ضرورة التحكيم في عقود الصناعة المالية الإسلامية (2-2)
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
د. ماجد بن محمد الكندي **
ومع السابق وأهميته لا يدرّس مساق العمليات المصرفية الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس رأسًا، ويدرس مساق (ISLAMIC BANKING) في كلية الاقتصاد في مساق اختياري، والتدريس اقتصادي وليس حقوقيًا، أما كلية العلوم الشرعية فيطرح مساق (مبادئ الاقتصاد الإسلامي) وهو مساق اختياري، وعنايته أكثر بالاقتصاد عمومًا ولا يدخل العمل المصرفي فيه إلا قليلا، وبدأت الكلية حديثًا بطرح مساق (الاقتصاد الإسلامي) لمرحلة الماجستير، وعلى حد علمي هناك مساق واحد في (المعاملات المصرفية والنقدية الإسلامية) من مجموع ما تشتمل عليه كلمة (الاقتصاد الإسلامي).
السابق يقتضي أن القاضي الذي سيفصل في الخصومة غير مدرك من حيث التكوين الأكاديمي لعقود الصيرفة الإسلامية ولو بتفكير سطحي مبدئي، فكيف يجتمع ذلك والتعقيد البالغ في عقود المؤسسات المالية الإسلامية؟!
كما إنَّ فصل النزاع في خصومات الصيرفة الإسلامية يستلزم إدراكًا راسخا للقانون التجاري ولفقه المعاملات المالية ولمقررات المجامع الفقهية ودور الفتوى والهيئات الشرعية على حدٍّ سواء، وهذا قد لا يتاح لكثيرين، فكيف يجمع ما مضى مع أمر عليه أناس يجعلون القواعد الحاكمة للعمل المصرفي التقليدي هي القواعد الحاكمة للعمل المصرفي الإسلامي، وتلك ليس لها سوى عقد القرض، والإسلامية كل عقود التمويل والتمول فيها لا تجتمع والقرض بمعناه المصرفي، بل أصل قيامها للتخلص منه.
والتحكيم ضروري لفض النزاعات المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية مع بعضها ومع عموم المتعاملين معها، وهو أمر خير تضمن به هذه المؤسسات تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وصناعة الخدمات الإسلامية لها خصائص تميزها عن الصناعة المالية التقليدية، ودور المؤسسات المالية الإسلامية في دنيا الناس الآن وانتشارها في بيئات وتشريعات قانونية مختلفة يحتم عليها أن تحفظ أصل قيامها وهو الالتزام بالشريعة، وعلى المذكور فيؤكد أهمية اعتماد التحكيم في المؤسسات المالية الإسلامية حلًّا لفصل النزاع أمور عدة:
1- مطابقة قرارات هيئات التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية، فالمفترض في المحكَّمين المختصين بالمؤسسات المالية الإسلامية أنهم مختصون في فقه المعاملات الإسلامية ببعديها الفني والشرعي وأنهم أقدر على استيعاب الطبيعة الخاصة بالمعاملات المالية الإسلامية، وهذا يحفظ أصل مبدأ تحكيم الشريعة ابتداء في العقد وانتهاء في حل النزاع، فنظام التحكيم يضمن للمؤسسات المالية والمتعاقدين معها اختيارَ القانون الذي يحكم عقودهم وحل نزاعاتها.
2- تقليل الضرر بقطع الطريق على المماطلين الذين تقضي أحكام الشريعة بأن لا يجوز فرض الغرامات التأخيرية عليهم، والغالب في سير القضاء العادي التأخر ومضي المدد الطويلة إلى حين الفصل في القضية، بل قد يستغرق الفصل في القضية الواحدة سنين عدة، وهذا يضاعف الضرر على المؤسسات المالية في الحال الذي لا ترى فيه المؤسسات المالية التقليدية غضاضة عليها فيه بسبب أخذها غرامات التأخير، وعليه فالتحكيم يعالج ذلك كله، والأصل في سير إجراءاته السرعة والبت في أقل مدة ممكنة فتقلل المؤسسات المالية ضررها.
3- يُقيِّدُ كثيرٌ من المؤسسات المالية الإسلامية عقودها حين الفصل في النزاع بمبدأ أن يكون الحكم غير متعارض والشريعة الإسلامية، أو أنها لا تجيز للطرفين أخذ الفائدة إعطاء وأخذًا، لكن المشكلة في هذا القيد تكمن في أمرين:
أ- المحاكم لا يلزمها هذا التقيد فتعيد التكييف للعقود حتى تتلاءم ومقررات القوانين الوضعية التي يألفها هذا القضاء في أكثر ما يعرض عليه.
ب- القضاء العادي غير قادر على تفسير مبدأ الشريعة الإسلامية؛ لأنه غير مدرك لطبيعة عقودها وأبعادها، وعلى الأخص من ذلك المحاكم البريطانية التي يعرض عليها كثير من قضايا المؤسسات المالية الإسلامية، ويدلك على ذلك لجوء القاضي الغربي إلى تعيين خبير للتعريف بالمرابحة أو لمعرفة الوكالة بالاستثمار شروطًا وآثارًا.
والواقع أن فقه المعاملات المالية المعاصرة المتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية دقيق جدًا لا يكاد يدركه كثير من المتخصصين في الشريعة الإسلامية إن لم يكن لهم اهتمام خاص بهذا الفقه وتخصص دقيق فيه، وبقصد التحكيم تجنب المؤسسات المالية الإسلامية من أن تحتكم إلى المحاكم الغربية التي لا تقر بأحكام الشريعة الإسلامية.
4- حل النزاعات والفصل في قضايا الأموال خصوصًا المتعلق منها بالعمل المصرفي يستلزم مرونة وسرعة وسرية وقلة كلفة، وهذا قد لا يكون في كثير من محاكم القضاء العام، والتحكيم بوصفه عملًا قائمًا بهذا الأمر ومختصًا به يدرك هذه المطالب فيتجاوز هذه الكلف كلها فلا يطَّلع على القضايا سوى أصحابها وتفصل بسرعة ومرونة لسهولة إجراءات التحكيم ونأيها عن التعقيد والرسمية التي تطبع القضاء العام.
** قسم العلوم الإسلامية - كلية التربية - جامعة السلطان قابوس
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
روبيو: إيران باتت أبعد كثيرًا من الوصول إلى سلاح نووي
صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بأن إيران باتت «أبعد كثيرًا من الوصول إلى سلاح نووي» بعد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على منشآتها النووية.
جاء تعليق روبيو في قمة حلف الناتو، حيث أكد أن الضربات الأمريكية تسببت بـ«أضرار كبيرة جداً» للبرنامج النووي الإيراني، رافضًا الانسياق وراء تقارير استخباراتية أخرى أفادت بأنها أدت إلى تأخير مؤقت فقط .
وفي السياق نفسه، أعلن روبيو أن «الصور التي نشرت بعد الهجوم تظهر بوضوح حجم الدمار في المنشآت»، مشيرًا إلى أن الأضرار تشمل الانهيارات فوق المنشآت ونقاط الدخول، وذلك كما يوثق تحليل للصور الفضائية المنشورة في وسائل إعلام دولية.
روبيو لنظيره الفرنسي: جاهزون للاتصال المباشر مع إيران في أي وقت
روبيو: عقوبات الجنائية الدولية ردا على استهداف الأمريكيين والإسرائيليين
وأوضحت تلك الصور هي إغلاق مداخل الأنفاق في منشآت فوردو ونطنز بعد تعرضها للقصف العميق بقنابل MOP، ما أدى إلى حفرت ستة فوهات ضخمة على سطح الجبل، فضلا عن أخرى ترصد أضرار جسيمة في منشآت تحت الأرض، حيث قالت شركة ماكسر إن الصورة أظهرت انهيارًا في مداخل وأسطح المنشآت، حتى وإن لم تتضح مدى الضرر تحت الأرض .
ويبدو أن إيران قامت بإزالة جزء من مخزون اليورانيوم المخصّب إلى موقع مجهول قبل الضربات، وفقًا لمصادر عدة .
استخدم روبيو هذه الأدلة البصرية لتبرير موقفه، مؤكداً أن الهجوم لم يكن لغرض تغيير النظام، بل لإعادة إيران فوراً إلى مائدة المفاوضات النووية.
وقال إن “إيران ستعود للتفاوض بعد ما فعلناه»، مبدياً اعتقاده بأن حجم الضربات ترك طهران في موقف لا تحسد عليه، تدفعها إلى العودة لطاولة المباحثات بهدف استعادة ما يمكن إنقاذه”.
الموقف الإيراني يتقاطع مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب، الذي جعل توصل إيران إلى وقف إطلاق النار مع إسرائيل شرطًا يعود من خلاله للانخراط في حوار دبلوماسي، بحسب ما أفادت مصادر رويترز . والتحليل الأمريكي الأولي يشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني تأخر لعدة أشهر، لا يزال بإمكانه التعافي عبر إصلاح المنشآت واستئناف الاحتفاظ باليُورانيوم المخصّب إذا لم تُستأنف الرقابة الدولية بشكل عاجل.
وفي المقابل، تبقى بعض الجهات المحافظة أكثر حذرًا. فهي تؤكد أن الضربات البطولية رغم شدتها، لم تدمّر العنصر الباطني لنظام الطرد المركزي، ولم تهدّد بصورة جوهرية إنتاج مواد نووية للدرجة التي تمنع التعافي السريع . ووفقًا لتلك القراءة، فإن روبيو يعتمد على الانطباع السياسي للصور، وليس على تقدير فني شامل للبرنامج النووي.
ومع ذلك، يجدر الملاحظة أن تلك الصور الفضائية - على الرغم من كونها قوية بصريًا - لا تؤكد بشكل قاطع أنّ قنوات الإنتاج النووي قد تدمرت تمامًا؛ إذ لم تُظهر تقييمًا دقيقًا لصالة أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض . كما تظهر صور فوردو ثانيًا أن معظم الأضرار كانت سطحية، وأن العنصر التحتي قد يظل قابلاً للإصلاح على المدى المتوسط .
وفي ضوء الواقع، تأتي دعوة روبيو لتفعيل المسار السياسي بجدية، بدلاً من الانخراط في حرب طويلة الأمد، كتعبير عن الخيار الاستراتيجي الذي اختارته إدارة ترامب. فهو ينظر لها كنوع من الضغط الذكي، يلزم طهران بالعودة إلى مفاوضات البرنامج النووي بدلًا من الاعتماد على التدخل العسكري الطويل.
ووثّق روبيو أن الضربات أظهرت حجمًا ملحوظًا للضرر عبر صور فضائية، وظّف تلك الأدلة لدعم توقعاته بعودة إيران لطاولة الحوار. لكن، الخبراء يؤكدون أن قراءة الصور وحدها غير كافية لتقييم النتائج الكاملة للضربات. وفي هذا التوازن بين إشارات القوة والعقلانية السياسية، تتشكل معالم المعركة القادمة في ملف إيران النووي: حرب ضغوط محسوبة تدفع إلى مذاكرة سياسية، لا صدام أبدًا.