لجريدة عمان:
2025-06-06@18:54:53 GMT

أعطني مسرحا لتكتمل الثقافة

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

للمسرح وعوالمه وكواليسه غواية محببة لا يمكن إنكارها، ولقدرته التواصلية المباشرة تفوّق لا يخفى، فمنذ تقاطعنا الأول تدريجيا مع خشبة المسرح المدرسي يكبر شعور الطفل بأهمية المسرح مساحة للضوء والتفاعل معا، فضاء للتعبير الانفعالي والتنفيس الشعوري والتواصل الجماهيري، منطلقا أول للصوت الفردي والعمل الجماعي، إعجابا متصلا بالتفاعل الآسر بين شخوص المسرح من جهة، وبينهم وبين الجمهور المحب من جهة أخرى، ونكبر لتكبر غوايتنا الجميلة بالفن الذي يملك سطوتي الحضور والتأثير معا، أستذكر كل ذلك مع أصداء مهرجان المسرح العماني الذي شهدته سلطنة عمان مؤخرا بعروض مختلفة تنافسا ومشاركة على مسرح العرفان في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، مهرجان المسرح العماني في نسخته الثامنة بتنظيم وزارة الثقافة والرياضة والشباب يعود بكل صخب انتظاره وشوق المترقبين من عشاق المسرح وأهله، شوق يليق بحضوره بعد طول غياب، وما ذلك إلا لما للمسرح حقيقة من أهمية في نقل الواقع وتحدياته عبر استنطاق ثقافة الحاضر بوسائل تتجاوز الحاضر ذاته إلى عوالم تراثية تاريخية، رمزية أو سحرية متخيلة.

المسرح أبو الفنون، عبارة لم تأت عبثا، لم تأت إلا تعبيرا عن قدرة هذا الفن على استيعاب وتذويب كل الفنون الأخرى بقدرات مبدعيه ومهارات عشاقه، هذا الفن المتضمن الأدب بكل تجلياته بداية من النثر مرورا بالسرد وحواراته وصراعاته التفاعلية وصولا لكبرى الملاحم الشعرية، المتضمن مهارة القدرة على تجسيد زمان ومكان الحدث بأدق التفاصيل، السجل المحتفظ بتوثيق العصر ومعطياته من المشترك والمختلف، تسير متلهفا لحضور عرض مسرحي وأنت تدرك أنك ستعيش تجربة متكاملة مختلفة لن تعدم فيها متعة الفنون جميعها من موسيقى وغناء ورسم وتمثيل، تسير متيقنا من فوزك بالمتعة والفائدة معا.

لكن هل المسرح متعة وحسب؟ هل يمكن لهذا السؤال ألا يكون مستهجنا بعد التأكيد على تضمن العرض المسرحي مجموعة من الفنون والآداب؟ فهل السرد متعة وحسب؟ هل التمثيل مجرد لهو؟ وهل الشعر محض ترفيه؟! يقينا لن تكون الإجابة بنعم، ولعلّ هذه الأسئلة وغيرها كانت منطلقا للهجوم على المسرح تاريخيا من بعض المحتجين على المسرح بادعاء عبثيته وترف حضوره، ادعاءات عرفها التاريخ لمجتمعات عرفت المسرح منذ قرون بعد إدراك أصحابها قوة تأثير العروض المسرحية في تعميق الوعي وتشكيل الرأي، منها أول حملات حظر العروض المسرحية في إنجلترا في القرن السادس عشر من قبل أعضاء البرلمان آنذاك، كل تلك التحديات التاريخية لم توقف المسرح عن أداء رسالته منذ قرون، وهي تحديات تؤكد أهميته دون أن تلغي وجوده فما كانت لتحدث لولا استشعار خطورة العروض المسرحية في قدرتها على تعميق الوعي الفكري، ونقد الذات والآخر، قدرتها على تعزيز قيم الإنسانية ومنظومة القيم الأخلاقية بعيدا عن الاستغلال والطبقية والتهميش، بل تجاوز كل ذلك لتشكيل مجتمعات فنية لاستيعاب مسرح المهمشين، والمسرح التعبيري، المسرح التاريخي والمسرح الواقعي، ثم مواكبة العصر في المسرح الفانتازي، ومن مواكبة العصر لا بد من التأكيد على ضرورة تفعيل وسائل الذكاء الاصطناعي والطفرة الرقمية خدمة لنتاج مسرحي أفضل.

كان المسرح وما زال من أهم وسائل التعليم والتثقيف، لذلك حرص المسؤولون من مثقفي الأمم على تغذية المسرح بالممكن من دعمهم فنيا (باستقطاب المهارات الإبداعية المتصلة بالمسرح، واستكتاب أفضل كتابها لتبني قضايا مجتمعية وأخرى إنسانية عامة، وتفرغ المبدعين ومشرفي العروض المسرحية)، ثم ماديا بعد فهم متطلبات المسرح ومراحل تنفيذ العمل الفني وصعوباته، وإن كان المسرح وسيلة للتثقيف والتنفيس معا -عبر ما يقدمه من صراعات درامية تصل بالإنسان إلى فهم طبيعته وإدراك صعوبات واقعه، وتمنحه القدرة على التأمل في مشكلاته النفسية وطبيعة الناس حوله - فإن ما نعيش اليوم من تحديات أولى بفسحة المسرح وفضاءاته القادرة على امتصاص الانفعالات اليومية والمرحلية والتنفيس عنها مما يمنح الفرد والمجتمع فرصة للتدبر في اتخاذ قرار التأقلم أو المواجهة.

ختاما: رغم كل ما قد يطال المسرح من ادعاءات حول عبثيته وترف حضوره، إلا أنه يثبت جدواه التثقيفية وتمثله الدرامي للواقع الحقيقي بين صراعات مأساة، ومفارقات ملهاة، قدرة المسرح على تعميق الوعي، يعول عليها، وإمكاناته التواصلية التكاملية بين أعضاء فريق العمل بمختلف أدوارهم وبينهم وبين الجمهور يُعوّل عليها، وتعزيز هذا الفن بالممكن من الدعم والدائم من تمكين يُعوّل عليه، لن يعود المرء بعد العرض المسرحي صفرا من متعة أو فائدة، (وقد يفوز بهما معا) ولا يعود هو ذاته قبل العرض؛ يعود مُتخففا من كثير أو مُثقلا بالكثير وفي الحالين هي نتيجة طبيعية لوعي مضاعف وإدراك أعمق؛ لكل ذلك ينبغي لنا جميعا أن نرحب بعودة المهرجان المسرحي بعد غياب.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العروض المسرحیة

إقرأ أيضاً:

رونالدو يعود إلى لشبونة من أجل مباراة وداعية تاريخية

خاص

كشفت تقارير صحفية برتغالية أن النجم العالمي كريستيانو رونالدو يعتزم العودة إلى ناديه الأم سبورتينغ لشبونة، في خطوة رمزية يُنتظر أن تكون محطة الوداع الأخيرة لمسيرته الكروية الأسطورية.

وبحسب ما أوردته صحيفة Record البرتغالية، فإن عودة رونالدو ليست للمشاركة في موسم كامل أو عقد جديد، بل ستقتصر على خوض مباراة وداعية خاصة تُقام في ملعب “خوسيه ألفالادي”، الذي شهد انطلاقته الاحترافية الأولى قبل أكثر من عقدين.

وتهدف هذه المباراة إلى تكريم المشوار الكبير الذي قدّمه رونالدو في الملاعب الأوروبية والعالمية، حيث من المتوقع أن تجمع هذه المناسبة بين جماهير سبورتينغ، وأساطير النادي، ونجوم سابقين من الفرق التي لعب لها رونالدو، مثل مانشستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس.

وتُشير المصادر إلى أن النجم البرتغالي وافق على الفكرة بدافع الوفاء للنادي الذي صقل موهبته، في الوقت الذي يواصل فيه عقده الحالي مع نادي النصر ، والذي ينتهي في 30 يونيو الجاري.

ويُتوقع أن تُقام المباراة عقب انتهاء موسمه الأخير في المملكة، وسط تغطية إعلامية عالمية، قد تكون بمثابة خاتمة لواحدة من أعظم المسيرات في تاريخ كرة القدم.

مقالات مشابهة

  • متعة العيد رياضة وشواء في أم القيوين
  • لأول مرة فى تاريخ جامعة حلوان.. قسم الطباعة يتأهل لنهائيات مسابقة عالمية لحلول الإنتاج الطباعي
  • "لست وحدك.. نحن أخوتك" ضمن عروض المسرح المجانية لقصور الثقافة بالغربية
  • ثقافة أسوان تستعد لتقديم عروضها المسرحية للموسم الحالى
  • الحرية والتنوع في مشاريع تخرج الفنون الصوتية والضوئية بمعهد الفنون المسرحية
  • بيئة دمشق ومؤسسة مناخنا تحتفلان بيوم البيئة العالمي
  • رونالدو يعود إلى لشبونة من أجل مباراة وداعية تاريخية
  • الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن عقب زيارته للإمارات
  • إلغاء طلب عروض المراكز التقنية.. قيوح: لا علم لي بمقاضاتي وأنا سياسي اسألوا "نارسا" عن ما هو تقني
  • تبوك تسجل حراكًا تجاريًّا نشطًا استعدادًا لعيد الأضحى