريكا أن تفعله الآن هو أن تتبرع ببضع ملايين من الدولارات للمنظمات الإنسانية لمساعدة النازحين واللاجئين وهذا ما شرعت فيه فعلياً، وعندما تنضب تلك الأموال و المعونات ستصبح حرب السودان من الحروب المنسية.
د.محمد عبد الحميد
٢٣ مايو ٢٠٢٣م