أكثر من 20 مدنياً سقطوا قتلى بينهم 11 طالبة بالمرحلة الثانوية، في حادثة قصف الأبيض يوم 14 اغسطس، الحادثة التي تضمنت تفاصيل مؤلمة يرويها سكان المدينة بكثير من الأسى.

التغيير: فتح الرحمن حمودة

في صباح الأربعاء قبل الماضي خرجت طالبات المرحلة الثانوية من منازلهن متوجهات إلى مدارسهن التي بالكاد استأنفت الدراسة في ظل ظروف لا تتيح المجال لفتح أبواب التعليم في مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان- وسط السودان والتي أصبحت واحدة من مدن الاقتتال الرئيسية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

لم تكن الطالبات يتوقعن أن يكون هو اليوم الأخير في حيواتهن القصيرة، لكن قذائف الدعم السريع التي أطلقت من الإتجاهات الغربية للمدينة المحاصرة منذ شهور، قتلت صباهن بوحشية، وفقدت الأبيض أرواحاً بريئة كانت تحلم بالمستقبل، لكنها منحتهن الموت بدلاً عنه، في مشهد يزيد من عمق مأساة الحرب العبثية المستمرة لنحو عام ونصف.

ذعر وفوضى

وقالت (س. ع) لـ(التغيير) في أسى بالغ، إنها شاهدت عيون الأمهات التي كانت مليئة بالخوف والحرقة وهن يقفن في الشوارع أو يجرين لإنقاذ اطفالهم في لحظة هجوم قوات الدعم السريع بالكاتيوشا.

وروى الشاب (ر. ص) لـ(التغيير)، أنه في صبيحة 14 أغسطس وبينما كانت المدينة تعيش في حالة من الهدوء بعد انحسار المواجهات العسكرية، ولم يكن أحد يتوقع أن يتحول مشهد إلى الفوضى والرعب، فجأة انطلقت 12 عربة عسكرية مصحوبة بدراجات نارية من غرب المدينة، كانت تحمل هدفاً محدداً محملة بالكاتيوشا والمدفع الثنائي ومدفع “82”.

وقال إن قوات الدعم السريع اطلقت سبع قذائف متفرقة أصابت أولاها شجرة “تبلدية” ضخمة داخل ساحة مدرسة أبو ستة الثانوية، فقام العديد من الناس بمحاول إنقاذ الطالبات وإخراجهن عبر الباب الشرقي حيث سقطت أولى القذائف. وفي لحظة واحدة تحولت ضحكات وأحاديث الطالبات إلى صرخات مذعورة وبدأن الفرار بحثاً عن ملاذ آمن.

وأضاف (ر. ص)، أنه فيما كانت الطالبات يتدافعن في محاولة الهرب اطلقت قذائف ثانية مما أسقط ضحايا بينهن وأصيب آخرون بجروح بليغة، فيما نجت بعض الطالبات اللواتي لم يغادرن الفصول من القصف لكنهن أصبن بالذعر الشديد لدرجة الإغماء.

وتواصل قصف الدعم السريع في ذلك اليوم ليشمل مناطق أخرى من بينها السوق الغربي وبعض المؤسسات الحكومية، فيما سقطت إحدى القذائف على حافلة كانت تحمل ركاباً بالقرب من مستشفى الشرطة مما أدى إلى مقتل مدنيين وإصابة آخرين.

ظروف مأساوية

(ع. أ) الذي كان أحد مسعفي الشهداء والمصابين جراء الهجوم الغادر، قال لـ(التغيير)، إنه لحظة وقوع الاشتباك كانوا يعملون لإسعاف المصابين وسط ظروف مأساوية خصوصاً بعد انقطاع التيار الكهربائي، ولم يكن لديهم سوى هواتفهم التي استخدوها للإضاءة داخل غرف العمليات بمستشفى الطوارئ والإصابات، وأكد أن آخر ما حصره عن عدد القتلى هو (27) بينهم (11) طالبة ثانوي وأكثر من (150) مصاب من المدنيين.

وأضاف ان القصف في ذلك اليوم كان عنيفاً بسقوط عدد من القذائف في السوق الغربي للمدينة واثنتين أخريات في مبنى التخطيط العمراني وفي مدرسة أبو ستة ومدرسة الأسرة، وكشف أن هناك عدد من الجثث لم تصل المستشفى وغير معروفة.

ويومها كانت قد تعطلت شبكات الاتصالات تماماً في المدينة بالتزامن مع القصف العنيف الذي شنته قوات الدعم السريع ما أدى إلى شلل كامل في خدمات الاتصالات التى عادت الثلاثاء الماضي بعد انقطاع استمر لـ6 أيام.

وأعلن المجلس الطبي عدم إمكانية إجراء امتحان الممارسة للأطباء في مركز الأبيض يومي السبت والأحد الماضيين، بسبب انقطاع الإنترنت وغياب التكنولوجيا الفعالة في المدينة، على أن يتم تنظيمه في وقت لاحق.

وكانت حكومة شمال كردفان قررت فتح المدارس في محاولة لاستعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية ولكن هذه الخطوة لم تكن خالية من المخاطر.

وتصاعدت الأصوات الغاضبة من المدنيين على مواقع التواصل الإجتماعي، ووثقت (التغيير) حالة الاستياء الشعبي للحادثة وقرار فتح المدارس في ظل هذه الظروف، وعبر الكثيرون عن رفضهم لهذا القرار معتبرين أنه يعرض حياة الطلاب للخطر.

وما زالت قيادة الجيش تفرض سيطرتها على مدينة الأبيض، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق الولاية من بينها مدينتي الرهد وأم روابة.

ومنذ إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م تزايدت حوادث النهب المسلح بمعدل متسارع في مناطق الاقتتال الرئيسية لاسيما مدن شمال كردفان.

الوسومالأبيض الجيش الدعم السريع السودان الكاتيوشا حرب 15 ابريل شمال كردفان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأبيض الجيش الدعم السريع السودان الكاتيوشا حرب 15 ابريل شمال كردفان قوات الدعم السریع شمال کردفان

إقرأ أيضاً:

الفأرة التي في أيدينا.. كيف كانت وكيف أصبحت؟

#سواليف

يصعب اليوم تخيل عالم #الحواسيب دون ذلك الرفيق الصامت الذي يلازم أيدينا، ينقل نوايانا إلى الشاشة بنقرة أو سحبة بسيطة في دقة متناهية.

إنها #الفأرة، ذلك الجهاز المتواضع الذي حول التفاعل مع الآلة من مهمة معقدة محصورة بالمختصين إلى حركة بسيطة في متناول الجميع. لم تكن رحلتها من فكرة ثورية في رأس مخترع إلى قطعة أساسية على ملايين المكاتب مضمونة أو مباشرة، بل هي قصة إبداع ورؤية مستقبلية وصبر طويل.

في أوائل ستينيات القرن الماضي، كان الحاسوب عملاقا غامضا يتواصل معه المستخدمون عبر لغة غريبة من الأوامر النصية. كان على الشخص أن يكون مبرمجا ليأمر الآلة بتنفيذ ما يريد.

مقالات ذات صلة “الجرف الكوني” ملاحظة متكررة لمرصد جيمس ويب تحير العلماء 2025/12/09

في هذا الجو، تخيل المهندس الأمريكي #دوغلاس_إنجلبارت مستقبلا مختلفا تماما، يتعاون فيه البشر والحواسيب بطريقة طبيعية، بصرية، وبديهية. سعى إلى كسر الحاجز بين الإنسان والآلة، وولدت من هذا الحلم فكرة جهاز تتبع حركة اليد.

في اليوم التاسع من ديسمبر عام 1964، تحول الحلم إلى قطعة خشب ملموسة. جنبا إلى جنب مع زميله بيل إنجلش، أنتج إنجلبارت أول نموذج عامل لما نسميه اليوم الفأرة. لم تكن أنيقة، بل كانت صندوقا خشبيا مستطيلا متواضعا، به عجلتان متعامدتان في أسفله، واحدة لتتبع الحركة الأفقية، والأخرى للرأسية.

في أعلى الصندوق، زر واحد فقط. كان كابلها المتدلي هو ما أوحى فيما بعد بتسميتها “فأرة” بشكل غير رسمي، إذ ذكر العاملون في المختبر بأنها تشبه هذا القارض بجسمه وذيله الطويل.

لم يكن الصندوق الخشبي مجرد جهاز غريب، بل كان نافذة على فلسفة جديدة. أراد إنجلبارت واجهة رسومية، وطريقة للإشارة والنقر بدل الكتابة. وجاءت لحظة الانطلاق الكبرى في عرضه الشهير عام 1968، الذي أطلق عليه لاحقا “أم كل العروض التوضيحية”.

أمام جمهور مذهول، استخدم إنجلبارت فأرته لتقديم مفاهيم ستبدو مستقبلية لعقود، نافذة رسومية، تحرير نصوص بالنقر والسحب، روابط تشعبية تنقل المستخدم بين النصوص، وحتى مكالمة فيديو مشاركة مع زميل بعيد.

كان هذا العرض أول ظهور علني لوعد الحوسبة الشخصية الحديثة، وكانت الفأرة هي العصا السحرية التي قادت هذه العملية الثورية. مع ذلك، وبعد كل هذا البريق، سقط الاختراع في صمت طويل.

العالم لم يكن جاهزا بعد. ظلت الحواسيب كبيرة وباهظة، وافتقرت إلى الواجهات الرسومية التي تجعل للفأرة معنى. لقد سبق إنجلبارت عصره بعقدين كاملين. بقي اختراعه حبيس مراكز الأبحاث والمختبرات المتطورة، حتى جاءت الثمانينيات ومعهما ثورة الحواسيب الشخصية.

عندما أطلقت شركة أبل جهازها الشهير “ماكنتوش” في عام 1984، مزودا بواجهة مستخدم رسومية بديهية، كانت الفأرة هي مفتاح الدخول إلى هذا العالم الجديد. عندها فقط، انتقلت الفأرة من كونها اختراعا عبقريا إلى ظاهرة ثقافية وتجارية. أصبحت فجأة في كل مكان، وبدأت رحلة تطورها السريع، تحولت العجلتان الميكانيكيتان إلى كرة، ثم اختفت الكرة تماما لتحل محلها أدوات بصرية قادرة على العمل على أي سطح. تقلص الحجم، تعددت الأزرار، ظهرت العجلة الوسيطة التي سهّلت التصفح، ثم قطعت الأسلاك لتتحرر لاسلكيا. تحسنت الدقة والراحة والشكل، لكن المبدأ الرئيس الذي وضعه ذلك الصندوق الخشبي، تحويل حركة اليد في الفضاء ثنائي الأبعاد إلى حركة للمؤشر على الشاشة، بقي على حاله.

الآن، بينما نمسك بأيدينا فأرات ملساء مصنوعة من البلاستيك أو المعدن، تكمن مفارقة عظيمة. الفأرة التي نشأت من رغبة في استكشاف الفضاء، حيث مولت وكالة ناسا أبحاثها المبكرة، وجدت نفسها غير مناسبة لانعدام الجاذبية في المركبات الفضائية. بدلا من أن تسافر إلى الفضاء البعيد، تمسكت بالأرض وربطت البشر بعضهم ببعض عبر الشبكة العنكبوتية العالمية.

مخترعها الرائد، دوغلاس إنجلبارت، لم يجنِ ثروة منها، إذ أن حقوق براءة الاختراع كانت ملكا لمعهد ستانفورد البحثي الذي عمل فيه. لكن إرثه لا يقدر بثمن. الفأرة لم تكن مجرد أداة، بل كانت حجر الزاوية في فلسفة جعلت التكنولوجيا في متناول الجميع، وساهمت في تقريب الحوسبة من أي شخص بغض النظر عن خبرته التقنية.

إنها قصة ذلك الصندوق الخشبي البسيط الذي لم ينعزل في متحف التاريخ فحسب، بل تحول إلى امتداد حيوي لأيدينا وعقولنا، يترجم أفكارنا إلى فعل على الشاشة، ويذكرنا بأن أعظم الابتكارات هي تلك التي تختفي في بساطتها لتصبح جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية.

مقالات مشابهة

  • الفأرة التي في أيدينا.. كيف كانت وكيف أصبحت؟
  • قتلى وجرحى باشتباكات بين الجيش والحوثيين جنوب شرق اليمن
  • سقوط قتلى وجرحى مع تجدد النزاع بين تايلاند وكمبوديا
  • القوات التايلاندية تقصف مواقع كمبودية وسقوط قتلى وجرحى
  • اتساع رقعة القتال بين تايلاند وكمبوديا.. وسقوط قتلى وجرحى
  • اليوم.. محاكمة 42 متهمًا في “خلية التجمع”
  • 24 ديسمبر الجارى محاكمة 7 طالبات بمدرسة فنية لتعديهم على ولية امر بالاسكندرية
  • ارتفاع قتلى قصف كادقلي بطائرة مسيّرة إلى 114 بينهم 63 طفلًا
  • بينهم عشرات الأطفال.. غضب واسع بعد مجزرة الدعم السريع في كلوقي
  • هجوم لـالدعم السريع يوقع عشرات القتلى بينهم أطفال جنوب كردفان