سبب تسمية مكة المكرمة بـ "أم القرى" وبيان الحكمة من ذلك
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
قالت دار الإفتاء إن حِكمة الله تعالى وسُنَّته جرت على تفضيل بعض المخلوقات على بعض، وكذا في الأمكنة والأزمنة؛ فقد فضَّل الله تعالى جنس الإنسان من بني آدم على سائر مخلوقاته، فجعله مكرمًا مصانًا؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، ثم اصطفى مِن بين ذرية آدم وبَنيه الأنبياء والرسل، فجعلهم محلَّ وحيه وتجلي رسالته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]، ولم يقتصر ذلك التفضيل على الأشخاص بل جرى في الأمكنة؛ ففضَّل الله تعالى مكة المكرمة على غيرها من بقاع الأرض، فجعلها مركز الأرض، وأشرف البقاع وأجلَّها.
وأضافت الدار : ولما كانت كثرة الأسماء وتعددها دليلًا على شرف المسمى ومكانته، بلغت مكة من كثرة الأسماء ما لم يماثله فيه غيرها من القرى والبلدان إلا المدينة المنورة.
قال الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 332، ط. دار الفكر): [واعلم أنَّ كثرة الأسماء تدل على عِظَم المسمَّى؛ كما في أسماء الله تعالى، وأسماء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نعلم بلدًا أكثر أسماء مِن مكة والمدينة؛ لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية] اهـ.
ومن الأسماء التي اختصت بها مكة المكرمة "أم القرى"؛ حيث قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: 92]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: 7].
وللعلماء في بيان سبب تسميها بأم القرى عدة تفسيرات ومنها:
أنها سميت بذلك؛ لأن الأرض دحيت من تحتها، أي: بسطت، فصارت كأنها تولدت عنها كما يتولد الأبناء عن الأم؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (1/ 108، مؤسسة الرسالة): [وقد قيل إن مكة سميت "أمَّ القُرى"؛ لتقدُّمها أمامَ جميعِها، وجَمْعِها ما سواها. وقيل: إنما سُميت بذلك؛ لأن الأرض دُحِيَتْ منها فصارت لجميعها أمًّا] اهـ.
وقال العلامة مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (3/ 2102، ط. جامعة الشارقة): [وأم القرى: مكة، (ومن حولها): شرقًا وغربًا. وسميت: "أُمَّ القرى"؛ لأن الأرض دُحيت منها، أي: بُسِطَت] اهـ.
ومنها: أنها سميت بذلك؛ لكونها أعظم القرى شأنًا، فجميع الناس والقرى يقصدونها ويؤمونها فصارت لهم بمنزلة الأم، أو لأن أول بيت وضع للناس كان بها؛ قال العلامة الزَّجَّاجُ في "معاني القرآن وإعرابه" (2/ 271، ط. عالم الكتب): [وأُمُّ الْقُرَى مكة؛ سميت أُمَّ الْقُرَى لأنها كانت أعظم القرى شأنًا] اهـ.
وقال العلامة السمرقندي في "بحر العلوم" (1/ 501، ط. دار الكتب العلمية): [وإنما سميت أم القرى؛ لأن الأرض كلها دُحِيَتْ من تحت الكعبة. ويقال: لأنها مثلث قبلة للناس جميعًا، أي: يؤمونها. ويقال: سميت أم القرى؛ لأنها أعظم القرى شأنًا ومنزلة] اهـ.
وقال العلامة ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1345، ط. نزار مصطفى الباز): [أما أم القرى فهي مكة، وإنما سميت أم القرى لأن أول بيت وضع بها] اهـ.
ومنها أنها سميت بذلك؛ لكونها أقدم القُرى وأشهرها؛ قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 372، ط. الدار التونسية): [وإنما سميت مكة أم القرى؛ لأنها أقدم القرى وأشهرها، وما تَقَرَّتِ القرى في بلاد العرب إلَّا بعدها، فسماها العرب أم القرى، وكان عرب الحجاز قبلها سكان خيام] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء مكة المكرمة أم القرى الإفتاء الله تعالى قال تعالى أم القرى ال ق ر ى م القرى سمیت أ
إقرأ أيضاً:
وحدات صحية مغلقة وخدمات متقطعة في قرى كفر الشيخ
تمثل الوحدات الصحية في قرى محافظة كفر الشيخ أحد المكونات الأساسية لمنظومة الرعاية الصحية الأولية، وتقدّم خدمات طبية متنوعة تشمل التطعيمات، ومتابعة الحمل، وعلاج الأمراض المزمنة، والرعاية الوقائية.
وفي السنوات الأخيرة، برزت ملاحظات عدة من جانب المواطنين والعاملين في القطاع الصحي بشأن مستوى الخدمة داخل بعض الوحدات، تتعلق بتوافر الكوادر الطبية، وانتظام العمل، وتوفير الأدوية الضرورية.
ويأتي هذا في وقت تعمل فيه الجهات المعنية على تنفيذ خطط لتطوير الخدمات وتحسين البنية التحتية الصحية في مختلف مراكز المحافظة.
بحسب الإحصاءات الرسمية لمحافظة كفر الشيخ، يُقدر عدد السكان بنحو 3.7 مليون نسمة حتى 2023، ويعيش غالبية هؤلاء في الريف، ما يعني أن مئات الآلاف من أهل القرى والعُزل يعوّلون على شبكة الوحدات الصحية.
على سبيل المثال، مركز دسوق وحده الذي يضم 34 قرية أم و268 تابع/عزبة يبلغ عدد سكانه حوالي 650 ألف نسمة، ما يعكس حجم الضغط على الوحدات الصحية في هذا المركز وحده.
هذه الأرقام تساعد على فهم مدى اعتماد المواطنين على الخدمة الصحية في القرى، وتأثير أي تقصير أو نقص في الكوادر أو الأدوية.
في إحدى قرى مركز دسوق، توقفت الحاجة فاطمة أمام باب الوحدة الصحية الصغيرة تطرق الباب بعصاها الخشبية، ولم يفتح لها أحد، وأخبرها الجيران أن الطبيب لن يحضر هذا الأسبوع إلا يوم الخميس.
قالت الحاجة فاطمة كنت جاية أقيس الضغط وأخذ العلاج، لكن الوحدة مغلقة.. هل نحن نمرض بمواعيدهم ؟ .
ويتكرر هذا المشهد في عدة قرى، حيث تحولت أغلب الوحدات الصحية إلى مبانٍ إدارية بلا حياة، وتزايدت شكاوى المواطنين من نقص الأدوية الأساسية.
وقال أحمد عبد الله، موظف من مركز مطوبس أذهب للوحدة لطلب دواء السكر، يقولون غير متوفر، وأضطر لشرائه من الصيدلية الخاصة بأسعار مرتفعة.
الحاجة زينب، 70 عامًا، أوضحت الوحدة جنب البيت وتريحنا، لكن لو لم أجد الطبيب والأدوية، أضطر للذهاب للمستشفى البعيد.
أما أم محمود ربة منزل فقالت نذهب أحيانًا لتطعيم الأطفال، فتجد الثلاجة معطلة أو لا توجد أمصال كافية.
بحسب أرقام مديرية الصحة بكفر الشيخ وتقارير سابقة، يتجاوز عدد الوحدات الصحية 280 وحدة موزعة على المراكز والقرى، لكن خطة التأمين الصحي الشامل تشير إلى 207 وحدة فقط، وهو تفاوت يعكس غياب قاعدة بيانات موحدة، ويثير تساؤلات حول توزيع الأطباء والأدوية.
طبيب شاب يعمل بوحدة صحية بإحدى قرى بيلا قال إن العمل في الريف مرهق، والمرتبات منخفضة، ومن الطبيعي أن يسعى الأطباء للعمل في مستشفيات أكبر أو فتح عيادات خاصة.
بينما أشار طبيب امتياز بجامعة كفر الشيخ التوزيع الحالي مؤقت، والحل يتطلب تعيينات وحوافز حقيقية.
الصيدلانية سهيلة عبد النبي أوضحت أن المواطنين يشكون من غياب الخدمات الأساسية، رغم المباني الحديثة، وقالت المباني لامعة والأبواب مغلقة، بينما المفاتيح للخدمة أحيانًا تبقى في جيوب الأطباء.
وأشادت عبد النبي بالمبادرات الرئاسية في القطاع الصحي، لكنها شددت على ضرورة تفعيل دور الوحدات الصحية لضمان استمرار هذه النجاحات.
14 وحدة صحية حصلت خلال العامين الأخيرين على شهادة الاعتماد من هيئات الجودة، لكن غياب الأطباء أو نقص الأدوية لا يزال مشكلة أساسية.
قال ممرض بإحدى الوحدات بقرية الجزار مركز بيلا لدينا أجهزة جديدة لكن لا يوجد أطباء لتشغيلها، والمواطنون لا يجدون الخدمة المطلوبة.
المحافظة تسعى لتطوير الوحدات وربطها بالمستشفيات المركزية، وتفعيل السجل الطبي الموحد، والتعاون مع جامعة كفر الشيخ لتوفير أطباء متدربين بشكل دوري، لكن هذه الجهود تواجه تحديًا يوميًا يتمثل في غياب الاستدامة، فالمباني قد تُجهّز، لكن الخدمة تعتمد على العنصر البشري.
حلول
تحفيز الأطباء للعمل في القرى بحوافز مالية وسكنية. ضمان توافر الأدوية الأساسية بآلية توزيع صارمة. متابعة ميدانية حقيقية للوحدات بعيدًا عن التقارير المكتبية، تطوير البنية التحتية وصيانة المباني والأجهزة باستمرار.
وأشار خبراء إلى أن الوحدات الصحية بدون طبيب ودواء تصبح مجرد جدران، بينما يحتاج المواطن في القرى إلى خدمة بسيطة وآمنة على عتبة منزله.
التحدي الحقيقي الآن هو تحويل هذه الوحدات من "مفاتيح معلقة في جيوب الأطباء" إلى مراكز حياة تضخ الصحة والأمان في شرايين الريف، مع قاعدة بيانات موحدة ومتابعة دقيقة لضمان استدامة الخدمات.
ويؤكد خبراء أن إصلاح الوحدات الصحية في كفر الشيخ يتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات أهمها تحفيز الأطباء للعمل في الريف عبر حوافز مالية وسكنية، ضمان توافر الأدوية الأساسية بآلية توزيع صارمة، متابعة ميدانية حقيقية للوحدات بعيدًا عن التقارير المكتبية، تطوير البنية التحتية بما يشمل صيانة المباني والأجهزة باستمرار.
وأضافوا أن كفر الشيخ قد تمتلك مبان جديدة وأجهزة لامعة، لكن دون طبيب حاضر ودواء متوفر، تبقى الوحدة الصحية مجرد جدران، والمواطن في القرى يريد خدمة بسيطة وآمنة على عتبة منزله، لا أكثر. التحدي الحقيقي الآن هو تحويل هذه الوحدات من "مفاتيح معلّقة في جيوب الأطباء" إلى مراكز حياة تضخ صحة وأمان في شرايين الريف.
وتساءلوا كيف يمكن توحيد قاعدة بيانات دقيقة للوحدات الصحية في المحافظة؟ وهل تكفي خطط الاعتماد والتجديد دون معالجة نقص الأطباء والتمريض؟ وما مصير الأدوية غير المتوفرة؟ ومن يضمن وصولها للمحتاجين بانتظام ؟ .