لجريدة عمان:
2025-12-08@04:06:09 GMT

أعطني مسرحا لتكتمل الثقافة

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

للمسرح وعوالمه وكواليسه غواية محببة لا يمكن إنكارها، ولقدرته التواصلية المباشرة تفوّق لا يخفى، فمنذ تقاطعنا الأول تدريجيا مع خشبة المسرح المدرسي يكبر شعور الطفل بأهمية المسرح مساحة للضوء والتفاعل معا، فضاء للتعبير الانفعالي والتنفيس الشعوري والتواصل الجماهيري، منطلقا أول للصوت الفردي والعمل الجماعي، إعجابا متصلا بالتفاعل الآسر بين شخوص المسرح من جهة، وبينهم وبين الجمهور المحب من جهة أخرى، ونكبر لتكبر غوايتنا الجميلة بالفن الذي يملك سطوتي الحضور والتأثير معا، أستذكر كل ذلك مع أصداء مهرجان المسرح العماني الذي شهدته سلطنة عمان مؤخرا بعروض مختلفة تنافسا ومشاركة على مسرح العرفان في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، مهرجان المسرح العماني في نسخته الثامنة بتنظيم وزارة الثقافة والرياضة والشباب يعود بكل صخب انتظاره وشوق المترقبين من عشاق المسرح وأهله، شوق يليق بحضوره بعد طول غياب، وما ذلك إلا لما للمسرح حقيقة من أهمية في نقل الواقع وتحدياته عبر استنطاق ثقافة الحاضر بوسائل تتجاوز الحاضر ذاته إلى عوالم تراثية تاريخية، رمزية أو سحرية متخيلة.

المسرح أبو الفنون، عبارة لم تأت عبثا، لم تأت إلا تعبيرا عن قدرة هذا الفن على استيعاب وتذويب كل الفنون الأخرى بقدرات مبدعيه ومهارات عشاقه، هذا الفن المتضمن الأدب بكل تجلياته بداية من النثر مرورا بالسرد وحواراته وصراعاته التفاعلية وصولا لكبرى الملاحم الشعرية، المتضمن مهارة القدرة على تجسيد زمان ومكان الحدث بأدق التفاصيل، السجل المحتفظ بتوثيق العصر ومعطياته من المشترك والمختلف، تسير متلهفا لحضور عرض مسرحي وأنت تدرك أنك ستعيش تجربة متكاملة مختلفة لن تعدم فيها متعة الفنون جميعها من موسيقى وغناء ورسم وتمثيل، تسير متيقنا من فوزك بالمتعة والفائدة معا.

لكن هل المسرح متعة وحسب؟ هل يمكن لهذا السؤال ألا يكون مستهجنا بعد التأكيد على تضمن العرض المسرحي مجموعة من الفنون والآداب؟ فهل السرد متعة وحسب؟ هل التمثيل مجرد لهو؟ وهل الشعر محض ترفيه؟! يقينا لن تكون الإجابة بنعم، ولعلّ هذه الأسئلة وغيرها كانت منطلقا للهجوم على المسرح تاريخيا من بعض المحتجين على المسرح بادعاء عبثيته وترف حضوره، ادعاءات عرفها التاريخ لمجتمعات عرفت المسرح منذ قرون بعد إدراك أصحابها قوة تأثير العروض المسرحية في تعميق الوعي وتشكيل الرأي، منها أول حملات حظر العروض المسرحية في إنجلترا في القرن السادس عشر من قبل أعضاء البرلمان آنذاك، كل تلك التحديات التاريخية لم توقف المسرح عن أداء رسالته منذ قرون، وهي تحديات تؤكد أهميته دون أن تلغي وجوده فما كانت لتحدث لولا استشعار خطورة العروض المسرحية في قدرتها على تعميق الوعي الفكري، ونقد الذات والآخر، قدرتها على تعزيز قيم الإنسانية ومنظومة القيم الأخلاقية بعيدا عن الاستغلال والطبقية والتهميش، بل تجاوز كل ذلك لتشكيل مجتمعات فنية لاستيعاب مسرح المهمشين، والمسرح التعبيري، المسرح التاريخي والمسرح الواقعي، ثم مواكبة العصر في المسرح الفانتازي، ومن مواكبة العصر لا بد من التأكيد على ضرورة تفعيل وسائل الذكاء الاصطناعي والطفرة الرقمية خدمة لنتاج مسرحي أفضل.

كان المسرح وما زال من أهم وسائل التعليم والتثقيف، لذلك حرص المسؤولون من مثقفي الأمم على تغذية المسرح بالممكن من دعمهم فنيا (باستقطاب المهارات الإبداعية المتصلة بالمسرح، واستكتاب أفضل كتابها لتبني قضايا مجتمعية وأخرى إنسانية عامة، وتفرغ المبدعين ومشرفي العروض المسرحية)، ثم ماديا بعد فهم متطلبات المسرح ومراحل تنفيذ العمل الفني وصعوباته، وإن كان المسرح وسيلة للتثقيف والتنفيس معا -عبر ما يقدمه من صراعات درامية تصل بالإنسان إلى فهم طبيعته وإدراك صعوبات واقعه، وتمنحه القدرة على التأمل في مشكلاته النفسية وطبيعة الناس حوله - فإن ما نعيش اليوم من تحديات أولى بفسحة المسرح وفضاءاته القادرة على امتصاص الانفعالات اليومية والمرحلية والتنفيس عنها مما يمنح الفرد والمجتمع فرصة للتدبر في اتخاذ قرار التأقلم أو المواجهة.

ختاما: رغم كل ما قد يطال المسرح من ادعاءات حول عبثيته وترف حضوره، إلا أنه يثبت جدواه التثقيفية وتمثله الدرامي للواقع الحقيقي بين صراعات مأساة، ومفارقات ملهاة، قدرة المسرح على تعميق الوعي، يعول عليها، وإمكاناته التواصلية التكاملية بين أعضاء فريق العمل بمختلف أدوارهم وبينهم وبين الجمهور يُعوّل عليها، وتعزيز هذا الفن بالممكن من الدعم والدائم من تمكين يُعوّل عليه، لن يعود المرء بعد العرض المسرحي صفرا من متعة أو فائدة، (وقد يفوز بهما معا) ولا يعود هو ذاته قبل العرض؛ يعود مُتخففا من كثير أو مُثقلا بالكثير وفي الحالين هي نتيجة طبيعية لوعي مضاعف وإدراك أعمق؛ لكل ذلك ينبغي لنا جميعا أن نرحب بعودة المهرجان المسرحي بعد غياب.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العروض المسرحیة

إقرأ أيضاً:

بعد فوزه كأول مصري بجائزة قرطاج المسرحية.. أحمد أبوزيد: أشعر بسعادة كبيرة

قال الفنان أحمد أبو زيد، إنه يشعر بسعادة كبيرة بعد حصوله على جائزة مهرجان قرطاج المسرحي عن دوره في مسرحية «سقوط حر»، مضيفا: «الحمد لله ده توفيق من عند ربنا وفضل كبير، ومبسوط جدًا إني معاكم النهارده».

انطلاق فعاليات الدورة 26 من مهرجان قرطاج المسرحي

وأكد أبو زيد، خلال لقائه على قناة القاهرة الإخبارية، أنه اكتشف لاحقًا أنه «أول مصري يحصل على الجائزة في تاريخ المهرجان»، موضحا أن مهرجان قرطاج، في دورته الـ 26، يُعد من أكبر المهرجانات المسرحية في الوطن العربي، وكانت الجائزة دائمًا تذهب لفنانين آخرين من دول عربية مختلفة، قائلاً: «الحمد لله إن الجائزة السنة دي جات لمصر».

وأشار الفنان إلى أن ردود الفعل بعد العرض كانت قوية، وقد لمس حجم التأثير والصدَى الكبير لأدائه في المسرحية، قائلا إن الفوز يمثل حافزًا كبيرًا له للاستمرار في تقديم أعمال مميزة تليق باسم مصر في المحافل العربية والدولية.
 

طباعة شارك قرطاج المسرحية سقوط حر الفنان أحمد أبو زيد

مقالات مشابهة

  • قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق الملتقى الأول للطفل وقوافل المسرح المتنقل بسيوة
  • أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق الملتقى الأول للطفل .. قوافل المسرح المتنقل بسيوة.. ومعرض تجربة شخصية بكفر الشيخ
  • عمرو سلامة يُحذّر: غياب الزمالك سيقتل متعة الدوري المصري.. لهذه الأسباب
  • إعلان العروض المسرحية لمهرجان الرياض
  • شراكة أكاديمية بين جامعة الرياض للفنون وجامعة جنوب كاليفورنيا
  • انطلاق الدورة الثالثة من مهرجان المنيا الدولي للمسرح بحضور جلال والعيلي
  • مسابقة مسرحية كبرى تُعيد إحياء الفرعون الذهبي على خشبة المسرح
  • مصر تنضم كعضو مؤسس إلى التحالف الدولي لتعليم السينما وفنون الإعلام
  • بعد فوزه كأول مصري بجائزة قرطاج المسرحية.. أحمد أبوزيد: أشعر بسعادة كبيرة
  • مصر تنضم كعضو مؤسِّس للتحالف الدولي لتعليم السينما وفنون الإعلام