لن ينسى التاريخ نصر أكتوبر 1973 وسيظل يتحدث عنه لفترة طويلة كونه ملحمة عسكرية مصرية متكاملة الأركان حدثت فى السادس من أكتوبر الذى يحتفل به بعد أيام لإحياء الذكرى الواحدة والسبعين لهذا النصر العظيم الذى حققته القوات المسلحة المصرية ضد العدو الذى كان يعتقد أنه لا يقهر فقهرناه وكسرنا أنفه.
لقد فرضت المعجزة المصرية نفسها حينذاك على كل وسائل الإعلام الدولية عامة والأمريكية خاصة التى تحدثت عنها رغم انحياز واشنطن الواضح لإسرائيل، لكن الانحياز لم يتحمل هول صدمة المفاجأة، فتصدر نصر أكتوبر عناوين مختلف وسائل الإعلام، كما علق العديد من قادة العالم على الحرب، وتبارى الأدباء فى تسجيل مراحلها المختلفة ونتائجها وكواليسها.
تحدثت الصحف العالمية عن الدهشة التى تسبب فيها الحطام المنتشر على رمال الصحراء لكل أنواع المعدات من دبابات ومدافع وعربات إسرائيلية، كما شوهدت أحذية إسرائيلية متروكة وغسيل مصرى على خط بارليف.. ووضح تماما بشهادة الصحافة العالمية أن الإسرائيليين فقدوا المبادرة فى هذه الحرب، واعترف بذلك قادتهم ومنهم الجنرال شلومو جونين قائد الجبهة الجنوبية فى سيناء.
فى هذه الحرب الشريفة، أمسكت القوات المسلحة المصرية بالقيادة الإسرائيلية وهى عارية، الأمر الذى لم تستطع إزاءه القيادة الإسرائيلية تعبئة قوات كافية من الاحتياط لمواجهة الموقف إلا بعد ثلاثة أيام.
لقد كان الرأى العام الإسرائيلى قائما على الاعتقاد بأن أجهزة مخابراته هى الأكفأ، وأن جيشه هو الأقوى، وبعد الضربة الأولى المفاجئة، التى وجهها الجيش المصرى لإسرائيل، أصبح الرأى العام الإسرائيلى يريد أن يعرف ما الذى حدث بالضبط ولماذا، والسؤال الذى كان يتردد على كل لسان فى تل أبيب هو لماذا لم تعرف القيادة الإسرائيلية بخطط مصر مسبقا!
وكانت الاجابة أن الإسرائيليين واجهوا خصما يتفوق عليهم فى كل شىء ومستعد لحرب استنزاف طويلة، كذلك واجهت إسرائيل فى نفس الوقت خصما أفضل تدريبا وأمهر قيادة.
لقد كشفت «السادس من أكتوبر» أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة - كما كانوا يحسبون - من رجال لا يقهرون، إن الثقة الإسرائيلية بعد عام 1967 قد بلغت حد الغطرسة الكريهة التى لا تميل إلى الحلول الوسط، وأن هذه الغطرسة قد تبخرت فى حرب أكتوبر، بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بنظرية الحدود الآمنة كما كان يفهمها حكام تل أبيب، وأثبتت أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يكفل بالدبابات والصواريخ، وإنما بتسوية سلمية عادلة توافق عليها مصر وشقيقاتها من الدول العربية.
لقد خاضت مصر كفاحا عادلا ضد إسرائيل دفاعا عن حقوقها، وإذا حارب المرء دفاعا عن أرضه ضد معتدٍ فإنه يخوض حربا تحريرية، أما الحرب من أجل الاستمرار فى احتلال أرض الغير التى تمارسها إسرائيل فإنها عدوان سافر.
بعد تحقيق النصر قال الزعيم أنور السادات بطل الحرب والسلام: لقد حاربنا من أجل السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام.. وهو السلام القائم على العدل.. فالسلام لا يفرض.. وسلام الأمر الواقع لا يدوم ولا يقوم.. إننا لم نحارب لكى نعتدى على أرض غيرنا بل لتحرير أرضنا المحتلة ولإيجاد السبل لاستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، لسنا مغامرى حرب.. وإنما نحن طلاب سلام.
وقال الجنرال كالمان قائد إسرائيلى فى سيناء كان الجندى المصرى يتقدم فى موجات تلو موجات وكنا نطلق عليه النار وهو يتقدم ونحيل ما حوله إلى جحيم ويظل يتقدم وكان لون القناة قانيا بلون الدم ورغم ذلك ظل يتقدم.
وقالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى زمن الحرب، إن حرب أكتوبر كارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسى وسيظل باقيا على الدوام!
كل عيد نصر ومصر بخير وشعبها وقيادتها وقواتها المسلحة فى خير وعزة وكرامة وسلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن محمود غلاب نصر أكتوبر معجزة التاريخ
إقرأ أيضاً:
ما مدى تأثير الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على اليمن؟
لن يكون اليمن بمنأى عن تأثيرات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية المشتعلة حاليًا منذ الجمعة الماضية، والمستمرة في هجمات متبادلة؛ إذ إن تطور هذه الحرب سيدفع بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية إلى مستوى من التأزيم يختلف عما سبقه؛ لا سيما في حال امتدت الحرب لإغلاق مضيق هرمز وتوتر الوضع في البحر الأحمر، خصوصًا في حال تدخلت واشنطن عسكريًا.
من المحتمل أن التحذير الروسي، اليوم الأربعاء، لواشنطن “من تقديم أي مساعدة لإسرائيل أو حتى التفكير في تقديمها”، سيجعل واشنطن تتراجع خطوة للخلف، لكن قد لا يمنعها من الدخول في الحرب، خصوصًا في حال استمرار الضربات الصاروخية الإيرانية في العمق الإسرائيلي وتضرر الأخير كثيرًا، حينها من المتوقع أن تدخل واشنطن الحلبة، لكن، في ذات التوقيت، سيكون العالم بأسره قد دخل حربًا عالمية ثالثة.
اليمن بلد أفقره جشع ساسته وحروبهم، ومشاريع الاستحواذ على قراره من الخارج الإقليمي والدولي، وعلى صعيد هذه الحرب بالتأكيد سيناله تأثيرًا سلبيًا كبيرًا مع استمرار التصعيد، وسيكون، حينها، في الخضم في حال تدخلت واشنطن في الحرب؛ لأن “أنصار الله” (الحوثيون) لن يقفوا مكتوفي اليدين، ومن المحتمل مشاركتهم في المواجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
بعيدًا عن المستوى السياسي لتأثير التصعيد، سنقف قليلًا أمام تأثير التصعيد على المستويين الإنساني والاقتصادي باعتباره يمس غالبية اليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ ففي ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الغاية في السوء في الوقت الراهن، والحرب في عامها الحادي عشر، ستزداد أحوال غالبية المجتمع سوءًا، ومن المحتمل أن ترتفع مؤشرات الجوع وسوء التغذية؛ وبالتالي المزيد من تمدد وتوطن الأوبئة والأمراض، التي تهدد الحياة والمستقبل معًا.
نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، يعتقد، في حديث إلى “القدس العربي”، أن اليمن هو الخاسر الأكبر، “والمأساة في هذه الحرب القذرة أن تكون اليمن ووحدته وكيانه الوطني مستهدفًا من أطراف الحرب كلها”.
وقال: “إن احتمال التدخل الأمريكي راجحٌ لتدمير المفاعل النووي الإيراني، وربما لما هو أبعد من ذلك؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى تمزيق وحدة إيران، وجرّ المنطقة كلها إلى الصراع”.
وأضاف: “يصبح التأثير باتعًا على المنطقة والعالم، وخاصةً الجزيرة والخليج، التي تحرص إسرائيل على جرّهما إلى الحرب والمواجهة مع إيران، لتوريط المنطقة في حرب مدمرة تُسفر عن سيادة إسرائيل وأمريكا بالمطلق”.
وأردف: “أما اليمن فهو الخاسر الأكبر، إذ يعدُّ هدفًا لإسرائيل وأمريكا وبريطانيا، والأكثر بالنسبة لإسرائيل، نظراً لكونه يعتَبَر حليفًا لإيران ومساندًا لفلسطين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود اليمن ككيان هدف رئيسي، وجرّ المنطقة إلى الحرب ليس بالمستبعد؛ فإن كياناته وثرواته تُعد هدفًا رائسًا، والمأساة في هذه الحرب القذرة أن يكون اليمن ووحدته وكيانه الوطني مستهدفًا من أطراف الحرب كلها”.
المحلل الاقتصادي اليمني، ماجد الداعري، يعتقد أن كل دول المنطقة ستكون تحت طائلة التأثيرات الاقتصادية لهذه الحرب، وسينال اليمن تأثيرات واضحة.
ويقول لـ”القدس العربي”: “اليمن وكل دول المنطقة تقع تحت التأثيرات الاقتصادية للحرب الإيرانية الإسرائيلية، بعد أن طالت المنشآت النفطية والمؤسسات الحيوية، ما يعني توقف شحنات النفط الإيراني التي كانت تصدر للمنطقة واليمن بشكل خاص، وحرمان الأسواق من استقرار إمدادات الطاقة والوقود، ما سيؤدي إلى كثرة الطلب على النفط، وبالتالي ارتفاع أسعاره عالميًا، وتكبد الدول خسائر كبيرة، نتيجة لفوارق التكلفة المضافة، إضافة إلى ارتفاع التأمين البحري، باعتبار السفن وناقلات النفط مهددة اليوم بالهجمات الإيرانية الإسرائيلية في مضيقي هرمز وباب المندب، وكل هذه الانعكاسات الاقتصادية تفاقم من الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المنهارة أساسًا من قبل في اليمن، الذي يعاني من أزمات متعددة”.