رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن التصعيد الدراماتيكي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية "يفجيني بريجوجين"، خلال شهر يونيو الماضي، سلط الضوء على تحديات الاعتماد بشكل كبير على كيان لا يمكن التنبؤ بأفعاله، حيث بدت الدول الشريكة لفاجنر في قارة إفريقيا، بين عشية وضحاها، تحت رحمة لعبة قوة غامضة داخل الكرملين.

واعتبرت المجلة الأمريكية أن أنشطة فاجنر عبر قارة إفريقيا مثيرة للقلق.. فمنذ عام 2017، تعمل المجموعة شبه العسكرية على توسيع نطاق وجودها في القارة السمراء، حيث تشير التقديرات إلى وجود حوالي 2000 "مدرب عسكري" تابعين لفاجنر في جمهورية إفريقيا الوسطى و1000 في مالي على الرغم من تأكيد المراقبين أن هذه الأرقام أقل من الأعداد الحقيقية.. منبهة إلى ضرورة ملاحظة أنه في بلدان مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، توفر فاجنر الدعم السياسي والضمانات الأمنية مقابل امتيازات التعدين المربحة إضافة إلى تأمين ميزة جيوسياسية لروسيا.

 

وترى المجلة الأمريكية أن الأحداث الأخيرة والتطورات بين روسيا وفاجنر تمثل فرصة فريدة للقادة الأفارقة لتنويع شراكاتهم العالمية، كما أنها تمثل فرصة للحكومات الغربية لتكثيف وتعزيز هذه الشراكات مع إفريقيا.

 

ولفتت المجلة إلى أنه فيما يتعلق بسد الفراغ الأمني في بعض الدول الإفريقية، فإن البدائل ربما تكون محدودة هناك بالفعل، كما أن الحكومات الغربية لا تقدم نموذجا لمعالجة التحديات السياسية والأمنية المعقدة في بعض دول القارة.. وعليه، فإذا كان الغرب يتطلع إلى أن تنظر الدول الإفريقية إلى الحلول وتبني الشراكات التي تعطي الأولوية للاستقرار والنمو الاقتصادي وتمكين شعوبها، فيجب على الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الناشئة كاليابان والهند تقديم بديل جرئ وعملي (نموذج شراكة جديد) لدول القارة ويراعي أيضا خصوصية بعض الحكومات، مثل تلك الموجودة في مالي، التي صورت نفسها على أنها معارضة للقوى الاستعمارية.

 

وترى المجلة أيضا أنه مع ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، ستتاح للقادة الإفارقة فرصة جديدة لتنويع شراكاتهم، الأمر الذي يستدعي بالضرورة من قادة الغرب مراعاة أهمية وجود تعديل عند تشكيل التحالفات الأمنية وإجراء الدبلوماسية لتلائم المصالح المتنامية للدول الإفريقية على أفضل وجه. 

 

وحول نموذج الشراكة الجديد، أكدت "فورين بوليسي" أن أساس هذا النموذج يجب أن يقوم على عدة اعتبارات: أولا، على المنفعة المتبادلة وسياسة عدم التدخل، وأن يسبقه الارتباط الدبلوماسي الذي يعزز العلاقات ويأخذ في الاعتبار كلا من احتياجات وتطلعات الدول الإفريقية.. ويمكن للحوار الثنائي والقنوات الدبلوماسية الموسعة أن تساعد في التغلب على التحدي الأول المتمثل في تقديم استراتيجية خروج للحكومات من الاعتماد على روسيا أو الكيانات العسكرية الخاصة الأخرى.

 

ثانيا، يجب تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمار في القطاعات الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على الطاقة والبنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا، والتنمية البشرية، حيث يمكن أن يساعد تقديم حوافز تجارية واستثمارية جذابة، وتوفير الخبرة الفنية، وتسهيل الشراكات التجارية على إقامة علاقات اقتصادية مستدامة. ويجب هنا مراعاة الاستفادة من المزايا النسبية للغرب، خاصة فيما يتعلق بتوفير نافذة للتجارة مع الأسواق المربحة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع نظر الشركاء الغربيين بشأن كيفية دعم الدول الأفريقية في تطوير قدرات تصنيع الموارد الطبيعية والارتقاء في سلسلة القيمة.

 

ثالثا، بناء القدرات المستهدفة، حيث يوفر نموذج فاجنر الدعم للحفاظ على النظام لقادة بعض الدول (الإفريقية) في مواجهة التحديات أمام شعوبهم، ولكن يمكن للغرب أن يقدم برامج بناء القدرات لمساعدة البلدان الإفريقية على مواجهة التحديات الرئيسية بشكل مستقل.. ويمكن أن يشمل ذلك دعم التعليم والرعاية الصحية والتطوير المؤسسي ومشاريع التنمية المستدامة التي تتماشى مع أولويات الدول الإفريقية.

 

ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن مجموعة فاجنر شبه العسكرية هي نتاج نظام بناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا يمكن تفكيكها دون تقويض نفوذ موسكو العالمي.. لذا، يجب أن يهدف نموذج الشراكة الجديد إلى تسخير النوايا الحسنة للمجتمعات الإفريقية تجاه الغرب، حيث وجد استطلاع رأي عام لمؤسسة Afrobarometer، أنه في بوركينا فاسو، يرى أكثر من 70% أن تأثير الولايات المتحدة إيجابي، مقابل 55% قالوا الشيء نفسه عن روسيا.. وفي مالي، كان 60% ممن شملهم الاستطلاع ينظرون إلى نفوذ الولايات المتحدة على أنه إيجابي.

 

وبناء عليه ولمكافحة إرث القوة الناعمة الروسية ومدى وحجم تأثير فاجنر، يجب الاستثمار في الدبلوماسية العامة والتبادلات الشعبية، خاصة فيما يتعلق بالمنح الدراسية والفعاليات الثقافية ووسائل الإعلام (بما في ذلك مصادر الأخبار الموثوقة التي يمكنها مكافحة المعلومات المضللة) ومنصات التعليم المحلي التي يمكن الوصول إليها رقميا وشخصيا، مع دعم مرونة المجتمع وتماسكه خاصة في الدول التي يكون فيها وجود فاجنر بارزا. 

 

وأخيرا، ترى "فورين بوليسي" أن الوقت الحالي هو اللحظة المناسبة للغرب لتقديم بديل أكثر موثوقية واستقرارا ومفيدا للطرفين (الغربي والإفريقي).. كما أنه يجب على القادة والدول الإفريقية بالتوازي مع ذلك إدراك هذه الفرصة السانحة، وتوجيه قراراتهم نحو مسار إيجابي لتحقيق التنمية المستدامة بما يخدم بلادهم.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فاجنر أفريقيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولایات المتحدة الدول الإفریقیة فورین بولیسی

إقرأ أيضاً:

ترامب: لن ننشر الديمقراطية تحت تهديد السلاح بعد الآن.. ليست مهمة الجيش

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الجيش الأمريكي لن يطبق الديمقراطية تحت تهديد السلاح بعد الآن.

وأضاف ترامب خلال كلمة في حفل تخريج طلبة الأكاديمية العسكرية الأمريكية، "ليست مهمة الجيش الأمريكي تقديم عروض لتغيير ثقافة الدول الأخرى أو نشر الديمقراطية تحت تهديد السلاح".

وأضاف الرئيس الأمريكي أن مهمة الجيش هي «السيطرة على التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة وتدميرها، مشيرا إلى أن الجيش الأمريكي يدرس أساليب جديدة لخوض الصراعات مستخدما مثال أوكرانيا.

وأردف، "نحن ندرس هذا الأمر، نشهد أشكالا أخرى من الحرب. طائرات مسيرة تصيب بدقة وبسرعة عالية. لم نر شيئا كهذا من قبل، ونحن نتعلم منه".

وفي وقت سابق، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات مثيرة للجدل، لجي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحدث فيها عن مدى نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في بناء ديمقراطيات في منطقة الشرق الأوسط، مركزا على أهم ما حدث في جولة ترامب في السعودية وقطر والإمارات.

وقال فانس: "عوضا عن تركيز طاقاتنا للاستجابة إلى ظهور منافسين جدد مثل الصين، زعماؤنا اختاروا ملاحقة ما افترضوا أنه عمل سهل بالنسبة لأقوى دولة بالعالم، كم سيكون صعبا بناء بعض الديمقراطيات في الشرق الأوسط؟ حسنا، كما تبين، فإن ذلك مستحيل تقريبا، ومكلف بصورة لا تصدق، ولم يكن سياسيونا هم من يتحمل تداعيات مثل هذا الخطأ بالتقدير والحساب بل كان الشعب الأمريكي وبنحو تريليون دولار.."

Vice President @JDVance gives the Commencement Speech at the U.S. Naval Academy: “No more undefined missions, no more open-ended conflicts — we’re returning to a strategy grounded in realism and protecting our core national interests.” ???????? pic.twitter.com/EVWkHVzJWQ — Vice President JD Vance (@VP) May 23, 2025

وجاءت تصريحات فانس خلال خطاب له في الأكاديمية البحرية الأمريكية، نشرتها صفحته الرسمية بمنصة إكس، "لا مزيد من المهام غير المحددة، ولا مزيد من الصراعات المفتوحة - نحن نعود إلى استراتيجية قائمة على الواقعية وحماية مصالحنا الوطنية الأساسية".

وطالما انتقد ترامب سياسات الرؤساء الأمريكيين السابقين خصوصا في العراق وأفغانستان، واصفا قرار غزو العراق بأنه أسوأ قرار تم اتخاذه في تاريخ الولايات المتحدة، منتقدا السياسة الخارجية لبوش الابن، لبدئه الحرب في العراق بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
العراق
الشرق الأوسط
الولايات المتحدة
ترام
 

مقالات مشابهة

  • في ختام زيارته للرياض.. المبعوث الأممي يرى فرصة واقعية لتحقيق سلام شامل في اليمن
  • سفراء الدول الإفريقية يقيمون حفل استقبال بمناسبة «يوم إفريقيا»
  • هل يمكن تصنيع آيفون في الولايات المتحدة الأمريكية؟.. خبراء يجيبون
  • الاستثمار بدل العقوبات.. هل يمكن أن يشكل برنامج إيران النووي فرصة لأميركا؟
  • ترامب: لن ننشر الديمقراطية تحت تهديد السلاح بعد الآن.. ليست مهمة الجيش
  • بوتين يهنئ قادة الدول والحكومات الإفريقية بـ”يوم إفريقيا”
  • تكرار الأخطاء.. عقوبات أمريكية وموظف أممي وصناعة تمرد
  • مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب يعقد مؤتمر بعنوان "الإرهاب فى غرب إفريقيا"
  • الأمم المتحدة: مؤتمر حل الدولتين فرصة حاسمة لرسم مسار لا رجعة فيه نحو السلام
  • ???? الصورة التي قال ترامب إنها “لمزارعين بيض قتلوا في جنوب إفريقيا”.. هي في الحقيقة لحادثة في الكونغو!