مذكرات مغترب في دول الخليج العربي (٢)
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
تمَّ التَّخرُّج الذي كُنَّا والأهلُ نَتلّهَّفُ لِقُدُومِه مِثْلَ تَلهُّفِ الأطفالِ للعيدِ ومَلابسِ العِيد وحَلوِياتِ العيدْ ، خاصَّةً وأنَّه لا بُدَّ مُرتَبطٌ بِهِجَرةٍ ، تمَّ في ٢٠ / ٥ / ۱۹۸۲ فِعْلِيَّاٌ حِين اسْتَلمْنا شَهادةَ "البكالوريوس " مُوَقَعَّةً بِهذا التَّاريخ بِتوقِيعِ العَمِيدِ ومُسَجِّل الكُليَّة ومَخْتُومةً بِخَتمِ الكُليَّة وجامعةِ الخُرْطُوم .
بِأخْبارِ المَناطِق وأيُّها أفْضلُ وما تِلك التي هي أنْكَى وأشَدُّّ شِدَّةً وبَداوةً من مَناطِق الشِّدة عندنا آنذاك .
وأذْكُرُ أنَّ مَنْ أجَرى لنا المُقابَلات مِن الفَريق السَّعُودي كانَ شَيخاً يُدعَى حمد الصليفيح - عليه رحمة الله - وقد سألني عندما جاءَ دَوْري عن انتمائي فقلتُ له لا أنتمي لِجِهةٍ مُعَيَّنة . فقالَ لي باللَّهْجةِ السُّودانِية : " قاعِد ساكِت؟" قلتُ له : " نعم " ! فقال لي : " سوفَ أوَزِّعُك إلى مِنطقةٍ تُسْكِتُك سُكُوتاً شَدِيداً " ... هكذا !!!! فأوْجسَ في نَفسِه خِيفةً الشَّريف !!! وفعلاً كان ما قد وعَدَ به . تمَّ تَوزِيعي إلى مِنطقة بِيشة التَّعليمية وهي تقعُ جنوبَ المَمْلكةِ ومُعْظَمُها صَحْراوي وقُراها في تلك الحِقَبةِ حَدِّث ولا حَرَج ! وسأتعرضُ لهذا في حِينه . ونحنُ - مَعْشرَ السُّودانيين - سَمِعنا عنْ بيشة ونَعرِفها في المَقُولةِ المَعرُوفة " بيشة الما وراها عِيشة " ، ونَعرِفُها في أُغْنِية الكابلي " أسَد بِيشة المِكرْمِت قَمْزاتُه مُطَّابقات يرْضَع في ضَرَايع العُنَّز الشَّارداتْ " .
لا بُدَّ مِن الإشارة إلى أنَّ مَقرَ لَجنةِ التَّعاقُد كانَ في حي الصَّحَافة في فيلا ضخمة فخمة ذاتِ فناءٍ فَسيحٍ مُسَوَّرٍ ومُشَجَّرٍ ومُنَجَّلٍ ومُهَيَّا للجُلُوس والانْتِظار .
خُلاصةُ الأمْرِ أنَّ إجْرَاءاتِ تَعَاقُدِنا قدْ اكتمَلتْ واسْتَلمْنَا تَذاكِر السَّفَر وقدْ تَحَدَّد بِها تارٍيخُه ومطارُ الوُصُولٍ الأقَربُ لِكلِّ مُتعَاقِد مِن خِريجي كُليَّةِ التَّربية ۱۹۸۲ ومِنْطَقتُه التَّعلِيميَّة المُوَجَّه إليها . ولم يَبقَ مِمَّن لم يَتَعاقدْ إلا قِلَّةٌ تًعَدُّ على أصَابِع اليَدينْ .
----------------------
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مهاجرات الخليج .. بين العمل والعنف
خمس نساء من خمسة بلدان مختلفة، وطبقات اجتماعية مختلفة يجدن أنفسهن يعشن ويتنقلن في شبه الجزيرة العربية في رواية مو أوجرودنيك الأولى، وعنوانها «الخليج». تطرح الرواية نظرة عاطفية وإن تكن غير منصفة إلى العنف المادي والعاطفي الذي تتعرض له المهاجرات في منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، حيث يعيش اليوم ملايين من الأيدي العاملة المهاجرة. للأسف، تبدو الفرضية التي تحاول الربط بين أولئك الشخصيات فرضية هشة، فتنتج للنساء في الشرق الأوسط صورا اختزالية، بل تنميطية في بعض الأحيان.
هنالك (دنيا) المتزوجة حديثا من إمبراطور السكك الحديدية السعودي، والتي تنتقل قسرا من جدة إلى قصر جديد منيف في «المجمع الصناعي المهجور» برأس الخير، وهي مركز ثروات في المنطقة يشهد تحديثا سريعا ويغص بمواقع بناء أشبه بالمتاهات، هي خريجة جامعية مثقفة كانت فيما مضى تحلم بالانضمام إلى إمبراطورية حميها الذي رأى «قدراتها» فيما يتجاوز البيت، لكن وفاته المفاجئة تتركها شاعرة بأنها «متعفنة عديمة القيمة» حبيسة دور الزوجة الحبلى.
عندما توظف (دنيا) عاملة فلبينية تدعى (فلورا) لتكون خادمة ومربية لديها، تكون (فلورا) هذه في غمرة حزنها على وفاة ابنها الرضيع إثر إعصار في وطنها، تشرح دنيا نظام الكفالة الاستغلالي الذي يرقى إلى مستوى «عقود العمل غير المأجورة» بقولها: إن «صاحب العمل في دول الخليج يكون أقرب إلى الراعي، أو الكفيل». وفي غمار تعرضها لاكتئاب ما بعد الولادة، والهوس، والبارانويا، تصادر (دنيا) جواز سفر (فلورا) وهاتفها وتشرع في معاملتها بقسوة متزايدة.
في الوقت نفسه، تنتقل (جوستين) أمينة متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، إلى أبوظبي مع ابنتها المراهقة (رين) للإشراف على معرض للصقور في متحف جديد، مستسلمة لغواية ما تعد به وظيفتها الجديدة من أمن مالي ومغامرة، وهناك تجد المغتربة الأمريكية المرموقة نفسها متورطة على نحو كارثي مع المراهق الإثيوبي (إسكيدار) الذي سافر إلى الإمارات العربية المتحدة بأوراق مزورة.
يتعلق الخط الأخير بـ(زينة)، وهي طالبة جامعية سورية أرغمها أبواها على الزواج بمقاتل من داعش -«برغم أن بنات الرّقة كن يشربن السم ويقدمن على الانتحار هربا من الزواج بمقاتلي داعش»- راجين من هذا الزواج أن يحميها من العنف الذي أفضى إلى اختطاف شقيقها وقتله، بعد تظاهره ضد نظام بشار الأسد. يشجعها زوجها عمر على الانضمام إلى «لواء الخنساء» وهو أقرب إلى «شرطة أخلاق نسائية» تعد المجندات الجديدات بـ«الحرية، ولو في مقابل مراقبة الآخرين».
تكتب، مو أوجرودنيك، السينمائية والأستاذة التي سبق لها التدريس في جامعة نيويورك بأبوظبي، مشاهد هذه الرواية متنقلة بين هذه المناظير الخمسة، ولعل سرعة الإيقاع هي السبب في أن بطلات أوجرودنيك يبدون أقرب إلى صور نمطية للضحية والجلاد منهن بشخصيات حقيقية من لحم ودم؛ فـ(دنيا) على سبيل المثال تفكر وهي تستولي على كل ما يربط خادمتها بالعالم الخارجي في أن «فلورا طيبة، لكنها طيبة مثيرة للغضب، وبدا لها أنه لا بد من تدمير تلك الطيبة»، و(زينة) ليست أصلا بمهاجرة أو مقيمة في أي دولة خليجية، ولا يكاد حضورها يضيف شيئا إلى الرواية عدا إكمال الصورة النمطية لأي قصة عن الشرق الأوسط بأن تحتوي بطريقة أو بأخرى على إرهابي، وبالانضمام إلى لواء الخنساء، تقع بسهولة فريسة للسادية فتأمر بالتعذيب العلني لمن يخالفن الشريعة من النساء، وتصف أوجرودنيك اضطرابها الداخلي بقسوة: «كانت تشعر بإحساس قوي بالأخوة والقرابة مع أولئك النساء، لكنها كانت تشكك في طبيعة ذلك الشعور، فلعله ناجم عن أشياء كثيرة: وحدتها، صدمتها، العنف الذي وقع على أخيها، وأسرتها، ومدينتها».
وقد لا يسلم الحوار أيضا من نبرة مباشرة، فصديقة (رين) الأمريكية تفضح ثيمة الرواية صراحة: «تقول أمي إن المستشفيات ممتلئة بعاملات حاولن الهرب، نساء مكسورات الكواحل قفزن من طوابق عليا، في الشهر الماضي ماتت امرأة وهي تسير في عرض طريق سريع رافعة يديها، بيع الكثير منهن بيعا».
قد تكون لهذا التسطيح غاية، ولدمج مناطق متباعدة في سردية واحدة، وفي اختزال حيوات كاملة إلى رموز إما للنعيم أو الشقاء، ولكن انتهاك النساء ليس محدودا بجغرافيا أو بطبقة، ولكي تدب الروح على الورق، فلا بد من النأي بالشخصيات والأماكن الروائية عن التعميمات.
ماي-لي تشاي هي مؤلفة، من أحدث أعمالها مجموعتا القصص القصيرة «عبارات مفيدة للمهاجرين» و«غدًا في شنغهاي». وهي عضوة في مجلس إدارة دائرة نقاد الكتاب الوطنية
عن نيويورك تايمز